الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَلّدهُ مِنْهُمَا احْتج بِهِ وَقَررهُ وصال بِهِ وَمَا خَلفه تَأَوَّلَه أَو فوضه فالميزان الرَّاجِح هُوَ قَوْله ومذهبه قد أهْدر مَذَاهِب الْعلمَاء من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وأئمة الْمُسلمين فَلَا ينظر فِيهَا إِلَّا نظر من ردهَا رَاغِبًا عَنْهَا غير مُتبع لَهَا حَتَّى كَأَنَّهَا شَرِيعَة أُخْرَى وَنحن نبرأ إِلَى الله من هَذَا الْخلق الذميم والمرتع الَّذِي هُوَ على أَصْحَابه وخيم ونوالي عُلَمَاء المسلين ونتخير من أَقْوَالهم مَا وَافق الْكتاب وَالسّنة ونزنها بهما لَا نزنهما بقول أحد كَائِنا من كَانَ وَلَا نتَّخذ من دون الله وَرَسُوله رجلا يُصِيب ويخطئ فنتبعه فِي كل مَا قَالَ ونمنع بل نحرم مُتَابعَة غَيره فِي كل مَا خَالفه فِيهِ وَبِهَذَا أوصانا أَئِمَّة الْإِسْلَام فَهَذَا عَهدهم إِلَيْنَا فَنحْن فِي ذَلِك على منهاجهم وطريقهم وهديهم دون من خَالَفنَا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
فصل
(عقد الرِّهَان عقد قَائِم بِنَفسِهِ)
فَإِن قيل هَل العقد (هُوَ) من بَاب الْإِجَارَات أَو من بَاب الجعالات أَو من بَات المشاركات أَو من بَاب النذور والالتزامات أَو من بَاب العدات والتبرعات أَو عقد مُسْتَقل بِنَفسِهِ قَائِم بِرَأْسِهِ خَارج عَن هَذِه الْعُقُود
فَالْجَوَاب إِنَّه عقد مُسْتَقل بِنَفسِهِ قَائِم بِرَأْسِهِ غير دَاخل فِي شَيْء
من هَذِه الْعُقُود لانْتِفَاء أَحْكَامهَا عَنهُ (بطلَان كَون عقد الرِّهَان من عُقُود الْإِجَارَات)
فَأَما بطلَان كَونه من عُقُود الْإِجَارَات فَمن وُجُوه أَحدهَا أَنه عقد جَائِز لكل مِنْهُمَا فَسخه قبل الشُّرُوع فِي الْعَمَل بِخِلَاف الْإِجَارَة الثَّانِي أَن الْعَمَل فِي الْإِجَارَة لَا بُد وَأَن يكون مَعْلُوما مَقْدُورًا للْأَجِير والسبق هَا هُنَا غير ملعوم لَهُ وَلَا مَقْدُور وَلَا يدْرِي أيسبق أم يسْبق وَهَذَا فِي الْإِجَارَة غرر مَحْض الثَّالِث أَن الْعَمَل فِي الْإِجَارَة يرجع إِلَى المسأجر وَالْمَال يعود إِلَى الْأَجِير فَهَذَا بذل مَاله وَهَذَا بذل نَفعه فِي مُقَابلَته فَانْتَفع كل مِنْهُمَا بِمَا عِنْد الآخر بِخِلَاف الْمُسَابقَة فَإِن الْعَمَل يرجع إِلَى السَّابِق الرَّابِع أَن الْأَجِير إِذا لم يوف الْعَمَل لم يلْزمه غرم والمراهن إِذا لم يَجِيء سَابِقًا غرم مَاله إِذا كَانَ مخرجا الْخَامِس أَن عقد الْإِجَارَة لَا يفْتَقر إِلَى مُحَلل وَهَذَا عنْدكُمْ يفْتَقر إِلَيْهِ فِي بعض صوره السَّادِس أَن الْأَجِير إِمَّا مُخْتَصّ وَإِمَّا مُشْتَرك وَهَذَا لَيْسَ وَاحِدًا مِنْهُمَا فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي ذمَّته عمل يلْزمه الْوَفَاء بِهِ وَلَا يلْزمه تَسْلِيم نَفسه إِلَى الْعَاقِد مَعَه السَّابِع أَن الْأُجْرَة تجب بِنَفس العقد وتستحق بِالتَّسْلِيمِ والعوض
هُنَا لَا يجب بِالْعقدِ وَلَا يسْتَحق بِالتَّسْلِيمِ الثَّامِن أَن الْأَجِير لَهُ أَن يَسْتَنِيب فِي الْعَمَل من يقوم مقَامه وَيسْتَحق الْأُجْرَة وَلَيْسَ ذَلِك للمسابق التَّاسِع أَنه لَو أجر نَفسه على عمل بِشَرْط أَن يؤجره الآخر نَفسه على نَظِيره فَسدتْ الْإِجَارَة وَعقد السباق لَا يَصح إِلَّا بذلك فَإِن خلا عَن هَذَا لم يكن عقد سباق كَمَا أَنه إِذا قَالَ إِن أصبت من الْعشْرَة تِسْعَة فلك كَذَا وَكَذَا فَهَذَا لَيْسَ بِعقد رهان وَإِنَّمَا هُوَ تبرع لَهُ على عمل ينْتَفع هُوَ بِهِ أَو هُوَ وَغَيره أَو جعَالَة فِي هَذَا الْحَال يقْضِي عَلَيْهِ بِمَا الْتَزمهُ الْعَاشِر أَن الْأَجِير يحرص على أَن يُوفي الْمُسْتَأْجر غَرَضه والمراهن أحرص شَيْء على ضد غَرَض مراهنه وَهُوَ أَن يغلبه وَيَأْكُل مَاله وَبَينهمَا فروق كَثِيرَة يطول استقصاؤها فتأملها
فصل
بطلَان كَونه من بَاب الجعالات
وَالَّذِي يدل على بطلَان كَونه من بَاب الجعالات وُجُوه أَحدهَا أَن الْعَامِل فِيهِ لَا يَجْعَل لمن يغلبه ويقهره وَإِنَّمَا يبْذل مَاله فِيمَا يعود نَفعه إِلَيْهِ وَلَو كَانَ بذله فِيمَا لَا ينْتَفع بِهِ لم يَصح العقد وَكَانَ سفها الثَّانِي أَن الْجعَالَة يجوز أَن يكون الْعَمَل فِيهَا مَجْهُولا كَقَوْلِه من رد عَبدِي الْآبِق فَلهُ كَذَا وَكَذَا بِخِلَاف عقد السباق فَإِن الْعَمَل فِيهِ لَا يكون إِلَّا مَعْلُوما
الثَّالِث أَنه يجوز أَن يكون الْعِوَض فِي الْجعَالَة مَجْهُولا كَقَوْل الإِمَام من دلَّنِي على حصن أَو قلعة فَلهُ ثلث مَا يغنم مِنْهُ أَو ربعه بِخِلَاف عقد السباق الرَّابِع أَن المراهن قَصده تعجيز خَصمه وَأَن لَا يُوفي عمله بِخِلَاف الْجَاعِل فَإِن قَصده حُصُول الْعَمَل المجعول لَهُ وتوفيته إِيَّاه وَأكْثر الْوُجُوه الْمُتَقَدّمَة فِي الْفرق بَينهمَا وَبَين الْإِجَارَة تَجِيء هَا هُنَا (بطلَان كَونه من عُقُود المشاركات) وَأما بطلَان كَونهَا من عُقُود المشاركات فَظَاهر جدا فَإِنَّهَا لَيْسَ نوعا من أَنْوَاع الشّركَة وَسَائِر أَحْكَامهَا منتفية عَنْهَا
فصل
بطلَان كَونه من بَاب النذور
وَالَّذِي يبطل كَونه من بَاب النذور وُجُوه أَحدهَا أَن النَّاذِر قد الْتزم إِخْرَاج مَا عينه إِن حصل لَهُ مَقْصُوده والمسابق إِنَّمَا يلْزمه إِخْرَاج مَاله إِذا حصل ضد مَقْصُوده الثَّانِي أَن النَّاذِر مُلْتَزم إِخْرَاج مَا نَذره إِلَى غير الْغَالِب لَهُ والمسابق إِنَّمَا الْتزم إِخْرَاجه لمن غَلبه الثَّالِث أَن النَّاذِر لَا يلْزم أَن يكون مَعَه مثله يُشَارِكهُ فِي نَذره والمراهن بِخِلَافِهِ الرَّابِع أَن النّذر مَتى تعذر الْوَفَاء بِهِ انْتقل إِلَى بدله إِن كَانَ لَهُ بدل
شَرْعِي وَإِلَّا فكفارة يَمِين بِخِلَاف المراهن الْخَامِس أَن النّذر يَصح مُطلقًا ومعلقا كَقَوْلِه لله عَليّ صَوْم يَوْم وَإِن شفى الله مريضي فعلي صَوْم يَوْم بِخِلَاف الْمُسَابقَة السَّادِس أَن الْمُسَابقَة لَا تصح على الصَّوْم وَالْحج وَالِاعْتِكَاف وَالصَّلَاة والقرب الْبَدَنِيَّة وَلَا تكون إِلَّا على مَال بِخِلَاف النّذر السَّابِع أَن النّذر مَنْهِيّ عَنهُ وَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِن النّذر لَا يَأْتِي بِخَير بِخِلَاف الْمُسَابقَة فَإِنَّهُ مَأْمُور بهَا مرغب فِيهَا الثَّامِن أَن النّذر عقد لَازم لَا بُد من الْوَفَاء بِهِ والمسابقة عقد جَائِز التَّاسِع أَن النّذر حق لله بِمَا الْتَزمهُ بِهِ لَا يسْقط بِإِسْقَاط العَبْد وَمَا الْتَزمهُ بالمسابقة حق للْعَبد يسْقط بإسقاطه الْعَاشِر أَن النّذر لَا يلْزم أَن يكون جَزَاء على عمل وَيجوز أَن يكون على مَا لَا صنع للْعَبد فِيهِ أَلْبَتَّة كمجئ الْمَطَر وَحُصُول الْوَلَد ونمو الزَّرْع بِخِلَاف عقد الْمُسَابقَة فَإِن قيل فَهَب أَنه لَيْسَ من بَاب نذر التبرر فَمَا الَّذِي يبطل كَونه من بَاب نذر اللجاج وَالْغَضَب وَشبهه بِهِ ظَاهر فَإِن المراهن يَقُول لخصمه إِن غلبتني فلك من مَالِي كَذَا وَكَذَا وَعرضه أَن يحض نَفسه على أَن يكون
هُوَ الْغَالِب وَلَا يخسر مَاله فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ: ان كلمتك فَللَّه عَليّ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ يحض نَفسه على ترك كَلَامه لِئَلَّا يخسر مَاله بِكَلَامِهِ فان الْغَرَض منع نَفسه من الْفِعْل الَّذِي الْتزم لاجله اخراج مَا يكره اخراجه قيل هَذَا حسن لَا بَأْس بِهِ لَكِن الْفرق بَينهمَا ان النَّاذِر مُلْتَزم اخراج مَاله عِنْد فعله مَا يكون مُخَالفا لعقد نَذره والمغالب مُلْتَزم لذَلِك عِنْد سبق غَيره لَهُ وعجزه هُوَ عَن مغالبته لَكِن قد يلْزم النَّاذِر اخراج شَيْء من مَاله عِنْد غَلَبَة غَيره لَهُ كَقَوْلِه ان غلبتني فَمَالِي صَدَقَة وعَلى هَذَا فَيكون الْفرق بَينهمَا ان فِي الْمُسَابقَة [يكون] حرصه على الْمغنم تَارَة وعَلى دفع الْغرم أُخْرَى - فِيمَا اذا كَانَ الْبَاذِل غَيرهمَا أَو كِلَاهُمَا والناذر نذر اللجاج حرصه على دفع الْغرم فَقَط فبينهما جَامع وَفَارق.
فصل
[بطلَان كَونه من بَاب العدات والتبرعات] وَالَّذِي يبطل كَونه من بَاب العدات والتبرعات الْقَصْد والحقيقة وَالِاسْم وَالْحكم اما الْقَصْد فَإِن المراهن لَيْسَ غَرَضه التَّبَرُّع وَأَن يكون مَغْلُوبًا بل غَرَضه الْكسْب وان يكون غَالِبا فَهُوَ ضد الْمُتَبَرّع وَأما الْحَقِيقَة فَإِن التَّبَرُّع وَالْهِبَة لَا تكون على عمل وَمَتى كَانَ على عمل خرج عَن أَن يكون هبة وَكَانَ من نوع الْمُعَاوَضَات
وَأما الِاسْم فَإِن اسْم الرِّهَان والسبق والخطر والجعل غير اسْم الْهِبَة وَالصَّدَََقَة والتبرع وَأما الحكم فأحكام الْهِبَة مُخَالفَة لأحكام الرِّهَان من كل وَجه وَإِن جَمعهمَا مُجَرّد اخراج المَال الى الْغَيْر على وَجه لَا يعتاض باذله عَنهُ فَهَذَا هُوَ الْقدر الْمُشْتَرك بَينه وَبَين الْهِبَة والتبرع وَلَا تخفى الفروق الَّتِي بَين هَذَا العقد وَبَين عقد الْهِبَة فَإِذا عرف هَذَا فَالصَّوَاب ان هَذَا العقد عقد مُسْتَقل بِنَفسِهِ لَهُ أَحْكَام يتَمَيَّز بهَا عَن سَائِر هَذِه الْعُقُود فَلَا تُؤْخَذ أَحْكَامه مِنْهَا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
فصل
[هَل عقد الرِّهَان لَازم أَو جَائِز] وَاخْتلف الْفُقَهَاء فِي هَذَا العقد هَل هُوَ عقد لَازم أَو جَائِز على قَوْلَيْنِ أَحدهمَا أَنه من الْعُقُود الْجَائِزَة وَهَذَا الْمَشْهُور عِنْد أَصْحَاب أَحْمد وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَأحد قولي الشَّافِعِي وَالثَّانِي أَنه عقد لَازم وَهُوَ القَوْل الآخر للشَّافِعِيّ وَوجه فِي
مَذْهَب أَحْمد ولأصحاب الشَّافِعِي فِي مَحل الْقَوْلَيْنِ طريقتان إِحْدَاهمَا أَن الْقَوْلَيْنِ جاريان فِي مُطلق صُورَة العقد سَوَاء كَانَ الْجعل مِنْهُمَا اَوْ من أَحدهمَا أَو من ثَالِث
وَالثَّانيَِة أَن مَحل الْقَوْلَيْنِ فِي حق من أخرج السَّبق وَأما الْمُحَلّل وَمن لم يخرج فَالْعقد جَائِز فِي حَقه قولا وَاحِدًا وَأَصْحَاب هَذِه الطَّرِيقَة رَأَوْا أَن لُزُوم العقد فِي حق من لم يخرج لَا فَائِدَة فِيهِ إِذْ لَا يلْزمه شَيْء فَإِنَّهُ إِمَّا أَن يكْسب مَالا أَو لَا يُعْطي شَيْئا فَلَا فَائِدَة لإلزامه بِعقد لَا يكون معطيا فِيهِ بل آخِذا وَأَصْحَاب الطَّرِيقَة الأولى يَقُولُونَ إِن الْمخْرج قد يَسْتَفِيد التَّعَلُّم مِمَّن لم يخرج فَيكون كالمعارض بِمَالِه على التَّعَلُّم فَيلْزم الآخر تتميم العقد قَالُوا وَلِأَنَّهُ عقد من شَرطه أَن يكون الْعِوَض والمعوض معلومين فَكَانَ لَازِما كَالْإِجَارَةِ وَمن قَالَ بِالْجَوَازِ دون اللُّزُوم قَالَ الْمُسَابقَة عقد على مَالا يتَحَقَّق الْقُدْرَة على تَسْلِيمه فَكَانَ جَائِزا كرد الْآبِق وَذَلِكَ لِأَنَّهُ عقد على الْإِصَابَة وَلَا يدْخل تَحت قدرته وَبِهَذَا فَارق الْإِجَارَة
فصل
فِي التَّفْرِيع على هَذَا الْخلاف قَالَت الشَّافِعِيَّة فرع إِن قُلْنَا باللزوم فَلَا بُد من الْقبُول وَإِن قُلْنَا بِالْجَوَازِ فَهَل يشْتَرط الْقبُول فِيهِ وَجْهَان الْمَذْهَب أَنه لَا يشْتَرط فرع هَل يَصح ضَمَان السَّبق فِيهِ طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَنا إِن قُلْنَا باللزوم صَحَّ وَإِن قُلْنَا بِالْجَوَازِ فَهَل يَصح الضَّمَان على قَوْلَيْنِ والطريقة الثَّانِيَة أَنا إِن قُلْنَا باللزوم فَفِي الضَّمَان قَولَانِ وهما الْقَوْلَانِ فِي ضَمَان مَا لم يجب وَجرى بِسَبَب وُجُوبه فَإِن السَّبق لَا يسْتَحق قبل الْفَوْز اتِّفَاقًا سَوَاء إِن قُلْنَا بِالْجَوَازِ أَو اللُّزُوم فرع هَل يَصح أَخذ هَذَا الرَّهْن بالجعل قَالُوا إِن قُلْنَا لَا يَصح أَخذ الضمين بِهِ لم يَصح أَخذ الرَّهْن وَإِن
أجزنا أَخذ الضمين بِهِ فَفِي جَوَاز أَخذ الرَّهْن وَجْهَان وَالْفرق أَن بَاب الضَّمَان أوسع فَإِن يجوز ضَمَان الْعهْدَة وَلَا يجوز أَخذ الرَّهْن [بهَا] وَيجوز ضَمَان مَا لم يجب وَلَا يجوز أَخذ الرَّهْن بِهِ وَيجوز ضَمَان مَال الْكِتَابَة فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَلَا يَصح أَخذ الرَّهْن بِهِ وَالْفرق بَينهمَا من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن أَخذ الرَّهْن بِضَمَان الْعهْدَة وبمال الْكِتَابَة وَبِمَا لم يجب يمْنَع الارتفاق بِالرَّهْنِ فَإِنَّهُ يمنعهُ من بَيْعه والارتفاق بِهِ فِي كِتَابَته وَأَدَاء مَا عَلَيْهِ من الْحق وَلَيْسَ كَذَلِك الضَّمَان لِأَنَّهُ لَا يعطل على البَائِع شَيْئا وَلَا يمنعهُ الارتفاق بسلعته وَلَا يعطل على الْمكَاتب وَلَا على الْمُقْتَرض شَيْئا الثَّانِي أَن ضرب الرَّهْن يطول لِأَنَّهُ يَدُوم بَقَاؤُهُ عِنْد الْمُرْتَهن وَصَاحبه مَمْنُوع من التَّصَرُّف فِيهِ بِخِلَاف الضمين لِأَن كَون الدّين فِي ذمَّته لَا يمْنَع مَالك السّلْعَة من التَّصَرُّف فِيهَا فالمكاتب يستضر بِالرَّهْنِ وَلَا يستضر بالضمين ويستضر الْمُقْتَرض بِالرَّهْنِ قبل الْقَرْض وَلَا يستضر بالضمين وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ لَا يبعد ان يُوقف السَّبق فَإِن قاربه أَحدهمَا تبين اسْتِحْقَاقه بِالْعقدِ فَيكون كضمان الْعهْدَة إِلَّا أَن هَذِه عُهْدَة تقبل الرَّهْن لقرب أمدها بِخِلَاف عُهْدَة البَائِع إِذْ لَا أمد لَهَا
فرع إِذا قُلْنَا هِيَ عقد جَائِز فَلِكُل وَاحِد مِنْهُمَا فَسخهَا قبل الشُّرُوع اتِّفَاقًا وَإِن أَرَادَ أَحدهمَا الزِّيَادَة فِيهَا أَو النُّقْصَان لم يلْزم الآخر إجَابَته وَإِن اتفقَا على ذَلِك جَازَ وَإِن قُلْنَا باللزوم لم يملك أَحدهمَا فَسخهَا وَإِن اتفقَا على الْفَسْخ جَازَ وَإِن اتفقَا على الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان فِيهِ جازسواء ابقيا العقد أَو فسخاه فرع فَإِن شرعا فِيهَا فَإِن لم يظْهر لأَحَدهمَا فضل على الآخر جَازَ لكل وَاحِد مِنْهُمَا الْفَسْخ وَإِن ظهر لأحدها على الآخر مثل أَن يسْبقهُ بفرسه فِي بعض الْمسَافَة أَو يُصِيب بسهامه أَكثر مِنْهُ فللفاضل الْفَسْخ دون الْمَفْضُول لأَنا لَو جَوَّزنَا للمفضول الْفَسْخ لفات غَرَض الْمُسَابقَة فَلَا يحصل الْمَقْصُود وَكَانَ كل من رأى نَفسه مَغْلُوبًا فسخ [العقد] وَقَالَت الشَّافِعِيَّة إِذا قُلْنَا بِجَوَاز العقد دون لُزُومه فَفِي جَوَاز الْفَسْخ من الْمَفْضُول وَجْهَان فرع فَإِن مَاتَ أحد الْمُتَعَاقدين فَإِن قُلْنَا هِيَ [عقد] جَائِز انْفَسَخت
بِمَوْتِهِ قِيَاسا على سَائِر الْعُقُود الْجَائِزَة من الْوكَالَة وَالشَّرِكَة وَالْمُضَاربَة وَنَحْوهَا وَإِن قُلْنَا هِيَ عقد لَازم لم تَنْفَسِخ بِمَوْت الراكبين وَلَا تلف أحد القوسين وانفسخت بِمَوْت أحد المركوبين والراميين وَالْفرق بَينهمَا أَن العقد تعلق بِعَين المركوب والرامي فانفسخ بتلفه كَمَا لَو تلف الْمَعْقُود عَلَيْهِ فِي الْإِجَازَة بِخِلَاف موت الرَّاكِب وَتلف الْقوس فَإِنَّهُ غير الْمَعْقُود [عَلَيْهِ] فَلم يَنْفَسِخ العقد بتلفه كموت أحد الْمُتَبَايعين وَلِهَذَا يجوز إِبْدَال الْقوس والراكب وَلَا يجوز إِبْدَال الْفرس والرامي فعلى هَذَا يقوم وَارِث الْمَيِّت مقَامه كَمَا لَو اسْتَأْجر شَيْئا ثمَّ مَاتَ فَإِن لم يكن لَهُ وَارِث أَقَامَ الْحَاكِم مقَامه من تركته كَمَا لَو أجر نَفسه لعمل مَعْلُوم ثمَّ مَاتَ فرع فَإِن أخر أَحدهمَا السباق والنضال من الْوَقْت الَّذِي عين فِيهِ فَإِن كَانَ لعذر جَازَ وَإِن كَانَ لغير عذر وَقُلْنَا بِلُزُوم العقد لم يجز وَإِن قُلْنَا بِجَوَازِهِ فللآخر الْفَسْخ وَله الصَّبْر وَهَكَذَا إِن أخر إتْمَام الرَّمْي بعد الشُّرُوع فِيهِ
فصل
فِي إِلْحَاق الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان فِي الْجعل وَعدد الرشق وَمِقْدَار الْمسَافَة فِي عقد السباق والنضال وَهِي سِتّ صور إِلْحَاق زِيَادَة بالمسافة أَو نُقْصَان مِنْهَا وإلحاق زِيَادَة بالجعل أَو نُقْصَان مِنْهُ وإلحاق زِيَادَة بِعَدَد الرَّمْي وَالرُّمَاة أَو نُقْصَان مِنْهُ وَإِن قُلْنَا بِجَوَاز العقد جَازَ ذَلِك كُله بِاتِّفَاق الحزبين وَإِن قُلْنَا بلزومه فَقَالَ أَصْحَاب الشَّافِعِي لَا يلْحق كَمَا لَا تلْحق الزِّيَادَة فِي الثّمن بعد لُزُوم الْبَيْت وَلَا الزِّيَادَة فِي الْأجر بعد لُزُوم الْإِجَازَة وَأما من ألحق الزِّيَادَة فِي الثّمن وَالنُّقْصَان مِنْهُ بعد العقد كأصحاب ابي حنيفَة وَهُوَ القَوْل الرَّاجِح فِي الدَّلِيل فعلى أصولهم يجوز إِلْحَاق الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان فِي هَذَا العقد وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب إِذا اتفقَا عَلَيْهِ وَقد أَمر النَّبِي صلى الله عليه وسلم الصّديق أَن يزِيد فِي الْأَجَل وَالرَّهْن لما رَاهن الْمُشْركين على غَلَبَة الرّوم وَالْفرس وَلَا مَحْذُور فإلحاق هَذِه الزِّيَادَة أصلا بل النَّص وَالْقِيَاس يقتضيان جَوَازهَا وَقد قَالَ أَصْحَابنَا تجوز الزِّيَادَة فِي الصَدَاق بعد لُزُومه مَعَ ان عقد النِّكَاح عقد لَازم وَتَكون الزِّيَادَة كالأصل فِيمَا يقرره وينفعه وَاتَّفَقُوا على جَوَاز الزِّيَادَة فِي الرَّهْن
وَاخْتلفُوا فِي جَوَاز الزِّيَادَة فِي دينه فَمنعهَا أَبُو حنيفَة وَأحمد وأجازها مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي قَوْله الْقَدِيم ومنعها فِي الْجَدِيد وَلم أجد عَن أَحْمد نصا بِالْمَنْعِ وَإِنَّمَا أَخذه أَصْحَابه من نَصه فِي الزِّيَادَة فِي الثّمن وَقَول مَالك فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أرجح إِذْ لَا مَحْذُور فِي ذَلِك وَهِي زِيَادَة تتَعَلَّق بِالرَّهْنِ فجازت كزيادة التَّعَلُّق بِذِمَّة الضَّامِن وَلَا أثر للْفرق بَينهمَا بسعة هَذَا وضيق الرَّهْن لِأَن لَهما أَن يوسعها أَضْعَاف مَا هُوَ مُتَعَلق بِهِ بِأَن يُغير الرَّهْن وَلَوْلَا سعته لما أمكن ذَلِك وَقد قَالَ أَصْحَابنَا لَو جنى العَبْد الْمَرْهُون فَفَدَاهُ الْمُرْتَهن ليَكُون رهنا بِالْفِدَاءِ وبالحق الأول جَازَ وَهَذَا زِيَادَة فِي دين الرَّهْن وَلَكِن فرقوا بَين هَذِه الزِّيَادَة وَبَين غَيرهَا بِأَن الْجِنَايَة تملك الْمَجْنِي عَلَيْهِ الْمُطَالبَة بِبيعِهِ فِي الْجِنَايَة وَإِبْطَال الْوَثِيقَة من الرَّهْن فَصَارَ بِمَنْزِلَة الرَّهْن الْجَائِز قبل قَبضه فَإِنَّهُ يكون غير لَازم وَالرَّهْن قبل لُزُومه تجوز الزِّيَادَة فِي دينه فَكَذَلِك بعد الْجِنَايَة لِأَنَّهُ قد تعرض لزوَال لُزُومه قَالُوا وَلَيْسَ كَذَلِك إِذا لم يجز الرَّهْن لِأَنَّهُ لَازم لَا سَبِيل الى إبِْطَال حق الْمُرْتَهن عَنهُ فَلم يَصح أَن يرهنه بِحَق آخر كَمَا لَو رَهنه عِنْد إِنْسَان آخر قَالُوا وَلِأَنَّهُ قد تعلق بجملته كل جُزْء من أَجزَاء الْحق فَلم يبْق فِيهِ مَوضِع لتَعلق حق آخر بِهِ بِخِلَاف الضَّمَان فَإِن مَحَله ذمَّة الضَّامِن وَهِي متسعة لكل دين يرد عَلَيْهَا وَلمن رجح قَول مَالك أَن يَقُول لما ملكا تَغْيِير العقد وَرَفعه ثمَّ
جعل الرَّهْن وَثِيقَة بالدينين ملكا أَن يجعلاه وَثِيقَة بهما مَعَ بَقَاء العقد واي فَائِدَة أَو مصلحَة حصلت لَهما بتغيير العقد وفسخه وتعريض الْحق للضياع بِإِبْطَال الرَّهْن وَمَعْلُوم أَن الشَّارِع لَا يشرع مَا هُوَ عَبث لَا مصلحَة فِيهِ فَيَقُول إِذا أردتما الزِّيَادَة فِي الدّين فافسخا عقد الرَّهْن وأبطلاه ثمَّ زيدا فِيهِ فتغيير صفته أسهل عَلَيْهِمَا وَأَقل كلفة وَأبين مصلحَة وقولكم إِنَّه قد تعلق بجملة الرَّهْن كل جُزْء من اجزاء الدّين فَهَذَا لَيْسَ مُتَّفقا عَلَيْهِ بَين الْفُقَهَاء فَإِن أَبَا حنيفَة قَالَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ إِذا رهن شَيْئَيْنِ بِحَق فَتلف أَحدهمَا كَانَ الْبَاقِي رهنا بِمَا يُقَابله من الْحق لَا بِجَمِيعِهِ وَلَو سلم أَنه رهن على كل جُزْء من أَجزَاء الْحق لم يمْنَع أَن يصير رهنا على حق آخر باتفاقهما كَمَا لَو غير العقد كَمَا لَو كَانَ جَائِزا لم يلْزم بعد أَو طَرَأَ عَلَيْهِ مَا يعرضه لزوَال لُزُومه وقياسكم الزِّيَادَة فِي الدّين على رَهنه عِنْد رجل آخر لَا يَصح لتَعَدد المطالب الْمُسْتَحق وَحُصُول التَّنَازُع والتشاح فِي التَّقْدِيم بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ الْمُسْتَحق وَاحِدًا وَالْمَقْصُود أَن الزِّيَادَة فِي عقد السباق تصح وَتلْزم إِذا اتفقَا عَلَيْهَا كَمَا زَاد الصّديق فِي الْمدَّة والخطر بِأَمْر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم