الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن الليلة من رمضان، وأمرني والمسلمين بالصيام".
فقال له القاضي: "إن الذي تزعم أنك رأيته في المنام، قد رآه الناس في اليقظة جَهَارًا نَهارًا، وقال لهم: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)؛ فلا حاجة بنا إلى رؤياك"(1).
الثالثة:
رُوِيَ أن رجلًا رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، فقال له:"اذهب إلى موضع كذا فاحفره، فإن فيه رِكَازًا (2)، فخذه لك، ولا خُمسَ عليك فيه"، فلما أصبح ذهب إلى ذلك الموضع، فحفره فوجد الرِّكَازَ فيه، فاستفتى علماء عصره، فأفتوه: بأن لا خُمسَ عليه لصحة الرؤيا، وأفتى العز بن عبد السلام بأن عليه الخمسَ، وقال: أكثر ما يُنَزَّلُ منامُه منزلةَ حديثٍ صحيح، وقد عارضه ما هو أصحُّ منه، وهو حديث "في الرِّكَازِ الخْمُسُ"(3).
وحكى الغزالي عن بعض الأئمة: أنه أفتى بوجوب قتل رجل يقول بخلق القرآن، فروجع فيه، فاستدل بأن رجلًا رأى في منامه إبليس قد اجتاز بباب المدينة، ولم يدخلها، فقيل:"هل دخلتها؟ " فقال: "أغناني عن دخولها رجل يقول بخلق القرآن -وذكر اسمه-"، فقام ذلك الرجل، فقال:"لو أفتى إبليس بوجوب قتلي في اليقظة هل تقلدونه في فتواه؟ " فقالوا: "لا"، فقال:"قوله في المنام لا يزيد عن قوله في اليقظة! "(4).
يقول الدكتور عمر الأشقر -حفظه اللَّه-: "الرؤيا لا تُعَدُّ تشريعًا، وبعض الأفراد والجماعات تجعل من الرؤى، والتجليات، والأفكار، وأحاديث
(1)"قضايا في المنهج" ص (15).
(2)
الركاز: المراد به هنا الأجزاء المستقرة في الأرض من المعادن والجواهر كالذهب والفضة والنحاس، وانظر:"الرؤى والأحلام في السنة النبوية" تأليف عبد الله العمري ص (53).
(3)
"شرح الزرقاني على الموطأ"(2/ 101)، والحديث في البخاري (1499)، ومسلم (1710).
(4)
"الاعتصام" للشاطبي (1/ 262).
القلوب مصدرًا تشريعيًّا ينافس القرآن والسنَّة، وقد يُقَدَّمُ عليهما.
الرُّؤيَا الصادقة ما هي إلا مبشِّرٌ بأمر سارٍّ، وقد تكون دعوةً إلى الاستقامة، وقد تكون تثبيتًا على الحق، وقد تُنَفِّرُ من الباطل، ولكنها لا تُشَرِّعُ شيئًا جديدًا، وقد جادلني رجل كان يَسِيرُ على بدعة لم يُشَرِّعْهَا اللَّه؛ إذ كان يَقُومُ على القبور بعد أن يُدْفَنَ أصحابها؛ لِيُلَقِّنَ الميتَ حُجَّتَهُ، ويعرفَه بما يجيب به رسلَ ربه، جادلني هذا الرجل بأن هذا مشروع، بدليل أنه رأى في منامه كيف يُفْعَلُ بالميت منذ نزع الروح إلى الدفن، وكان هذا التلقين مما رآه يُفعل، فقلت له: إن ديننا تامٌّ كامل، لا ينتظر شخصًا يكمله بالرؤيا والمنام، وكيف يكون جوابك عندما يأتيك آخَرُ يزعم أنه رأى خلاف ما رأيت؟!
ومن الذي نتبعه: أنت أم هو؟ كلا، لا نتبع إلا خير الهدي؛ هديَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم" (1).
* * *
(1)"جولة في رياض العلماء وأحداث الحياة" ص (114).