الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة: [81]
الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة
(م/59)
التوضيح
الولاية - بالفتح - لغة: النصرة، وبالكسر: السلطة والتمكن.
واستعملت الثانية شرعاً في نفوذ التصرف على الغير شاء أو أبى.
وتكون الولاية عامة أو خاصة.
فالولاية العامة: هي سلطة على إلزام الغير، وإنفاذ التصرف عليه بدون تفويض منه، وتكون في الدِّين، والدنيا، والنفس، والمال، وتتعلق بمرافق الحياة وشؤونها.
من أجل جلب المصالح للأمة ودرء المفاسد عنها، والولاية العامة لها مراتب
واختصاصات تتفاوت فيما بينها وتتدرج، من ولاية الإمام الأعظم إلى ولاية نوابه وولاته وقضاته، فإنه يلي على الجميع كتجهيز الجيوش، وسد الثغور، وجباية الأموال من حلها، وصرفها في محلها، وتعيين القضاة والولاة، وإقامة الحج والجماعات، وإقامة الحدود والتعازير، وقمع البغاة والمفسدين، وحماية بيضة الدين، وفصل الخصومات وقطع المنازعات، ونصب الأوصياء والمتولين ومحاسبتهم، وتزويج الصغار والصغائر الذين لا ولي لهم.
وغير ذلك من صوالح الأمور.
وأما الولاية الخاصة فتكون في النفس والمال معاً، وفي المال فقط.
والولاية على النفس والمال معاً تتفاوت قوة وضعفاً، وتكون أربع مراتب:
1 -
قوية في المال والنفس: مثل ولاية الأب، ثم الجد أب الأب، وإن علا.
فإنهما يملكان تزويج الصغار على هذا الترتيب، ومداواتهم، والتصرف في أموالهم
بشرط حرية وتكليف واتحاد في الدين، وغير الإسلام من الأديان بمنزلة دين واحد.
2 -
ضعيفة في المال والنفس: مثل ولاية من كان الصغير في حجره من الأجانب، أو من الأقارب، وكان هناك أقرب منه له، فإن البعيد يلي على نفس الصغير وماله ولاية ضعيفة، فإنه يملك تأديبه وإيجاره ودفعه في حرفة تليق بأمثاله، ويشتري له ما لا بدَّ له منه، ويقبض له الهبة والصدقة ويحفظ له ماله.
3 -
قوية في النفس ضعيفة في المال: مثل ولاية غير الأب والجد من العصبات وذوي الأرحام، فإنهم يملكون من التصرف في نفس الصغير والمجنون والمعتوه بالشروط السابقة ما يملكه الأب والجد عند عدمهما، وبشرط الكفاءة ومهر المثل في النكاح بالنسبة لغير الابن، أما الابن فلا يتقيد بالكفاءة ومهر المثل، لأن ولايته في النفس كولاية الأب والجد، بل هو مقدم عليهما، وإن كانت في المال ضعيفة بمنزلة
غيره من الأقارب.
ومملك هؤلاء الأولياء وأوصياؤهم شراء ما لا بد للصغير منه، وقبض الهبة
والصدقة له، وحفظ ماله دون التصرففيه، ولو موروثاً من قبل موصيهم.
4 -
قوية في المال ضعيفة في النفس: مثل ولاية وصى الأب أو الجد أو القاضي على الصغار فإنه يتصرف في مالهم تصرفاً قوياً، ولكن تصرفه في أنفسهم ضعيف، كتصرف من كان الصغير في حجره من الأجانب.
وأما ولاية المال فقط فولاية متولي الوقف، وولاية الوصي في مال الكبير الغائب، فإنه يلي بيع غير العقار من التركة مطلقاً، وبيع العقار لدين أو وصية لا وفاء لهما إلا ببيعه، فيبيعه عليه ولو كان حاضراً إذا امتنع عن وفاء الدين.
وهذه الولاية ليست ناشئة عن نقص أهلية، ولا علاقة لها بالنفس أصلاً، وإنما هي ولاية مالية محضة، يُفؤَض صاحبها بحفظ المال الموقوف، والعمل على إبقائه صالحاً بحسب شرط الوقف.
ويضاف لذلك السلطة التي جعلها الشرع بيد أهل القتيل في استيفاء القصاص من قاتله، أو العفو عنه إلى الدية، أو مطلقاً ومجاناً.
وهذه الولاية الخاصة للأهل والأولياء والأوصياء والنظار تنتقل إلى السلطان
بمقتضى ولايته العامة عند عدمهم، لقوله صلى الله عليه وسلم:
" السلطان ولي من لا ولي له "
فيمارسها السلطان بنفسه أو بواسطة أحد نوابه من ولاة وقضاة ونحوهم لمصلحة المولىَّ عليه.
وإن اجتمعت الولايتان الخاصة والعامة فإن الولاية الخاصة مقدمة على الولاية
العامة، ولا تأثير للولاية العامة عند وجود الخاصة، وإن تصرف الولي العام عند وجود الولي الخاص فتصرفه غير نافذ، لأن كل ما كان أقل اشتراكاً كان أقوى تأثيراً أو امتلاكاً، أي تمكناً، وكلما كانت الولاية مرتبطة بشيء أخص مما فوقها بسبب ارتباطها به وحده، كانت أقوى تأثيراً في ذلك الشيء مما فوقها من العموم، وتكون الولاية العامة كأنها انفكت عما خُصصت له الولاية الخاصة، ولم يبق لها إلا الإشراف، إذ القوة بحسب الخصوصية لا الرتبة.
فمثلاً: متولي الوقف، ووصي اليتيم، وولي الصغير، ولايتهم خاصة، وولاية القاضي بالنسبة إليهم عامة، وأعم منها ولاية إمام المسلمين، فولاية المتولي وما عطف عليه أقوى من ولاية القاضي، وولاية القاضي أقوى من ولاية الإمام.
وهذا ما نقضي به الأصول المقررة في علم الإدارة والقوانين الإدارية الحديثة
اليوم، وفقاً لقاعدة توزيع الصلاحيات والمسؤوليات ومبدأ التدرج.
فليس للموظف الرئيس أن يقوم هو بالعمل أو التوقيع العائد لمرؤوسه، ولكن إذا تمرد هذا الموظف المرؤوس عن عمله دون مسوّغ، يعزل، وينصب غيره، ليقوم بالعمل العائد إليه.
التطبيقات
1 -
إن القاضي لا يملك التصرف في الوقف مع وجرد متولٍ عليه، ولو من قبله،
حتى لو تصرف بإيجار أو قبض أو صرف لا ينفذ.
(الزرقا ص 313، الدعاس ص 81) .
2 -
إن القاضي لا ولاية له مع وجود الأب والجد.
(اللحجي ص 86) .
3 -
إن القاضي لا يملك التصرف في مال الصغير مع وجود وصي الأب، أو وصي الجد، أو وصي القاضي، أما مع وصي غير من ذكر كوصي الأم ومن شاكلها ممن كانت ولايته ضعيفة في المال من الأقارب فإنه يملك التصرف.
(الزرقا ص 113، الدعاس ص 81) .
4 -
إن القاضي لا يملك تزويج الصغار مع وجود الولي إلا بعد عضله.
(الزرقا ص 313) .
5 -
لو أذنت للقاضي أن يزوجها بغير كفء، ففعل لم يصح على الأصح، ولو زوجها الولي الخاص صح.
(اللحجي ص 86) .
6 -
يحق للولي الخاص استيفاء القصاص، والعفو عن الدية، والعفو مجاناً، وليس للإمام العفو مجاناً.
(اللحجي ص 86) .
7 -
لو زوج الإمام لغيبة الولي، وزوجها الولي الغائب بآخر في وقت واحد، وثبت ذلك بالبينة، قدم الولي، لأن الأصح في هذه الحالة أن تزويج الحاكم كان بالنيابة عن الولي الغائب، بدليل عدم الانتقال إلى الأبعد.
وقيل إنه بطريق الولاية.
(اللحجي ص 86) .
المستثنى
1 -
إذا وجد القاضي صاحب الولاية العامة خيانة أو تقصيراً من صاحب الولاية الخاصة، فللقاضي حق العزل، ويتصرف مكانه، لأن ولاية القاضي عامة، وصيانة هذه الأموال من الحق العام، فله التقدير فيه بمقتضى النظر العام، وإن كان ليس له أن يباشر العقود عنهم مع وجودهم أي الأولياء والأوصياء) .
(الدعاس ص 81) .
2 -
أخرج بعضهم من القاعدة المذكورة ما نصوا عليه من أن الوصي لا يملك
استيفاء القصاص إذا قتل مورث الصغير الذي تحت ولايته، مع أن القاضي يملك استيفاءه، فتكون الولاية العامة هنا أقوى من الولاية الخاصة.
وفي الحقيقة لا استثناء؛ لأن ولاية استيفاء القصاص عن الصغير تابعة للولاية عن نفسه، ولا ولاية على نفسه للوصي، وما له من الولاية المتقدمة ضعيفة ولا تزيد على ولاية الأجنبى إذا كان الصغير في حجره.
(الزرقا ص 313) .
3 -
إن المتولي لا يملك العزل والنصب لأرباب الجهات بدون أن يشترط الواقف ذلك له، وبملكه القاضي بدون شرط.
(الزرقا ص 313) .
4 -
يملك القاضي إقراض مال الصغير، دون الأب والوصي.
(الزرقا ص 313) .
5 -
يملك القاضي الاستقراض للوقف واستبداله بشروطه، وإيجاره مدة طويلة عند مسيس الحاجة إلى تعميره، ولا يملك المتولي ذلك.
(الزرقا ص 313) .
6 -
يحق للقاضي التدخل مع الولي، والوصي، بالسبب العام، فإنه يحاسب
الأوصياء والأولياء والمتولين، ويعزل الخائن، وإن شرط الموصي أو الواقف عدم مداخلته.
(الزرقا ص 313) .
7 -
يملك القاضي بالسبب العام إيجار عقار الوقف من المتولي، أو ممن لا تقبل شهادته للمتولي ولو لم يكن هناك خيرية، ولا يصح ذلك من المتولي نفسه.
(الزرقا ص 314) .
فوائد
الفائدة الأولى: ضابط الولاية
الولي قد يكون ولياً في المال والنكاح كالأب والجد، وقد يكون ولياً في النكاح فقط كسائر العصبة غير الأب والجد، وكالأب فيمن طرأ سفهها فإنه لا ولاية له إلا على البُضع على الأصح، وأما المال فالولاية فيه للقاضي، والجد كالأب في ذلك.
وقد يكون في المال فقط كالوصي، فلو أوصى إليه بأن يزوج بطلت الوصية.
الفائدة الثانية: مراتب الولاية
الولاية أربع مراتب:
الأولى: العليا: وهي ولاية الأب والجد، وهي عامة وثابتة شرعاً، بمعنى أن
الشارع فوض فيها التصرف في مال الولد لوفور شفقتهما، وذلك وصف ذاتي لهما.
فلو عزلا أنفسهما لم ينعزلا بإجماع، لأن المقتضي للولاية الأبوة والجدودة، وهي موجودة مستمرة لا يقدح العزل فيها، لكن إذا امتنعا من التصرف تصرف القاضي.
وهكذا ولاية النكاح لسائر العصبات.
الثانية: السفلى: وهي الوكالة، فالوكيل تصرفه مستفاد من الإذن، مقيد بامتثال أمر الموكل، فلكل منهما العزل، وحقيقته: أنه فسخ عقد الوكالة أو قطعه، والوكالة عقد من العقود قابل للفسخ.
الثالثة: بين المرتبتين، وهي الوصاية، فإنها من جهة كونها تفويضاً تشبه الوكالة، ومن جهة كون الموصي لا يملك التصرف بعد موته، وإنما جوزت وصيته للحاجة
لشفقته على الأولاد وعلمه بمن هو أشفق عليهم تشبه الولاية، وأبو حنيفة لاحظ الثاني، فلم يجوز له عزل نفسه، والشافعي لاحظ الأول، فجوز له عزل نفسه على المشهور من مذهبه.
الرابعة: ناظر الوقف: يشبه الوصي من جهة كون ولايته ثابتة بالتفويض، ويشبه الأب من جهة أنه ليس لغيره تسلط على عزله، والوصي يتسلط الموصي على عزله في حياته بعد التفويض بالرجوع عن الوصية، ومن جهة أنه يتصرف في مال الله تعالى.
فالتفويض أصله أن يكون منه، ولكنه أذن فيه للواقف، فهي ولاية شرعية، ومن جهة أنه إما منوط بصفة كالرشد ونحوه، وهي مستمرة كالأبوة، وإما منوط بذاته كشرط النظر لزيد، وهو مستمر فلا يفيد العزل، كما لا يفيد في الأب، بخلاف الوكيل والوصي، فإنه يقطع ذلك العقد، أو يرفعه، كذا نقله السيوطي عن السبكي رحمهما الله تعالى آمين.