الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوَصِيَّةُ الخُرَافيَّةُ المُزمِنَةُ
ولعل أشهرَ ما زَوَّرَهُ الكذَّابُونَ، وروَّجه الأفاكونَ -الوصيةُ المنحولة المنسوبة إلى الشيخ أحمد، حامل مفاتيح حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيها يزعم أنه رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلم في رؤيا، وأخبره بوصية يُبَلِّغُهَا أمته، وتحتوي هذه الوصية على سلسلةٍ من الوعود بالخير والبركة على من يكتب منها ثلاثين نسخة، وُيوَزِّعُهَا على معارفه، والتهديد بنزول النكبات والمصائب على من يهملها ولا يكتبها. ومن العجيب أن هذه الخرافة "مزمنة"، لا تكاد تخبو منذ أن ظهرت قبل عشرات السنين، فهي تعود إلى الانتشار من حين لآخر، متجاوزة حُدود التاريخ والجغرافيا، فمِن ثمَّ تعاقب العلماء على تناولها بالنقض والإبطال، ومنهم الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله تعالى (ت 1365 هـ)؛ حيث قال رحمه الله في شأنها:
"إننا نتذكر أننا رأينا مثل هذه الوصية منذ كنا نتعلم الخط والتهجي إلى الآن مرارًا كثيرة، وكلها معزوة كهذه إلى رجل اسمه الشيخ أحمد خادم الحجرة النبوية، والوصية مكذوبة قطعًا، لا يختلف في ذلك أحد شَمَّ رائحة العلم والدين، وإنما يصدقها البلداء من العوامِّ الأميين، ولا شك أن الواضع لها من العوامِّ الذين لم يتعلموا اللغة العربية؛ ولذلك وضعها بعبارة عامِّيَّة سخيفة، لا حاجة إلى بيان أغلاطها بالتفصيل؛ فهذا الأحمق المفتري ينسب هذا الكلام السخيف إلى أفصح الفصحاء، وأبلغ البلغاء صلى الله عليه وسلم، ويزعم أنه وجده بجانب الحجرة النبوية مكتوبًا بخط أخضر، يريد أن النبي الأمي هو الذي كتبه، ثم يتجرأ بعد هذا على تكفير من أنكره؛ فهذه المعصية هي أعظم من جميع المعاصي التي يقول: إنها فشت في الأمة، وهي الكذِبُ على الرسول عليه الصلاة والسلام، وتكفير علماء أمته، والعارفين بدينه، فإن كل واحد منهم يكذِّب واضع هذه الوصية بها، وقد قال المحدِّثون: إن قوله -صلى الله
عليه وسلم-: "مَنْ كَذَبَ عليَّ مُتَعَمِّدًا؛ فَلْيَتَبَوَّأ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ"، قد نُقِلَ بالتواتر، ولا شك أن واضع هذه الوصية مُتَعَمِّدٌ لكذبها، ولا ندري أهناك رجل يُسَمَّى الشيخ أحمد أم لا؟
أما تَهَاوُنُ المسلمين في دينهم، وتركهم الفرائض والسنن، وانهماكهم في المعاصي؛ فهو مُشَاهَدٌ، وآثار ذلك فيهم مشاهدة، فقد صاروا وراء جميع الأمم، بعد أن كانوا بدينهم فوق جميع الأمم، ولا حاجة لمن يريد نصيحتهم بالكذب على الرسول، ووضع الرؤى التي لا يجب على من رآها أن يعتمد عليها شرعًا، بل لا يجوز له ذلك إلا إذا كان ما رآه موافقًا للشرع؛ فالكتاب والسنة الثابتة بين أيدينا، وهما مملوءَانِ بالعِظَاتِ والعبر، والآيات والنذر" (1).
* وممن تناولها بالرد والإبطال مجلة "نور الاسلام"(2)؛ إذ جاء فيها:
بُلِيَ الإسلام بأشخاص يتخذون من الافتراء عليه طرقًا للتنفير منه، أو حبائل لاصطياد شيء من المال، ومن هذا القبيل صحيفة تشتمل على حكاية رؤيا منسوبة لشخص يُسَمِّي نفسه الشيخ أحمد خادم الحجرة النبوية، وقد اخْتُرِعَتْ هذه الأكذوبة من مدة تزيد على أربعين سنة، ولا يزال مخترعها يتعهد بها الناس في الشرق والغرب من سنة إلى أخرى، وكثيرًا ما كتب أهل العلم في تزييفها وبيان ضلالاتها، ورجاؤنا اليوم في الخطباء والوُعَّاظِ أن يُنبِّهُوا الأمة لفِريتها، وسخافة عقل من يتقبلها، وقد ورد إدارةَ المجلة مقالٌ مُحَرَّر بقلم فضيلة الأستاذ صاحب التوقيع، يكشف عن جهل كاتبها، وسوء قصده، وعظم وِزْرِهِ، وإليك ما كتب الأستاذ محمود ياسين:
لا نزال بين آونة وأخرى نسمع خبر هذه الرؤيا، ويسوؤنا أن يتهافت الناس على طبعها، ونشرها، وقراءتها، وتعليقها على الجدران؛ رغبة في الوعد الذي
(1)"فتاوى رشيد رضا"(1/ 240 - 242) بتصرف، بواسطة:"كتب حذر منها العلماء"(2/ 335، 336).
(2)
"المجلد الثالث" -الجزء الرابع- عدد ربيع الثاني 1351 هـ (ص 289) وما بعدها، بواسطة "كتب حذر منها العلماء"(2/ 339 - 347) بتصرف.
وقع فيها، وهو فوله:"ومن يُصَدِّقْ بها، يَنْجُ من عذاب النار"، وقوله:"ومن قرأها ونقلها من بلد إلى بلد؛ كان رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، وكانت له شفاعته يوم القيامة"، ورهبة من الوعيد الذي تضمنته، وهو قوله:"ومن كذَّب بها كفر"، وقوله:"ومن قرأها ولم ينقلها كان خَصْمَ النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة".
كُنَّا في سنة (1321) هجرية نَشَرْنَا في الجزء السادس من المجلد الثالث من مجلة "الحقائق"؛ ردًّا مُمْتِعًا على هذه الفِرية، وحَذَّرْنَا الناسَ من الوثوق بها، والاغترار بوعودها، ووَقَعَ إذ ذاك في خَلَدِنَا أنَّ صاحب هذه النشرة سيرتدع عن إعادة نشرها، وأنَ الناس سيُعْرِضُونَ عنها، ولا يلتفتون بعد هذا إليها، ولكن خاب ما ظَنَنَّا، ولم نبلغ ما أملنا؛ فالكاذب لا يزال الفينةَ بعد الفينةِ ينشر فِريته، ويذيع كذبته بين الناس، وهم لا يزالون يُقْبِلُونَ عليها، ويتقبلون ما فيها من تُرَّهَاتٍ وتغريرٍ بالقبول الحسن، والعناية اللازمة.
ثم إن ناشرها -جريًا مع الأيام- قد عاد عليها بالتشذيب والتهذيب؛ فَنَقَّحَ وصَحَّحَ، وحذف منها كثيرًا من المفتريات التي كنا نبهنا عليها مثل قوله:"كنت ليلة الجمعة في اليوم الثاني والعشرين من شهر صفر الخير سنة كذا -مضطجعًا على وضوء كامل" إلخ، وقوله:"استحيت (كذا) من الله عز وجل وهو يقول لي: يا محمد، لأبدلن وجوههم، وأعذبهم عذابًا شديدًا. فقلت: يا رب، أمهلهم حتى أنذرهم وأبلغهم" إلخ، وقوله:"يا أحمد، إنهم قد سُلِبَ إيمانهم من كثرة الزنى"
…
إلخ، وقوله:"يا أحمد، إن تارك الصلاة لا تمشوا بجنازته"، وقوله:"ومن اطلع عليها ولم يخبر بها الناسَ كان وجهُه مُسْوَدُّا يوم القيا مة " إلخ، وقوله:"ومن كذَّب ولم يُصَدِّقْ بها -يعني الوصية- فهو ملعون، ثم ملعون، ثم ملعون"
…
إلخ، وقوله:"من بعد ألف وثلاث ومائة وأربعين سنة يخرجن (كذا) النساء من بيوتهن إلى الأسواق، من غير إذن أزواجهن" إلخ، وقوله: "وبعد ألف وثلاث مائة وخمسين ينزل من السماء مطر كبيض الدجاج،