الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمُحَمّد وَأَصْحَاب الْإِمْلَاء شَيْئا ثمَّ روى عَنهُ مثل الْقَاسِم بن معن وَبشر ابْن زِيَاد وَفطر بن حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان وعافية بن يزِيد ونوح الْجَامِع وَعبد الله بن زِيَاد وَمن هُوَ فَوق هَؤُلَاءِ مِمَّن لَهُ رِوَايَة عَن أبي حنيفَة كالحسن بن زِيَاد اللؤْلُؤِي وَدَاوُد بن نصير وَأبي خَالِد الْأَحْمَر وَغَيرهم لم يلتفتوا إِلَى روايتهم وَقَالُوا هَذِه رِوَايَة شَاذَّة مُخَالفَة لرِوَايَة أَصْحَابه الَّذين هم أخبر بمذهبه عَنهُ وَلَا يجْعَلُونَ رِوَايَة الْحسن بن زِيَاد كَرِوَايَة أبي يُوسُف أَلْبَتَّة
طَبَقَات أَصْحَاب الشَّافِعِي
وَكَذَلِكَ أَصْحَاب الشَّافِعِي إِنَّمَا يقبلُونَ عَنهُ مَا كَانَ من رِوَايَة الرّبيع والمزني والبويطي وحرملة وأمثالهم فَإِذا روى عَنهُ غَيرهم مِمَّن هُوَ مثل هَؤُلَاءِ وَأجل مِنْهُم مَا يُخَالف رِوَايَة أُولَئِكَ لم يلتفتوا إِلَيْهَا مثل أبي ثَوْر وَابْن عبد الحكم والزعفراني وَقَالُوا أُولَئِكَ أعلم بمذهبه ومذهبه مَا حكوه عَنهُ دون هَؤُلَاءِ
بل مَا نَقله التِّرْمِذِيّ عَنهُ فِي كِتَابه بأصح إِسْنَاد وَابْن عبد الْبر وَغَيرهمَا مِمَّن يَحْكِي مقالات الْعلمَاء لم يَجْعَلُوهُ فِي رُتْبَة مَا حَكَاهُ أُولَئِكَ عَنهُ وَلَا يعدونه فِي الْغَالِب خلافًا
طَبَقَات أَصْحَاب أَحْمد
وَكَذَلِكَ أَصْحَاب أَحْمد إِذا انْفَرد راو عَنهُ بِرِوَايَة تكلمُوا فِيهَا وَقَالُوا تفرد بهَا فلَان وَلَا يكادون يجعلونها رِوَايَة إِلَّا على إغماض وَلَا يجعلونها مُعَارضَة لرِوَايَة الْأَكْثَرين عَنهُ وَهَذَا مَوْجُود فِي كتبهمْ يَقُولُونَ انْفَرد بِهَذِهِ الرِّوَايَة أَبُو طَالب أَو فلَان لم يروها غَيره
فَإِذا جَاءَت الرِّوَايَة عَنهُ عَن غير صَالح وَعبد الله وحنبل وَأبي طَالب والميموني والكوسج وَابْن هَانِئ والمروزي والأثرم وَابْن الْقَاسِم وَمُحَمّد بن مشيش ومثنى بن جَامع وَأحمد بن أَصْرَم وَبشر بن مُوسَى وأمثالهم من أَعْيَان أَصْحَابه استغربوها جدا وَلَو كَانَ النَّاقِل لَهَا إِمَامًا ثبتا وَلَكنهُمْ أَعلَى توقيا فِي نقل مذْهبه وَقبُول رِوَايَة من روى عَنهُ من الْحفاظ الثِّقَات وَلَا يتقيدون فِي ضبط مذْهبه بناقل معِين كَمَا يفعل غَيرهم من الطوائف بل إِذا صحت لَهُم عَنهُ رِوَايَة حكوها عَنهُ وَإِن عدوها شَاذَّة إِذا خَالَفت مَا رَوَاهُ أَصْحَابه
عودة إِلَى زِيَادَة الثِّقَة
فَإِذا كَانَ هَذَا فِي نقل مَذَاهِب الْعلمَاء مَعَ أَنه يجوز بل يَقع مِنْهُم الْفَتْوَى بالْقَوْل ثمَّ يفتون بِغَيْرِهِ لتغير اجتهادهم وَلَيْسَ فِي رِوَايَة من انْفَرد عَنْهُم بِمَا رَوَاهُ مَا يُوجب غلطه إِذْ قد يُوجد عَنْهُم اخْتِلَاف الْجَواب فِي كثير من الْمسَائِل فَكيف بأئمة الحَدِيث مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الَّذِي لَا يتناقض وَلَا يخْتَلف كَلَامه
أَلَيْسُوا أعذر مِنْكُم فِي رد الحَدِيث أَو الزِّيَادَة الَّتِي خَالف راويها أَو انْفَرد بهَا أَو شَذَّ بهَا عَن النَّاس كَيفَ والدواعي والهمم متوافرة على ضبط حَدِيثه صلى الله عليه وسلم وَنقد رُوَاته اعظم من توفرها على ضبط مَذَاهِب الْأَئِمَّة وتمييز الروَاة عَنْهُم وَإِذا روى غير أهل الْمَذْهَب من أهل الضَّبْط والإتقان وَالْحِفْظ عَن
الإِمَام خلاف مَا رَوَاهُ أهل مَذْهَب قُلْتُمْ أَصْحَاب الْمَذْهَب أعلم بمذهبه وأضبط لَهُ فَهَلا قُلْتُمْ فِي حَدِيث الشَّيْخ إِذا روى عَنهُ أَصْحَابه العارفون بحَديثه شَيْئا وَانْفَرَدَ عَنْهُم وَخَالفهُم من هم أخص بالشيخ مِنْهُ وَأعرف بحَديثه إِن هَؤُلَاءِ أعرف بحَديثه من هَذَا الْمُنْفَرد الشاذ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
فصل
بَيَان دلَالَة الحَدِيث على مَحل النزاع
قَالُوا فَهَذَا الْجَواب عَن الحَدِيث من جِهَة السَّنَد وَأما الْجَواب عَنهُ من جِهَة الدّلَالَة فَنحْن نَتَنَزَّل مَعكُمْ ونسلم صِحَة الحَدِيث وَبَين أَنه لَا حجَّة لكم فِيهِ على اشْتِرَاط الْمُحَلّل على الْوَجْه الَّذِي ذكرتموه ألبته وَأَن لَفظه لَا يدل على اشْتِرَاطه بل وَلَا على جَوَازه فَإِن هَا هُنَا أَربع مقالات يصير بهَا محللا أَحدهمَا أَن يخرجَا مَعًا وَالثَّانِي أَن لَا يخرج هُوَ شَيْئا وَالثَّالِث أَن يَكُونُوا ثَلَاثَة فَصَاعِدا وَالرَّابِع أَن يغنم إِن سبق وَلَا يغرم إِن سبق فيالله الْعجب من أَيْن تستفاد هَذِه الْأُمُور من الحَدِيث وَبِأَيِّ دلَالَة من الدلالات الثَّلَاث الَّتِي يسْتَدلّ بهَا عَلَيْهِ فَإِن الَّذِي يدل عَلَيْهِ لَفظه أَنه إِذا استبق اثْنَان وَجَاء ثَالِث دخل مَعَهُمَا فَإِن كَانَ يتَحَقَّق من
نَفسه سبقهما كَانَ قمارا لِأَنَّهُ دخل على بَصِيرَة أَنه يَأْكُل مَالهمَا وَإِن دخل مَعَهُمَا وَهُوَ لَا يتَحَقَّق أَن يكون سَابِقًا بل يَرْجُو مَا يرجوانه وَيخَاف مَا يخافانه كَانَ كأحدهما وَلم يكن أكله إِن سبقهما قمارا فَإِن الْعُقُود مبناها على الْعدْل فَإِذا اسْتَووا فِي الرَّجَاء وَالْخَوْف والمغنم والمغرم كَانَ هَذَا هُوَ الْعدْل الَّذِي يطمئن إِلَيْهِ الْقلب وَإِذا تميز بَعضهم عَن بعض بِغنم أَو غرم أَو تَيَقّن سبقه لصحابيه لقُوته وَضعفهمَا لم يكن هَذَا عدلا وَلم تطب النُّفُوس بِهَذَا السباق
وَأما اشْتِرَاط الدخيل الْمُسْتَعَار الَّذِي هُوَ شريك فِي الرِّبْح برِئ من الخسران فأجبنا عَن الحَدِيث أَنه لَا يَقْتَضِيهِ بِوَجْه مَا وغايته إِن دلّ على الْمُحَلّل فَإِنَّمَا يدل على أَن الْمُحَلّل إِذا دخل وَلَا بُد فَإِنَّهُ يشْتَرط أَن يكون بِهَذِهِ الصّفة وَلَا يدل على أَنه يشْتَرط دُخُوله وَأَن يكون على هَذِه الصّفة فَمن أَيْن هَذَا فِي الحَدِيث وَبِأَيِّ وَجه يُسْتَفَاد وَهَذَا ظَاهر لَا خَفَاء بِهِ وَالله أعلم فَإِن قُلْتُمْ إِنَّمَا دخل الْمُحَلّل فِي هَذَا العقد ليخرجه عَن شبه الْقمَار فَيكون دُخُوله شرطا قُلْنَا قد تقدم من الْوُجُوه الْكَثِيرَة مَا فِيهِ كِفَايَة أَن العقد لَيْسَ بِدُونِهِ قمارا فَإِن كَانَ بِدُونِ دُخُوله قمارا لم يخرج بِهِ عَن شبه الْقمَار بل ذَلِك
الشّبَه بَاقٍ بِعَيْنِه أَو زَائِد وَلَا جَوَاب لكم عَن تِلْكَ الْوُجُوه ألبته وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق
فصل
الرَّد على الدَّلِيل الثَّانِي
فَإِن قَالُوا وَأما دليلكم الثَّانِي وَهُوَ حَدِيث ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم سَابق بَين الْخَيل وَجعل بَينهمَا محللا فَهَذَا الحَدِيث لَا يَصح عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَلْبَتَّة وهم فِيهِ أَبُو حَاتِم فَإِن مَدَاره على عَاصِم بن عمر أخي عبيد الله وَعبد الله وَأبي بكر العمريين فهم أَرْبَعَة أخوة أوثقهم عبيد الله مُتَّفق على الِاحْتِجَاج بحَديثه وَأما عبد الله وَعَاصِم فضعيفان أما عبد الله فكلامهم فِيهِ مَشْهُور وَأما أَخُوهُ عَاصِم صَاحب هَذَا الحَدِيث فَقَالَ البُخَارِيّ هُوَ مُنكر الحَدِيث
وَقَالَ ابْن عدي ضَعَّفُوهُ وَقَالَ الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة ابْنه صَالح ضَعِيف وَفِي رِوَايَة أُخْرَى لَيْسَ بِشَيْء وَضَعفه أَبُو حَاتِم وَقَالَ هَارُون بن مُوسَى الْفَروِي لَيْسَ بِقَوي وَقَالَ الْجوزجَاني يضعف فِي حَدِيثه وَقَالَ النَّسَائِيّ لَيْسَ بِثِقَة وَقَالَ التِّرْمِذِيّ لَيْسَ عِنْدِي بِالْحَافِظِ وَقَالَ النَّسَائِيّ مرّة مَتْرُوك
وَقَالَ ابْن عدي ضَعَّفُوهُ ثمَّ سرد لَهُ أَحَادِيث جمة من جُمْلَتهَا هَذَا الحَدِيث الْمَذْكُور وَأما ابْن حَيَّان فتناقض فِيهِ فَإِنَّهُ أخرج حَدِيثه فِي صَحِيحه وَقَالَ فِي كتاب الضُّعَفَاء مُنكر الحَدِيث جدا يروي عَن الثِّقَات مَا لَا يشبه حَدِيث الْأَثْبَات لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ إِلَّا فِيمَا وَافق الثِّقَات وَمن كَانَت هَذِه حَالَته عِنْد أهل الحَدِيث لَا يحْتَج بِخَبَرِهِ وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو عبد الله الْمَقْدِسِي عَاصِم بن عَامر هَذَا تكلم فِيهِ أَحْمد وَيحيى وَالْبُخَارِيّ وَابْن حبَان وَقد روى عَنهُ أَحَادِيث فَلَا أَدْرِي هَل رَجَعَ عَن قَوْله فِيهِ أَو غفل عَن ذَلِك وَقَالَ شَيخنَا أَبُو الْحجَّاج الْحَافِظ يحْتَمل أَن أَبَا حَاتِم لم يعرف أَنه عَاصِم الْعمريّ فَإِنَّهُ وَقع فِي رِوَايَته غير مَنْسُوب وَالَّذِي يدل على بطلَان هَذَا الحَدِيث أَنه لَو كَانَ عِنْد عَمْرو بن دِينَار
عَن ابْن عمر لَكَانَ مَعْرُوفا عِنْد اصحاب عَمْرو مثل قَتَادَة وَأَيوب وَشعْبَة والسفيانين والحمادين وَمَالك بن أنس وجعفر بن مُحَمَّد وَقيس بن سعد وهشيم وورقاء وَدَاوُد بن عبد الرَّحْمَن الْعَطَّار وَغَيرهم من أَصْحَابه فَكيف لَا يعرف هَؤُلَاءِ وهم أجلة أَصْحَابه هَذَا الحَدِيث من حَدِيثه وَيكون عِنْد عَاصِم بن عمر مَعَ ضعفه
وَأَيْضًا فعمرو بن دِينَار حَدِيثه مَحْفُوظ مضبوط يجمع وَكَانَ الْأَئِمَّة يُسَارِعُونَ إِلَى سَمَاعه مِنْهُ وَحفظه وَجمعه فَإِن عَليّ بن الْمَدِينِيّ عِنْده نَحْو أَربع مئة حَدِيث من حَدِيثه
وَأَيْضًا فَلَو كَانَ هَذَا من حَدِيث ابْن عمر لَكَانَ مَشْهُورا فَإِنَّهُ لم يزل السباق بَين الْخَيل مَوْجُودا بِالْمَدِينَةِ وَأهل الْمَدِينَة يَحْتَاجُونَ فِيهِ إِلَى فَتْوَى سعيد بن الْمسيب حَتَّى أفتاهم فِي الدخيل بِمَا أفتاهم فَلَو كَانَ هَذَا الحَدِيث صَحِيحا من حَدِيث ابْن عمر لكَانَتْ سنة مَشْهُورَة متوارثة عَنْهُم وَلم يحتاجوا إِلَى فَتْوَى سعيد وَلم يقل مَالك لَا نَأْخُذ بقول سعيد ابْن الْمسيب فِي الْمُحَلّل وَلَا يجب الْمُحَلّل مَعَ أَن مَالِكًا من أعلم من أعلم النَّاس بِحَدِيث ابْن عمر وَلم يذكر عَنهُ فِي الْمُحَلّل حرفا وَاحِدًا فَكيف يكون هَذَا الحَدِيث عِنْد عَمْرو بن دِينَار عَن ابْن عمر ثمَّ لَا يرويهِ أحد مِنْهُم وينفرد بِهِ من لَا يحْتَج بحَديثه وَأَيْضًا فَلَا يعرف أَن أحدا من الْأَئِمَّة احْتج بِهَذَا الحَدِيث فِي
الْمُحَلّل لَا الشَّافِعِي وَلَا أَحْمد وَلَا أَبُو حنيفَة وَلَا غَيرهم مِمَّن شَرط الْمُحَلّل وَأَيْضًا فَإِن أحدا من الْأَئِمَّة السِّتَّة لم يُخرجهُ فِي كِتَابه وَلَا أحد من الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَلَا طبقَة الْحَاكِم لم يَنْقُلهُ مَعَ فرط تساهله أَن يَسْتَدْرِكهُ عَلَيْهِمَا هَذَا ودلالته على اشْتِرَاط الْمُحَلّل أبين من دلَالَة حَدِيث سُفْيَان بن حُسَيْن فَكيف غفل عَنهُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة كلهم أَو أغفلوه هَذَا من الْمُمْتَنع عَادَة على الْجَمِيع مَعَ علمهمْ إِلَى مَا يدل على مَا دلّ عَلَيْهِ وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق
فصل
الرَّد على الدَّلِيل الثَّالِث
قَالُوا وَأما دليلكم الثَّالِث وَهُوَ حَدِيث أبي هُرَيْرَة لَا جلب وَلَا جنب وَإِذا لم يدْخل المتراهنان فرسا يَسْتَبِقَانِ على السَّبق فِيهِ فَهُوَ حرَام فَحَدِيث لَا تقوم بِهِ حجَّة وَلَا يثبت بِمثلِهِ حكم فَإِن رَاوِيه مَجْهُول الْعين وَالْحَال لَا يعرف اسْمه وَلَا نسبه وَلَا حَاله إِلَّا أَنه رجل من بني مَخْزُوم وَمثل هَذَا لَا يحْتَج بحَديثه بِاتِّفَاق أهل الحَدِيث وَأَيْضًا فَإِن هَذَا الحَدِيث مُنكر فَإِن هَذَا الْمَجْهُول تفرد بِهِ من بَين أَصْحَاب أبي الزِّنَاد كلهم مَعَ اعتنائهم بحَديثه وحفظهم لَهُ فَكيف يفوتهُمْ ويظفر بِهِ مَجْهُول الْعين وَالْحَال
وَالَّذِي يظْهر مِنْهُ أَن هَذِه الزِّيَادَة من كَلَام أبي الزِّنَاد أدرجت فِي الحَدِيث والْحَدِيث الْمَحْفُوظ عَن أبي هُرَيْرَة مَا رَوَاهُ النَّاس عَنهُ لَا جلب وَلَا جنب فَقَط فَحدث بِهِ أَبُو الزِّنَاد ثمَّ أتبعه من عِنْده وَإِذا لم يدْخل المتراهنان فرسا إِلَى آخِره فَحَمله هَذَا الرَّاوِي الْمَجْهُول عَنهُ وَحدث بِهِ من غير تَمْيِيز وَبِالْجُمْلَةِ فَالْكَلَام فِي هَذَا الحَدِيث كَالْكَلَامِ فِي الَّذِي قبله بل بُطْلَانه أظهر وَالله اعْلَم
فصل
الرَّد على الدَّلِيل الرَّابِع
قَالُوا وَأما دليلكم الرَّابِع فِي قصَّة المتقامرين فِي الظبي أَيهمَا يسْبق إِلَيْهِ وَأَن عمر بن الْخطاب قَالَ هَذَا قمار فَتعلق بِبَيْت العنكبوت لِأَن عمر لم يَجعله قمارا لعدم الْمُحَلّل وَإِنَّمَا كَانَ قمارا لِأَنَّهُ أكل مَال بِالْبَاطِلِ فَإِنَّهُمَا استبقا إِلَى فعل لَا يجوز بذل السَّبق فِيهِ بالِاتِّفَاقِ وَهُوَ أَخذ الصَّيْد فِي حَال الْإِحْرَام فَهَذَا قمار وَإِن دخل فِيهِ الْمُحَلّل وَحَتَّى لَو كَانَ استبقا إِلَى فعل جَائِز على الْأَقْدَام فَأكل المَال بِهِ قمار عِنْد الْجُمْهُور لِأَنَّهُ لَيْسَ من الْخُف والحافر والنصل
هَذَا مَعَ أَن الحَدِيث من رِوَايَة الْمُتَّفق على ضعفه عَليّ بن زيد بن جدعَان وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق
فصل
الرَّد على الدَّلِيل الْخَامِس
قَالُوا وَأما دليلكم الْخَامِس وَهُوَ حَدِيث البُخَارِيّ إِن النَّبِي صلى الله عليه وسلم مر بِقوم أسلم ينتضلون الحَدِيث وَفِيه ارموا وَأَنا مَعكُمْ كلكُمْ فسبحان الله مَاذَا يُوجب نصْرَة الْمذَاهب والتقليد لأربابه من ارْتِكَاب أَنْوَاع من الْخَطَأ وَالِاسْتِدْلَال بِمَا لَيْسَ بِدَلِيل وَمُخَالفَة صَرِيح الدَّلِيل فيا لله الْعجب أَيْن دلَالَة هَذَا الحَدِيث على الْمُحَلّل بِوَجْه من الْوُجُوه وَهل مثل هَذَا إِلَّا حجَّة عَلَيْكُم
فَإِن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ أَولا ارموا وَأَنا مَعَ بني فلَان فَلم يسْأَل هَل أخرج الحزبان مَعًا أَو احدهما أَو لم يخرج أحد شَيْئا فَدلَّ على أَنه لَا فرق فِي جَوَاز العقد
ثمَّ إِن الْمُحَلّل لَا يكون مَعَ أحد الحزبين وَلَا يجوز لَهُ أَن يَقُول أَنا مَعَ فلَان أَو مَعَ هَذَا الحزب دون هَذَا فَلَيْسَ هَذَا من شَأْن الْمُحَلّل وَلَا يتمم لكم حِينَئِذٍ الِاسْتِدْلَال بِالْحَدِيثِ إِلَّا بعد أُمُور أَحدهَا أَن الحزبين أخرجَا مَعًا وَأَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم علم بذلك وَدخل مَعَهم وَلم يخرج وَكَانَ محللا وَهَذَا إِن لم يقطع بِبُطْلَانِهِ فدعواه دَعْوَى مُجَرّدَة عَن برهَان من الله
وَرَسُوله فَلَا تكون مسموعة وَلَا مَقْبُولَة ثمَّ نقُول ثَانِيهَا إِن كَانَ الْإِخْرَاج قد وَقع من كلا الْفَرِيقَيْنِ فَالْحَدِيث حجَّة عَلَيْكُم فَإِنَّهُ قَالَ ارموا وَأَنا مَعَ بني فلَان والمحلل لَا يكون مَعَ أَحدهمَا وَثَالِثهَا إِن كَانَ الْمخْرج أحد الْفَرِيقَيْنِ أَو لم يكن إِخْرَاج بِالْكُلِّيَّةِ بَطل استدلالكم بِالْحَدِيثِ فَهُوَ إِمَّا أَن يكون حجَّة عَلَيْكُم أَو لَيْسَ لكم فِيهِ حِدة أصلا
فَإِن قيل فَمَا فَائِدَة دُخُوله صلى الله عليه وسلم مَعَ كلا الْفَرِيقَيْنِ إِذا لم يكن محللا فَالْجَوَاب إِن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لما صَار مَعَ أحد الحزبين أمسك الحزب الآخر وَعَلمُوا أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِذا كَانَ فِي حزب كَانَ هُوَ الْغَالِب الْمَنْصُور فَلم يحتاجوا أَن يَكُونُوا فِي الحزب الَّذِي لَيْسَ فِيهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا علم ذَلِك مِنْهُم طيب قُلُوبهم وَقَالَ أَنا مَعكُمْ كلكُمْ هَذَا مُقْتَضى الحَدِيث الَّذِي يدل عَلَيْهِ وَهُوَ برِئ من التَّحْلِيل وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق
فصل
الرَّد على الدَّلِيل السَّادِس
قَالُوا وَأما دليلكم السَّادِس وَهُوَ أَنه إِذا لم يكن مَعَهُمَا مُحَلل وَأَخْرَجَا مَعًا فقد دَار كل وَاحِد مِنْهُمَا بَين الْمغنم والمغرم وَهَذَا حَقِيقَة الْقمَار فقد تقدم من الْوُجُوه الْكَثِيرَة الَّتِي لَا جَوَاب لكم عَنْهَا مَا يُبطلهُ
وَيبين أَنه إِن كَانَ هَذَا العقد بِدُونِ الْمُحَلّل قمارا فَهُوَ بالمحلل أولى أَن يكون قمارا وَإِن لم يكن قمارا بالمحلل فَهُوَ بِدُونِ أولى أَن لَا يكون قمارا وَلَا يتَصَوَّر أَن يكون قمارا فِي إِحْدَى الصُّورَتَيْنِ دون الْأُخْرَى وَلَا يذكرُونَ فرقا وَلَا معنى إِلَّا كَانَ اقتضاؤه بِعَدَمِ اشْتِرَاط الْمُحَلّل أظهر من اقتضائه لاشتراطه وَقد تقدم منا بَيَان ذَلِك فَإِن كَانَ لكم عَنهُ جَوَاب فبينوه وَلَا سَبِيل إِلَيْهِ
فصل
حجية قَول التَّابِعين وَوُجُوب اتِّبَاع الدَّلِيل وَترك التَّقْلِيد
وَأما قَوْلكُم لَو لم يكن فِي هَذَا إِلَّا أَنه قَول أعلم التَّابِعين سعيد بن الْمسيب فَإِن مَذْهَب أبي حنيفَة أَن التَّابِعِيّ إِذا عاصر الصَّحَابَة وزاحمهم فِي الْفَتْوَى كَانَ قَوْله حجَّة فَيُقَال من الْعجب أَن يكون قَول سعيد بن المسب حجَّة وَفعل أبي عُبَيْدَة بن الْجراح غير حجَّة وَأَيْضًا فَأنْتم فِي أحد الْقَوْلَيْنِ عنْدكُمْ لَا تَجْعَلُونَ قَول الصَّحَابِيّ حجَّة فَكيف يكون قَول التَّابِعِيّ حجَّة
وَأَيْضًا فَأنْتم لَا توجبون اتِّبَاع سعيد بن الْمسيب فِي جَمِيع مَا يذهب إِلَيْهِ فَكيف توجبون اتِّبَاعه فِي هَذِه الْمَسْأَلَة
وَأَيْضًا فَلَو كَانَ قَول سعيد بن الْمسيب فِي هَذِه الْمَسْأَلَة حجَّة أَو كَانَت الْحجَّة مُوَافقَة أهل عصره لَهُ كَمَا يتوهمه المتوهم لما سَاغَ لمَالِك أَن يَقُول
وَلَا نَأْخُذ بقول سعيد بن الْمسيب فِي الْمُحَلّل وَلَا يجب الْمُحَلّل وَالظَّاهِر أَن هَذَا إِشَارَة من مَالك إِلَى نَفسه وَإِلَى عُلَمَاء الْمَدِينَة مَعَه وَأَنَّهُمْ أَو جمهورهم لم يَأْخُذُوا بقوله فِي الْمُحَلّل وقولكم يكفينا أَن ثَلَاثَة أَرْكَان الْأمة عَلَيْهِ يُرِيدُونَ الشَّافِعِي وَأَبا حنيفَة وَأحمد فطرد هَذَا يُوجب عَلَيْكُم أَن كل مَسْأَلَة اتّفق عَلَيْهَا ثَلَاثَة من الْأَئِمَّة وَخَالفهُم الرَّابِع أَن تَأْخُذُوا فِيهَا بقول الثَّلَاثَة لأَنهم ثَلَاثَة أَرْكَان الْأمة وَهَذَا يلْزم أهل كل مَذْهَب وكل هَذِه التلفيقات بمعزل عَن الْبُرْهَان الَّذِي يُطَالب بِهِ كل من قَالَ قولا فِي الدّين وَقد قَالَ الله تَعَالَى {فَإِن تنازعتم فِي شَيْء فَردُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُول إِن كُنْتُم تؤمنون بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر} [النِّسَاء: 5 فَأَيْنَ أَمر بِالرَّدِّ إِلَى مَا ذكرْتُمْ وَمن ذكرْتُمْ وَقَالَ الله تَعَالَى {فَلَا وَرَبك لَا يُؤمنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شجر بَينهم} [النِّسَاء: 6 فَوقف الْإِيمَان على تحكيمه وَحده وَلم يُوقف الْإِيمَان على تحكيم غَيره ألبته وقولكم إِن هَذَا قَول الْجُمْهُور فَإِن كَانَ قَول الْجُمْهُور فِي كل
مَسْأَلَة تنَازع فِيهَا الْعلمَاء هُوَ الصَّوَاب وَجب بطلَان كل قَول انْفَرد بِهِ أحد الْأَئِمَّة عَن الْجُمْهُور وَيذكر لكل طَائِفَة من الطوائف مَا انْفَرد بِهِ من قلدوه عَن الْجُمْهُور وَلَا يُمكنهُم إِنْكَار ذَلِك وَلَا الْإِقْرَار بِبُطْلَان قَوْله وَلَا ملْجأ لَهُم إِلَّا التَّنَاقُض وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وهم إِذا كَانَ قَول الْجُمْهُور مَعَهم نادوا فيهم على رُؤُوس الأشهاد وأجلبوا بهم على من خالفهم وَإِذا كَانَ قَوْلهم خلاف قَول الْجُمْهُور قَالُوا قَول الْجُمْهُور لَيْسَ بِحجَّة وَالْحجّة فِي الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع ثمَّ نقُول أَيْن المكاثرة بِالرِّجَالِ إِلَى المكاثرة بالأدلة وَقد ذكرنَا من الْأَدِلَّة مَا لَا جَوَاب لكم عَنهُ وَالْوَاجِب اتِّبَاع الدَّلِيل أَيْن كَانَ وَمَعَ من كَانَ وَهُوَ الَّذِي أوجب الله اتِّبَاعه وَحرم مُخَالفَته وَجعله الْمِيزَان الرَّاجِح بَين الْعلمَاء فَمن كَانَ من جَانِبه كَانَ أسعد بِالصَّوَابِ قل موافقوه أَو كَثُرُوا وَأما قَوْلكُم إِن جُمْهُور الْمُسلمين رَأَوْا هَذَا النَّقْل حسنا وَقد قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا رَآهُ الْمُسلمُونَ حسنا فَهُوَ عِنْد الله حسن فَجَوَابه من وُجُوه
أَحدهَا أَن هَذَا يلزمكم فِي كل مَسْأَلَة انْفَرد بهَا من قلدتموه عَن جُمْهُور الْأمة فَمَا كَانَ جوابكم لمن خالفكم فَهُوَ جَوَابنَا لكم بِعَيْنِه
الثَّانِي أَن هَذَا لَيْسَ من كَلَام رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَإِنَّمَا يضيفه إِلَى كَلَامه من لَا علم لَهُ بِالْحَدِيثِ وَإِنَّمَا هُوَ ثَابت عَن ابْن مَسْعُود من قَوْله
ذكره الإِمَام أَحْمد وَغَيره مَوْقُوفا عَلَيْهِ وَلَفظه
إِن الله نظر فِي قُلُوب الْعباد فَوجدَ قلب مُحَمَّد خير قُلُوب الْعباد فاختاره لرسالته ثمَّ نظر فِي قُلُوب الْعباد فَوجدَ قُلُوب أَصْحَابه خير قُلُوب الْعباد فاختارهم لصحبته فَمَا رَآهُ الْمُسلمُونَ حسنا فَهُوَ عِنْد الله حسن
الثَّالِث أَنه لَو صَحَّ مَرْفُوعا فَهُوَ دَلِيل على أَن مَا أجمع عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ ورأوه حسنا فَهُوَ عِنْد الله حسن لَا مَا رَآهُ بَعضهم فَهُوَ حجَّة عَلَيْكُم
الرَّابِع أَن الْمُسلمين كلهم لَا يرَوْنَ الْمُحَلّل فِي عقد السباق حسنا بل كثير مِنْهُم تنكره فطرهم وَقُلُوبهمْ ويرونه غير حسن وَلَو كَانَ حسنا عِنْد الله وَهُوَ من تَمام الْعدْل الَّذِي فطر الله الْقُلُوب على استحسانه لرأوه كلهم حسنا وَشهِدت بِهِ فطرتهم وَشهِدت بقبح العقد إِذا خلا عَنهُ كَمَا شهِدت بقبح الظُّلم والقمار وَحسن الْعدْل وَأكل المَال بِالْحَقِّ قَالُوا وَنحن نحاكمكم فِي ذَلِك إِلَى الْفطر الَّتِي لم تنْدَفع بالتعصب ونصرة آراء الرِّجَال والتقليد وَأما قَوْلكُم إِن القَوْل بِعَدَمِ الْمُحَلّل قَول شَاذ وَإِن من شَذَّ شَذَّ الله بِهِ فَجَوَابه من وُجُوه
أَحدهَا أَن القَوْل الشاذ هُوَ الَّذِي لَيْسَ مَعَ قَائِله دَلِيل من كتاب الله وَلَا من سنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَهَذَا هُوَ القَوْل الشاذ وَلَو كَانَ عَلَيْهِ جُمْهُور
أهل الأَرْض وَأما قَول مَا دلّ عَلَيْهِ كتاب الله وَسنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَلَيْسَ بشاذ وَلَو ذهب إِلَيْهِ الْوَاحِد من الْأمة فَإِن كَثْرَة الْقَائِلين وقلتهم لَيْسَ بمعيار وميزان للحق يعير بِهِ ويوزن بِهِ
وَهَذِه غير طَريقَة الراسخين فِي الْعلم وَإِنَّمَا هِيَ طَريقَة عامية تلِيق بِمن بضاعتهم من كتاب الله وَالسّنة مزجاة
وَأما أهل الْعلم الَّذين هم أَهله فالشذوذ عِنْدهم والمخالفة القبيحة هِيَ الشذوذ عَن الْكتاب وَالسّنة وأقوال الصَّحَابَة ومخالفتها وَلَا اعْتِبَار عِنْدهم بِغَيْر ذَلِك مَا لم يجمع الْمُسلمُونَ على قَول وَاحِد وَيعلم إِجْمَاعهم يَقِينا فَهَذَا الَّذِي لَا تحل مُخَالفَته وَنحن نقُول لمنازعينا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة إِذا كَانَ القَوْل بِبُطْلَان الْمُحَلّل بَاطِلا مُخَالفا للْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع فَلَا بُد أَن تكون أَدِلَّة بُطْلَانه ظَاهِرَة لَا تخفى وقوية لَا تضعف وَلَا يُمكن أَن تكون أَدِلَّة القَوْل الْبَاطِل الْمُخَالف للْإِجْمَاع قَوِيَّة كَثِيرَة وَلَا يمكنكم إِبْطَالهَا وَلَا معارضتها فَإِن بينتم بطلَان هَذِه الْأَدِلَّة بأقوى مِنْهَا وَأظْهر فالرجوع إِلَى الْحق خير من التَّمَادِي فِي الْبَاطِل وَإِن لم يكن بِأَيْدِيكُمْ إِلَّا بعض مَا قد حكينا عَنْكُم فَإنَّا ذكرنَا لكم من الْأَدِلَّة مَا لم يُوجد عنْدكُمْ أَلْبَتَّة وَلَا ذكره أحد مِمَّن انتصر لقولكم ثمَّ ذكرنَا من الْكَلَام عَلَيْهَا دَلِيلا دَلِيلا مَا إِن كَانَ بَاطِلا فَرده مَقْدُور ومأمور بِهِ وَإِن كَانَ حَقًا فمتبعه محسن وَمَا على الْمُحْسِنِينَ من سَبِيل
ثمَّ نقُول لَو ذكرنَا لكم نَظِير كلامكم هَذَا فِي مَسْأَلَة انفردتم بهَا عَن الْأَئِمَّة لم تلتفتوا إِلَيْهِ وَلم تقبلوه منا فَكيف تحتجون علينا بِمَا لَا