الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبي هُرَيْرَة وَلَا أُرِيد بهَا بِنَفْي وَلَا إِثْبَات وعَلى هَذَا فَكل وَاحِد من الْحَدِيثين يبْقى مَعْمُولا بِهِ لِأَنَّهُ على بَابه وَلَا تعَارض بَينهمَا وَهُوَ تَقْرِير حسن قَالُوا فَهَذِهِ نبذة من أدلتنا على عدم اشْتِرَاط الْمُحَلّل فِي السباق فَإِن كَانَ عنْدكُمْ مَا يعارضها فَحَيَّهَلا بِهِ فَنحْن من وَرَاء الْقبُول لَهُ إِن قاومها وَمن وَرَاء الرَّد وَالْجَوَاب إِن لم يقاومها ومحال أَن تقوم هَذِه الْأَدِلَّة وَأكْثر مِنْهَا على أَمر بَاطِل فِي الشَّرْع يتَضَمَّن تَحْلِيل مَا حرمه الله وَرَسُوله وإلحاق الْقمَار بالحلال وَلَا يكون عَنْهَا أجوبة صَحِيحَة صَرِيحَة وَلها معَارض مقَام فَمن ادّعى بُطْلَانهَا فليجب عَنْهَا أجوبة م
فصل
ة وَإِلَّا فليعرف قدره وَلَا يتَعَدَّى طوره وَلَا يقتحم حلبة هَذَا السباق إِلَّا إِذا وثق من نَفسه بمقاومة الرفاق
فصل
أَدِلَّة الْقَائِلين بِاشْتِرَاط الْمُحَلّل
قَالَ أَصْحَاب التَّحْلِيل لقد أجلبتم علينا بخيل الْأَدِلَّة ورجلها وجنبتم مَعهَا شكلها وَغير شكلها وجيوش أدلتنا وراءكم فِي الطّلب وسائقها يَقُول أدركتم وسبقتم فَلَا حَاجَة بكم إِلَى الجلب وَالْجنب فَاسْتَعدوا الْآن للقاء جيوش من الْأَدِلَّة إِن طلبت أعجزت من طلبَهَا وَإِن طلبت أدْركْت من استنصر بهَا فَهُوَ مَنْصُور وَمن عاندها فَهُوَ مقهور وسلطان هَذِه العساكر المنصورة كتاب الله ثمَّ سنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وأمراؤها أَئِمَّة الْإِسْلَام من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمن بعدهمْ وَهَذِه طَلِيعَة الْجَيْش قد أَقبلت وسلطانه قد برز
قَالَ الله تَعَالَى:
{وَمَا كَانَ لمُؤْمِن وَلَا مُؤمنَة إِذا قضى الله وَرَسُوله أمرا أَن يكون لَهُم الْخيرَة من أَمرهم} [الْأَحْزَاب 36]
وَقَالَ [الله] تَعَالَى:
{وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنهُ فَانْتَهوا} [الْحَشْر 7]
وَقَالَ [الله تَعَالَى] : {فَلَا وَرَبك لَا يُؤمنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شجر بَينهم ثمَّ لَا يَجدوا فِي أنفسهم حرجا مِمَّا قضيت ويسلموا تَسْلِيمًا} [النِّسَاء 65]
وَقَالَ [الله] تَعَالَى:
{فَإِن تنازعتم فِي شَيْء فَردُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُول إِن كُنْتُم تؤمنون بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر ذَلِك خير وَأحسن تَأْوِيلا} [النِّسَاء 59]
وَقد تنازعنا نَحن وَأَنْتُم فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فلأي الْقَوْلَيْنِ شهد الْقُرْآن وَالسّنة أَخذنَا بِهِ وَلم نَتْرُك مُوجبه لقَوْل أحد وَعند هَذَا فَنَقُول
الدَّلِيل على اشْتِرَاط الْمُحَلّل من وُجُوه
[الدَّلِيل الأول على اشْتِرَاط الْمُحَلّل]
الأول مَا رَوَاهُ حَافظ الْأمة مُحَمَّد بن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن أعلم التَّابِعين سعيد بن الْمسيب عَن حَافظ الْإِسْلَام أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم:
من أَدخل فرسا بَين فرسين وَهُوَ لَا يَأْمَن أَن يسْبق فَلَا بَأْس وَمن
ادخل فرسا بَين فرسين وَهُوَ آمن أَن يسْبق فَهُوَ قمار
رَوَاهُ إِمَام أهل السّنة أَحْمد [بن حَنْبَل] فِي مُسْنده عَن يزِيد بن هَارُون ثَنَا سُفْيَان بن حُسَيْن عَن الزُّهْرِيّ وَبنى عَلَيْهِ مذْهبه وَعمل بِهِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه فِي سُنَنهمَا وَرَوَاهُ أَبُو بكر بن أبي شَيْبه وَقَالَ أَبُو عبد الله الْحَاكِم:
هُوَ صَحِيح الْإِسْنَاد
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم
هُوَ صَحِيح وَلَيْسَ فِي رجال هَذَا الْإِسْنَاد من يَنْبَغِي النّظر فِيهِ إِلَّا سُفْيَان بن حُسَيْن هَذَا [فَإِنَّهُم أَئِمَّة الْإِسْلَام وَهُدَاة الْأَنَام فَنَقُول وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق سُفْيَان هَذَا قد وَثَّقَهُ أَحْمد بن عبد الله الْعجلِيّ وَيحيى ابْن معِين فِي رِوَايَة مُحَمَّد بن سعد وَقَالَ كَانَ يُخطئ
وَوَثَّقَهُ عُثْمَان بن أبي شبية
وَقَالَ عَبَّاس الدوري
سَالَتْ يحيى عَنهُ فَقَالَ لَيْسَ بِهِ بَأْس وَلَيْسَ من أكَابِر أَصْحَاب الزُّهْرِيّ
وَقَالَ يحيى فِي رِوَايَة ابْن أبي خَيْثَمَة
هُوَ صَالح وَحَدِيثه عَن الزُّهْرِيّ لَيْسَ بِذَاكَ إِنَّمَا سمع مِنْهُ بِالْمَوْسِمِ
وَقَالَ أَبُو الْفرج ابْن الْجَوْزِيّ وَمُحَمّد بن عبد الْوَاحِد الْمَقْدِسِي
خرج مُسلم حَدِيثه فِي صَحِيحه وَاسْتشْهدَ بِهِ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه وَقد صحّح لَهُ التِّرْمِذِيّ عَن غير الزُّهْرِيّ فَقَالَ حَدثنَا زِيَاد بن ايوب حَدثنَا عباد بن الْعَوام عَن سُفْيَان بن حُسَيْن عَن يُونُس بن عبيد عَن عَطاء عَن جَابر
أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم نهى عَن المحاقلة والمزابنة وَالْمُخَابَرَة والثنيا إِلَّا أَن يعلم
ثمَّ قَالَ
هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب من هَذَا الْوَجْه من حَدِيث يُونُس ابْن عبيد عَن عَطاء عَن جَابر
وَيَكْفِي سكُوت الإِمَام أَحْمد عَنهُ بعد إِخْرَاجه لَهُ وبناؤه مذْهبه عَلَيْهِ
وَهَذَا يدل على صِحَّته عِنْده
وَقد قَالَ الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ إِن مَا خرجه الإِمَام أَحْمد فِي الْمسند فَهُوَ صَحِيح عِنْده
قَالُوا وَقد قَالَ أَبُو الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله إِن الحَدِيث مَحْفُوظ عَن الزُّهْرِيّ وَقد شهد أَبُو أَحْمد [بن] عدي أَن للْحَدِيث أصلا وَصوب رِوَايَة سعيد لَهُ عَن أبي هُرَيْرَة وناهيك بهؤلاء الْأَعْلَام وَقد سَالَ التِّرْمِذِيّ البُخَارِيّ عَن حَدِيث سُفْيَان بن حُسَيْن فِي الصَّدقَات فَقَالَ أَرْجُو أَن يكون مَحْفُوظًا وسُفْيَان بن حُسَيْن صَدُوق فَهَذَا إِمَام هَذَا الشَّأْن قد شهد لحديثه عَن الزُّهْرِيّ بِأَنَّهُ مَحْفُوظ ولسفيان بن حُسَيْن بِالصّدقِ وَمثل هَذَا يَكْفِي فِي الِاحْتِجَاج بِالْحَدِيثِ
قَالُوا وَقد تَابعه على رِوَايَته لَهُ عَن الزُّهْرِيّ سعيد بن بشير قَالَه أَبُو دَاوُد وَابْن عدي وَلَا ريب أَن هَذَا يُقَوي أَمر الحَدِيث ويزيل عَنهُ تفرد سُفْيَان بن حُسَيْن بِهِ
وَقد أثنى الْأَئِمَّة على سعيد بن بشير هَذَا فَقَالَ شُعْبَة كَانَ حَافِظًا صَدُوق اللِّسَان
وَقَالَ أَبُو زرْعَة الدِّمَشْقِي رَأَيْت عِنْد أبي مسْهر موضعا للْحَدِيث
قَالَ وَقلت لدحيم مَا تَقول فِي مُحَمَّد بن رَاشد فَقَالَ ثِقَة وَكَانَ يمِيل إِلَى هوى قلت فَأَيْنَ هُوَ من سعيد بن بشير فَقدم سعيدا عَلَيْهِ
وَفِي لفظ سَأَلت دحيما عَن قَول من أدْرك فِي سعيد فَقَالَ يوثقونه
وَقَالَ البُخَارِيّ يَتَكَلَّمُونَ فِي حفظه وَهُوَ يحْتَمل
وَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم سَأَلت أبي وَأَبا زرْعَة عَن سعيد بن بشير فَقَالَا مَحَله الصدْق وَعِنْدنَا قلت يحْتَج بحَديثه قَالَا يحْتَج لحَدِيث ابْن أبي عرُوبَة والدستوائي هَذَا شيخ يكْتب حَدِيثه
قَالَ وَسمعت ابي يُنكر على من أدخلهُ فِي كتاب الضُّعَفَاء وَقَالَ يحول
وَقَالَ عُثْمَان بن سعيد الدِّرَامِي كَانَ مَشَايِخنَا يَقُولُونَ هُوَ ثِقَة
قَالُوا وَإِنَّمَا تكلم فِي سعيد بن بشير هَذَا من تكلم فِي حَدِيثه عَن قتاده لنكرة وَقعت فِيهِ حَتَّى قَالَ ابْن عدي وَالدَّارَقُطْنِيّ إِنَّه أَخطَأ فِي هَذَا الحَدِيث فِي رِوَايَته [إِيَّاه] عَن قتاده عَن سعيد بن الْمسيب عَن ابي هُرَيْرَة وَرِوَايَته إِيَّاه عَن الزُّهْرِيّ وَرِوَايَته إِيَّاه عَن سعيد سَالِمَة من [هَذَا] الْقدح ووافقة عَلَيْهَا سُفْيَان بن حُسَيْن.
قَالُوا فَالْحَدِيث إِذن صَحِيح الْإِسْنَاد لثقة رِجَاله وَترك إِخْرَاج أَصْحَاب الصَّحِيح لَهُ لَا يدل على ضعفه كَغَيْرِهِ من الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الَّتِي تركا إخْرَاجهَا
قَالُوا وقصارى مَا يُعلل بِهِ الْوَقْف على سعيد بن الْمسيب وَهَذَا لَيْسَ بعلة فقد يكون الحَدِيث عِنْد الرَّاوِي مَرْفُوعا ثمَّ يُفْتِي بِهِ من قَوْله فينقل عَنهُ مَوْقُوفا فَلَا تنَاقض بَين الرِّوَايَتَيْنِ
فصل
[وجهة الدّلَالَة مِنْهُ]
قَالُوا فَهَذَا تَقْرِير الحَدِيث من جِهَة السَّنَد وَأما تَقْرِير الدّلَالَة مِنْهُ فَهُوَ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أخبر أَن المتسابقين مَتى أدخلا بَينهمَا ثَالِثا قد أَمن أَن يسْبق فَهُوَ قمار وَمَعْلُوم أَن دُخُوله لم يَجْعَل العقد قمارا بل إخراجهما هُوَ الَّذِي جعل العقد قمارا ودخوله على غير الْوَجْه الَّذِي دخلا عَلَيْهِ من الجراء وَالْخَوْف لَا عِبْرَة بِهِ فَكَأَنَّهُ لم يدْخل فَكَانَ العقد قمارا إِذْ لَا تَأْثِير [لَهُ] لدُخُوله فِيهِ مَعَ الْأَمْن فَإِذا دخل على الْوَجْه الَّذِي دخلا عَلَيْهِ من الْخَوْف والرجاء لم يكن قمارا وَذَلِكَ لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا قبل الْمُحَلّل دائر [بَين] أَن يَأْخُذ من الآخر أَو يُعْطِيهِ فَهُوَ دائر بَين أَن يغنم أَو يغرم والمخرج لم يقْصد أَن يَجْعَل للسابق جعلا على سبقه حَتَّى يكون من جنس الجعائل فَإِذا دخل بَينهمَا ثَالِث كَانَ لَهما حَال ثَانِيَة وَهُوَ أَن يعطيا جَمِيعًا الثَّالِث فَيكون الثَّالِث لَهُ جعل على سبقه لَهما
فَيكون من جنس الجعائل
قَالُوا وَإِنَّمَا شَرط النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه لَا يَأْمَن أَن يسْبق لِأَنَّهُ لم يكتف بِصُورَة الدخيل حَتَّى يكون دُخُوله حِيلَة مُجَرّدَة بل لَا بُد أَن يكون فرسه يحصل مَعَه [مَقْصُود] انْتِفَاء الْقمَار بمكافأته لفرسيهما قَالُوا وَلِهَذَا يشْتَرط [هَذِه] الْمُكَافَأَة من يجوز الْحِيَل فَلَا يجوز دُخُول هَذَا الثَّالِث حِيلَة بل لَا بُد أَن يخَاف [مِنْهُ مَا يخَاف] من كل وَاحِد من المخرجين ويرجو مَا يَرْجُو لَهُ وَلَا يَكْفِي صورته ليتَحَقَّق الْخُرُوج بِدُخُولِهِ عَن شبه الْقمَار
هَذَا غَايَة مَا يُقرر بِهِ هَذَا الحَدِيث سندا وَدلَالَة
فصل
[الدَّلِيل الثَّانِي على اشْتِرَاط الْمُحَلّل]
قَالُوا وَالدَّلِيل الثَّانِي على اشْتِرَاط الْمُحَلّل مَا رَوَاهُ أَبُو حَاتِم ابْن حبَان فِي صَحِيحه فَقَالَ ثَنَا الْحسن بن سُفْيَان ثَنَا ابراهيم بن الْمُنْذر ثَنَا عبد الله بن نَافِع عَن عَاصِم عَن عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر
أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم سَابق بَين الْخَيل وَجعل بَينهمَا سبقا وَجعل بَينهمَا محللا وَقَالَ لَا سبق إِلَّا فِي حافر أَو خف أَو نصل
قَالُوا فَهَذَا إِسْنَاد كلهم ثِقَات وَتَصْحِيح أبي حَاتِم لحَدِيث عَاصِم هَذَا وَهُوَ عَاصِم بن عمر بن حَفْص يدل على كَونه ثقه عِنْده وَوجه الِاسْتِدْلَال مِنْهُ ظَاهر
فصل
[الدَّلِيل الثَّالِث على اشْتِرَاط الْمُحَلّل]
الدَّلِيل الثَّالِث مَا رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو إِسْحَاق يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم السَّعْدِيّ فِي كِتَابه المترجم فَقَالَ حَدثنِي عبد الله بن يُوسُف حَدثنَا يحيى بن حَمْزَة قَالَ حَدثنِي رجل من بني مَخْزُوم من ولد الْحَارِث بن هِشَام قَالَ حَدثنِي أَبُو الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا جلب وَلَا جنب وَإِذا لم يدْخل المتراهنان فرسا يَسْتَبِقَانِ على السَّبق فِيهِ فَهُوَ حرَام
قَالُوا فَهَذَا اسناد لَا يسْأَل عَن رِجَاله وَهَذَا الرجل الْمَجْهُول غَايَته أَنه لم يسم فَالْحَدِيث بِهِ يكون مُرْسلا فَإِذا انْضَمَّ إِلَى ذَيْنك الْحَدِيثين قوي أمره وَصلح الاستشهاد بِهِ لَا للاعتماد عَلَيْهِ
فصل
[الدَّلِيل الرَّابِع على اشْتِرَاك الْمُحَلّل]
الدَّلِيل الرَّابِع مَا رَوَاهُ السَّعْدِيّ أَيْضا عَن عَمْرو بن عَاصِم حَدثنَا
حَمَّاد عَن عَليّ بن زيد عَن سعيد بن الْمسيب أَن رجلَيْنِ تقامرا فِي ظَبْي وهما محرمان أَيهمَا يسْبق إِلَيْهِ فَسبق أَحدهمَا صَاحبه فَقَالَ عمر هَذَا قمار وَلَا نجيزه
فَجعله قمارا لما أخرجَا مَعًا وَلَو أخرج أَحدهمَا لم يقل تقامرا فَإِن التقامر إِنَّمَا يكون من اثْنَيْنِ
فصل
[الدَّلِيل الْخَامِس على اشْتِرَاك الْمُحَلّل]
الدَّلِيل الْخَامِس مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع قَالَ مر النَّبِي صلى الله عليه وسلم على نفر من أسلم ينتضلون بِالسوقِ فَقَالَ ارموا بني إِسْمَاعِيل فِي فَإِن اباكم كَانَ راميا ارموا وَأَنا مَعَ بنى فلَان فَأمْسك أحد الْفَرِيقَيْنِ بِأَيْدِيهِم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَا لكم لَا ترمون فَقَالُوا كَيفَ نرمي وَأَنت مَعَهم فَقَالَ ارموا وَأَنا مَعكُمْ كلكُمْ
قَالُوا وَلَا يكون مَعَ الطَّائِفَتَيْنِ إِلَّا وَهُوَ مُحَلل وَإِلَّا كَانَ مَعَ أَحدهمَا
فصل
[الدَّلِيل السَّادِس على اشْتِرَاط الْمُحَلّل]
الدَّلِيل السَّادِس أَنَّهُمَا إِذا أخرجَا مَعًا وَلم يكن هُنَاكَ مُحَلل كَانَ قمارا وَهُوَ حرَام لِأَنَّهُ يبْقى كل مِنْهُمَا دائرا بَين أَن يغرم وَبَين أَن يغنم وَهَذَا هُوَ الْقمَار فَإِذا أدخلا بَينهمَا ثَالِث حصل قسم ثَالِث وَهُوَ أَن يسبقهما فَيَأْخُذ جعليهما مَعًا وَلَا يغرم شَيْئا فَيصير العقد بِهِ فِي حكم عُقُود الجعالات فكأنهما جعلا لهَذَا الْمُحَلّل جعلا إِن سبقهما فَمَا لم يسبقهما لم يسْتَحق الْجعل
قَالُوا وَلَو لم يكن فِي هَذَا الا قَول أعلم التَّابِعين وَلَا سِيمَا بقضايا عمر وَهُوَ سعيد بن الْمسيب وَكَانَ عبد الله بن عمر يبْعَث يسْأَله عَن قضايا أَبِيه فَإِنَّهُ أفتى بذلك وَتَبعهُ عَلَيْهِ فُقَهَاء الحَدِيث كَالْإِمَامِ أَحْمد
وَالشَّافِعِيّ وفقهاء الرَّأْي كَأبي حنيفَة وَأَصْحَابه وَمن النَّاس غير هَؤُلَاءِ فيكفينا أَن ثَلَاثَة أَرْكَان الْأمة من جانبنا والركن الآخر وَهُوَ مَالك عَنهُ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا مُوَافقَة سعيد بن الْمسيب فِي القَوْل بالمحلل قَالَ أَبُو عمر بن عبد الْبر وَهُوَ الأجود من قوليه وَقَول سعيد بن الْمسيب وَجُمْهُور أهل الْعلم وَاخْتَارَهُ ابْن الْمَوَّاز
قَالُوا وَمذهب أبي حنيفَة أَن التَّابِعِيّ إِذا عاصر الصَّحَابَة وزاحمهم فِي الْفَتْوَى وأقروه على ذَلِك كَانَ قَوْله حجَّة
قَالُوا وَهَذَا مَذْهَب إِمَام أهل الشَّام الْأَوْزَاعِيّ وَإِمَام أهل خُرَاسَان إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَهُوَ مَذْهَب الزُّهْرِيّ فقد تواطأ على هَذَا الْمَذْهَب فُقَهَاء الْأَمْصَار وفقهاء الْآثَار وفقهاء الرَّأْي وَالْقِيَاس وَقد سَمِعْتُمْ أدلته [ردود مشترطي الْمُحَلّل على مخالفيهم]
قَالُوا وَأما أدلتكم فَهِيَ نَوْعَانِ أثرية ومعنوية
فَأَما الأثرية فَالصَّحِيح مِنْهَا إِمَّا عَام وأدلتنا خَاصَّة فَتقدم عَلَيْهِ أَو مُجمل وأدلتنا مفصلة وَإِمَّا مُتَقَدم مَنْسُوخ بِمَا ذكرنَا من الْأَدِلَّة كقصة مصارعة النَّبِي صلى الله عليه وسلم ومراهنة الصّديق فَإِنَّهُمَا كَانَا فِي أول الْإِسْلَام
قَالُوا وَقد حكى [أَبُو] مُحَمَّد بن حزم الْإِجْمَاع على نسخ قصَّة
الصّديق ومراهنته فَإِنَّهُ قَالَ أَجمعت الْأمة الَّتِي لَا يجوز عَلَيْهَا الْخَطَأ فِيمَا نقلته مجمعة عَلَيْهِ أَن الميسر الَّذِي حرمه الله هُوَ الْقمَار وَذَلِكَ ملاعبة الرجل صَاحبه على أَن من غَالب مِنْهُمَا أَخذ من المغلوب قمرته الَّتِي جعلاها بَينهمَا كالمتصارعين يتصارعان والراكبين يتراكبان على أَن من غلب مِنْهُمَا فللغالب على المغلوب كَذَا وَكَذَا خطارا وقمارا فَإِن ذَلِك هُوَ الميسر الَّذِي حرمه الله تَعَالَى وَقد قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم من قَالَ لصَاحبه تعال أقامرك فليتصدق
قَالُوا وَلَا يعلم فِي هَذِه الْمَسْأَلَة إِلَّا مذهبان
مَذْهَب من يمْنَع اخراج الرَّهْن من الحزبين مَعًا سَوَاء كَانَ بِمُحَلل أَو لم يكن بِمُحَلل وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوف من مَذْهَب مَالك
قَالَ أَبُو عمر بن عبد الْبر قَالَ مَالك لَا تَأْخُذ بقول سعيد بن الْمسيب فِي الْمُحَلّل وَلَا يجب الْمُحَلّل فِي الْخَيل
قَالَ صَاحب الْجَوَاهِر
وَهَذَا الْمَشْهُور عَنهُ
وَالْقَوْل الثَّانِي قَول من يجوزه بِشَرْط الْمُحَلّل وَهُوَ قَول من حكينا
قَوْله آنِفا
وَأما الْجَوَاز من الحزبين من غير مُحَلل فَلَا نعلم بِهِ قَائِلا من الْأَئِمَّة المتبوعين
قَالُوا وَأما مَا استدللتم بِهِ من قَوْله رَاهن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَأَن الْمُرَاهنَة مفاعلة وحقيقتها من اثْنَيْنِ فَذَلِك غير لَازم فِيهَا فَإِنَّهُ يُقَال سَافر فلَان وعاقب اللص وطارق النَّعْل وَيَكْفِي عافاك الله
وَأما المعنوية فسائر مَا ذكرْتُمْ من الْمعَانِي والإلزامات فنردها كلهَا بِأَمْر وَاحِد وَهُوَ فَسَاد [اعْتِبَارهَا لتضمنها مُخَالفَة مَا ذكرنَا من النُّصُوص الدَّالَّة على] اعْتِبَار الْمُحَلّل فَلَا حَاجَة إِلَى افراد كل وَاحِد مِنْهَا بِجَوَاب فَهَذَا غَايَة مَا تمسكت بِهِ هَذِه الْفرْقَة وانْتهى إِلَيْهِ نظرهم واستدلالتهم [قَالُوا] فقد تبين انا أولى بالأدلة الشَّرْعِيَّة آثارها ومعانيها مِنْكُم كَمَا نَحن أولى بالأئمة مِنْكُم فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فَإِن كاثرتمونا بالأدلة كاثرناكم بالأئمة فَكيف وَدَلِيل وَاحِد من الْأَدِلَّة الَّتِي ذَكرنَاهَا يكفينا فِي النُّصْرَة علكيم
قَالُوا وَهَؤُلَاء جُمْهُور الْأمة قد رَأَوْا هَذَا القَوْل حسنا وَفِي الحَدِيث مَا رأه الْمُسلمُونَ الْمُؤْمِنُونَ حسنا فَهُوَ عِنْد الله حسن
وَمَا عداهُ فَقَوْل شَاذ وَمن شَذَّ شَذَّ الله بِهِ وَقد قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم الشَّيْطَان مَعَ الْوَاحِد وَهُوَ من الْإِثْنَيْنِ أبعد
فصل \
ردود منكري الْمُحَلّل على مخالفيهم]
قَالَ المنكرون للمحلل لسنا مِمَّن يقعقع لَهُ بالشنان وَلَا مِمَّن يفر إِذا أشرع إِلَيْهِ طرف السنان وَإِنَّا بِحَمْد الله للحق ناصرون وَبِه منتصرون [وَفِيه متبصرون] وَبِه مخاصمون وَإِلَيْهِ محاكمون وَهُوَ أخبيتنا الَّتِي نفزع اليها وقاعدتنا الَّتِي نعتمد عَلَيْهَا وَنحن نبرأ إِلَى الله مِمَّا سواهُ ونعوذ بِاللَّه ان ننصر إِلَّا اياه ولسنا مِمَّن يعرف الْحق بِالرِّجَالِ وَإِنَّمَا مِمَّن يعرف الرِّجَال بِالْحَقِّ ولسنا مِمَّن يعرض الْحق على آراء الْخلق فَمَا وَافقه مِنْهَا قبله وَمَا خَالفه رده وَإِنَّمَا نَحن مِمَّن يعرض آراء الرِّجَال وأقوالها على الدَّلِيل فَمَا وَافقه مِنْهَا اعْتد بِهِ وَقَبله وَمَا خَالفه خَالفه
قَالُوا وَنحن نبين أَن جيوش أدلتكم الَّتِي عولتم عَلَيْهَا واستندتم فِي النُّصْرَة اليها لَيست لَهَا فِي مقاومة جيوشنا يدان وَلَا تجْرِي مَعَ فرسانها فِي ميدان وَإِنَّهَا احاديث بَاطِلَة معلولة وصحيحها لَيْسَ مَعكُمْ مِنْهُ شَيْء وَإِن قياسكم بَين الْبطلَان من أَكثر من أَرْبَعِينَ وَجها فَنَقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
أما مَا قدمتم من ذكر قَوْله تَعَالَى {وَمَا كَانَ لمُؤْمِن وَلَا مُؤمنَة إِذا قضى الله وَرَسُوله أمرا أَن يكون لَهُم الْخيرَة من أَمرهم} [الْأَحْزَاب 36] وَقَوله {وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ} [الْحَشْر 7] إِلَى آخر الْمُقدمَة فَنعم وَالله وسمعا وَطَاعَة لداعي الله وَرَسُوله وتركا لكل قَول يُخَالِفهُ
وَنحن ننشدكم الله إِذا دعوناكم إِلَى النُّصُوص الَّتِي تخَالف من قلدتموه هَل تقدمونها على قَوْله وتقولون بموجبها أم تَجْعَلُونَ قَول من قلدتموه نصا محكما [حَاكما عَلَيْهَا] والنصوص ظواهر متشابهة إِن أمكن
ردهَا بأنواع التأويلات والا قيل صَاحب الْمَذْهَب أعلم
وَعند هَذَا فَنَقُول
[الرَّد على الدَّلِيل الأول]
أما الحَدِيث الأول وَهُوَ حَدِيث سعيد بن الْمسيب فَالْكَلَام مَعكُمْ فِيهِ فِي مقامين
أَحدهمَا صِحَّته مَرْفُوعا إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم
الثَّانِي بَيَان دلَالَته على مَحل النزاع
[ضعف الحَدِيث]
فَأَما الْمقَام الأول فَنَقُول هَذَا حَدِيث لَا يَصح عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَلْبَتَّة وَنحن نذْكر كَلَام من تكلم فِي الحَدِيث من الْأَئِمَّة وَفِي سُفْيَان بن حُسَيْن
فَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم فِي كتاب الْعِلَل لَهُ
سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ يزِيد بن هَارُون وَغَيره عَن سُفْيَان بن حُسَيْن عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا أَيّمَا رجل أَدخل فرسا بَين فرسين وَهُوَ يَأْمَن أَن يسْبق فَهُوَ قمار قَالَ أبي هَذَا خطأ لم يعْمل سُفْيَان بن حُسَيْن شَيْئا لَا يشبه أَن يكون عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأحسن أَحْوَاله أَن يكون عَن سعيد بن الْمسيب من قَوْله وَقد رَوَاهُ يحيى بن
سعيد عَن سعيد من قَوْله
وَقَالَ ابْن أبي خَيْثَمَة فِي تَارِيخه
سَأَلت يحيى بن معِين عَن حَدِيث سُفْيَان بن حُسَيْن عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم من أَدخل فرسا بَين فرسين الحَدِيث فَقَالَ بَاطِل وَخطأ على أبي هُرَيْرَة
وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه بعد أَن أخرجه رَوَاهُ معمر وَشُعَيْب وَعقيل عَن الزُّهْرِيّ عَن رجال من أهل الْعلم قَالُوا من أَدخل فرسا وَهَذَا أصح عندنَا
هَذَا لفظ أبي دَاوُد فَلَا يَنْبَغِي أَن يقْتَصر الْمخْرج لَهُ من السّنَن على قَوْله رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ويسكت عَن تَعْلِيله لَهُ
وَقد رَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ عَن ابْن شهَاب عَن سعيد بن الْمسيب أَنه قَالَ من أَدخل فرسا فَجعله من كَلَام سعيد نَفسه
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الأساطين الْأَثْبَات من أَصْحَاب الزُّهْرِيّ معمر بن رَاشد وَعقيل بن خَالِد وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة وَاللَّيْث بن سعد وَيُونُس
ابْن يزِيد الْأَيْلِي وَهَؤُلَاء أَعْيَان اصحاب الزُّهْرِيّ كلهم رَوَوْهُ عَن سعيد بن الْمسيب من قَوْله
وَمِمَّنْ اعله ابو عبيد الْقَاسِم بن سَلام وَأعله أَبُو عمر بن عبد الْبر فِي التَّمْهِيد وَقَالَ هَذَا حَدِيث انْفَرد بِهِ سُفْيَان بن حُسَيْن من بَين اصحاب ابْن شهَاب ثمَّ أعله بِكَلَام ابي دَاوُد
وَقَالَ بعض الْحفاظ يبعد جدا أَن يكون الحَدِيث عِنْد الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن ابي هُرَيْرَة مَرْفُوعا ثمَّ لَا يرويهِ وَاحِد من أَصْحَابه الملازمين لَهُ المختصين بِهِ الَّذين يحفظون حَدِيثه حفظا وهم أعلم النَّاس بحَديثه وَعَلَيْهِم مَدَاره وَكلهمْ يَرْوُونَهُ عَنهُ كَأَنَّمَا من قَول سعيد نَفسه وتتوفر هممهم ودواعيهم على ترك رَفعه إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم وهم الطَّبَقَة الْعليا من أَصْحَابه المقدمون على كل من عداهم مِمَّن روى عَن الزُّهْرِيّ ثمَّ ينْفَرد بِرَفْعِهِ من لَا يدانيهم وَلَا يقاربهم لَا فِي الِاخْتِصَاص بِهِ وَلَا فِي الْمُلَازمَة لَهُ وَلَا فِي الْحِفْظ و [لَا فِي] الإتقان وَهُوَ مَعْدُود عِنْدهم فِي الطَّبَقَة السَّادِسَة من أَصْحَاب الزُّهْرِيّ على مَا قَالَ أَبُو عبد الرَّحْمَن النَّسَائِيّ وَهُوَ سُفْيَان بن حُسَيْن فَمن لَهُ
ذوق فِي علم الحَدِيث لَا يشك وَلَا يتَوَقَّف أَنه من كَلَام سعيد بن الْمسيب لَا من كَلَام رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَلَا يَتَأَتَّى لَهُ الحكم بِرَفْع الحَدِيث إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم بل إِمَّا أَن يرويهِ ويسكت عَنهُ أَو يُنَبه عَلَيْهِ
وَسمعت شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية يَقُول رفع هَذَا الحَدِيث إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم خطأ وَإِنَّمَا هُوَ من كَلَام سعيد بن الْمسيب
قَالَ وَهَذَا مِمَّا يعلم أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ أَنه لَيْسَ من كَلَام النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَإِنَّمَا هُوَ من كَلَام سعيد بن الْمسيب نَفسه وَهَكَذَا رَوَاهُ الثِّقَات الْأَثْبَات من أَصْحَاب الزُّهْرِيّ عَنهُ عَن سعيد بن الْمسيب مثل اللَّيْث بن سعد وَعقيل وَيُونُس وَمَالك بن أنس وَذكره فِي الْمُوَطَّأ عَن سعيد بن الْمسيب نَفسه وَرَفعه سُفْيَان بن حُسَيْن الوَاسِطِيّ وَهُوَ ضَعِيف لَا يحْتَج بِمُجَرَّد رِوَايَته عَن الزُّهْرِيّ لغلطه فِي ذَلِك
قلت فقد غلط الإِمَام الشَّافِعِي سُفْيَان بن حُسَيْن فِي تفرده عَن الزُّهْرِيّ بِحَدِيث الرجل جَبَّار فَقَالَ روى سُفْيَان بن حُسَيْن عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا (الرجل الْجَبَّار) ثمَّ قَالَ وَهَذَا غلط وَالله أعلم إِن الْحفاظ لم يحفظوا ذَلِك
وَهَذَا اسناد حَدِيث الْمُحَلّل بِعَيْنِه وعيانه وَالْعلَّة وَاحِدَة بِعَينهَا فَإِن الْحفاظ لم يحفظوا رَفعه كَمَا تقدم
وَقَالَ ابْن عدي وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ تفرد بِهَذَا الحَدِيث عَن الزُّهْرِيّ سُفْيَان بن حُسَيْن قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَهُوَ وهم لِأَن الثِّقَات خالفوه وَلم يذكرُوا ذَلِك
قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَقد رَوَاهُ مَالك وَاللَّيْث وَابْن جريج وَمعمر وَعقيل وسُفْيَان بن عيينه وَغَيرهم عَن الزُّهْرِيّ وَلم يذكر أحد مِنْهُم فِيهِ الرجل
وَهَذَا نَظِير تَعْلِيل حَدِيثه فِي الْمُحَلّل سَوَاء بِسَوَاء
وَنَظِير هَذَا حَدِيثه [عَن] الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه فِي الصَّدقَات قَالَ يحيى بن معِين لم يُتَابع سُفْيَان بن حُسَيْن عَلَيْهِ أحد لَيْسَ يَصح هَذَا مَعَ أَن لَهُ شَاهدا فِي صَحِيح البُخَارِيّ وَقد وَافقه عَلَيْهِ سُلَيْمَان بن كثير أَخُو مُحَمَّد
ابْن كثير
فَلم يُصَحِّحهُ لِتَفَرُّد سُفْيَان هَذَا بِهِ وَمُخَالفَة غَيره من اصحاب الزُّهْرِيّ لَهُ فِي وَقفه
وَنَظِير هَذَا بل أبلغ مِنْهُ أَن سُفْيَان بن حُسَيْن روى عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة قَالَت كنت أَنا وَحَفْصَة صائمتين فَعرض لنا طَعَام فاشتهيناه فأكلناه فَدخل علينا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فبدرتني حَفْصَة وَكَانَت ابْنه ابيها فقصت عَلَيْهِ الْقِصَّة فَقَالَ (اقضيا يَوْمًا مَكَانَهُ)
وَتَابعه جَعْفَر بن برْقَان وَصَالح بن ابي الْأَخْضَر ثمَّ قَالَ جمَاعَة مِنْهُم الْبَيْهَقِيّ وَقد وهموا فِيهِ على الزُّهْرِيّ فقد رَوَاهُ الْحفاظ من أَصْحَاب الزُّهْرِيّ عَنهُ قَالَ بَلغنِي أَن عَائِشَة وَحَفْصَة أصبحتا صائمتين هَكَذَا رَوَاهُ مَالك وَيُونُس وَمعمر وَابْن جريج وَيحيى بن سعيد وَعبيد الله بن عمر وسُفْيَان بن عيينه وَمُحَمّد بن الْوَلِيد الزبيدِيّ وَبكر بن وَائِل وَغَيرهم وَقد شهد ابْن جريج وسُفْيَان بن عُيَيْنَة على لفظ الزُّهْرِيّ أَنه لم يسمع هَذَا الحَدِيث من عُرْوَة قَالَ ابْن جريج عَنهُ وَلَكِن حَدثنِي نَاس فِي خلَافَة سُلَيْمَان بن عبد الْملك عَن بعض من كَانَ يدْخل على عَائِشَة وَقَالَ الْحميدِي أَخْبرنِي [غير] وَاحِد عَن معمر أَنه قَالَ فِي هَذَا الحَدِيث لَو كَانَ
عَن عُرْوَة مَا نسبته وَقَالَ البُخَارِيّ وَمُحَمّد بن يحيى الذهلي لَا يَصح هَذَا الحَدِيث عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة
فَهَذَا وَأَمْثَاله مِمَّا بَين ضعف رِوَايَة سُفْيَان بن حُسَيْن عَن الزُّهْرِيّ وَلَو تَابعه غَيره عِنْد أَئِمَّة هَذَا الشَّأْن وفرسان هَذَا الميدان فَكيف بِمَا تفرد بِهِ عَن الثِّقَات وَخَالف فِيهِ الْأَئِمَّة الاثبات
وَمَعْرِفَة هَذَا الشَّأْن وَعلله ذوق وَنور يقذفه الله فِي الْقلب يقطع [بِهِ] من ذاقه وَلَا يشك فِيهِ وَمن لَيْسَ لَهُ هَذَا الذَّوْق لَا شُعُور لَهُ بِهِ وَهَذَا كنقد الدَّرَاهِم لأربابه فِيهِ ذوق وَمَعْرِفَة ليستا لكبار الْعلمَاء
قَالَ مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير قَالَ عبد الرَّحْمَن [بن مهْدي] إِن معرفَة الحَدِيث الْهَام
قَالَ ابْن نمير صدق لَو قلت لَهُ من أَيْن قلت لم يكن لَهُ جَوَاب
وَقَالَ ابو حَاتِم الرَّازِيّ قَالَ عبد الرَّحْمَن بن مهْدي إنكارنا للْحَدِيث عِنْد الْجُهَّال كهَانَة
فصل
[كَلَام أَئِمَّة الْجرْح وَالتَّعْدِيل فِي سُفْيَان بن حُسَيْن الوَاسِطِيّ]
فَهَذَا كَلَام هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة فِي هَذَا الحَدِيث وَأما كَلَامهم فِي سُفْيَان بن حُسَيْن الَّذِي تفرد بِهِ عَن النَّاس فَقَالَ الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة الْمروزِي عَنهُ لَيْسَ بِذَاكَ فِي حَدِيثه عَن الزُّهْرِيّ
وَقَالَ يحيى بن معِين فِي رِوَايَة عَبَّاس الدوري عَنهُ لَيْسَ بِهِ بَأْس وَلَيْسَ من كبار أَصْحَاب الزُّهْرِيّ وَفِي حَدِيثه ضعف عَن الزُّهْرِيّ
وَلَا تنَافِي بَين قوليه لَيْسَ بِهِ بَأْس وَقَوله فِي حَدِيثه ضعف عَن الزُّهْرِيّ لما سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله من بَيَان سَبَب ضعف حَدِيثه عَن الزُّهْرِيّ
وَقَالَ يحيى فِي رِوَايَة ابْن أبي خَيْثَمَة عَنهُ ثِقَة فِي غير الزُّهْرِيّ لَا يدْفع وَحَدِيثه عَن الزُّهْرِيّ لَيْسَ بِذَاكَ إِنَّمَا سمع مِنْهُ بِالْمَوْسِمِ
وَقَالَ فِي رِوَايَة يَعْقُوب بن [ابي] شَبيه كَانَ سُفْيَان بن حُسَيْن مؤدبا وَلم يكن بِالْقَوِيّ
وَقَالَ فِي رِوَايَة أبي دَاوُد وَلَيْسَ بِالْحَافِظِ وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ فِي الزُّهْرِيّ
وَقَالَ عُثْمَان بن أبي شيبَة كَانَ ثِقَة وَلكنه كَانَ مضطربا فِي الحَدِيث قَلِيلا
وَقَالَ ابْن سعد ثِقَة يُخطئ فِي حَدِيثه كثيرا وَقَالَ يَعْقُوب بن [ابي] شَيْبه ثِقَة صَدُوق وَفِي حَدِيثه ضعف وَقد حمل النَّاس عَنهُ
وَقَالَ ابو حَاتِم الرَّازِيّ صَالح الحَدِيث يكْتب حَدِيثه وَلَا يحْتَج بِهِ نَحْو مُحَمَّد بن
إِسْحَاق وَهُوَ أحب إِلَيّ من سُلَيْمَان بن كثير
وَقَالَ النَّسَائِيّ لَيْسَ بِهِ بَأْس إِلَّا فِي الزُّهْرِيّ
وَقَالَ أَبُو حَاتِم البستي فِي كتاب الضُّعَفَاء وَقد أدخلهُ فِيهِ يروي عَن الزُّهْرِيّ المقلوبات فَإِذا روى عَن غَيره أشبه حَدِيثه حَدِيث الْأَثْبَات وَذَلِكَ أَن صحيفَة الزُّهْرِيّ اخْتلطت عَلَيْهِ وَكَانَ يَأْتِي بهَا على التَّوَهُّم فالإنصاف من أمره يكْتب مِمَّا روى عَن الزُّهْرِيّ والاحتجاج بِمَا روى عَن غَيره
وَقَالَ أَبُو أَحْمد بن عدي هُوَ فِي غير الزُّهْرِيّ صَالح وَفِي الزُّهْرِيّ يروي أَشْيَاء خَالف [فِيهَا] النَّاس
[قَوَاعِد جليلة فِي علم الْجرْح وَالتَّعْدِيل]
قَالُوا وَلَا تنَافِي بَين قَول من ضعفه وَقَول من وَثَّقَهُ لِأَن من وَثَّقَهُ جمع بَين توثيقه فِي غير الزُّهْرِيّ وتضعيفه فِيهِ وَهَذِه مَسْأَلَة غير مَسْأَلَة تعَارض الْجرْح وَالتَّعْدِيل بل يظنّ قَاصِر الْعلم أَنَّهَا هِيَ فيعارض قَول من
جرحه بقول من عدله وَإِنَّمَا هَذِه مَسْأَلَة أُخْرَى غَيرهَا وَهِي الِاحْتِجَاج بِالرجلِ فِيمَا رَوَاهُ عَن بعض الشُّيُوخ وَترك الِاحْتِجَاج بِهِ بِعَيْنِه فِيمَا رَوَاهُ عَن آخر
وَهَذَا كإسماعيل بن عَيَّاش فَإِنَّهُ عِنْد أَئِمَّة هَذَا الشَّأْن حجه فِي الشاميين أهل بَلَده وَغير حجه فِيمَا رَوَاهُ عَن الْحِجَازِيِّينَ والعراقيين وَغير أهل بَلَده
وَمثل هَذَا تَضْعِيف [من ضعف] قبيصَة فِي سُفْيَان الثَّوْريّ وَاحْتج بِهِ فِي غَيره كَمَا فعل أَبُو عبد الرَّحْمَن النَّسَائِيّ
وَهَذِه طَريقَة الحذاق من أَصْحَاب الحَدِيث أطباء علله يحتجون بِحَدِيث الشَّخْص عَمَّن هُوَ مَعْرُوف بالرواية عَنهُ وبحفظ حَدِيثه وإتقانه وملازمته لَهُ واعتنائه بحَديثه ومتابعة غَيره لَهُ ويتركون حَدِيثه نَفسه عَمَّن لَيْسَ هُوَ مَعَه بِهَذِهِ الْمنزلَة
وَهَذِه حَال سُفْيَان بن حُسَيْن عِنْد جَمَاعَتهمْ ثِقَة صَدُوق وَهُوَ فِي الزُّهْرِيّ ضَعِيف لَا يحْتَج بِهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا لقِيه مرّة بِالْمَوْسِمِ وَلم يكن لَهُ من الاعتناء بِحَدِيث الزُّهْرِيّ وصحبته وملازمته لَهُ مَا لأَصْحَاب الزُّهْرِيّ الْكِبَار كمالك وَاللَّيْث وَمعمر وَعقيل وَيُونُس وَشُعَيْب فَإِذا تفرد مثل هَذَا
بِحَدِيث عَن هَؤُلَاءِ مَعَ ملازمتهم الزُّهْرِيّ وحفظهم حَدِيثه وضبطهم لَهُ و [هُوَ] لَيْسَ مثلهم فِي الْحِفْظ والإتقان لم يكن حجَّة عِنْدهم
هَذَا إِذا لم يخالفوه فَكيف إِذا خالفوه فَرفع مَا [قد] وَقَفُوهُ وَوصل مَا قطعوه وَأسْندَ مَا أَرْسلُوهُ
هَذَا مِمَّا لَا يرتاب أَئِمَّة هَذَا الشَّأْن فِي [أَن] الحاق الْغَلَط بِهِ أولى
وَرُبمَا يظنّ الغالط الَّذِي لَيْسَ لَهُ ذوق الْقَوْم ونقدهم أَن هَذَا تنَاقض مِنْهُم فَإِنَّهُم يحتجون بِالرجلِ ويوثقونه فِي مَوضِع ثمَّ يضعفونه بِعَيْنِه وَلَا يحتجون بِهِ فِي مَوضِع آخر وَيَقُولُونَ إِن كَانَ ثِقَة وَجب [قبُول رِوَايَته جملَة وَإِن لم يكن ثِقَة وَجب] ترك الِاحْتِجَاج بِهِ جملَة
وَهَذِه طَريقَة [قاصري الْعلم وَهِي طَريقَة] فَاسِدَة مجمع بَين أهل الحَدِيث على فَسَادهَا فَإِنَّهُم يحتجون من حَدِيث الرجل بِمَا تَابعه غَيره عَلَيْهِ وَقَامَت شُهُوده من طرق ومتون أُخْرَى ويتركون حَدِيثه بِعَيْنِه إِذا روى مَا يُخَالف النَّاس أَو انْفَرد عَنْهُم بِمَا لَا يتابعونه عَلَيْهِ إِذْ الْغَلَط فِي مَوضِع لَا يُوجب الْغَلَط فِي كل مَوضِع والإصابة فِي بعض الحَدِيث اَوْ [فِي] غالبه لَا توجب الْعِصْمَة من الْخَطَأ فِي بعضه وَلَا سِيمَا إِذا علم من مثل هَذَا أغلاط عديده ثمَّ روى مَا يُخَالف النَّاس وَلَا يتابعونه عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يغلب على الظَّن أَو يجْزم بغلطه
فصل
[التَّنْبِيه على غلطين فِي علم مصطلح الحَدِيث لعَظيم فَائِدَة الِاحْتِرَاز مِنْهُمَا]
وَهنا يعرض لمن قصر نَقده وذوقه هُنَا عَن نقد الْأَئِمَّة وذوقهم فِي
هَذَا الشَّأْن نَوْعَانِ من الْغَلَط ننبه عَلَيْهِمَا لعَظيم فَائِدَة الِاحْتِرَاز مِنْهُمَا
[الأول فِي شَرط الصَّحِيح]
أَحدهمَا أَن يرى مثل هَذَا الرجل قد وثق وَشهد لَهُ بِالصّدقِ وَالْعَدَالَة أَو خرج حَدِيثه فِي الصَّحِيح فَيجْعَل كل مَا رَوَاهُ على شَرط الصَّحِيح وَهَذَا غلط ظَاهر فَإِنَّهُ إِنَّمَا يكون على شَرط الصَّحِيح إِذا انْتَفَت عَنهُ الْعِلَل والشذوذ والنكارة وتوبع عَلَيْهِ فَأَما مَعَ وجود ذَلِك أَو بعضه فَإِنَّهُ لَا يكون صَحِيحا وَلَا على شَرط الصَّحِيح
وَمن تَأمل كَلَام البُخَارِيّ ونظرائه فِي تَعْلِيله أَحَادِيث جمَاعَة أخرج حَدِيثهمْ فِي صَحِيحه علم إِمَامَته وموقعه من هَذَا الشَّأْن وَتبين بِهِ حَقِيقَة مَا ذكرنَا
فصل
[الثَّانِي التَّفْصِيل والنقد فِي اعْتِبَار حَدِيث الرَّاوِي]
النَّوْع الثَّانِي من الْغَلَط أَن يرى الرجل قد تكلم فِي بعض حَدِيثه وَضعف فِي شيخ أَو فِي حَدِيث فَيجْعَل ذَلِك سَببا لتعليل حَدِيثه وتضعيفه أَيْن وجد كَمَا يَفْعَله بعض الْمُتَأَخِّرين من اهل الظَّاهِر وَغَيرهم
وَهَذَا ايضا غلط فان تَضْعِيفه فِي رجل أَو فِي حَدِيث ظهر فِيهِ غلط لَا يُوجب تَضْعِيف حَدِيثه مُطلقًا وأئمة الحَدِيث على التَّفْصِيل والنقد وَاعْتِبَار حَدِيث الرجل بِغَيْرِهِ وَالْفرق بَين مَا انْفَرد بِهِ أَو وَافق فِيهِ الثِّقَات