الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما البوصيري صاحب "البردة" فيقول:
"كنت قد نظمت قصائد في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم اتفق بعد ذلك أن أصابني خِلْطُ فالِج (1) أبطل نصفي، ففكرت في عمل قصيدتي هذه البردة، فعملتها، واستشفعت بها إلى اللَّه في أن يعافيني، وكررت إنشادها، وبكيت ودعوت، وتوسلت ونمت، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم فمسح على وجهي بيده المباركة، وألقى عليَّ بردة، فانتبهت ووجدت فيَّ نهضة، فقمت، وخرجت من بيتي، ولم أكن أعلمت بذلك أحدًا، فلقيني بعض الفقراء، فقال لي: أتريد أن تعلمني القصيدة التي مدحتَ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقلت: أيها؟ فقال: التي أنشأتها في مرضك، وذكر أولها، وقال: والله لقد سمعتها البارحة وهي تُنشد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يتمايل (2) وأعجبته، وألقى على من أنشدها بردة (3)، فأعطيته إياها، وذكر الفقير ذلك، وشاع المنام"(4).
وكيف يقر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم هذه القصيدة وفيها طامَّات
= البقاعي رحمه الله: "قد صارت نسبة العلماء له -أي ابن الفارض- إلى الكفر متواترة تواترًا معنويًّا" اهـ. من "تنبيه الغبي" ص (217).
(1)
الخِلْطُ: ما خالط الشيء؛ وأخلاط الإنسان (في الطب القديم): أمزجته الأربعة، وهي: الصفراء، والبلغم، والدم، والسوداء.
والفالِج: شلل يصيب أحد شقي الجسم طولًا.
(2)
وهذا يذكرنا بحديث مكذوب فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم تواجد عند سماع أبيات حتى سقطت البردة عن منكبيه، وقال:"ليس بكريم من لم يتواجد عند ذكر المحبوب"، قال ابن تيمية رحمه الله: إن هذا الحديث كذب بإجماع العارفين بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأحواله". اهـ. من "مجموع الفتاوى" (11/ 598).
(3)
وهذا أيضًا محاكاة لما اشتهر أن كعب بن زهير رضي الله عنه لما أنشد قصيدته في مدح رسول الله
صلى الله عليه وسلم أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم بردته، يقول ابن كثير -رحمه الله تعالى-:"وهذا من الأمور المشهورة جدًا، ولكن لم أر ذلك في شيء من هذه الكُتب المشهورة بإسنادٍ أرتضيه، فالله أعلم". اهـ. من "البداية والنهاية"(4/ 373).
(4)
"فوات الوفيات" لمحمد بن شاكر الكتبي (2/ 258).
وغلوٌّ وابتداع وانحراف (1) عن هديه صلى الله عليه وسلم مما يأباه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد نهى صلى الله عليه وسلم أمته عن إطرائه بالغلو في مدحه صلى الله عليه وسلم.
وقد غلا الناس في هذه القصيدة فزعموا أنها تُقرأ لتفريج الكربات، وتيسير العسير، وأن بعض أبياتها أمان من الفقر، وبعضها أمان من الطاعون (2).
بل اشترطوا لقراءتها الوضوء، واستقبال القبلة، والدقة في تصحيح ألفاظها وإعرابها، والعلم بمعانيها، إلى غير ذلك (3).
وتنافس أكثر من مائة شاعر في معارضتها، فضلًا عن المشطِّرين (4) والمخمِّسين والمربِّعين، وتجاوزت شروحها الخمسين شرحًا، فيها ما هو مُحلًّى بماء الذهب، وصار الناس يتدارسونها في البيوت والمساجد كالقرآن (5).
- إن من عادة الصوفية اختلاقَ القصص "الإرهابية"؛ لترهيب الناس من مخالفتهم أو الإنكار عليهم:
قال النبهاني: "قال المناوي: قال لي فقيه عصره شيخنا الرملي: إن بعض المنكرين رأى أن القيامة قد قامت، ونُصِبَتْ أوانٍ في غاية الكِبَر، وأُغْلِيَ فيها ماء يتطاير منه الشرر، وجيء بجماعةٍ ضَبَائِرَ ضَبَائِرَ، فصُلِقوا فيه حتى تَهَرَّى اللحم والعظم، فقال: ما هؤلاء؟ قال: "الذين ينكرون على ابن عربي وابن الفارض" (6).
(1) انظر أمثلة ذلك في "نقد البردة" للشيخ عبد البديع صقر، و"حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته" للدكتور محمد خليفة التميمي ص (671 - 681)، و"قوادح عقدية" ضمن "حقوق النبي صلى الله عليه وسلم بين الإجلال والإخلال" - إصدار المنتدى الإسلامي ص (177 - 200)، و"الانحرافات العقدية والعلمية" للزهراني (1/ 359، 360).
(2)
"المدائح النبوية" لزكي مبارك ص (197).
(3)
"مقدمة ديوان البوصيري" ص (29، 30).
(4)
التشطير: هو أخذ الشاعر بيتًا لغيره، فيجعله لصدره عَجُزًا، ولعجزه صدرًا، مراعيًا تناسب اللفظ والمعنى بين الأصل والفرع، وخَمَّس الشِّعر: جعل كل قطعة منه خمسة شطور.
(5)
"قوادح عقدية في بردة البوصيري" ص (189).
(6)
"جامع كرامات الأولياء" للنبهاني (2/ 218) ط. دار صادر - بيروت.