الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
فِي صِفَات الْإِصَابَة وأنواعها
الْإِصَابَة نَوْعَانِ مُطلقَة ومقيدة
فالمطلقة إِصَابَة الْغَرَض على أَي صفة كَانَت إِمَّا فِي وَسطه أَو جَانِبه الْأَيْمن أَو الْأَيْسَر وَكَذَلِكَ يتَنَاوَل مَا وَقع فِي الْغَرَض وَلم يخرقه أَو خرقه وَلم ينفذ مِنْهُ أَو خرقه وَنفذ مِنْهُ أَو غَيره
فَإِن أطلقا الْإِصَابَة وَلم يقيداها بِقَيْد فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَن العقد يَصح ويتناولها على أَي صفة كَانَت من هَذِه الصِّفَات وَالثَّانِي وَهُوَ الَّذِي ذكره فِي الْمُغنِي أَن ذكر صفة الْإِصَابَة شرطا فِي صِحَة المناضلة فَإِن قَالَا رمينَا خواصل كَانَ تَأْكِيدًا لمُطلق الْإِصَابَة لِأَنَّهُ اسْم لَهَا كَيْفَمَا كَانَت وَتسَمى القرع والقرطسة يُقَال خصل وقرع وقرطس بِمَعْنى وَاحِد إِذا أصَاب
فصل
النضال على الْإِصَابَة
فَإِن قَالَا (خواسق) وَهُوَ مَا خرق الْغَرَض وَثَبت فِيهِ أَو (خوازق) وَهُوَ مَا خرقه وَوَقع بَين يَدَيْهِ أَو (موارق) وَهُوَ مَا نفذ الْغَرَض وَوَقع من
وَرَائه أَو (خوارم) وَهُوَ مَا خرم جَانب الْغَرَض أَو (حوابي) وَهُوَ مَا وَقع بَين يَدي الْغَرَض ثمَّ وثب إِلَيْهِ وَمِنْه يُقَال حبا الصَّبِي أَو (خواصر) وَهُوَ مَا كَانَ فِي إِحْدَى جَانِبي الْغَرَض وَمِنْه قيل الخاصرة لِأَنَّهَا فِي جَانب الْإِنْسَان تقيدت المناضلة بذلك لِأَن الْمرجع فِي الْمُسَابقَة إِلَى شَرطهمَا فتتقيد بِمَا شرطاه
وَإِن شرطا الخواسق والحوابي مَعًا صَحَّ هَكَذَا ذكره أَصْحَابنَا
وَيحْتَمل أَن لَا يَصح شَرط الْإِصَابَة النادرة كالحوابي فَإِن هَذَا إِنَّمَا يَقع اتِّفَاقًا نَادرا فاشتراط الاحتساب بِهِ دون مَا عداهُ ينْدر جدا وَذَلِكَ يفوت مَقْصُود الرَّمْي وَكَذَلِكَ كل شَرط تندر مَعَه الْإِصَابَة لَا يَنْبَغِي صِحَة اشْتِرَاطه وَهَذَا بِخِلَاف مَا إِذا شرطا إِصَابَة مَوضِع من الْغَرَض كدائرته وَنَحْوهَا فَإِنَّهُ يَصح لِأَنَّهُ لَا ينْدر الْإِصَابَة فِيهِ وَهُوَ من حذف الرَّامِي وَمِمَّا ينَال بالتعليم بِخِلَاف اشْتِرَاط وُقُوع السهْم دون الْغَرَض ثمن يحبو بِنَفسِهِ حَتَّى يَقع فِي الْغَرَض فَإِن هَذَا لَا ينَال بالتعلم وَلَا هُوَ مِمَّا يكثر وُقُوعه وَلَا يتنافس فِيهِ الرُّمَاة
وَقد نَص الشَّافِعِي فِي أحد قوليه أَنه إِذا شَرط الخسق فخرق الْغَرَض وَنفذ مِنْهُ لقُوته أَنه يحْتَسب لَهُ بِهِ قَالَ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيره من أَصْحَابه وَهُوَ الْأَصَح لموافقته اللَّفْظ وَالْمعْنَى قلت وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَار وَالْقَوْل الثَّانِي لَا يحْتَسب لَهُ بِهِ وَإِلَيْهِ ميل الرُّمَاة
(فرع)
فَإِن شرطا خوارق فخسق وَثَبت فِي الْغَرَض وَإِذا وَرَاءه خَشَبَة أَو شَيْء يمنعهُ من الْخرق بِحَيْثُ لولاه لنفذ احْتمل أَن يحْتَسب لَهُ بِهِ نظرا إِلَى الْمَقْصُود وَأَنه لَوْلَا الْمَانِع لحصل الْمَشْرُوط وَهُوَ كَمَا لَو أطارت الرّيح الْغَرَض فَوَقع السهْم مَكَانَهُ وَاحْتمل أَن لَا يحْتَسب لَهُ بِهِ للشَّكّ فِي حُصُول الْخرق لَو كَانَ الْمَانِع زائلا إِذْ من الْمُحْتَمل أَن يثبت مَعَ عدم الْمَانِع
فصل
فِي الْقرب وَالْأَقْرَب
النضال على نَوْعَيْنِ أَحدهمَا على الْإِصَابَة وَالثَّانِي على الْقرب من الْغَرَض فَأَي السِّهَام كَانَ أقرب احتسب بِهِ وألغي مَا دونه
فَإِن كَانَ لقدر الْقرب عَادَة بَينهم حمل إِطْلَاق العقد عَلَيْهَا وَصَارَت كالمشروطة وَإِن لم يكن لَهُ عرف وَلَا عَادَة فَلَا بُد من بَيَان قدر الْقرب الْمُحْتَسب بِهِ هَل هُوَ ذِرَاع أَو شبر أَو نَحوه
فَإِن اطلقوا العقد وَلم يبينوا قدر الْقرب بل قَالُوا أَيّنَا كَانَ أقرب سَهْما إل الْغَرَض احتسب بِهِ لم يَصح لِأَنَّهُ مَا من قرب إِلَّا وَغَيره أقرب
مِنْهُ فَلَا يعرف قدر مَا يحْتَسب بِهِ وَفِيه وَجْهَان آخرَانِ للشَّافِعِيَّة أَحدهمَا يَصح وَيقدر الْقرب بِسَهْم وَهَذَا تحكم لَا دَلِيل لَهُ الثَّانِي أَن يحْتَسب بالأقرب فَالْأَقْرَب وَيسْقط كل سهم بِمَا هُوَ أقرب مِنْهُ وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ
إِذا وَقعت سهامهما فِي حد الْقرب وَكَانَ فِي سِهَام أَحدهمَا قريب واقرب وأبعدهما أقرب من اقْربْ الآخر فَهَل يحْتَسب جَمِيع سهامه أَو يسْقط أبعدها بأقربها فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يحْتَسب بجميعها لِأَنَّهَا كلهَا اقْربْ من سِهَام الآخر وَهَذَا أظهر الثَّانِي أَنه يسْقط أبعدها بأقربها وَيجْعَل الْأَبْعَد لَغوا وَيكون الحكم للأقرب وَوجه هَذَا أَن قَائِله لما احتسب بالأقرب فَالْأَقْرَب جعل الْأَبْعَد ملغى واحتسب بِمَا هُوَ أقرب مِنْهُ كمن لَو كَانَ الْأَبْعَد من سِهَام صَاحبه وَالْأَقْرَب من سهامه هُوَ فَيعْمل فِي سهامه وَحده مَا يعْمل فِي سهامهما
هَذَا كُله تَفْرِيع على الْوَجْه الأول وَأما على اشْتِرَاط مَسَافَة الْقرب
فَلَا يَجِيء ذَلِك
وَمهما وَقع فِي جَوَانِب الهدف فِي حد الْقرب الْمُشْتَرط حسب ولأصحاب الشَّافِعِي وَجه ضَعِيف جدا أَنه لَا يحْتَسب مَا وَقع فِي أَعلَى الهدف
وَلَا وَجه لَهُ بل أَعْلَاهُ وأسفله وجوانبه سَوَاء (فرع) إِذا قدرا قدر الْأَقْرَب بِذِرَاع مثلا وشرطا أَن يسْقط قريب كل رام مَا هُوَ أبعد مِنْهُ من رمي الآخر وَلَو كَانَ فِي حد الْقرب وَجب اتِّبَاعه فَلَو لم يشرطاه وشرطا أَن من كَانَ أقرب بِذِرَاع فَهُوَ الناضل وَكن أَحدهمَا أقرب بِدُونِ الذِّرَاع احْتمل أَن يحْتَسب بالأقرب فَالْأَقْرَب بِدُونِ الذِّرَاع وَاحْتمل أَن يحْتَسب بِكُل مَا يَقع فِي حد الْقرب مَا لم يقصر عَنهُ وقريبه وأقربه سَوَاء والوجهان لأَصْحَاب الشَّافِعِي
هَذَا إِذا لم يكن للرماة عَادَة فَإِن كَانَ لَهُم عَادَة فِي الاحتساب أَو عَدمه نزل العقد عَلَيْهَا إِجْرَاء لَهَا مجْرى الشَّرْط وَالله أعلم
فصل
فِيمَا يطْرَأ من النكبات
إِذا عرض عَارض من كسر قَوس أَو قطع وتر أَو ريح شَدِيدَة لم يحْتَسب عَلَيْهِ بِالسَّهْمِ إِذا اخطأ لعَارض من هَذِه الْعَوَارِض أَو غَيرهَا كحيوان
اعْترض بَين يَدَيْهِ لِأَن هَذَا الْخَطَأ لعَارض لَا لسوء رميه قَالَ القَاضِي
وَلَو أصَاب لم يحْتَسب لَهُ بِهِ لِأَنَّهُ لم يحْتَسب عَلَيْهِ لم يحْتَسب لَهُ لِأَن الرّيح الشَّدِيدَة كَمَا يجوز أَن تصرف الرَّمْي السديد فيخطئ يجوز أَن تصرف السهْم الْمُخطئ عَن خطئه فَيَقَع مصيبا وَتَكون إِصَابَته بِالرِّيحِ لَا بحذق الرَّامِي فَإِن وَقع السهْم فِي حَائِل بَينه وَبَين الْغَرَض فمرقه وَأصَاب الْغَرَض حسب هَل لِأَن إِصَابَته لسداد رميه ومروقه لقُوته فَهُوَ أولى من غَيره وَإِن كَانَت الرّيح لينَة لَا ترد السهْم عَادَة لم يمْنَع الاحتساب عَلَيْهِ بِالسَّهْمِ وَله لِأَن الجو لَا يَخْلُو من ريح وَلِأَن الرّيح الرخَاء لَا تُؤثر إِلَّا فِي الرَّمْي الرخو الَّذِي لَا ينْتَفع بِهِ (فرع)
حكم الْإِصَابَة بطارئ
وَإِذا أطارت الرّيح الْغَرَض فَوَقع السهْم مَوْضِعه فَإِن كَانَ شَرطهمَا خواصل احتسب لَهُ بِهِ لعلمنا أَنه لَو كَانَ الْغَرَض فِي مَوْضِعه أَصَابَهُ وَإِن كَانَ شَرطهمَا خواسق لم يحْتَسب لَهُ بِهِ وَلَا عَلَيْهِ
هَذَا قَول أبي الْخطاب لِأَنَّهُ لَا يدْرِي هَل يثبت فِي الْغَرَض إِذا كَانَ مَوْجُودا أَو لَا وَقَالَ القَاضِي
ينظر فَإِن كَانَت صلابة الهدف كصلابة الْغَرَض فَثَبت فِي الهدف احتسب لَهُ بِهِ لِأَنَّهُ لَو بَقِي مَكَانَهُ لثبت فِيهِ كثبوته فِي الهدف وَإِن لم يثبت فِيهِ مَعَ التَّسَاوِي لم يحْتَسب وَإِن كَانَ الهدف أَصْلَب فَلم يثبت فِيهِ أَو إِن كَانَ رخوا لم يحْتَسب السهْم لَهُ وَلَا عَلَيْهِ لأَنا لَا نعلم هَل كَانَ يثبت فِي الْغَرَض لَو بَقِي مَكَانَهُ أم لَا وَهَذَا كُله مَذْهَب الشَّافِعِي (فرع)
فَإِن اطارت الرّيح الْغَرَض فَوَقع السهْم فِيهِ لَا فِي الْمَكَان الَّذِي طَار مِنْهُ فَقَالَ أَصْحَابنَا يحْتَسب عَلَيْهِ السهْم لَا لَهُ إِلَّا أَن يَكُونَا اتفقَا على رميه فِي الْموضع الَّذِي طَار إِلَيْهِ
وَعِنْدِي أَنه إِذا أطارته بعد خُرُوج السهْم من كبد الْقوس حسبت عَلَيْهِ لأَنا نتيقن أَنه لَو كَانَ مَكَانَهُ لأخطأه وَإِن أطارته قبل الرَّمْي حسب لَهُ لِأَن الْغَرَض هُوَ الْمَقْصُود وَقد أَصَابَهُ
وَإِن أطارته قبل الرَّمْي فَوَقع سهم أَحدهمَا فِي مَوْضِعه الْأَصْلِيّ وَوَقع سهم الآخر فِيهِ نَفسه فالمصيب من وَقع سَهْمه فِيهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُود فَمن أَصَابَهُ أصَاب وعَلى قَول الْأَصْحَاب الْمُصِيب هُوَ الَّذِي وَقع سَهْمه فِي مَوْضِعه
وَإِن كَانَت إطارته بعد رميهما فالمصيب من وَقع سَهْمه فِي مَكَانَهُ الْأَصْلِيّ لِأَنَّهُ هُوَ كَانَ الْمَقْصُود فِي الرَّمْي وَالْغَرَض عَلامَة عَلَيْهِ وَقد أصَاب الْمَقْصُود بِخِلَاف مَا إِذا اطارته قبل الرَّمْي فَإِنَّهُ هُوَ الْمَقْصُود بِالرَّمْي فمصيبه مُصِيب للمقصود وَهَذَا وَاضح بِحَمْد الله تَعَالَى (فرع)
وَإِذا أَلْقَت الرّيح الْغَرَض على وَجهه فَحكمه حكم مَا أطارته يَمِينا وَشمَالًا وخلفا وأماما
فصل
وكل رمية فَسدتْ لفساد الْقَبْض أَو النّظر أَو العقد أَو الجذب أَو الْإِطْلَاق حسبت عَلَيْهِ من رشقه
وَإِن فَسدتْ لعَارض لَا ينْسب إِلَى تَقْصِيره نَحْو كسر الْقوس وَانْقِطَاع الْوتر وهبوب الرّيح عَاصِفَة وعروض ظلمَة شَدِيدَة وَنَحْو ذَلِك حسب لَهُ إِن أصَاب وَإِن أَخطَأ لم يحْسب عَلَيْهِ
وَأبْعد من قَالَ من الْأَصْحَاب إِنَّه يحْتَسب عَلَيْهِ وَهُوَ غلط وَأبْعد مِنْهُ من قَالَ من أَصْحَاب الشَّافِعِي لَا يحْتَسب لَهُ مَعَ الْإِصَابَة إِذْ مَعْلُوم أَن الْإِصَابَة مَعَ التنكيد من وجودة الرَّمْي وَفضل الحذق
وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ
إِن عرض كسرالقوس وَانْقِطَاع الْوتر قبل نُفُوذ السهْم لم يحْتَسب عَلَيْهِ وَإِن عرض بعد النّفُوذ حسب عَلَيْهِ
فرع
وَإِن انْكَسَرَ السهْم فَإِن كَانَ لضعف قدحه لم يحْسب عَلَيْهِ
وَإِن كَانَ انكساره لسوء الرَّمْي بِأَن أخلى الفوق فِي النزع عَن الْوتر أَو أغرق فِي النزع فعلق رَأس النصل فِي كبد الْقوس فانكسر حسب عَلَيْهِ لِأَنَّهُ من سوء رميه
وَإِن أصَاب الْغَرَض بعد انكساره فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يُصِيبهُ طولا أَو عرضا فَإِن أَصَابَهُ عرضا لم يحْسب لَهُ وَلَا عَلَيْهِ وَإِن أَصَابَهُ طولا فَإِن
كَانَت الْإِصَابَة بالنصل حسب لَهُ وَإِن أصَاب بِغَيْر النصل لم يحْسب
لَهُ قَالَه أَصْحَابنَا
وَفِيه نظر ظَاهر إِذْ الْإِصَابَة بِرَأْس الْقطعَة الَّتِي فِيهَا الفوق كالإصابة بالنصل سَوَاء وَلَا فرق بَينهمَا
بل قد قَالَ بعض أَصْحَاب الشَّافِعِي إِنَّه إِن أَصَابَهُ بِقِطْعَة النصل لم يحْسب وَإِن أَصَابَهُ بِقِطْعَة الفوق حسب فِي أحد الْوَجْهَيْنِ
وَالْقَوْلَان ضعيفان فِي النّظر وَالْقِيَاس
وَالصَّوَاب أَنه يحْسب لَهُ بهما إِذْ لَا عِبْرَة بالنصل وَإِنَّمَا الْعبْرَة بالإصابة وَلَو كَانَ النصل ضَعِيفا فَسقط دون الْغَرَض وَوَقع السهْم بِلَا نصل فِي الْغَرَض حسب لَهُ قطعا وَهَذَا مثله
فرع
فَإِذا أغرق الرَّامِي فِي النزع فَخرج السهْم من الْجَانِب الآخر حسب لَهُ وَعَلِيهِ فَإِن اعْتَرَضَهُ حَيَوَان فِي طَرِيقه فَأَصَابَهُ وَنفذ مِنْهُ إِلَى الْغَرَض فَأصَاب حسب لَهُ
وَأبْعد من قَالَ من أَصْحَاب الشَّافِعِي إِنَّه لَا يحْسب لَهُ وَلَا وَجه لقَوْله