الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرؤيا ليست حجة شرعية
ذهب بعض الناس إلى الاعتماد على الرؤى والمنامات واعتبارها حجة (1).
والصحيح أن الرؤيا لا تعتبر حجة ولا مصدرًا من مصادر التشريع، ولا يجوز أن يبني عليها الإنسان حكمًا شرعيًا حلًّا أو حرمة، كراهة أو استحبابًا، أو غير ذلك من مثل تعيين مراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بتفسير الكتاب والسنة.
وقد بيَّن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- أن الحق الذي لا باطل فيه هو "ما جاءت به الرسل عن الله تعالى، وُيعرف بالكتاب والسنة والإجماع، فإن هذا حق لا باطل فيه، واجب الاتباع لا يجوز تركه بحال، عامُّ الوجوب لا يجوز ترك شيء مما دلت عليه هذه الأصول، وليس لأحدٍ الخروج عن شيء مما دلت عليه"، وقال رحمه الله:"الكتاب والسنة والإجماع، وبإزائه لقومٍ آخرين: المنامات، والإسرائيليات، والحكايات". اهـ (2).
الأدلة على أن الرؤيا ليست، مصدرًا للتشريع:
1 -
أن الله تعالى أوجب علينا اتباع كتابه المجيد وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم لا غير، وذلك كثير في القرآن الكريم، كقوله تعالى:{اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} [الأعراف: 3].
2 -
قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3].
فلا مجال لتشريعِ بعد انتقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى.
قال الشوكاني رحمه الله: "ولا يخفاك أن الشرع الذي شرعه الله لنا على
(1) انظر: "إرشاد الفحول"(2/ 291).
(2)
"مجموع الفتاوى"(19/ 5).
لسان نبينا صلى الله عليه وسلم قد كمله اللَّه عز وجل، ولم يبق بعد ذلك حاجة للأمة في أمر دينها، وقد انقطعت البعثة بالموت" (1).
3 -
أن الأدلة الشرعية التي هي أصول الأحكام ومصادرها، محصورة في الكتاب والسنة باتفاق الأئمة، ثم الإجماع والقياس باتفاق جمهورهم، ثم العرف، والاستصحاب، والاستحسان، والمصالح المرسلة، وشرع من قبلنا، وقول الصحابي، وسد الذرائع، على خلاف بين جمهور الأئمة في حجيتها، ولم يذكر أحد من أئمة العلم الرؤى المنامية ضمن هذه الأدلة.
قال الشوكاني رحمه الله: " ولم يأتنا دليل يدلُّ على أن رؤيته في النوم بعد موته صلى الله عليه وسلم إذا قال فيها بقول أو فعل فيها، يكون دليلًا وحجة، بل قد قبضه اللَّه إليه بعد أن كمل لهذه الأمة ما شرعه لها على لسانه"(2) اهـ.
4 -
أن الرؤى ثلاثة أقسام من حيث منابعها: رحماني، ونفساني، وشيطاني، ولا سبيل إلى التمييز بينها حتى نقبل الرحماني، ونرد ما عداه.
قال الامام المحقق ابن قيم الجوزية -رحمه اللَّه تعالى-: "والرؤيا كالكشف: منها رحماني، ومنها شيطاني، ورؤيا الأنبياء وحي فإنها معصومة من الشيطان، وهذا باتفاق الأمة، ولهذا أقدم الخليل على ذبح ابنه إسماعيل عليهما السلام بالرؤيا. وأما رؤيا غيرهم فتُعرض على الوحي الصريح: فإن وافقته، وإلا لم يُعمل بها"(3).
وقال الشيخ عبد الرحمن المُعَلِّميُّ رحمه الله: "الرؤيا قصاراها التبشير والتحذير، وفي الصحيح: أن الرؤيا قد تكون حقًّا وهي المعدودة من النبوة، وقد تكون من الشيطان، وقد تكون من حديث النفس، والتمييز مشكل"(4).
(1) انظر: "إرشاد الفحول"(2/ 291، 292).
(2)
"إرشاد الفحول"(2/ 291، 292).
(3)
"مدارج السالكين"(1/ 51).
(4)
"التنكيل"(2/ 242).
5 -
أن الرؤيا تقع حال النوم، وليست هي حالة ضبط وتحقيق، ولا هي حالة تكليف، ولذلك رُفع القلم عن النائم حتى يستيقظ، فلا تقبل رواية النائم لاختلال ضبطه.
6 -
أن الغالب في الرؤيا "الترميز" والإشارة، ولا يفقه تعبيرها إلا قلةٌ من الناس، فتكون محتملة لتفسيرات متعددة، وما كان هذا شأنه لا يستقيم الاستدلال به.
قال الشيخ عبد الرحمن المعلمي رحمه الله: "الغالب أن تكون على خلاف الظاهر حتى في رؤيا الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- كما قصَّ من ذلك في القرآن، وثبت في الأحاديث الصحيحة، ولهذه الأمور اتفق أهل العلم على أن الرؤيا لا تصلح للحجة، وإنما هي تبشير وتنبيه، وتصلح للاستئناس بها إذا وافقت حجة شرعية صحيحة كما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقول بمتعة الحج لثبوتها عنده بالكتاب والسنة، فرأى بعض أصحابه رؤيا توافق ذلك، فاستبشر ابن عباس". اهـ (1).
وكما قال ابن القيم- رحمه الله:
قال شيخنا -يعني ابن تيمية-: "كان يُشْكِل عليَّ أحيانًا حالُ من أصلي عليه الجنائز؛ هل هو مؤمن أو منافق؟ فرأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في المنام، فسألته عن مسائل عديدة، منها هذه المسألة، فقال: "يا أحمد! الشرطَ الشرطَ". أو قال: "عَلِّق الدعاء بالشرط" (2)، فهذه الرؤيا يستأنس بها فحسب.
(1)"التنكيل "(2/ 259).
(2)
"إعلام الموقعين عن رب العالمين"(3/ 399).