الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا ريب أَن القسي الْعَرَبيَّة أَنْفَع للْعَرَب والفارسية [أَنْفَع] للعسكر الْيَوْم وَكِلَاهُمَا يفضل القسي التركية لما فِيهَا من الْقُوَّة والشدة والسرعة والرطوبة وخفة الْحمل وَقُوَّة الْفِعْل وَلم تكن التّرْك تعتاد هَذِه القسي الفارسية وَلَكِن لما خالطت الْفرس وعاشرتهم تعلمُوا مِنْهُم كثيرا من زيهم ولباسهم وحربهم ولسانهم وآلاتهم
فصل
فِي الْمُفَاخَرَة بَين قَوس الْيَد وقوس الرجل
قَالَ قَوس الرجل لقوس الْيَد أَنا اشد مِنْك باسا واعظم أركانا واقوى وترا وَأَغْلظ سَهْما [ونصلا] وَأبْعد مرمى واشد نفوذا [أَنا] أنفذ فِي الصخر الْأَصَم وأخرق مَا ينكسر فِيهِ لَك من نصل وَسَهْم تَفِر الجيوش من وَقع سهم وَاحِد من سهامي وأهزمها يَمِينا وَشمَالًا وَأَنا مَحْجُوب وَرَاء الرَّامِي زمجرتي كزمجرة الرعود ومنظري الكريه كمنظر الْأسود لَا يخَاف ظَهْري الانكسار وَلَا على وتري الِانْقِطَاع وَلَا ترد سهامي عواصف الرِّيَاح وَلَا يحجبها درع وَلَا مغْفرَة وَلَا سابغة وَلَا يقوم لَهَا شَيْء من السِّلَاح فسل عني الْحُصُون والقلاع هَل يقوم غَيْرِي مقَامي فِي المكافحة عَنْهَا والدفاع ثمَّ سل جيوشها عَن مقدمي تِلْكَ الصُّفُوف وَعَمن يشيرون إِلَيْهِ فِي تِلْكَ الرجوف فَهَل لراميك قُوَّة تحملي أم لَك قدرَة على دفع سهمي وَنُصَلِّي من الَّذِي خالطه سهمي فَلم يغادره صَرِيعًا أم من الَّذِي حل بساحته فَمَا سلبه ثَوْبه والحياة سلبا سَرِيعا فَمن الَّذِي يقوم مقَامي لباسي الشَّديد أم أَي قَوس سواي ترمي بسهام الْحَدِيد هَذَا وَإِن السهْم من سهامي ليوزن بِالْقَوْسِ من سواي وَإِذا أحَاط الْعَدو بالحصول خَانَهُمْ
جَمِيع أَنْوَاع السِّلَاح إِلَّا إيَّايَ فَأَنا والمنجنيق رضيعا لَبَنًا وَإِن التقيت بِالْوَاحِدِ من النَّاس وَهُوَ يحْتَاج إِلَى كَثْرَة الأعوان وَمن حاربني فَمَا لَهُ بحربي يدان وَمن نَازع قوتي فقد جاهر بمخالفة العيان
قَالَ قَوس اللَّيْل
عجبا لَك أَيهَا البغيض الثقيل ومزاحمة اللطاف الرشاق والجري مَعهَا وَلست هُنَاكَ فِي ميدان السباق وَقل لي مَتى استصحبك فِي الحروب العساكر مَتى استصحبك فِي الصَّيْد صائد أَو فِي طَرِيق سَفَره الْمُسَافِر أما تَسْتَحي من ثقل حملك على الْأَعْضَاء وَمن تخلفك عَن جيوش الْإِسْلَام يَوْم اللِّقَاء فَإِذا وَقعت الْعين فِي الْعين كنت عَن اللِّقَاء بمعزل وَإِذا نزلت أُمَرَاء جيوش السِّلَاح منازلها فمنزلتك مِنْهَا أبعد منزل لَا تقَاتل إِلَّا من وَرَاء جِدَار أَو سور وَمَتى برزت إِلَى الْعَدو فِي براح من الأَرْض فَأَنت لَا شكّ مغلوب ومأسور هَذَا وَإِن قدر الله وأعان وبرزت إِلَى الْعَدو مَعَ الأعوان فلك سهم وَاحِد تبطر بِهِ وَقد لَا تصيب وَأَنا أرمي عَلَيْك عدَّة من السِّهَام وَإِن كَانَ مِنْهَا الْمُخطئ والمصيب أَنا أعين صَاحِبي على رميه قَائِما وَقَاعِدا ولابثا وسائرا وراكبا ونازلا وَلَو أَرَادَ صَاحبك مِنْك ذَلِك لَكُنْت بَينه وَبَين قَصده حَائِلا وَيَكْفِيك قبحا أَن شكلك كالصليب وَلِهَذَا حمل من حمل من الْعلمَاء لعن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَك على ذَلِك كطائفة مِنْهُم عبد الْملك بن حبيب
وَيَكْفِيك ذما أَن الْمُسْتَخْرج لَك عَدو إِبْرَاهِيم الْخَلِيل بل عَدو
الرَّحْمَن وَهُوَ نمْرُود بن كنعان كَمَا ذكر ذَلِك مؤرخ الْإِسْلَام مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ فِي تَارِيخه الْكَبِير عَن ابْن عَبَّاس أَن أول من رمى بقوس الرجل النمرود بن كنعان استخرجها حِين رجم بهَا السَّمَاء لِأَنَّهُ لما صَحَّ عِنْد أَن الله فِي السَّمَاء صنع تابوتا وربى نسرين عظيمين فِي الْخلقَة وَجعل التابوت على ظهرهما وَكَانَ التابوت لَهُ ثَلَاث طَبَقَات فَلَمَّا غَابَتْ الدُّنْيَا عَن بَصَره أَمر بِالْقَوْسِ وَكَانَت قوسا عَظِيما يجذبها بحركة كاللولب لقوتها فَجعل السهْم فِيهَا وَرمى بهَا نَحْو السَّمَاء فَغَاب السهْم عَن بَصَره سَاعَة ثمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ مدمى لما أَرَادَ الله من خذلانه وتماديه على الْكفْر وعذابه بِمَا سبق فِي علمه فَقَالَ قد قتلت إِلَه السَّمَاء فحول النسرين وَجعل التابوت نَحْو الأَرْض حَتَّى هَبَط إِلَى الأَرْض فازاداد استكبارا وعلوا فِي الأَرْض حَتَّى أهلكه الله عز وجل بأضعف خلقه وَهِي الْبَعُوضَة فَلَو لم يكن لَك مثلبة غَيرهَا لكفى بهَا وَكم بَين قَوس رمت بهَا الْأَنْبِيَاء وقوس رميت بهَا السَّمَاء
وَأَنت لَا يتَمَكَّن صَاحبك من حملك مَعَ ترس وَلَا درقة وَلَا تركاش وَلَا شَيْء من أَنْوَاع السِّلَاح وَلَا يُمكن الْجمع بَيْنك وَبَين سمر العوالي وبيض الصفاح هَذَا وَقُوَّة الدّفع فِيك بحركة وصناعة وَقُوَّة الدّفع مني بِمَا أعين بِهِ صَاحِبي من الْقُوَّة والشجاعة فصاحبك ضَعِيف النكاية قَلِيل الحماية تَابع لغيره مَأْمُور مَحْكُوم عَلَيْهِ فَافْهَم وصاحبي عَظِيم الهيبة كثير الْمَنْفَعَة متبوع أَمِير يتحاكم إِلَيْهِ غايتك أَن تكون من بعض خدمته ومنخرطا فِي سلك أَتْبَاعه وحشمه وَبِي فتحت الْبِلَاد ودانت بِالطَّاعَةِ لرب
الْعباد وأصحابي هم الْمُلُوك والأمراء والأجناد وَأَصْحَابك حراس القلاع وأصحابي أَرْبَاب الْأَخْبَار الْعَظِيمَة والأقطاع
فيا عجبا لَك كَيفَ يَسْتَوِي رَاكب أتان وراكب حصان وَكَيف يَسْتَوِي الْقوس الشَّرِيفَة المؤيدة المنصورة الَّتِي شهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لجنسها بالنصر والتأييد والقوس الَّتِي نِهَايَة أمرهَا أَن تكون فِي مثل الخدم وَالْعَبِيد
سهامي تخرج مُتَتَابِعَات متواصلات متماطرات سهم فِي أثر سهم وإصابة فِي أثر إِصَابَة فترى سهامي كوابل انهل من صوب الْغَمَام وَهِي ترد متتابعة يَتْلُو بَعْضهَا بَعْضًا تَسوق النُّفُوس إِلَى الْحمام
فصاحبي مثل الْأسد فِي بسالته مهيب حَيْثُمَا تَوَجَّهت ركائبه مخوف مُعظم حَيْثُمَا اسْتقْبلت مضاربه لِأَن قوتي مَعَه وشدتي فِي يَده فَحَيْثُ أَرَادَ كيد عدوه تمكن مِنْهُ وَلَا يتقيه بِشَيْء من السِّلَاح لقُوته وشدته وسرعته لِأَنَّهُ لَا يعرف من أَيْن يتقيه وَلَا من أَيْن يَأْتِيهِ
وَأي فَضِيلَة أشرف وَأي مكانة أَعلَى وَأي حُرْمَة أَشد من رجل من الْمُسلمين قد أحكم صناعَة الرمى بِي فَركب جَوَاده سدد سهامه وَأقَام إِلَى الصُّفُوف عيَانًا فأثخنهم بالجراح والحتوف من قَاتله قَتله وَمن اتبعهُ صرعه لَا يُنجي الفار مِنْهُ فراره وَلَا ينفع الشجاع البطل مِنْهُ إقباله وإدباره
وَإِنَّمَا مَال من مَال عني من أَرْبَاب قَوس الرجل لأَنهم وجدوها أقرب تناولا إِلَيْهِم وأسهل مُؤنَة وأخف عَلَيْهِم فعدلوا لذَلِك إِلَيْهَا وعولوا بعجزهم عني عَلَيْهَا وَسَهل ذَلِك عَلَيْهِم أَنهم لم يكن لَهُم دربة على
الْخَيل فتدعوهم إِلَى قسي الْيَد دَاعِيَة الِاضْطِرَار وَإِنَّمَا كَانَت حروبهم فِي قرى مُحصنَة أَو من وَرَاء جِدَار
فاسمع الْآن جملَة من عيوبك المتكاثرة ثمَّ اقصد إِلَى المساجلة والمفاخرة
فَمِنْهَا أَن شكلك كواحد الصلبان وثقلك كَنِصْف حجر الطَّحَّان وَبَين السهمين من سهامك بُرْهَة من الزَّمَان لَا تبرز لعدوك فِي الفضاء وَلَا تَلقاهُ بالعراء
وَمِنْهَا أَن المَاء إِذا أَصَابَك بمطر أَو غَيره وابتل بِهِ وَترك لم يُمكن صَاحبك من الرَّمْي بك أَلْبَتَّة بل تصير كالقطعة من الْخَشَبَة الْيَابِسَة
وَأَيْضًا فقوس الرجل قوته فِي أول أمره ثمَّ يضعف عَن الأول الثَّانِي وَالثَّالِث عَن الثَّانِي وَالرَّابِع عَن الثَّالِث وهلم جرى حَتَّى تفنى قوته وصلابته ويتحلل ثُبُوته إِلَى أَن يصير الْوتر عمالا على المجرى فَإِن رمي بِهِ لم يُوصل إِلَى شَيْء وَرُبمَا قتل الرَّامِي بِهِ وَإِن حلّه وفتل الْوتر كَمَا يفعل بَعضهم اعتراه فِي الثَّانِي مَا اعتراه فِي الأول فَلَا تزَال الْقوس فِي ضعف وخور فَإِن فتل الْوتر ثَانِيَة ضعفت جدا وَرُبمَا بطلت قوتها رُبمَا انْكَسَرت فتدعوه الضَّرُورَة إِلَى قَوس غَيرهَا أَو يجلس خاسرا فكم بَين من يَرْمِي نَهَاره كُله بقوس الْيَد لَا يتَغَيَّر لَهَا سهم وَلَا ينْحل لَهَا قُوَّة وَيكون آخر سهم كأول سهم وَبَين من يَرْمِي بقوس إِنَّمَا سلطانها فِي أول سهم ثمَّ هِيَ أَمِير فِي الثَّانِي ثمَّ تفتت فِي الثَّالِث ثمَّ تتردى فِي الرَّابِع ثمَّ هِيَ فِي الْخَامِس بِمَنْزِلَة الرجل الضَّعِيف
وَيَكْفِي من عيوبك أَن الْوتر مِنْك رُبمَا كَانَ على وَجه المجرى
فَرجع السهْم إِلَى وَجه الرَّامِي فيقتله وَرُبمَا كَانَ فَوق السهْم فِيهِ ضيق عَن الْوتر فينبذ بِهِ الْقوس إِلَى نَاحيَة أُخْرَى غير المرمى فَيقْتل من كَانَ قَرِيبا مِنْهُ وَرُبمَا كَانَت الجوزة عالية جدا فينبذ الْوتر السهْم إِلَى نَاحيَة أُخْرَى أَو إِلَى وَجه الرَّامِي فيقتله وَلَقَد شوهد بعض رُمَاة هَذَا الْقوس وَقد مَال قوسه وَألقى فِيهَا سَهْمه وَهُوَ يُرِيد أَن يضْرب سبعا ضاريا كَانَ يُؤْذِي النَّاس فَلَمَّا فَوق نَحْو السَّبع رَجَعَ السهْم إِلَى وَجهه فَضَربهُ ضَرْبَة فِي عينه فاحتبس فِيهَا وَكَانَ إِخْرَاجه من عينه بعد الْجهد الشَّديد وَالْمَشَقَّة الْعَظِيمَة قد سَالَتْ على وجنته فآلى الرجل على نَفسه أَن لَا يَرْمِي بِهَذِهِ الْقوس أبدا
وَأما مَا يسمع لَك من القعقة والجعجعة فَهِيَ الَّتِي غرت جهال النَّاس بمنافع قَوس الرجل ومصالحها فَإِنَّهُم إِذا سمعُوا صَوت تِلْكَ القعاقع وشاهدوا هول تِلْكَ الجعاجع ظنوها لقوتك وَشدَّة بأسك أَو لقُوَّة الرَّامِي بك ولسان الْحَال يَقُول أسمع جعجعة وَلَا أرى طحنا وأشاهد قعقعة وَلَا أرى فعلا
هَذَا وَجَمِيع قوتك وشدتها إِنَّمَا تذْهب فِي المجرى بِمحل الْوتر
لَهُ إِذْ الْوتر لَيْسَ مواريا لموْضِع الْقَضِيب إِنَّمَا الْوتر على وَجه المجرى والقضيب فِي نصفهَا فَزَالَتْ قُوَّة الْقوس من السهْم وحصلت جَمِيع الْقُوَّة فِي المجرى وَقد حدد حذاق هَذَا الرَّمْي مَا يصل من الْقُوَّة إِلَى السهْم فوجدوا ربع الْقُوَّة فَمَا ظَنك بِربع الْقُوَّة مَعَ الْخطر وَالْغرر
وَيَكْفِي فِي التَّفْضِيل أَن أول من رمى بك نمْرُود بن كنعان كَمَا تقدم وَأول من رمى بِي آدم أَبُو الْبشر كَمَا حَكَاهُ مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ فِي تَارِيخه إِن الله سُبْحَانَهُ لما أَمر آم بالزارعة حِين أهبط إِلَى الأَرْض من الْجنَّة فزرع أرسل الله إِلَيْهِ طائرين يأكلان مَا زرع ويخرجان مَا بذر فَشَكا ذَلِك إِلَى الله عز وجل فأهبط عَلَيْهِ جِبْرِيل وَبِيَدِهِ قَوس ووتر وسهمان فَقَالَ يَا جِبْرِيل مَا هَذَا واعطاه الْقوس قَالَ هَذِه قُوَّة من الله وَأَعْطَاهُ الْوتر وَقَالَ هَذِه شدَّة من الله ثمَّ اعطاه السهمين فَقَالَ يَا جِبْرِيل مَا هَذِه فَقَالَ هَذِه نكاية الله وَعلمه الرَّمْي بهَا فَرمى بهما الطائرين فَقَتَلَهُمَا وسر بذلك
ثمَّ صَار علم الرَّمْي إِلَى إِبْرَاهِيم الْخَلِيل ثمَّ إِلَى وَلَده إِسْمَاعِيل وَقد ثَبت فِي الصَّحِيح عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ لنفر من أسلم ارموا بني إِسْمَاعِيل فَإِن أَبَاكُم كَانَ راميا وَقد تقدم أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم رمى يَوْم أحد
عَن قوسه حَتَّى اندقت سيتها وَرمى بِي خِيَار الْخلق بعد الرُّسُل وهم أَصْحَاب صلى الله عليه وسلم
وَأَنت قد عرفت أصلك وفصلك وَمن رمى بك وعدة أَي قوم أَنْت فَإِن معول طَائِفَة الإفرنج عَلَيْك وهم قوم لَا قدم لَهُم فِي الفروسية وَإِنَّمَا غَالب حربهم بالصناعات والآلات كَمَا أَن غَالب حَرْب كثير من التّرْك بالكيد والخديعة الْمَكْر وَبِذَلِك استولوا على كثير من الْبِلَاد ودوخوا بِهِ الْعباد
فصل
أَنْوَاع الفروسية الْأَرْبَع
والفروسية أَرْبَعَة أَنْوَاع أَحدهَا ركُوب الْخَيل وَالْكر والفر بهَا الثَّانِي الرَّمْي بِالْقَوْسِ الثَّالِث المطاعنة بِالرِّمَاحِ الرَّابِع المداورة بِالسُّيُوفِ فَمن استكملها اسْتكْمل الفروسية
وَلم تَجْتَمِع هَذِه الْأَرْبَعَة على الْكَمَال إِلَّا لغزاة الْإِسْلَام وفوارس الدّين وهم الصَّحَابَة رضي الله عنهم وانضاف إِلَى فروسيتهم الخيلية فروسية الْإِيمَان وَالْيَقِين والتنافس فِي الشَّهَادَة وبذل نُفُوسهم فِي محبَّة
الله ومرضاته فَلم يقم لَهُم أمة من الْأُمَم ألبته وَلَا حَاربُوا أمة قطّ إِلَّا وقهروها وأذلوها وَأخذُوا بنواصيها فَلَمَّا ضعفت هَذِه الْأَسْبَاب فِيمَن بعدهمْ لتفرقها فيهم وَعدم اجتماعها دخل عَلَيْهِم من الوهن والضعف بِحَسب مَا عدموه من هَذِه الْأَسْبَاب وَالله الْمُسْتَعَان
فصل
فِي عدد أصُول الرَّمْي وفروعه وَمَا يحْتَاج إِلَى تعلمه
فَالَّذِي اجْتمعت عَلَيْهِ الرُّمَاة من الْأُمَم أَن أصُول الرَّمْي خَمْسَة جمعهَا بَعضهم فِي قَوْله
(الرَّمْي أفضل مَا أوصى الرَّسُول بِهِ
…
وَأَشْجَع النَّاس من بِالرَّمْي يفتخر)
(أَرْكَانه خَمْسَة الْقَبْض أَولهَا
…
وَالْعقد وَالْمدّ وَالْإِطْلَاق وَالنَّظَر) وَجعلهَا بَعضهم فِي أَرْبَعَة وَجَمعهَا فِي قَوْله
(يَا سائلي عَن أصُول الرَّمْي أَرْبَعَة
…
العقد وَالْقَبْض وَالْإِطْلَاق وَالنَّظَر) وَلم يعد مِنْهَا الْمَدّ فاستدرك عَلَيْهِ فَإِنَّهُ من الْأَركان
وَقَالَ آخَرُونَ أُصُوله أَرْبَعَة وفروعه تِسْعَة وكماله خصلتان
فالمجموع خَمْسَة عشر خصْلَة من اسْتكْمل علمهَا وعملها اسْتكْمل علم الرَّمْي وَنحن نبينها فَالْأَصْل الأول الْقَبْض على الْقوس وَالثَّانِي العقد وَالثَّالِث النّظر وَالرَّابِع الْإِطْلَاق وَأما الْفُرُوع فِي الأول الْمَدّ على اسْتِوَاء وترفق وَالثَّانِي معرفَة قدر قوسه ليَكُون على بَصِيرَة من الرَّمْي بِهِ وَالثَّالِث معرفَة مِقْدَار الْوتر فِيهِ وَالرَّابِع معرفَة مِقْدَار فَوق السهْم وَهُوَ الْغَرَض الَّذِي يَجْعَل فِيهِ الْوتر وَالْخَامِس معرفَة مِقْدَار السهْم وَالسَّادِس معرفَة قدر قوته هُوَ فِي نَفسه وَالسَّابِع هيئات الْجُلُوس وَالْوُقُوف
وَالثَّامِن قصد الْإِصَابَة لَا الْبعد وَالتَّاسِع النكاية أما الخصلتان اللَّتَان بهما تَمَامه وهم ملاك أمره فالصبر والتقى وَهَذَا كَلَام حسن جدا وَقَالَت طَائِفَة أَرْكَان الرَّمْي أَرْبَعَة السرعة وَشدَّة الرَّمْي والإصابة والاحتراز فالرامي على الْحَقِيقَة من كملت فِيهِ هَذِه الْأَرْبَعَة وكل وَاحِدَة مِنْهَا محتاجة إِلَى أخواتها كَمَا يحْتَاج الرَّمْي إِلَى أَرْبَعَة الْقوس وَالْوتر والسهم والرامي فَلَو كَانَ سهم الرجل مصيبا وَلم يكن منكيا لم يُؤثر وَلَو كَانَ سَهْمه منكيا وَلم يكن مصيبا لم ينفع وَلَو كَانَ مصيبا منكيا لم يحسن التَّحَرُّز من عدوه فَإِنَّهُ يُوشك أَن يقْتله عدوه قبل رميه إِيَّاه لعدم مَعْرفَته بالتحرز مِنْهُ وَلَو اجْتمعت فِيهِ الثَّلَاثَة الْإِصَابَة والنكاية والتحرز وَلم يكن سريع الرَّمْي نقص ذَلِك من بسالته وشجاعته وَقل انتفاعه برميه وَرُبمَا فَاتَهُ مطلبه وهرب خَصمه مِنْهُ لبطء رميه لَهُ فَمن لم يستكمل هَذِه الْخِصَال فَلَيْسَ برام عِنْدهم