الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة الأساسية الأولى:
الأمور بمقاصدها
الألفاظ الأخرى
- الأعمال بالنيات.
- العبرة بالقصد والمعنى لا اللفظ والمبنى.
- لا ثواب إلا بنية.
- كل ما كان له أصل فلا ينتقل عن أصله بمجرد النية.
- الأيمان مبنية على الألفاظ والمقاصد.
- مقاصد اللفظ على نية اللافظ.
- إدارة الأمور في الأحكام على قصدها.
- المقاصد والاعتقادات معتبرة في التصرفات والعادات.
التوضيح
الأمور: جمع أمر، وهو لفظ عام للأفعال والأقوال كلها، ومنه قوله تعالى:(قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ)، وقوله تعالى:(وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ) .
وقوله تعالى: (وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97) .
أي ما هو عليه من قول أو فعل.
والكلام على تقدير مقتضى، أي أحكام الأمور بمقاصدها، لأن علم الفقه إنما
يبحث عن أحكام الأشياء لا عن ذواتها، ولذا فسرت المجلة القاعدة بقولها: "يعني أن الحكم الذي يترتب على أمر يكون على مقتضى ما هو المقصود من ذلك الأمر.
فالأمور بمقاصدها أي الشؤون مرتبطة بنيّاتها، وأن الحكم الذي يترتب على فعل المكلف ينظر فيه إلى مقصده فعلى حسبه يترتب الحكم تملكاً وعدمه، ثواباً وعدمه، عقاباً وعدمه، مؤاخذة وعدمها، ضماناً وعدمه ".
والأصل في هذه القاعدة قوله صلى الله عليه وسلم:
" إنما الأعمال بالنيات "
وهذا حديث صحيح مشهور أخرجه الأئمة الستة وغيرهم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وتواتر النقل عن الأئمة في تعظيم حديث النية، وأنه لا شيء أجمع، وأغنى، وأكثر فائدة منه، وأنه ثلث العلم، ويدخل في سبعين باباً في الفقه.
والنية محلها القلب في كل موضع، وحقيقتها: قصد الشيء مقترناً بفعله، ووقتها في أول العبادة غالباً، والفعل عامة، وتختلف كيقيتها باختلاف الأبواب، ويشترط فيها: التمييز، والعلم بالمنوي مطابقاً للواقع، وعدم المنافي، ويزيد في النية العبادات الإسلامية، ويعتبر المقصد والنية على نية اللافظ في اليمين، والاعتكاف، والنذر، والحج، ونحوها إلا
في اليمين الواجبة عند القاضي فتكون على نية القاضي.
وقال العلماء: "مقاصد
اللفظ على نية اللافظ إلا في موضع واحد، وهو الحَلِف، فإنه على نية المستحلِف ".
وقال ابن خطيب الدهشة: "المقصود الأعظم بالنية الإخلاص. .، والإخلاص إنما يكون بلإفراد العبادة لله وحده ".
التطبيقات
هذه القاعدة تجري في المعاوضات والتمليكات المالية، والإبراء، والوكالات، وإحراز المباحات، والضمانات والأمانات والعقوبات.
1 -
أما المعاوضات والتمليكات المالية: كالبيع والشراء والإجارة والصلح
والهبة، فإنها كلها عند إطلاقها - أي إذا لم يقترن بها ما يقصد به إخراجها عن إفادة ما وضعت له - تفيد حكمها، وهو الأثر المترتب عليها في التمليك والتملك.
لكن إن اقترن بهذه المعاوضات ما يخرجها عن إفادة هذا الحكم كالهزل.
والاستهزاء، والمواضعة، والتلجئة، فإنه يسلبها إفادة حكمها المذكور.
وإذا أراد بألفاظها النكاح مثلاً كانت نكاحاً، لكن يشترط في الإجارة أو الصلح أن تكون المرأة بدلاً ليكون نكاحاً، فلو كانت في الإجارة معقوداً عليها لا تكون نكاحاً، وفي الصلح لو كانت مصالحاً عنها، بأن ادعى عليها النكاح، فأنكرت، ثم صالحت المدعي على مال دفعته له ليكف عنها، صح وكان خلعاً، ومن باع أو شرى وهو هازل فإنه لا يترتب على عقده تمليك ولا تملك.
2 -
أما الإبراء: فكما لو قال الطالب للكفيل، أو قال المحال للمحتال عليه: برئت من المال الذي كفلت به، أو المال الذي أحلت به عليك، أو قال: برئت إلي منه، وكان الطالب أو المحال حاضراً، فإنه يرجع إليه في بيان قصده من هذا اللفظ،
فإن كان قصد براءة القبض والاستيفاء منه، كان للكفيل أن يرجع على المكفول عنه لو كانت الكفالة بالأمر، وكان للمحال عليه أن يرجع على المحيل لو لم يكن للمحيل دين عليه، وإن كان قصد من ذلك براءة الإسقاط فلا رجوع لواحد منهما.
أما إن كان الطالب أو المحال غير حاضر، ففي قوله:"برئتَ إليَّ " لا نزاع في أنه يحمل على براءة الاستيفاء، وكذلك في قوله:"برئتَ " عند أبي يوسف، فإنه جعله كالأول، وهو المرجح.
3 -
أما الوكالات: فلو وكل إنسان غيره بشراء فرس معين، أو نحوه، فاشترى الوكيل فرساً، ففيه تفصيل، إن كان نوى شراءه للموكل، أو أضاف العقد إلى دراهم الموكل، فيقع الشراء للموكل، وإن نوى الشراء لنفسه، أو أضاف العقد إلى دراهم
نفسه، فيقع الشراء لنفسه، وكذا لو أضاف العقد إلى دراهم مطلقة، فإذا نوى بها دراهم الموكل يقع الشراء للموكل، وإن نوى بها دراهم نفسه يقع لنفسه، وإن تكاذبا في النيَّة يحكَّم النقد، فيحكم بالفرس لمن وقع نقد الثمن من ماله، لأن في النقد من أحد المالين دلالة ظاهرة على أنه أراد الشراء لصاحبه.
4 -
أما الإحرازات: وهي استملاك الأشياء المباحة، فإن النية والقصد شرط في إفادتها الملك، فلو وضع إنسان وعاءً في مكان، فاجتمع فيه ماء المطر، ينظر: فإن كان وضعه خصيصاً لجمع الماء يكون ما اجتمع فيه ملكه، كان وضعه بغير هذا القصد، هما اجتمع فيه لا يكون ملكه، ولغيره حينئذ أن يتملكه بالأخذ، لأن الحكم وهو الملك لا يضاف إلى السبب الصالح إلا بالقصد.
وكذلك الصيد، فلو وقع الصيد في شبكة إنسان أو حفرة من أرضه ينظر: فإن كان نشر الشبكة أو حفر الحفرة لأجل الاصطياد بهما فإن الصيد ملكه، وليس لأحد أن يأخذه، وإن كان نشر الشبكة لتجفيفها، أو حفر الحفرة لا لأجل الاصطياد، فإنه لا يملكه، ولغيره أن يستملكه بالأخذ (م/1303) .
5 -
وأما الضمانات والأمانات فمسائلها كثيرة:
أ - منها اللقطة: فإن التقطها ملتقط بنية حفظها لمالكها كانت أمانة، لا تضمن إلا بالتعدي، وإن التقطها بنية أخذها لنفسه كان تلفها عليه، والقول للملتقط بيمينه في النية لو اختلفا.
وكذا لو التقطها ثم ردها إلى مكانها، فإن كان التقطها للتعريف لم يضمن بردها لمكانها، سواء ردها قبل أن يذهب بها أو بعده، وسواء خاف بإعادتها هلاكها أو لا.
وإن كان التقطها لنفسه لا يبرأ بإعادتها لمكانها ما لم يردها لمالكها.
ب - ومنها الوديعة، فإن المودع إذا استعملها ثم تركها بنية العود إلى استعمالها لا يبرأ عن ضمانها، لأن تعديه باق، وإن كان تركها بنية عدم العود إلى استعمالها يبرأ، ولكن لا يصدق في ذلك إلا ببينة، لأنه أقر بموجب الضمان، ثم ادعى البراء.
وهذا إذا كان تعديه عليها بغير الحجر أو المنع عن المالك، فإن كان بأحد هذين، فإنه لا يبرأ عن الضمان إلا بالرد على المالك، وإن أزال تعديه بالاعتراف بها.
وكذلك كل أمين من قبل المالك إذا تعدى ثم أزال التعدي بنيته (ألا يعود إليه) فإنه يبرأ عن الضمان، فلو لم يكن مسلطاً من قبل المالك أصلاً، أو كان مسلطاً في مدة معينة وانتهت ثم تعدى ثم أزال تعديه وعاد إلى الحفظ لا يبرأ، كما لو كان مأموراً بحفظ شهر، فمضى شهر، ثم استعمل الوديعة ثم ترك الاستعمال، وعاد إلى الحفظ لا يبرأ.
جـ - الوكيل بالبيع لو خالف بأن استعمله، أو دفع الثوب إلى قصار ليقصره حتى صار ضامناً، فلو عاد إلى الوفاق يبرأ كمودع، والوكالة باقية في بيعه.
واستثنوا من الأمناء: المستعير لأجل الانتفاع، والمستأجر، والأجير، فإن كلاً منهما لو عاد إلى الوفاق لا يبرأ، فإذا تعدوا على العين المستعارة أو المستأجرة، ثم تركوا التعدي بنية عدم العود إليه لا يبرؤون عن الضمان إلا بالرد على المالك، ومثل ذلك كل أمين كانت يده يد استحفاظ من المالك، كوارث المودع، ومن ألقت الريح ثوباً في داره.
6 -
وأما العقوبات، فكالقصاص، فإنه يتوقف على قصد القاتل، وتقام الآلة المفرقة للأجزاء مقام قصد القتل، لأن هذا القصد لا يمكن الوقوف عليه، ودليل الشيء في الأمور الباطنة يقوم مقامه، ويتوقف على أن يقصد قتل نفس المقتول لا غير، فلو لم يقصد القتل أصلاً، أو قصد القتل، ولكن أراد غير المقتول، فأصاب المقتول، فإنه لا يقتص منه في شيء من ذلك، بل تجب الدية، ويكون القتل خطأ.
سواء كان ما قصده مباحاً، كما لو أراد قتل صيد، أو إنسان مباح الدم، فأصاب آخر محترم الدم، أو كان ما قصده محظوراً، كما لو أراد قتل شخص محترم الدم فأصاب آخر مثله.
7 -
من قال: خذ هذه الدراهم، فإن نوى التبرع بها كان هبة، وإلا كان قرضاً واجب الإعادة.
8 -
من قال لزوجته: أنت عليَّ كظهر أمي، ينظر إلى نيته، فإن نوى الظهار فمظاهر، وإن نوى الكرامة، كانت كرامة، وإن نوى الطلاق كان طلاقاً؛ لأن اللفظ يحتمل كل ذلك.
9 -
العبادات، والنية أساس فيها للتقرب، ولتمييز العبادات من العادات، وتمييز رتب العبادات، كالوضوء أو الغسل يتردد بين التنظيف والتبرد والعبادة، والإمساك
عن المفطرات قد يكون للحمية والتداوي، أو لعدم الحاجة إليها، أو لفقدان الطعام، والجلوس في المسجد قد يكون للاستراحة، فشرعت النية لتمييز العبادة والقربة من غيرها، ولذلك قال العلماء:
" لا ثواب ولا عقاب إلا بنية".
والوضوء، والغسل، والصوم، ونحوها قد يكون فرضاً ونذراً ونفلاً، والتيمم قد يكون عند الحدث، أو الجنابة، والصورة واحدة، فشرعت النية لتمييز رتب العبادات بعضها من بعض.
10 -
قال لزوجته: أنت عليَّ حرام وبنوي الطلاق والظِّهار، فالأصح أنه يخير بينهما هما اختاره ثبت.
11 -
أحيا أرضاً بنية جعلها مسجداً فإنها تصير مسجداً بمجرد النية.
12 -
حلف ألا يسلم على زيد، فسلم على قوم هو فيهم، واستثناه بالنية، فإنه لا يحنث.
13 -
المنقطع عن الجماعة لعذر من أعذارها إذا كان نيته حضورها لولا العذر يحصل له ثوابها، والأحاديث الصحيحة تدل لذلك.
14 -
إن الرجل إذا اشترى أو استأجر، أو اقترض، ونوى أن ذلك لموكله، أو لموليه، كان له، وإن لم يتكلم به في العقد، وإن لم ينوه له وقع الملك للعاقد، وكذا لو تملك المباحات من الصيد والحشيش وغير ذلك، ونوى أنه لموكله وقع الملك له عند أكثر الفقهاء، فإذا كان القول والفعل الواحد، يوجب الملك لمالكين مختلفين عند تغير النية، ثبت أن للنية تأثيراً في التصرفات..
(ابن تيمية، الحصين 359/1) .
15 -
لو قضى عن غيره ديناً، أو أنفق عليه نفقة واجبة، ونحو ذلك، ينوي التبرع والهبة لم يملك الرجوع بالبدل، وإن لم ينو فله الرجوع إن كان قد عمل بإذنه وفاقاً، وبغير إذنه على خلاف فيه، فصورة الفعل واحدة، وإنَّما اختلفا، هل هو من باب المعاوضات، أو من باب التبرعات بالنية؛..
(ابن تيمية، الحصين 1/ 359) .
16 -
إن الله سبحانه حرم أن يدفع الرجل إلى غيره مالاً ربوياً بمثله على وجه
البيع، إلا أن يتقابضا، وجوّز الدفع على وجه القرض، وقد اشتركا في أن هذا يقبض دراهم، ثم يعطي مثلها بعد العقد، وإنَّما فُرق بينهما للمقاصد، فإن مقصود المقرض إرفاق المقترض ونفعه، وليس مقصوده المعاوضة والربح (..
(ابن تيمية، الحصين 359/1) .
17 -
لو باعه درهماً بدرهمين كان رباً محرماً، ولو باعه درهماً بدرهم، ووهبه درهماً هبة مطلقة، لا تعلق لها بالبيع ظاهراً ولا باطناً، كان ذلك جائزاً، فالذي يميز بين هذا التصرف وهذا، هو القصد والنية، فلولا مقاصد العباد ونياتهم لما اختلفت هذه الأحكام..
(ابن تيمية، الحصين 1/ 360) .
18 -
عقود المكرَه وأقواله مثل بيعه، وقرضه، ورهنه، ونكاحه، وطلاقه.
ورجعته، ويمينه، ونذره، وشهادته، وحكمه، وإقراره، وردته، وغير ذلك من أقواله، فإن هذه الأقوال كلها منه ملغاة مهدرة بالإجماع، فالمكرَه أتى باللفظ المقتضي للحكم، ولم يثبت حكم اللفظ؛ لأنه لم يقصده، وإنما قصد دفع الأذى عن نفسه.
فصار عدم الحكم لحدم قصده وإرادته بذلك اللفظ، وكونه إنما قصد به شيئاً آخر غير حكمه، فعلم أن نفس اللفظ ليس مقتضياً للحكم إلا بالنية والقصد، فالأسماء تتبع المقاصد، فإذا اختلفت المقاصد اختلفت أحكام الأسماء..
(ابن تيمية، الحصين 1 /361) .
19 -
إن المقاصد معتبرة في التصرفات من العقود وغيرها، وهذا إبطال للحيل التي يراد بها التوصل إلى المحرمات؛ لأن المحتال لا يقصد بالتصرف مقصوده الذي جعل لأجله، بل يقصد به استحلال محرم، أو إسقاط واجب، أو نحو ذلك..
(ابن تيمية، الحصين 366/1) .
20 -
إن الهدية إذا كانت مقبوضة بسبب من الأسباب كانت مقبوضة بحكم ذلك السبب، فإذا أهدى العامل في المضاربة إلى المالك شيئاً، فالمالك مخير بين الرد، وبين القبول والمكافأة عليها بالمثل، وبين أن يحسبها له من نصيبه؛ لأنه إنما أهداه لأجل المعاملة التي بينهما، وليس مقصوده التبرع، وإذا وهب واهب لأحد شيئاً يقصد
بذلك العوض ولم يحصل له فله الرجوع على من وهبه، وإذا أهدى المقترض إلى المقرض شيئاً قبل الوفاء، لم يحل له قبولها، إلا أن يحتسبها من الدين؛ لأنه إنما أهدى إليه لأجل ما بينهما من المعاملة، ولكي يُؤخر الاقتضاء..
(ابن تيمية، الحصين 1 / 366) .
21 -
إذا كان الابن في حضانة أمه، فأنفقت عليه تنوي بذلك الرجوع على الأب، فلها أن ترجع على الأب في أظهر قولي العلماء..
(ابن تيمية، الحصين 368/1) .
22 -
لا يجوز البيع لمن يستعين به على المنكر، كالبيع في أعياد النصارى أو
غيرهم، للمسلمين الذين يعلم أنهم يستعينون بهذا الشراء على مشابهة الكفار في العيد، وكذلك لا يحل للمسلمين أن يبيعوا للنصارى شيئاً من مصلحة عيدهم، لا لحماً، ولا ثوباً، ولا يعارون دانة، ولا يعاونون على شيء من دينهم؛ لأن ذلك من تعظيم شركهم وعونهم على كفرهم..
(ابن تيمية، الحصين 368/1) .
23 -
إذا علم المشتري أن العين المبيعة مغصوبة، وأراد أن يشتريها، فإن قصد بشرائها تملكها لم يجز له ذلك، وإن قصد استنقاذها لتصرف في مصارفها الشرعية، فتعاد إلى صاحبها إن أمكن، وإلا صرفت في مصارف المسلمين، جاز له الشراء..
(ابن تيمية، الحصين 368/1) .
24 -
إذا أعطى الرجل زوجته مالاً زائداً عن النفقة، فإن كان على وجه التمليك لها فقد ملكته، وليس له إن طلقها هو ابتداء أن يطالبها بذلك، وإن كان قد أعطاها لتتجمل به، لا على وجه التمليك للعين، فهو باق على ملكه، فله أن يرجع فيه متى شاء، سواء طلقها أولم يطلقها..
(ابن تيمية، الحصين 368/1) .
25 -
إذا عمل أحد الشركاء أكثر من غيره، فإن عمل ذلك تبرعاً فهم سواء في