الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والقول بوَلايته وحياته أبد الدهر هما مُعْتَمَدُ الصوفية في جعل الشريعة لها ظاهر وباطن، وأن علماء الباطن يُنْكِرُونَ على علماء الظاهر ولا عكس، وبه قالوا بحجية الإلهام، وأن الولي أفضل وأعلم من النبي، والدعوى الواسعة للقاء الخَضِرِ، والأخذ عنه، فمنهم من لقي الخَضِرَ يصلي على المذهب الحنفي، وآخرون رأوه يصلي على المذهب الشافعي" (1). اهـ.
وَالسُّؤَالُ الآنَ:
إذا صَدَقَ الذين زعموا لقيا الخَضِرِ، والخَضِرُ ميت على الراجح، فما الجواب عن حكاياتهم
؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه اللَّه تعالى
-:
"وعامة ما يُحكى في هذا الباب من الحكايات، بعضها كذب، وبعضها مبنيٌّ على ظَنِّ رجلٍ، مثل شخص رأى رجلًا ظن أنه الخضر، وقال: إنه الخضر! كما أن الرافضة ترى شخصًا تظن أنه الإمام المنتظر المعصوم، أو تدعي ذلك"(2). اهـ.
وقال أيضًا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
-:
"إن الذين رأوا من قال: (إني أنا الخضر) هم كثيرون صادقون، والحكايات متواترات (3)؛ لكن أخطئوا في ظنهم أنه الخضر، وإنما كان جنيًّا"(4).
= (وكان بعض أكابر العلماء يقول: "أول عقد يحل من الزندقة اعتقاد كون الخضر نبيًّا؛ لأن الزنادقة
يتذرعون بكونه غير نبي إلى أن الوليَّ أفضلُ من النبي، كما قال قائلهم:
مقام النبوة في برزخ
…
فُوَيْقَ الرسولِ ودونَ الولي). اهـ
(1)
"التحذير من مختصرات الصابوني في التفسير" ص (65).
(2)
"مجموع الفتاوى"(27/ 101، 102).
(3)
لكن هذه الحكايات لا تستوفي شروط الخبر المتواتر، إذ لا يتحقق التواتر إلا بأن توجد الكثرة العددية في جميع طبقات السند، الأمر الذي يقدح في وصفها بالتواتر، وهذا الشرط نفسه مما نبطل به دعاوى النصارى في زعمهم تواتر صلب المسيح عليه السلام.
(4)
"مجموع الفتاوى"(13/ 93).
وقال أيضًا رحمه الله: "كُلُّ من ادعى أنه رأى الخَضِرَ، أو رأى من رأى الخَضِرَ، أو سمع شَخْصًا رأى الخَضِرَ، أو ظن الرائي أنه الخَضِرُ: فكل ذلك لا يجوز إلا على الجهلة الْمُخَرِّفِينَ الذين لا حظَّ لهم من علم، ولا عقل، ولا دين، بل هم من الذين لا يفقهون، ولا يعقلون"(1).
وقال رحمه الله: "ومنهم من لا يَظُنُّ أولئك الأشخاص إلا آدميين أو ملائكة؛ فإن كانوا غير معروفين، قال: هؤلاء رجال الغيب، وإن تَسَمَّوْا فقالوا: هذا هو الخَضِرُ، وهذا هو إلياس، وهذا هو أبو بكر وعمر، وهذا هو الشيخ عبد القادر، أو الشيخ عَدِىٌّ، أو الشيخ أحمد الرفاعي، أو غير ذلك، ظن أن الأمر كذلك.
فهنا لم يغلط، لكن غلط عقله؛ حيث لم يعرف أن هذه شياطين تمثلت على صور هؤلاء، وكثير من هؤلاء يظن أن النبي صلى الله عليه وسلم نفسه، أو غيره من الأنبياء أو الصالحين يأتيه في اليقظة
…
والذي له عقل وعلم يعلم أن هذا ليس هو النبي صلى الله عليه وسلم؛ تارة لِمَا يَرَاهُ منهم من مخالفة الشرع؛ مثل أن يأمروه بما يخالف أمر اللَّه ورسوله، وتارة يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يأتي أحدًا من أصحابه بعد موته في اليقظة، ولا كان يخاطبهم من قبره، فكيف يكون هذا لي؟ " (2).
وقال -أيضًا رحمه الله: "فمن هؤلاء من يسمع خطابًا، أو يرى من يأمره بقضية، ويكون ذلك الخطاب من الشيطان، ويكون ذلك الذي يخاطبه الشيطان، وهو يحسب أنه من أولياء اللَّه، من رجال الغيب، ورجال الغيب هم الجن، وهو يحسب أنه إنسي، وقد يقول له: أنا الخَضِرُ، أو إلياس، بل أنا محمد، أو إبراهيم الخليل، أو المسيح، أو أبو بكر، أو عمر، أو أنا الشيخ
(1)"نفسه"(27/ 458).
(2)
"نفسه"(13/ 77، 78).
فلان
…
ويكون ذلك شيطانًا لَبَّس عليه، فهؤلاء يتبعون ظَنًّا لا يُغْنِي من الحق شيئًا، ولو لم يتقدموا بين يدي اللَّه ورسوله، بل اعتصموا بالكتاب والسنة، لتبين لهم أن هذا من الشيطان، وكثير من هؤلاء يتبع ذوقه ووَجْدَه، وما يجده محبوبًا إليه، بغير علم، ولا هدًى، ولا بصيرة، فيكون مُتَّبِعًا لهواه بلا ظن، وخيارهم من يتبع الظن وما تهوى الأنفس" (1). اهـ.
* * *
(1)"نفسه"(13/ 71، 72).