الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة: [62]
الاجتهاد لا ينقض بمثله
(م/16)
الألفاظ الأخرى
- الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد.
- الظن هل ينقض بالظن؟
التوضيح
إن اجتهاد المجتهد في المسائل الظنية التي لم يرد فيها دليل قاطع لا ينقض باجتهاد مثله إجماعاً، أي في المسائل التي يسوغ فيها الاجتهاد، لأنه لو نقض الأول بالثاني لجاز أن ينقض الثاني بالثالث، لأنه ما من اجتهاد إلا ويجوز أن يتغير، وذلك يؤدي إلى عدم الاستقرار، ويلزم التسلسل.
فالاجتهاد السابق لا تنقض أحكامه الماضية بالاجتهاد اللاحق، فيصح ما فعله
بالاجتهاد الأول وتبرأ به ذمته.
فإذا اجتهد مجتهد في حادثة لإيجاد حكم لها، فأفتى أو قضى، ثم وقعت حادثة
أخرى مثلها فتبدل اجتهاده إلى حكم مخالف، فلا تنقض فتواه، أو قضاؤه السابقان.
فلو جاز إبطال العمل في الفتاوى والأحكام الاجتهادية كلما تبدل اجتهاد المجتهد فيها لما استقر حكم في حادثة، لأن الاجتهاد عرضة للتبدل دائماً بتبدل وجهات النظر في الأدلة.
وهذا في حق الماضي، فلو كان قضى قاض في حادثة باجتهاده، ثم تبدل اجتهاده فرفع إليه نظيرها، فقضى فيها باجتهاده الثاني، فلا ينقض الأول، ويكفي أن يُغير الحكم في المستقبل، لانتفاء الترجيح.
والأصل في هذه القاعدة إجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم، كما نقله ابن
الصباغ، وأن أبا بكر حكم في مسائل خالفه فيها عمر بن الخطاب، ولم ينقض حكمه، وعمر حكم في المشَّركة بعدم المشاركة ثم حكم فيها بالمشاركة بخلاف ما قضى في نظيرها قبلاً، ولم ينقض قضاءه الأول، وقال:
"تلك على ما قضينا، وهذه على ما نقضي "، وقضى في الجد قضايا مختلفة.
وعلته أنه ليس الاجتهاد الثاني بأقوى من الأول، فيصح ما فعله بالاجتهاد
الأول، ويغير الحكم في المستقبل، وإلا فإنه يؤدي إلى ألا يستقر حكم، وذلك مشقة شديدة، فإنه إذا نقض هذا الحكم نقض ذلك النقض، وهلم جراً.
وهذا مبدأ قانوني أيضاً في محاكم النقض والإبرام والتمييز إذا تغير اجتهادها لا
يسري ذلك على الأحكام السابقة، ويسمى في اصطلاحهم "بعدم رجعية القوانين ".
وكذلك لا ينقض اجتهاد مجتهد بمجتهد آخر، بل كل مجتهد عليه أن يحترم اجتهاد الآخر لعدم المرجح بعد أن يستكمل المجتهد رتبة الاجتهاد في كل منهما.
وكذلك لو كان بين قاضيين، بأن قضى شافعي مثلاً في حادثة مجتهداً فيها بمذهبه، ثم رفعت لآخر حنفي مثلاً يرى فيها غير ذلك، لا يجوز له نقض قضاء الأول، بل يجب عليه تنفيذه، ويحكم في غيرها بما يراه.
وهذا، أي عدم جواز مخالفة قضاء القاضي السابق، فيما هو محل النزاع الذي ورد عليه القضاء، أما فيما هو من توابعه فلا يتقيد بمذهب الأول، فلو قضى شافعي بالبيع في عقار، فللقاضي الحنفي أن يقضي فيه بالشفعة للجار، وإن كان القاضي الأول لا يراها، وكذلك لو حكم قاض بصحة الوقف لا يكون حكماً بالشروط.
فلو وقع التنازع في شيء من الشروط عند من يخالف فيها، فله أن يحكم فيها بمذهبه، لأن ذلك ليس محل النزاع لدى القاضي الأول، كما لو حكم بالوقف ثم وقع التنازع
في رجوع الشرط المتأخر للجملة المتقدمة مثلاً كما هو مذهب الحنفية، أو للأخيرة
كما هو مذهب الشافعي، فإنه يقفبي القاضي الحنفي بمذهبه، ويقصي القاضي
الشافعي بمذهبه.
كذلك لو كان مقلد المجتهد في عمل، فاستفتى فأفتى فيها بمذهب مجتهد آخر يخالف اجتهاد المجتهد الأول، لا ينقض عمله السابق.
أما في حق المستقبل فلا يتقيد باجتهاده واستفتائه السابق أصلاً.
التطبيقات
1 -
لو تغير اجتهاد المصلي في القبلة عمل بالثاني، ولو صلى أربع ركعات إلى أربع جهات بالاجتهاد صحت صلاته ولا قضاء عليه.
(الدعاس ص 55، اللحجي ص 51)
وعند المالكية قولان، والصحيح أنه لا يعيد بعد الوقت.
ويعيد في الوقت.
(الغرَياني ص 34) وبعد الوقت تستحب الإعادة.
(الغرياني ص 41) .
2 -
لو اجتهد فظن طهارة أحد الإناءين فاستعمله وترك الآخر، ثم تغير ظنه، لم يعمل بالثاني، بل يُتمم.
(اللحجي ص 51، الغرياني ص 34) .
3 -
لو ألحق القائف الولد بأحد المتداعيين، ثم رجع وألحقه بالآخر لم يقبل.
(اللحجي ص 51) .
4 -
لو حكم الحاكم بشيء، ثم تغير اجتهاده، لم ينقض الأول، وإن كان الثاني أقوى، غير أنه في واقعة جديدة لا يحكم فيها إلا بالثاني.
(اللحجي ص 51، الغرياني ص 34) .
5 -
إذا حكم الحاكم في المسائل المجتهد فيها، فلا ينقض حكمه، مثل الحكم
ببطلان خيار المجلس، والعرايا، ومنع القصاص في المثقل، وصحة النكاح بلا ولي، وثبوت الرضاع بعد حولين، وصحة نكاح الشغار، ونكاح المتعة، وجريان التوارث بين المسلم والكافر، وقتل الوالد بالولد، والحر بالعبد، فلا ينقض الحكم على ما صححه في أصل "الروضة " في الجميع.
(اللحجي ص 51 - 52) .
6 -
إذا اجتهد المصلي باختيار أحد أثواب بعضها نجس، فإنه إذا صلى وتغير
اجتهاده في الطاهر منها، ففي إعادته قولان عند المالكية.
(الغرياني ص 34) .
المستثنى
1 -
للإمام الحمى، وهو منع الرعي في قطعة من الأرض، ولو أراد من بعده
نقضه، فله ذلك في الأصح، لأنه قد يرى المصلحة في نقضه.
ولو حمى الخلفاء الأربعة فإنه يجوز نقضه، خلافاً لما في "الروضة" وكذا حمى سيدنا عمر رضي الله عنه خلافاً للأذرعي.
ومنع إمام الحرمين استثناء هذه الصورة، واعتمده المحققون المتأخرون، إذ المتبع هو المصلحة فلا نقض.
(اللحجي ص 52) .
2 -
إذا قسم القاسم بين الشركاء قسمة إجبار، كقسمة المتشابهات، ثم قامت بينة بغلطه، أو حيفه وظلمه، انتقضت مع أن القاسم قسم باجتهاده.
(اللحجي ص 52) .
3 -
إذا قوَّم المقومون، ثم اطلع على صفة نقص أو زيادة ككون الدابة حاملاً، أو كون الزجاجة ليست زجاجة، بل جوهرة مثلاً، بطل التقويم الأول.
قال السيوطي: "لكن هذا يشبه نقض الاجتهاد بالنص لا بالاجتهاد".
4 -
لو أقام الخارج بينة، وحكم له بها وصارت الدار في يده، ثم أقام الداخل بينة، حكم له بها، ونقض الحكم الأول، لأنه إنما قضى للخارج لعدم حجة صاحب اليد، هذا هو الأصح، عند الرافعي.
قال ابن حجر: لكنه لا يكون من باب نقض الاجتهاد بالاجتهاد، لأن الحكم إنما وقع بناء على أن لا معارض، فإذا ظهر عمل به، وكأنه استثنى من الحكم.
5 -
إن عدم نقض قضاء القاضي في الماضي، والعمل بالاجتهاد الجديد في
المستقبل، إنما هو في القاضي المجتهد، أما القاضي المقلد الذي تقلد القضاء مقيداً بمذهب معين، فإنه يتقيد به، فلو حكم في المستقبل بخلافه ينقض حكمه، وإن وافق أصلاً مجتهداً فيه، ولذا لو أخطأ في تطبيق الحادثة على الحكم الشرعي، ثم ظهر أن النقل الشرعي بخلافه، فإن حكمه ينقض.
(الزرقا ص 156) .
6 -
القاضي إذا قضى بالجور ثم ظهر له الحق، فإن كان قضى خطأ، فإما أن يكون
التدارك ممكناً، أو لا، فإن أمكن، كما إذا قضى بمال أو طلاق، ثم ظهر أن الشهود محدودون في قذف مثلاً، بطل القضاء، وعادت المرأة إلى زوجها، ورد المال إلى من أخذ منه، وإن لم يمكن التدارك كالقصاص إذا نفذ لا يقتل المقضي له بل تجب الدية في ماله.
هذا إذا ظهر خطؤه بالبينة أو بالإقرار من المقضي له، فلو كان ذلك بإقرار القاضي فلا يظهر أثره في حق المقضي له، حتى لا يبطل القضاء في حقه.
كل ذلك في حق الجد، أما في حق المولى سبحانه وتعالى، كحد الزنى والسرقة والشرب، إذا نفذ ثم ظهر خطؤه، فالضمان في بيت المال.
وإن كان القاضي قضى بالجور عمداً، وأقر به، فالضمان في ماله في الوجوه كلها، ويعزرَ، ويعزل عن القضاء.
(الزرقا ص 156) .
7 -
ينقض قضاء القاضي إذا خالف نصاً أو إجماعاً، أو قياساً جلياً.
قال القرافي: أو خالف القواعد الكلية (1) .
وقال ابن حجر: أو كان حكماً لا دليل عليه قطعاً.
قال السبكي: وما خالف شرط الواقف، فهو مخالف للنص، وهو حكم لا دليل عليه سواء كان نصه في الوقف نصاً أو ظاهراً، كان وقف على مسجد أرضاً، فلا يجوز نقل غلتها لمسجد آخر.
(اللحجي ص 52، الغرياني ص 34، 36) .
.
(1)
مثال مخالفة النص: الحكم بعدم إقامة الحد على شارب النبيذ، وقبول شهادته، فإنه ينقض ويقام عليه الحد وترد شهادته، لتضافر النص والقياس على تحريمه (الغرياني ص 34) وكذلك الحكم بالشفعة للجار
فإنه ينقض؛ لأن الحديث جعل الشفعة للشريك دون الجار.
(الغرياني ص 35) .
ومثال مخالفة الإجماع: الحكم بحرمان الجد من الميراث وجعل الميراث كله للإخوة، لأن الأمة على قولين بجعل الميراث كله للجد، أو مقاحمته للإخوة، ولم يقل أحد بجعل الميراث كله للإخوة، فمتى حكم به حاكم نقض حكمه، ومن أفتى به لا يقلد في فتواه.
(الغرياني ص 35) .
ومثال مخالفة القياس: قبول شهادة النصراني، فمن حكم بشهادته نقض حكمه، لأن الفاسق لا تقبل شهادته، والكافر أشد منه فسوقاً، وأبعد عن المناصب الرعة في مقتضى القياس.
(الغرياني ص 35) .
ومثال مخالفة القواعدت المسألة السريجة نسبة لابن سريج الشافعي (306 هـ) وهي أن يقول الرجل لزوجته: إن طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثاً، فلا يلزمه شيء، فهذا مخالف للقواعد، فمتى حكم حاكم بتقرير النكاح في حقه فينقض حكمه، لأنه يلزمه طلقة، ويتمم عليه الثلاث أو المعلق، فإذا ماتت أو
مات، وحكم حاكم بالتوراث بينهما نقض حكمه.
(الغرياني ص 35، 381) .
8 -
يجوز مخالفة نص الواقف في حالة الضرورة في مسائل، منها: إذا فضل من غلة الموقوف على عمارته، ولم تتوقع العمارة عن قرب، فإنه يتعين أن يشتري به عقاراً، ومنها ما لو وقف أرضاً فتعذرت، وانحصر النفع في الغرس، أو البناء، فعل الناظر أحدهما، أو أجرها لذلك، وكذا يجوز مخالفة شرط الواقف المخالف للشرع، كشرط العزوبة في سكان المدرسة، فلا يصح، كما أفتى به البلقيني، وعلله بأنه مخالف للكتاب والسنة والإجماع من الحض على التزوج.
(اللحجي ص 53) .
9 -
من التبست عليه القبلة، فاجتهد وصلى إلى إحدى الجهات، ظاناً أنها القبلة، ثم تغير اجتهاده بعد الصلاة، فهل يعيد الصلاة أم لا؟
قولان عند المالكية.
والصحيح: أنه يعيد في الوقت.
(الغرياني ص 34) .
فائدة
قال السبكي: وما خالف المذاهب الأربعة فهو كالمخالف للإجماع، وإنما ينقضه حكم الحاكم لتبين خطئه، والخطأ قد يكون في نفس الحكم بكونه خالف نصاً أو شيئاً مما تقدم، وقد يكون الخطأ في السبب، كان يحكم ببينة مزورة، ثم يتبين خلافه، فيكون الخطأ في السبب، لا في الحكم، وقد يكون الخطأ في الطريق، كما إذا حكم ببينة ثم بأن فسقها، وفي هذه الثلاثة ينقض الحكم بمعنى أنا تبينا بطلانه.
(اللحجي ص 53) .