الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال ابن السمعاني: "واعلم أن إنكار أصل الإلهام لا يجوز، ويجوز أن يفعل الله -تعالى- بعبدٍ بلطفه كرامة له، ونقول في التمييز بين الحق والباطل من ذلك: إن كل ما استقام على شرع النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن في الكتاب والسنة ما يرده، فهو مقبول، وكل ما لا يستقيم على شرع النبي صلى الله عليه وسلم فهو مردود، ويكون ذلك من تسويلات النفس، ووساوس الشيطان، ويجب رده، وعلى أننا لا ننكر زيادة نور من الله كرامة للعبد، وزيادة نظر له" إلى أن قال: "فأما على القول الذي يقولونه -وهو أن يرجع إلى قلبه في جميع الأمور- فلا نعرفه"(1).
وقال ابن النجار: "إنه خيال لا يجوز العمل به إلا عند فقد الحجج كلها، لأنه ليس المراد الإيقاع في القلب بلا دليل، بل الهداية بالحق إلى الدليل"(2). اهـ. وذلك كما قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: "إلا أن يؤتى الله
عبدًا فهمًا في كتابه" (3).
* * *
أثر التقوى في تنوير البصيرة
قال الله تبارك وتعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} الآية [البقرة: 282]، وقال عز وجل:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} الآية [الطلاق: 2]، وقال سبحانه:{إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [الأنفال: 29]، وقال سبحانه:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69]، وقال عز وجل:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} [الحجر: 75]، وقال تعالى:{قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [البقرة: 118] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصلاة نور،
(1)"قواطع الأدلة"(5/ 132)، وانظر "فتح الباري"(12/ 388، 389).
(2)
"شرح الكوكب المنير"(1/ 331، 332).
(3)
كما في حديث أبي جحيفة رضي الله عنه المتقدم تخريجه ص (164) هامش رقم (4).
والصدقة برهان، والصبر ضياء" (1).
وفي حديث الوَلاية: "ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنتُ سمعَه الذي يسمع به، وبصره الذي يُبصِر به، ويدَه التي يبطش بها، ورجلَه الذي يمشي بها"(2).
وقد رُوي عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أنه قال: "اقربوا من أفواه المطيعين، واسمعوا منهم ما يقولون، فإنهم تتجلى لهم أمور صادقة"، ورُوي عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال:"إن في قلب المؤمن سِراجًا يُزْهِر".
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الدجال مكتوب بين عينيه: كافر، يقرؤه كل مؤمن قارئ وغير قارئ"(3).
وكلما قوي الإيمان في القلب، قوي انكشاف الأمور له، وعرف حقائقها من باطلها، وكلما ضعف الإيمان ضعف الكشف، وذلك مثل السراج القوي، والسراج الضعيف في البيت المظلم؛ ولهذا قال بعض السلف في قوله -تعالى-:{نُورٌ عَلَى نُورٍ} [النور: 35]: هو المؤمن ينطق بالحكمة المطابقة للحق، وإن لم يسمع فيها بالأثر؛ فإذا سمع فيها بالأثر، كان نورًا على نور.
وقد لاحظ العلماء على مر الأزمان معنى أن للتقوى والمجاهدة أثرًا في تنوير العقل، وهداية القلب، والتوفيق إلى إصابة الحق في الأقوال، والسَّداد في الأعمال، فسموا مصنفاتهم بأسماء تعبر عن هذا مثل:"فتح الباري"، و"فتح القدير"، و"فتح العزيز"، و"فتح الملك العلام"، و"فيض القدير"، و"فيض الباري"، ونحو ذلك، وصدق الشاعر إذ يقول:
إنارةُ العقلِ مكسوفٌ بطوعِ الهوى
…
وعقلُ عاصي الهوى يزدادُ تنويرا
(1) رواه مسلم (1/ 102).
(2)
رواه البخاري (7/ 190)، وانظر:"فتح الباري"(11/ 295).
(3)
رواه البخاري (16/ 574 - فتح) طبعة طيبة- الرياض، ومسلم (4/ 2245).