الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة
الحمد لله الذي أنعم علينا بالإسلام، وأتم لنا الدّين، وفتح أمامنا أبواب الهداية، وبصرنا طرق الاجتهاد، وإعمال العقل، وبذل الجهد، واعتبر ذلك عبادة وتفقهاً وذخراً ليوم الدين.
والصلاة والسلام على رسول الله، المبعوث رحمة للعالمين، البشير النذير، الهادي إلى الحق والصراط المستقيم، والباعث على التفكر والبحث وإعمال الذهن للوصول إلى اليقين.
ورضي الله عن الآل والأصحاب، ورحم الله العلماء والفقهاء والدعاة، وجزى الله الجميع خيراً، وعوض المسلمين عنهم خيراً على الدوام.
وبعد:
فإن القواعد الفقهية من أهم العلوم الإسلامية، وهي مرحلة متطورة للتأليف في الفقه، وضبط فروعه، وإحكام ضوابطه، وحصر جزئياته، ولها فوائد جمة، ومنافع كثيرة، سوف نتطرق إليها بمشيئة الله تعالى.
وقد وُجِدت البدور الأولى للقواعد الفقهية في القرآن والسنة، ثم اعتمد عليها ضمنياً الصحابة والعلماء والفقهاء والأئمة عند الاجتهاد والاستنباط، دون أن تكون مدونة، ثم تفطن العلماء لجمعها، وتحريرها، في القرن الرابع الهجري، وبدأت تنتشر وتشيع في المؤلفات الخاصة، وفي ثنايا كتب الفقه عامة، وعلم الخلاف (الفقه المقارن) خاصة، ثم ظهرت فيها المؤلفات، والمجلدات في المذاهب الفقهية، وكثر التأليف فيها من القرن السابع إلى القرن العاشر، وتم تحرير القواعد، وصياغتها.
وجمعها مع فروعها في كتب خاصة، وسنذكر أهمها في التقديم التالي.
ثم تبلورت مشخصة ومقننة لأول مرة في مجلة الأحكام العدلية التي وضعت سنة
1286 هـ وطبقت فعلاً كقانون سنة 1293 هـ/ 1876 م، وتداولها القضاة والمحامون أولاً، ثم أولاها العلماء والفقهاء وشراح المجلة ثانياً، وأفردها الشيخ أحمد الزرقا بكتاب مستقل، ورعاها ابنه أستاذنا العلامة الشيخ مصطفى الزرقا (1999 م) في المدخل بدراسة متميزة مع تبويبها، وتصنيفها، والإشادة بها في كتابه القيم الفريد.
(المدخل الفقهي العام) الذي ألفه سنة 1947 م، ثم نال عليه جائزة الملك فيصل العالمية.
وفي العقدين الأخيرين من القرن العشرين الميلادي، ومطلع القرن الخامس عشر الهجري، اتجهت الأنظار في العالم العربي والإسلامي للعناية الفائقة بالقواعد الفقهية، وظهرت فيها الأنشطة المتعددة، وتبوأت المكانة السامية في الرعاية والعناية، وتتجلى في النقاط التالية:
1 -
تدريس القواعد الفقهية في المعاهد الدينية، أو المعاهد الإسلامية، أو
الثانويات الشرعية، ثم في الكليات والجامعات، وأصبحت مادة القواعد الفقهية مساقاً مقرراً في كليات الشريعة، وصارت أحد المواد الفقهية المعتمدة للتدريس، وكانها علم مستقل.
2 -
ونتج عما سبق ظهور التصانيف والمؤلفات العديدة، الكبيرة والصغيرة في القواعد الفقهية، وتم التعريف بعلم القواعد الفقهية، وبيان موضوعه، ومسائله، ومباحثه، وفوائده، والحاجة إليه، وأهدافه، وبيان نشأته، وضبط حدوده، والتفريق بينه وبين علم أصول الفقه وقواعده، وصلته بالأشباه والنظائر، وعلاقته بالفروق، وعلم الخلاف، وبيان الصلة بينه وبين الضوابط وما يمكن أن يشتبه به، وسنشير إلى بعضها لاحقاً في التقديم التالي.
3 -
رافق الجهد السابق كشف الغطاء، وتسليط الأضواء على المؤلفات السابقة في القواعد الفقهية في تراث الفقه الإسلامي العظيم، وإن اختلفت العناوين: القواعد، القواعد الفقهية، الأشباه والنظائر، الفروق، وغير ذلك، وسنشير إليها باختصار في التقديم التالي.
4 -
نتج عما سبق تشمير السواعد لإحياء التراث الإسلامي في القواعد الفقهية.
وإخراج الكتب القديمة إلى النور، بالدراسة والتحقيق، وتم نشر كتب كثيرة في القواعد الفقهية، سواء بجهد مستقل، أو في رسائل بنية الحصول على شهادة الماجستير والدكتوراه في الجامعات الإسلامية، وتولت مراكز البحث العلمي وإإحياء التراث، ودور النشر المختلفة طباعة هذه الكنوز الفقهية، بعد التحقيق العلمي المتميز، والإخراج الفني الأصيل.
5 -
رافق المرحلة السابقة جهود مباركة في التأليف والتصنيف في القواعد الفقهية، وبيان مناهج المؤلفين القدامى في ذلك، وكيفية ترتيبهم للقواعد، واختلاف طرقهم ومسالكهم فيها، وعرض جوانب من أعمالهم.
6 -
ظهرت في هذه الفترة دراسات جانبية وبحوث مستقلة، بإفراد بعض القواعد بدراسة مستقلة، لشرحها وبيان معناها.، وأدلتها الشرعية، وعرض أهم الفروع الفقهية والمسائل الواقعية التي تندرج تحتها، مع دراسات عن أهمية القواعد، ومدى الاعتماد عليها في الاستدلال.
7 -
قام بعض الباحثين باستقراء كتب الفقه في المذاهب لاستخراج القواعد
الفقهية الموجودة فيها، والمبثوثة في جنباتها، وترتيبها، وشرحها، وبيان الفروع والأحكام الفقهية التي سيقت لأجلها، مثل القواعد الفقهية من (الأم) للشافعي،
ومن (المغني) لابن قدامة، ومن (بدائع الصنائع) للكاساني، ومن (فتح القدير)
للكمال بن الهمام، و (المدونة) للإمام مالك، و (المعيار) للونشريسي.
و (زاد المعاد) لابن القيم، و (إعلام الموقعين) لابن القيم، وغير ذلك كثير.
8 -
اتجه التأليف والتصنيف بعد ذلك لكتابة الموسوعات في القواعد الفقهية التي تجمع بين مختلف المذاهب، وتستمد مادتها من مجموع الكتب السابقة، منها (موسوعة القواعد الفقهية) للبورنو، و (جمهرة القواعد الفقهية في المعاملات المالية) للندوي.
9 -
بلغ الاهتمام بالقواعد الفقهية الذروة والقمة بإنشاء معلمة القواعد الفقهية التي تبناها مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة، التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، لجمع كل النشأطات السابقة في أكبر موسوعة وعمل علمي دولي للقواعد، مع تحرير نصوص القواعد، والألفاظ المختلفة للقاعدة، والاستدلال لها، وبيان تطبيقاتها الفقهية، والتمثيل عليها بأمثلة عصرية، وذكر المستثنيات الفقهية لكل قاعدة من مختلف المذاهب، وبالاعتماد على الكتب الخاصة بالقواعد والأشباه والنظائر التراثية، ثم أمهات كتب الفقه في المذاهب.
وكان لي شرف المساهمة في هذا الخصوص، فكتبت بحثاً عن القواعد الفقهية (في مجلة البحث العلمي، جامعة أم القرى، العدد الخامس سنة 1499 / 1979 م) ، ثم شاركت بمؤتمر في إسلام آباد (تشرين الأول/ أكتوبر 1998 م) عن القواعد الفقهية في المذهب الحنفي، وعرضت القواعد الفقهية باختصار في كتابي (النظريات الفقهية) .
وشاركت باستخراج القواعد الفقهية من كتاب (الأم) للشافعي و (زاد المعاد) لابن القيم لمعلمة القواعد الفقهية، وألفت مرجعاً بعنوان.
(القواعد الفقهية على المذهب الحنفي والشافعي) لجامعة الكويت، وكلفت بتحكيم عدة بحوث علمية عن القواعد الفقهية.
وأردت إكمال المشوار، وإتمام العمل بهذا الكتاب عن.
(القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة) التزاماً بالخطة المذكورة في التقديم التالي، والمنهج المبين فيه، مع إضافة القواعد الكلية، والقواعد المختلف فيها في المذهبين المالكي والحنبلي، وبيان التطبيقات الفقهية في هذين المذهبين في القواعد الكلية الأساسية
والقواعد الكلية المشتركة في المذاهب الأربعة.
ونتج عن هذا الجمع والمزج في القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة، نتج ما يشبه الفقه المقارن، لبيان القواعد المتفق عليها في المذاهب الأربعة.
والتطبيقات الفقهية المتماثلة للقاعدة في المذاهب الأربعة، وتحررت القواعد التي انفرد فيها كل مذهب مع تطبيقاتها، وبيان الاختلاف في أدلة القواعد، وتعليل الأحكام، وتحرير محل النزاع، ولم يبق من منهج الفقه المقارن إلا مناقشة الأدلة والترجيح وهما مما وقف القلم عنهما، لأن ذلك يخرج عن دراسة القواعد وأسسها وتطبيقاتها.
ونسال الله العون والتوفيق، ونرجو منه القبول والثواب، وندعوه أن ينفع به
لكسب الأجر والثواب، وأن يدخره لنا ليوم الحساب والجزاء، وأن يُعيننا على إتمامه مع التمتع بالصحة والعافية، والرضا وحسن المآب، وأن يجزي الله زوجتي وأولادي الثواب على صبرهم علي بالتأليف، وأن ينفعهم بهذا العمل قبل غيرهم، وأن يحفظهم في دينهم وأهلهم وأولادهم.
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الشارقة
في 18 / 3 / 1426 هـ 17 / 4 / 2005 م
أبو أيمن
الأستاذ الدكتور محمد الزحيلي
عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعه الشارقة
وكيل كلية الشريعة للشؤون العلمية - جامعة دمشق - سابقاً