الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
مَا يحْتَاج إِلَيْهِ المتعلم
وَالَّذِي يحْتَاج المتعلم إِلَيْهِ فاثنا عشر شَيْئا ثَلَاثَة شَدَّاد وَثَلَاثَة لينَة وَثَلَاثَة سَاكِنة وَثَلَاثَة مستوية فَأَما الثَّلَاثَة الشداد فالقبض بالشمال وَالْعقد بِالْيَمِينِ وَالْمدّ بالذراع والساعد وَأما الثَّلَاثَة اللينة فالسبابة من الْيَد الْيُمْنَى والسبابة من الْيَد الْيُسْرَى ولين السهْم فِي حَال الجذب الْجيد وَأما الثَّلَاثَة الساكنة فالرأس والعنق وَالْقلب وَأما الثَّلَاثَة المستوية فالمرفق والنصل والفوق وملاك ذَلِك كُله بأمرين معرفَة مِقْدَار الْقوس من الْقُوَّة وَمَعْرِفَة مِقْدَار السهْم من الخفة والثقل وَيَنْبَغِي أَن لَا يَأْخُذ قوسا فَوق مِقْدَاره فَإِنَّهُ يظْهر عَيبه وعجزه ويؤذي نَفسه وَيفْسد رميه ويطمع فِيهِ عدوه فيجلب إِلَى نَفسه من الْأَذَى مَا لَا يَنَالهُ مِنْهُ
فصل
فِي آدَاب الرَّمْي وَمَا يَنْبَغِي للرامي أَن يعتمده
قد تقدم أَن الْمَلَائِكَة لَا تحضر من اللَّهْو شَيْئا إِلَّا الرَّمْي فَيَنْبَغِي للرماة أَن يعلمُوا مِقْدَار من بحضرتهم وهم الْمَلَائِكَة فينزلونهم منزلَة الأضياف والكريم يكرم ضَيفه واللئيم يُقَابله بِخِلَاف مَا يَلِيق بِهِ من الْإِكْرَام وَقد قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَليُكرم ضَيفه فَيَنْبَغِي للعاقل بِأَن يعد رَوَاحه إِلَى المرمى كرواحه إِلَى الْمَسْجِد واجتماعه بِمن هُنَاكَ كاجتماعه برؤساء النَّاس وأكابرهم وَمن يَنْبَغِي احترامه مِنْهُم وَلَا يعد رَوَاحه لهوا بَاطِلا وَلَعِبًا ضائعا بل هُوَ كالرواح إِلَى تعلم الْعلم فَيذْهب على وضوء ذَاكِرًا الله عز وجل عَامِدًا إِلَى رَوْضَة من رياض الْجنَّة وَعَلِيهِ السكينَة وَالْوَقار فَإِذا وصل إِلَى الْموضع دخل بأدب وَسلم وَوضع سلاحه وَحسن أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَلَيْسَ بِتَحِيَّة الْبقْعَة وَلكنهَا مِفْتَاح للنجاح والإصابة فالأمور إِذا افتتحت بِالصَّلَاةِ كَانَت جديرة بالنجح ثمَّ يَدْعُو وَيسْأل الله التَّوْفِيق والسداد وَقد ثَبت عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ يَا عَليّ سل الله الْهدى والسداد وَاذْكُر بِالْهدى هدايتك الطَّرِيق وبالسداد سداد السهْم ثمَّ يخرج قوسه ويتفقده ثمَّ يتفقد سهامه فيمرها على إبهامه وَينظر مَا يَنْبَغِي الرَّمْي بِهِ فَإِذا وَقع اخْتِيَاره على رشق مِنْهُ وَهُوَ النّدب
مَسحه وَتَركه ثمَّ يُوتر قوسه ويتفقد وتره وَينظر فِي سية الْقوس ومغامزها فَإِن كَانَت على الاسْتوَاء رمى عَلَيْهَا وَإِن كَانَت على اخْتِلَاف تجنبها فَإِذا رمى رسيله لم يبكته على خطأ وَلم يضْحك عَلَيْهِ مِنْهُ فَإِن هَذَا من فعل السّفل وَقل أَن أَفْلح من اتّصف بِهِ وَمن بَكت بَكت بِهِ وَمن ضحك من النَّاس ضحك مِنْهُ وَمن عير أَخَاهُ بِعَمَل ابْتُلِيَ بِهِ وَلَا بُد وَلَا يحسده على إِصَابَته وَلَا يصغرها فِي قلبه وَيَقُول رمية من غير رام وَنَحْو هَذَا من الْكَلَام وَلَا يحسن أَن يحد النّظر إِلَى رسيله حَال رميه فَإِن ذَلِك يشْغلهُ ويشوش عَلَيْهِ قلبه وجمعيته وَيَنْبَغِي للرماة أَن يخرجُوا هَذَا من بَينهم فَإِن ضَرَره يعود عَلَيْهِم فَإِذا وصلت النّوبَة إِلَيْهِ قَامَ فشمر كمه وذيله وسمى الله وَأخذ سهامه بِيَمِينِهِ وقوسه بيساره ووقف على موقفه بأدب وسكينة ووقار وإطراق ولباقة وخفة واستمداد مِمَّن الْحول وَالْقُوَّة بِيَدِهِ أَن يمده بِالْقُوَّةِ والإصابة وَيجْعَل سهامه بَين رجلَيْهِ رسية قوسه السُّفْلى على الأَرْض والعليا عِنْد صَدره ثمَّ يَأْخُذ السهْم فيديره على إبهامه ويمسك الْقوس بلباقة ويفوق عَلَيْهِ السهْم كَمَا يَنْبَغِي ويعتمد على وَسطهَا ويمد فَإِذا بلغ نهايته سكن قَلِيلا ثمَّ أطلق فَإِذا خرج السهْم تَأمل مَوضِع وُقُوعه فَإِن مر سَادًّا حفظ ذَلِك الْوَضع والهيئة ورعاهما كلما رمى وَإِن خرج إِلَى يَمِين الْغَرَض أَو يسَاره أَو أَعْلَاهُ أَو أَسْفَله نظر فِي عِلّة ذَلِك وَمن أَي شئ حدث هَل هُوَ من قبل الْقوس أَو الْوتر أَو السهْم أَو الرّيح أَو من قبل الرَّامِي نَفسه إِمَّا من
قَبضه أَو عقده أَو إِطْلَاقه أَو نظره فَإِذا وَقع على عِلّة الْخَطَأ تجنبها وسمى الله عِنْد كل رمية فَإِن أصَاب حمد الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَقَالَ هَذَا من فضل رَبِّي وَإِن أَخطَأ فَلَا يتضجر وَلَا يتبرم وَلَا ييأس من روح الله فخطأ هَذَا الْبَاب أحب إِلَى الله من الْإِصَابَة فِي أَنْوَاع اللّعب سواهُ وَلَا يشْتم قوسه وَلَا سَهْمه وَلَا نَفسه وَلَا أستاذه فَإِن هَذَا كُله من الظُّلم والعدوان وليصابر الرَّمْي وَإِن كثر خطاؤه فيوشك أَن يتقلب الْخَطَأ صَوَابا وليعلم أَن الْخَطَأ مُقَدّمَة الصَّوَاب والإساءة مُقَدّمَة الْإِحْسَان وَلَقَد حُكيَ عَن بعض أكَابِر الْعلمَاء أَنه تكلم يَوْمًا فِي مَسْأَلَة فَأصَاب فَاسْتَحْسَنَهُ الْحَاضِرُونَ وَقَالُوا أَحْسَنت وَالله فَقَالَ وَالله مَا قيل لي أَحْسَنت حَتَّى احمر وَجْهي من خطئي فِيهَا كَذَا وَكَذَا مرّة أَو كَمَا قَالَ وَلَا يفت فِي عضده مَا يرى من إِصَابَة غَيره وحذقه وَعدم وُصُوله هُوَ إِلَى تِلْكَ الْمرتبَة فَإِن هَذَا لَيْسَ بِنَقص بل النَّقْص كل النَّقْص أَن تتقاصر همته عَن الْبلُوغ إِلَى دَرَجَة ذَلِك وَلَا يحدث نَفسه بِأَن يصل إِلَى مَا وصل إِلَيْهِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي لَا يفلح فَإِن الْمعول على الهمم وَقد قيل
(إِذا أعجبتك خِصَال امْرِئ فكنه
…
يكن مِنْك مَا يُعْجِبك)
(فَلَيْسَ على الْجُود والمكرمات
…
إِذا جِئْتهَا حَاجِب يحجبك)