الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَكيف يلْحق بِهِ أكله بِالْحَقِّ
قَالُوا وَالصديق لم يقامر قطّ فِي جَاهِلِيَّة وَلَا إِسْلَام وَلَا أقرّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم على قمار فضلا عَن أَن يَأْذَن فِيهِ
وَهَذَا تَقْرِير قَول الْفَرِيقَيْنِ
فصل
الْمُسَابقَة بالأقدام بعوض وَبلا عوض
وَأما الْمُسَابقَة بالأقدام فاتفق الْعلمَاء على جَوَازهَا بِلَا عوض
وَاخْتلفُوا هَل يجوز بعوض على قَوْلَيْنِ
أَحدهمَا لَا يجوز وَهُوَ مَذْهَب أَحْمد وَمَالك وَنَصّ عَلَيْهِ
الشَّافِعِي
وَالثَّانِي يجوز وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة
وللشافعية وَجْهَان فحجة من مَنعه حَدِيث أبي هُرَيْرَة لَا سبق إِلَّا فِي خف أَو حافر أَو نصل
وَهَذَا يتَعَيَّن حمله على أحد مَعْنيين
- إِمَّا أَن يُرِيد بِهِ نفي الْجعل أَي لَا يجوز الْجعل إِلَّا فِي هَذِه الثَّلَاثَة فَيكون نفيا فِي معنى النَّهْي عَن الْجعل فِي غَيرهَا لَا عَن نفس السباق
- وَإِمَّا أَن يُرِيد بِهِ أَن لَا يجوز الْمُسَابقَة على غَيرهَا بعوض فَيكون نهيا عَن الْمُسَابقَة بِالْعِوَضِ فِي غير الثَّلَاثَة [فعلى التَّقْدِير الأول يكون الْمَنْع من الْجعل على غير الثَّلَاثَة]
وعَلى الثَّانِي يكون الْمَنْع من العقد الْمُشْتَرط فِيهِ الْجعل [على] غَيرهَا وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ فَهُوَ مُقْتَض للْمَنْع [من الْجعل] فِي غَيرهَا
قَالُوا وَلِأَن غير هَذِه الثَّلَاثَة لَا يحْتَاج إِلَيْهَا فِي الْجِهَاد كالحاجة إِلَى الثَّلَاثَة وَلَا يقوم مقَامهَا وَلَا ينفع فِيهِ نَفعهَا فَكَانَت كأنواع اللّعب الَّذِي
لَا يجوز الْمُرَاهنَة عَلَيْهِ
وَحجَّة من جوز الْجعل فِي ذَلِك قِيَاس الْقدَم على الْحَافِر والخف فَإِن كلا مِنْهُمَا مسابقة فَهَذَا بِنَفسِهِ وَهَذَا بمركوبه
قَالُوا وكما أَن فِي مسابقة الْإِبِل وَالْخَيْل تمرينا على الفروسية والشجاعة فَكَذَلِك الْمُسَابقَة على الْأَقْدَام فَإِن فِيهَا [من] تمرين الْبدن على الْحَرَكَة والخفة والإسراع والنشاط مَا هُوَ مَطْلُوب فِي الْجِهَاد
قَالُوا والْحَدِيث يحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ أَن أَحَق مَا بذل فِيهِ السَّبق هَذِه الثَّلَاثَة لكَمَال نَفعهَا وَعُمُوم مصلحتها فَيكون كَقَوْلِه لَا رَبًّا إِلَّا فِي النَّسِيئَة أَي إِن الرِّبَا الْكَامِل فِي النَّسِيئَة
قَالُوا وَأَيْضًا فَهَذَا مثل قَوْله لَا صَلَاة لِجَار الْمَسْجِد إِلَّا فِي الْمَسْجِد وَلَا صَلَاة بِحَضْرَة طَعَام وَلَا صَلَاة وَهُوَ يدافعه
الأخبثان وَلَا وضوء لمن لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ
…
وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يَنْفِي الْكَمَال لَا الصِّحَّة
قَالُوا وَلِأَن ذَلِك جعَالَة على عمل مُبَاح فَكَانَ جَائِزا كالثلاثة الْمَذْكُورَة فِي النَّص
قَالَ المانعون هَذَا جمع بَين مَا فرق الله وَرَسُوله بَينهمَا حكما وَحَقِيقَة فَإِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أثبت السَّبق فِي الثَّلَاثَة ونفاه عَمَّا عَداهَا وَهَذَا يَقْتَضِي عدم مُسَاوَاة وَمَا أثْبته لما نَفَاهُ فِي الحكم والحقيقة فَلَا يجوز التَّسْوِيَة بَينهمَا
وَهَذَا كَقَوْلِه صلى الله عليه وسلم لَا يجلد فَوق عشرَة اسواط إِلَّا فِي حد من حُدُود الله فَفرق بَين الْحَد وَغَيره فِي تجَاوز الْعشْرَة فَلَا يجوز قِيَاس أَحدهمَا على الآخر وَلَا الْجمع بَينهمَا فِي الحكم
وَكَذَلِكَ مَنعه من بيع الرطب بِالتَّمْرِ وتجويزه فِي الْعَرَايَا لَا يجوز الْجمع بَينهمَا فِي التَّحْرِيم وَلَا فِي الْمَنْع
وَكَذَلِكَ تَحْرِيمه رَبًّا الْفضل مَعَ اتِّحَاد الْجِنْس فِي الْأَعْيَان الَّتِي نَص عَلَيْهَا وتجوزيه التَّفَاضُل مَعَ اخْتِلَاف الْجِنْس
وَكَذَلِكَ سَائِر مَا فرق بَينهمَا فِي الحكم
فَلَا يفرق بَين مَا جمع بَينه وَلَا يجمع بَين مَا فرق بَينه فَلَا بُد من إِلْغَاء أحد الْأَمريْنِ إِمَّا إِلْغَاء مَا اعتبرتموه من الْجمع بَين مَا فرق الشَّارِع بَينه أَو إِلْغَاء مَا اعْتَبرهُ من الْفرق وَلَا سَبِيل إِلَى الثَّانِي فَتعين الأول
ثمَّ تبين أَن مَا ذكرتموه من الْجمع لَيْسَ بِصَحِيح فَأَي فروسية وَأي مصلحَة لِلْإِسْلَامِ وَأَهله للمجاهدين فِي مسابقة السعاة على اقدامهم وَمَتى انْكَسَرَ بأحدهم عَدو وانتصر بِهِ حق أَو تقوت بِهِ فِئَة وَمَتى [كسر] بعث بِهَذَا على قَدَمَيْهِ
فَأحْسن أَحْوَال هَذَا الْعَمَل أَن يكون مُبَاحا فَأَما التراهن عَلَيْهِ فَلَا
وَأما مَا نظرتم بِهِ هَذَا الحَدِيث من قَوْله لَا رَبًّا إِلَّا فِي النَّسِيئَة وَلَا صَلَاة لِجَار الْمَسْجِد إِلَّا فِي الْمَسْجِد ونظائرهما فَلَو نظرتموه بقوله لَا صَلَاة لمن لَا وضوء لَهُ وَلَا صَلَاة إِلَّا بِفَاتِحَة
الْكتاب وَلَا صِيَام لمن لم يبيت النِّيَّة من اللَّيْل وَلَا عمل لمن لَا نِيَّة لَهُ وَلَا اجْرِ لمن لَا حَسبه لَهُ ونظائره لَكَانَ
أولى إِذْ حَقِيقَة ذَلِك نفي مُسَمّى هَذِه الْأَشْيَاء شرعا وَاعْتِبَار وَمَا خرج عَن هَذَا فلمعارض أوجب خُرُوجه
قَالُوا وَأما قَوْلكُم إِن هَذَا جعَالَة على عمل مُبَاح فَكَانَ جَائِزا كَسَائِر الجعالات فَجَوَابه من وَجْهَيْن
أَحدهمَا أَن هَذَا ينْتَقض عَلَيْكُم بِسَائِر مَا منعتم مِنْهُ الرِّهَان من الْعَمَل الْمُبَاح كالسباحة والمبادرة إِلَى جَوَاب مسَائِل الْعلم والمسابقة إِلَى الْحِفْظ والتسابق فِي الصناعات الْمُبَاحَة كلهَا فَإِنَّكُم لَا تجوزون الرِّهَان فِي شَيْء من ذَلِك
الثَّانِي الْجعَالَة الْمَعْهُودَة عرفا وَشرعا أَن ينْتَفع الْجَاعِل بِالْعَمَلِ وَالْعَامِل بالجعل وَأما هَا هُنَا فَإِن الْعَامِل لَا يَجْعَل مَالا لمن يغلبه إِذْ لَا مَنْفَعَة لَهُ فِي ذَلِك وَإِنَّمَا يبْذل المَال فِي مُقَابلَة [النَّفْع] الَّذِي يحصل لَهُ