المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

المواضع لمن حَقَّقَهُ وفَهِمَهُ، واللَّه المُوَفِّقُ للصواب" اهـ (1).   ‌ ‌فَصلٌ ثم قال - أصول بلا أصول

[محمد إسماعيل المقدم]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الفصل الأول سُلطَانُ المَنَامَاتِ

- ‌تعريف الرؤيا:

- ‌نقد موقف المدرسة النفسية المادية من المنامات

- ‌فرويد" لم يعرف من الرؤى إلا أضغاث الأحلام:

- ‌يقول الأستاذ الدكتور "سعد الدين السيد صالح" في معرض نقده نظرية الأحلام الفرويدية:

- ‌ويقول الدكتور عمر الأشقر -حفظه اللَّه

- ‌القول الفصل، والمنهج الوسط في شأن الرؤى

- ‌تنبيه: حول معنى كون الرؤيا جزءًا من النبوة:

- ‌غلو المُفرِطين في شأن الرُّؤى

- ‌نماذج واقِعِيَةٌ مِن انحِرَاف النَّاسِ في التَّعَامُلِ مَعَ المَنَامَاتِ

- ‌ دِمَاءُ المُسْلِمِينَ لَا تُسْفَكُ بِالأَحْلامِ:

- ‌ لا يُطعَنُ في الرَّاوِي بِمجرد منام:

- ‌الرُّؤْيَا تَسُرُّ، وَلَا تَغرُّ:

- ‌الفراغ" من أسباب ظاهرة الاستغراق في المنامات

- ‌مَنَامَات في خدمَةِ البِدَعِ والضَّلَالَاتِ

- ‌ قال ابن عربي:

- ‌ وزعم ابْنُ الفَارِضِ:

- ‌أما البوصيري صاحب "البردة" فيقول:

- ‌ الأمِيرُ بُرهَان نظَام شَاه:

- ‌ عَصَا العَيدَرُوسِ:

- ‌أضرِحَةُ المنَامَاتِ .. والمَزَارَات المُزَوَّرَات

- ‌هذه الظَّاهِرَةُ .. إلى متى

- ‌ثم لماذا رقم (13)

- ‌رُؤيَة رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في المَنَامِ

- ‌فائدة:

- ‌نَمَاذِجُ مِن الاستِغلَالِ السَّيِّئ لِمَا يزُعَمُ مِن رُؤيَةِ النبي صلى الله عليه وسلم في المَنَامِ

- ‌الوَصِيَّةُ الخُرَافيَّةُ المُزمِنَةُ

- ‌ من افتِرَاءَاتِ صَاحِبِ الوصيةِ المَزعُومَةِ:

- ‌الرؤيا ليست حجة شرعية

- ‌الأدلة على أن الرؤيا ليست، مصدرًا للتشريع:

- ‌قول الإمام أبي إسحاق الشاطبي

- ‌1 - قال الإمام أبو إسحاق الشاطبي رحمه الله تعالى

- ‌نصوص أُخَر لبعض أهل العلم في المسألة

- ‌وأخيرًا إليك هذه الوقائع:

- ‌الأولى:

- ‌الثانية:

- ‌الثالثة:

- ‌الرؤيا والاستخارة

- ‌دلالة رؤى الأنبياء على الأحكام

- ‌رؤى الأنبياء عليهم السلام:

- ‌من فوائد الرؤى

- ‌أولًا: البشارة والنذارة

- ‌ثانيًا: الرؤيا قد تصحح مسار حياة الإنسان

- ‌ثالثًا: الرؤى دليل على بقاء الأرواح بعد فناء الأبدان

- ‌رابعًا: الرؤى وسيلة تواصل مع الأموات

- ‌خامسًا: وقد تفيد الرؤية تزكية بعض الصالحين، وذم من سواهم

- ‌سادسًا: وقد تكون الرؤية وسيلة لاكتشاف ما ينفع البشر

- ‌الفصل الثاني دَلَالَات خوارِقِ العَادَاتِ

- ‌وخَرقُ العَادَةِ أَنوَاعٌ

- ‌بَينَ المعُجِزَةِ والكرامَةِ

- ‌الكرَامَةُ تَدُلُّ عَلَى الوَلَايَةِ، لَكِنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى العِصمَةِ

- ‌من ضَوَابِطِ الحُكمِ عَلَى خَرقِ العَادَةِ النَّظَرُ فيِ سِيَرةِ واستِقَامَةِ مَن خُرِقَتْ لَهُ

- ‌مِن شُرُوطِ الكرَامَةِ

- ‌خَرقُ العَادَةِ بمُجَرَّدِهِ لا يَدُلُّ عَلَى الوَلَايَةِ

- ‌مَنِ القادِرُ عَلَى التَّمييزِ بَينَ "الأَحوَالِ الرَّحمانِيَّةِ" وَ "الأَحوَالِ الشَّيطَانِيَّةِ

- ‌أَمثِلَةٌ مِنَ الأَحوَالِ الشَّيطَانِيَّةِ

- ‌التَّفْرِيقُ بَيْنَ كَرَامَاتِ الْأَوْليَاءِ وَالأحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ:

- ‌حِيَلٌ لَا خَوَارِقُ

- ‌الإمام شهاب الدين القرافي وحِيل النصارى

- ‌ابن تيمية يكشف حِيَلَ الرهبان

- ‌الفَصل الثَّالِث دَعوَى رُؤيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَقَظَةً بَعدَ وَفَاتِه وَالتَّلَقِّي عَنهُ مُبَاشَرَةً

- ‌أ- ذِكْرُ جُمْلَةٍ مِنْ نُصُوص التِّجَانية تُصَرِّحُ بِإِيمَانِهِمْ بِرؤْيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَقَظَةً بَعْدَ مَوْتِهِ، فِي الدُّنيَا:

- ‌ب- ذِكرُ أَدلَّتِهِمْ وَمُنَاقَشَتُهَا:

- ‌الدَّلِيلُ الأَوَّلُ:

- ‌الدليل الثَّاني للتِّجانية:

- ‌ المناقشة:

- ‌ليس كلُّ مُمكنٍ يقعُ في الوجود

- ‌الدَّلِيلُ الثَّالِثُ مِن أَدِلَّتِهِم:

- ‌ المناقشة:

- ‌دَلِيلُهُم الرَّابعُ:

- ‌ المناقشة:

- ‌دَليلُهُمُ الخَامِسُ:

- ‌ المناقشة:

- ‌فَصلٌ فِيمَا يَدَّعِي التِّجَانِيَّةُ تَلَقِّيَهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعدَ مَوتِهِ يَقَظَةً

- ‌المناقشة:

- ‌تَنبِيهَاتٌ:

- ‌الأوَّلُ: ذكر العلامة محمد حبيب الله الشنقيطي رحمه الله اختلاف العلماء في هذه المسألة

- ‌الثَّاني: بحسب قلة علم الرجل يُضِلُّه الشيطان:

- ‌الفَصلُ الرَّابِع الإِلهَامُ والكَشفُ والتَّحدِيث

- ‌تعريف الإلهام لغة:

- ‌تعريف الإلهام اصطلاحًا:

- ‌إلهام الأنبياء وحي

- ‌فالمقامات ثلاثة:

- ‌الأول: الإلقاء في روع الموحَى إليه

- ‌المقام الثاني: تكليم الله لرسله من وراء حجاب:

- ‌المقام الثالث: الوحي إلى الرسول بواسطة مَلَك الوحي جبريل عليه السلام

- ‌حكم مُنكِر إلهامِ الأنبياء

- ‌إلهام غير الأنبياء

- ‌أثر التقوى في تنوير البصيرة

- ‌موقف ابن تيمية من الكشف

- ‌ويُعرف خطأ الكشف عند ابن تيمية بأحد أمور

- ‌الإلهام منقوض بالمعارضة بالمثل

- ‌(قال: وهو -أي الإلهام- على ثلاث درجات:

- ‌فَصلٌ

- ‌فَصلٌ

- ‌فَصلٌ

- ‌نقد موقف أبي حامد الغزالي من الكشف والإلهام

- ‌فائدة:

- ‌لَا عِلمَ إلَّا بدَلِيلٍ أو شَاهِدٍ

- ‌ قال الإمام المحقِّقُ ابن قيم الجوزية -رحمه الله تعالى-

- ‌الصُّوفِيَّةُ والإلهَامُ

- ‌ذِكْرُ الأَدِلَّةِ علَى أنَّ الخَضِرَ نَبِيٌّ وَلَيْسَ وَليًّا فحَسْبُ:

- ‌التَّحدِيثُ وَالمُحَدَّثُونَ

- ‌الأحَادِيثُ الوَارِدَةُ في المُحَدَّثِينَ:

- ‌التَّحدِيثُ إلهَامٌ خاصٌّ

- ‌الصِّدِّيقُ أكمَلُ مِنَ المُحَدَّثِ

- ‌الفَرقُ بَينَ الفِرَاسَةِ والإلهَامِ

- ‌هل في الأُمَّةِ المُحَمَّديَّة مُحَدثَّونَ

- ‌الفَرقُ بَينَ النَّبِيِّ والمُحَدَّثِ

- ‌المُحدَّثُ يَجِبُ أن يعرضَ آراءَهُ علَى الكِتَابِ والسَّنَّةِ:

- ‌شَيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَةَ يدحَضُ مقُولَةَ: "حدَّثَني قلبِي عن رَبِّي

- ‌فَصلٌ

- ‌الفَصلُ الخَامِسُ ادِّعَاءُ لُقيَا الخَضِرِ والتَّلَقِّي عَنهُ

- ‌خُلاصَةُ التصور الصُّوفيِ للْخَضِرِ عليه السلام

- ‌نُقُولٌ عَنِ الصُّوفِيَّة فيِ لُقيَا الخَضِرِ والتَّلَقِّي عَنهُ

- ‌وقال الحافظ ابن حجر -رحمه اللَّه تعالى

- ‌إِبطَالُ دَعوَى الصُّوفِيَّةِ أَنَّ الخَضِرَ حَيٌّ

- ‌ قال العلَّامةُ القرآني محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تَعَالَى

- ‌وقال ابن الجوزي في "عجالة المنتظر في شرح حال الخضر

- ‌وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تَعَالَى

- ‌وقال الإمام أبو الحسن بن المنادي رحمه الله

- ‌وقال الإمام أبو الخَطَّابِ بن دحية رحمه الله

- ‌وقال الإمام المحقق ابن قيم الجوزية -رحمه اللَّه تعالى

- ‌وقال الألوسي -رحمه اللَّه تعالى- في موضع آخر:

- ‌وقال العلامَةُ الشيخ بكر أبو زيد -حفظه اللَّه

- ‌وَالسُّؤَالُ الآنَ:إذا صَدَقَ الذين زعموا لقيا الخَضِرِ، والخَضِرُ ميت على الراجح، فما الجواب عن حكاياتهم

- ‌قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه اللَّه تعالى

- ‌وقال أيضًا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

- ‌فَصلٌ في إبطَالِ احتِجَاجِ الصُّوفِيَّةِ بِقِصَّةِ مُوسَى وَالخَضِرِ عَلَى أنَّ الوَليَّ يَخرُجُ عَن شَرِيعَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-

- ‌وقال الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق -حفظه اللَّه تعالى

- ‌فهرس‌‌ المراجع

- ‌ ا

- ‌ب

- ‌ح

- ‌(خ)

- ‌ر

- ‌س

- ‌ز

- ‌ش

- ‌ص

- ‌ع

- ‌ط

- ‌ف

- ‌غ

- ‌(ق)

- ‌ك

- ‌ل

- ‌م

- ‌(ن)

- ‌(و)

الفصل: المواضع لمن حَقَّقَهُ وفَهِمَهُ، واللَّه المُوَفِّقُ للصواب" اهـ (1).   ‌ ‌فَصلٌ ثم قال

المواضع لمن حَقَّقَهُ وفَهِمَهُ، واللَّه المُوَفِّقُ للصواب" اهـ (1).

‌فَصلٌ

ثم قال رحمه الله:

(قال: "الدرجة الثانية: إِلْهَامٌ يقع عيانًا، وعلامة صحته: أنه لا يخرق سِتْرًا، ولا يجاوز حَدًّا، ولا يخطئ أبدًا".

الفرق بين هذا وبين الإلهام في الدرجة الأولى: أن ذلك عِلْمٌ شَبِيهٌ بالضروري الذي لا يمكن دفعه عن القلب، وهذا مُعَايَنَةٌ ومُكَاشفَةٌ، فهو فوقه في الدرجة، وأتمُّ منه ظهورًا، ونسبته إلى القلب نسبة المرئي إلى العين، وذكر له ثَلاثَ عَلَامَاتٍ:

إِحْدَاهَا: "أنه لا يخرق سِتْرًا"؛ أي صاحبه إذا كُوشِفَ بحال غير المستور عنه لا يخرق ستره، ويَكْشِفُهُ؛ خيرًا كان أو شرًّا، أو أنه لا يخرق ما ستره الله من نفسه عن الناس، بل يستر نفسه، ويستر من كُوشِفَ بحاله.

الثَّانِيَةُ: "أنه لا يُجَاوِزُ حَدًّا" يَحْتَمِلُ وجهين:

أَحْدهُمَا: أنه لا يتجاوز به إلى ارتكاب المعاصي، وتجاوز حدود اللَّه؛ مثل الكُهَّان، وأصحاب الكشف الشيطاني.

الثَّانِي: أنه لا يقع على خلاف الحدود الشرعية؛ مثل أن يتجسس به على العورات التي نهَى الله عن التجسس عليها وتتبعها، فإذا تتبعها وقع عليها بهذا الكشف، فهو شيطاني لا رحماني.

الثَّالِثَةُ: أنه لا يخطىء أبدًا، بخلاف الشيطاني؛ فإن خطأه كثير؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن صائد:"مَا تَرَى؟ قَالَ: أَرَى صادِقًا وكَاذِبًا، فَقَالَ: ْلُبِّسَ عَلَيْكَ". فالكشف الشيطاني لابد أن يَكْذِبَ، ولا يستمر صدقه البتة) (2) اهـ.

(1)"مدارج السالكين"(1/ 45 - 48).

(2)

"السابق"(1/ 48، 49).

ص: 184

وقال الإمام أبو إسحاق الشاطبي رحمه الله تَعَالَى:

"اعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم مُؤَيَّدٌ بالعصمة، معضود بالمعجزة الدالة على صدق ما قال، وصحة ما بيَّن، وأنت ترى الاجتهاد الصادر منه معصومًا بلا خلافٍ، إما بأنه لا يخطئ البتة، وإما بأنه لا يُقَرُّ على خطأ إن فُرِضَ؛ فما ظنك بغير ذلك؟

فكل ما حَكم به؛ أو أخبر عنه من جهة رؤيا نوم، أو رؤية كشف؛ مثلُ ما حكم به مما ألقى إليه الملَكُ عن اللَّه عز وجل.

وأمَّا أمَّتُهُ، فكل واحدٍ منهم غير معصوم، بل يجوز عليه الغلط، والخطأ، والنسيان، ويجوز أن تكون رؤياه حُلمًا (1)، وكشفه غير حقيقي، وإن تبين في الوجود صدقه (2)، واعْتيدَ ذلك فيه واطَّرَدَ؛ فإمكان الخطأ والوهم باقٍ، وما كان هذا شأنه لم يَصِحَّ أن يُقطَعَ به حكم.

وأيضًا؛ فإن كان مثل هذا مَعْدُودًا في الاطّلاع الغيبي؛ فالآيات والأحاديث تدل على أن الغيب لا يعلمه إلا اللَّه؛ كما في الحديث من قوله عليه السلام: "في خَمْسٍ لا يَعْلَمُهُنَّ إلَّا اللَّهُ، ثُمَّ تَلَا:{إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} [لقمان: 34]

إلى آخر سورة لقمان) (3).

وقال في الآية الأخرى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} [الأنعام: 59].

واستثنى المُرْسَلينَ في الآية الأخرى بقوله: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى

(1) أي: والحُلم من الشيطان، كما جاء في الحديث.

(2)

أي في غير هذه الجزئية التي يفرض الكلام فيها؛ فإمكان الخطأ والوهم باقٍ في هذه الجزئية حتى ينكشف الأمر؛ إما بتحققها، أو عدمه، وبعد تحققها وحصولها، فالمرجع الوجود، لا الكشف ولا الرؤيا.

(3)

قطعة من حديث أخرجه البخاري في "صحيحه"(50)(1/ 114)، (4777)، (8/ 513)، ومسلم (9)(1/ 39).

ص: 185

غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن: 26، 27]. فبقي من عداهم على الحكم الأول؛ وهو امتناع علمه.

وقال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} [آل عمران: 179]، وقال:{قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل: 65].

وفي حديث عائشة: "وَمَنْ زَعَمَ أنَّ مُحَمَّدًا يَعْلَمُ مَا في غَدٍ، فَقَدْ أَعْظَمَ الفِرْيَةَ عَلَى اللهِ"(1).

وقد تعاضدت الآيات والأخبار، وتكررت في أنه لا يعلم الغيب إلا الله، وهو يفيد صحة العموم من تلك الظواهر، فإذا كان كذلك، خرَجَ مَن سوى الأنبياء من أن يشتركوا مع الأنبياء -صلوات الله عليهم- في العلم بالمغيبات، وما ذُكِرَ قبلُ عن الصحابة، أو ما يُذْكَرُ عنهم بسندٍ صحيحٍ، فَمِمَّا لا ينبني عليه حكم؛ إذ لم يشهد (2) له رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووقوعه على حسب ما أخبروه، هو مما يُظَنُّ بهم، ولكنهم لا يُعَامِلُونَ أنفسهم إلا بأمر مشتركٍ لجميع الأمة، وهو جواز الخطأ؛ لذلك قال أبو بكر:"أُرَاهَا جارية"(3)، فأتى

(1) أخرجه مسلم (177)(1/ 159) عن عائشة رضي الله عنها، ولفظه:"من زعم أنه يخبر بما يكون في غدٍ؛ فقد أعظم على اللَّه الفرية"، واللفظ الذي ذكره الشاطبي هو لفظ رواية الترمذي (3068)(5/ 262، 263).

(2)

كشهادته لرؤيا عبد الله بن زيد في الأذان.

(3)

يشير إلى ما رواه مالك في "الموطأ"(2/ 752) رواية يحيى الليثي، عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن أبا بكر الصديق نَحَلَها جَادَّ عشرين وَسْقًا من ماله بالغابة، فلما حضرته الوفاة، قال:"واللَّه يا ابنتي ما من الناس أَحَدٌ أحبُّ إليَّ غِنًى بعدي منك، ولا أعَزُّ علي فقرًا بعدي منك، وإني كنت نحلتُك جادَّ عشرين وَسْقًا، فلو كنت جددتيه، واحتزتيه كان لك، وإنما هو اليومَ مالُ وارث، وإنما هما أخواكِ، وأختاكِ، فاقتسموه على كتاب الله عز وجل".

قالت عائشة: فقلت: "يا أبت! واللَّه لو كان كذا وكذا لتركته، إنما هي أسماء، فمن الأخرى؟ " قال أبو بكر: "ذو بطن بنتِ خارجة، أُراها جارية".

جادَّ عشرين وَسقًا: أي ما يُجَدُّ منه هذا القدر، والجاد هنا بمعنى المجدود، أي المقطوع.

جددتيه: قطعتيه، احتزتيه: حُزْتيه.

ذو بطن بنت خارجة: أي صاحب بطنها، يريد الحمل الذي فيه. =

ص: 186

بعبارة الظن التي لا تفيد حكمًا، وعبارة "يا ساريةُ الجبلَ"(1) - مع أنها إن صحت لا تفيد حكمًا شرعيًّا (2)، هي -أيضًا- لا تفيد أن كل ما سواها مثلها، وإن سُلِّمَ فلخاصية أن الشيطان كان يَفِرُّ منه (3)، فلا يَطُورُ (4) حول حمى أحواله التي أكرمه الله بها، بخلاف غيره؛ فإذا لاح لأحدٍ من أولياء الله شيءٌ من أحوال الغيب، فلا يكون على علم منها مُحقَّقٍ لا شَكَّ فِيهِ، بل على الحال التي يُقَالُ فيها "أُرَى"، و "أَظُنُّ"، فإذا وقع مطابقًا في الوجود، وفُرِضَ تحققه بجهة المطابقة أولًا، والاطراد ثانيًا؛ فلا يبقى للإخبار به بعد ذلك حكمٌ؛ لأنه قد صار من باب الحكم على الواقع (5)؛ فاستوت الخارقة وغيرها، نَعَمْ (6) تفيد الكرامات

= أراها جارية: يعني أظنها أنثى، فكان كما ظن رضي الله عنه، سُميت أم كلثوم، قيل: لرؤيا رآها أبو بكر رضي الله عنه.

(1)

عن نافع أن عمر بعث سرية، فاستعمل عليهم رجلًا يقال له: سارية، فبينما عمر يخطب يوم الجمعة فقال:"يا ساريةُ الجبلَ، يا ساريةُ الجبلَ"، فوجدوا سارية قد أغار إلى الجبل في تلك الساعة يوم الجمعة، وبينهما مسيرة شهر.

وفي رواية: (فجعل ينادي: "يا سارية الجبل، يا سارية الجبل" ثلاثًا، ثم قدم رسول الجيش، فسأله عمر، فقال: يا أمير المؤمنين، هُزمنا، فبينما نحن كذلك إذ سمعنا مناديًا: "يا سارية الجبل" ثلاثًا، فأسندنا ظهورنا بالجبل، فهزمهم الله، فقيل لعمر: إنك كنت تصيح بذلك).

عزاه الألباني في "الصحيحة"(1110) إلى أبي بكر بن خلاد في "الفوائد"، والسلمي في "الأربعين الصوفية"، والبيهقي في "الدلائل"، وصححه، وانظر:"الموافقات"(4/ 469)، وقال ابن كثير في "البداية" (7/ 131):"وهذا إسناد جيد حسن".

(2)

بل نصيحةً ومشورة.

(3)

كما روى الشيخان عن سعد رضي الله عنه مرفوعًا: (والذي نفسي بيده؛ ما لقيك الشيطان سالكًا فَجًّا قط إلا سلك فَجًّا غير فجك".

(4)

يطور: يقرب، وفلان يطور بفلان: أي كأنه يحوم حوله، ويدنو منه.

(5)

أي: لأنه يبقى على عدم العلم، بل على مجرد ظن أو شك حتى يقع، فبعد وقوعه مطابقًا لا يبقى للإخبار به فائدة في بناء حكم عليه، ويكون الحكم -إن كان هناك حكم- مبنيًا على الواقع نفسه.

(6)

استدراك على ما قبله الموهم أنه حينئذٍ لا فائدة في الخوارق والكرامات لأنه لا ينبني عليها حكم أصلًا، يقول: بل لها فائدة أهم من هذا، وهي زيادة اليقين، وشرح الصدر، بتضاعف نور الإيمان، واتساع البصيرة والعلم بالرب واهبِها.

ص: 187

والخوارق لأصحابها يقينًا، وعلمًا بالله -تَعَالى-، وقوة فيما هم عليه، وهو غير ما نحن فيه" (1). اهـ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله -تَعَالى-:

"وكذلك من اتبع ما يرد عليه من الخطاب، أو ما يراه من الأنوار والأشخاص الغيبية، ولا يعتبر ذلك بالكتاب والسنة، فإنما يتبع ظنًّا لا يغني من الحق شيئًا، فليس في المُحَدَّثين المُلْهَمِينَ أفضلُ من عمر؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: "إنهُ قَدْ كَانَ في الأُمَمِ قَبْلَكُمْ مُحَدَّثُونَ، فَإنْ يَكُنْ في أُمَّتِي مِنْهُمْ أحَدٌ، فعُمَرُ مِنْهُمْ"، وقد وافق عمر ربَّه في عدة أشياء، ومع هذا فكان عليه أن يعتصم بما جاء به الرسول، ولا يقبل ما يرد عليه حتى يعرضه على الرسول، ولا يتقدم بين يدي اللَّه ورسوله.

فكل من كان من أهل الإلهام والخِطاب، والمكاشفة، لم يكن أفضلَ من عمر، فعليه أن يسلك سبيله في الاعتصام بالكتاب والسنة تبعًا لما جاء به الرسول، لا يجعل ما جاء به الرسول تبعًا لما ورد عليه، وهؤلاء الذين أخطئوا وضلُّوا، وتركوا ذلك، واستغنوا بما ورد عليهم، وظنوا أن ذلك يغنيهم عن اتباع العلم المنقول.

وصار أحدهم يقول: "أخذوا علمهم ميتًا عن ميت، وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت"، فيُقَالُ لَهُ: أما ما نقله الثقات عن المعصوم فهو حق، ولولا النقل المعصوم، لكنت أنت وأمثالك إما من المشركين، وإما من اليهود والنصارى، وأما ما ورد عليك؛ فمِن أين لك أنه وحيٌ من اللَّه؟ ومن أين لك أنه ليس من وحي الشيطان؟

و"الوحي" وحيان: وحيٌ من الرحمن، ووحي من الشيطان، قال -تَعَالى-:

{وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ} [الأنعام: 121]، وقال -تَعَالى-:

(1)"الموافقات"(4/ 470 - 473).

ص: 188