الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة: [36]
5 -
الحاجة تُنزَّل منزلة الضرورة، عامة كانت أو خاصة
.
(م/32)
الألفاظ الأخرى
- الحاجة تُنزَّل منزلة الضرورة، عامة كانت أو خاصة في إباحة المحظور.
- الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة الخاصة في حق آحاد الناس.
التوضيح
الضرورة هي الحالة الملجئة إلى ما لا بدَّ منه، والضرورة أشدُّ درجات الحاجة
للإنسان، ويترتب على عصيانها خطر، كخشية الهلاك جوعاً، والإكراه الملجئ، والمحتاج إذا لم يصل إلى حاجته لا يهلك، ولا يفقد عضواً من أعضائه، ولكنه يكون بسبب فقدها في جهد ومشقة شديدة.
والحاجة هي الحالة التي تستدعي تيسيراً أو تسهيلاً لأجل الحصول على المقصود، فهي دون الضرورة، وإن الحكم الثابت لأجلها مستمر.
والثابت للضرورة مؤقت، ويترتب على عدم الاستجابة إلى الحاجة عسر وصعوبة.
والحاجة تتنزَّل، فيما يحظره ظاهر الشرع، منزلة الضرورة، عامة كانت أم
خاصة، وتنزيلها منزلة الضرورة في كونها تثبت حكماً، وإن افترقا في كون حكم
الحاجة مستمراً، وحكم الضرورة مؤقتاً بمدة قيام الضرورة؛ إذ الضرورة تقدر بقدرها" (م/ 22) .
ومعنى كونها عامة: أن يكون الاحتياج شاملاً جميع الأمة.
ومعنى كونها خاصة: أن يكون الاحتياج لطائفة منهم، كأهل بلد، أو حرفة، وليس المراد من كونها خاصة أن تكون فردية إلا نادراً.
وكيفما كانت الحاجة فالحكم الثابت بسببها يكون عاماً بخلاف الحكم الثابت
بالعرف والعادة، فإنه يكون مقتصراً وخاصاً بمن تعارفوه، وتعاملوا عليه.
واعتادوه؛ وذلك لأن الحاجة إذا مست إلى إثبات حكم تسهيلاً على قوم لا يمنع ذلك من التسهيل على آخرين، ولا يضر، بخلاف الحكم الئابت بالعرف والعادة، فإنه يقتصر على أهل ذلك العرف؛ إذ ليس من الحكمةِ إلزام قوم بعرف آخرين وعادتهم ومؤاخذتهم بها.
ومعنى هذه القاعدة أن التسهيلات الاستثنائية في الشرع لا تقتصر على حالات الضرورة الملجئة، بل تشمل التسهيلات حاجات الجماعة أيضاً مما دون الضرورة.
ولكن إنما يضاف الحكم إلى الحاجة فيما يظهر إذا كان تجويزه مخالفاً للقياس، وإلا كانت إضافته للقياس أولى، ويدخل تحت الأصل والحكم العام.
والظاهر أن ما يجوز للحاجة إنما يظهر فيما ورد فيه نص يجوزه، أو تعامل، أو لم يرد فيه شيء منهما، ولكن لم يرد فيه نص يمنعه بخصوصه، وكان له نظير في الشرع يمكن إلحاقه به، وجعل ما ورد في نظيره وارداً فيه.
كما في بيع الوفاء، فإن مقتضاه عدم الجواز؛ لأنه إما من قبيل الربا؛ لأنه انتفاع بالعين بمقابلة الدين، أو صفقة مشروطة في صفقة، كأنه قال: بعته منك بشرط أن تبيعه مني إذا جئتك بالمن، وكلاهما غير جائز، ولكن لما مست الحاجة إليه في بخارى بسبب كثرة الديون على أهلها جوز ذلك على وجه أنه رهن أبيح الانتفاع بثمراته ومنافعه كلبن الشاة وثمر الشجرة، والرهن على هذه الكيفية جائز.
أو كان الفعل لم يرد فيه نص يجوِّزه، أو تعامل، ولم يرد فيه نص يمنعه، ولم يكن له
نظير جائز في الشرع يمكن إلحاقه به، ولكن كان فيه منفعة ومصلحة، كما وقع في الصدر الأول من تدوين الدواوين، وضرب الدراهم، والعهد بالخلافة، وغير ذلك مما لم يأمر به الشرع، ولم يَنْهَ عنه، ولم يكن له نظير قبل، فإنه دعت إليه الحاجة، وسَوَّغته المصلحة، بخلاف الضرورة؛ فإن ما يجوز لأجلها لا يعتمد شيئاً من ذلك.
أما ما لم يرد فيه نص يسوِّغه، ولا تعاملت عليه الأمة، ولم يكن له نظير في الشرع يمكن إلحاقه به، وليس فيه مصلحة عملية ظاهرة، فإن الذي يظهر عندئذ عدم جوازه، جرياً على ظواهر الشرع، لأن ما يتصور فيه أنه حاجة، والحالة هذه، يكون غير منطبق على مقاصد الشرع، وقد ذكر ابن الهمام أن نفي المدرك الشرعي يكفي لنفي الحكم الشرعي.
وأما ما ورد فيه نص يمنعه بخصوصه فعدم الجواز فيه واضح، ولو ظُنت فيه
مصلحة؛ لأنها حينئذ وهم.
والفرق بين الحاجة والضرورة في الأحكام أمران:
1 -
إن الضرورة تبيح المحظور سواء كان الاضطرار للفرد أو للجماعة، والحاجة لا تبيح المحظور إلا للجماعة، والحاجة إذا عمَّت كانت كالضرورة.
2 -
الحكم الثابت بالضرورة ينتهي بانتهاء الاضطرار؛ بخلاف الحكم الثابت
بالحاجة، فهي تثبت بصورة دائمة، يستفيد منها المحتاج وغيره، وهي لا تصادم النص، إنما تخالف القواعد العامة والقياس.
التطبيقات
1 -
تجويز الإجارة، فإنها جوزت بالنص على خلاف القياس، للحاجة إليها؛ لأن عقد الإجارة يرد على المنافع، وهي معدومة، وتمليك المعدوم قبل وجوده يستحيل، ولا يمكن جعل العقد فيها مضافاً إلى زمن وجود المنفعة؛ لأنَّ التمليكات لا تقبل الإضافة.
(الزرقا ص 211، اللحجي ص 45) .
2 -
تجويز السلم، وهو بيع معدوم، وإن جُوِّزَ بالنص على خلاف القياس لحاجة الكثير إليه.
(الزرقا ص 211، الدعاس ص 34) .
3 -
تجويز الجعالة، وهو عقد مع غير معلوم، ففيه جهالة، وجوزت للحاجة إليه (اللحجي ص 45) .
4 -
تجويز الحوالة، وهو بيع الدين بالدين، وجوّزت لعموم الحاجة إلى ذلك.
(اللحجي ص 45) .
5 -
تجويز ضمان الدَرَك (1) ، فإنه جوّز با لإجماع، على خلاف القياس؛ وذلك لأن الكفالة من جهة المطلوب، وهو المكفول عنه، بمنزلة الطلاق والعتاق لا تتوقف على قبوله، ومن جهة الطالب، وهو المكفول له، بمنزلة البيع؛ لأنها تملكه حق مطالبة الكفيل، فتستدير التنجيز كسائر التمليكات، وضمان الدرك عبارة عن ضمان
الثمن للمشتري عند استحقاق المبيع، فهو كفالة مضافة، والقياس يأباها؛ لأنها تمليك للطالب كما ذكرنا، والتمليكات لا تقبل الإضافة، لكنها جوِّزت بالإجماع، لمكان التعامل، ولقوله تعالى:(وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72) ..
(الزرقا ص 211) .
6 -
تجويز استئجار السمسار على أن له في كل مئة كذا، فإن القياس يمنعه.
ويوجب له أجر المثل، ولكن جوَّزوه للتعامل لحاجة الناس إليه.
(الزرقا ص 211) .
7 -
تجويز استئجار الظئر للإرضاع، على القول بأن العقد يرد على اللبن، والخدمة تثبت تبعاً، فإنه جوز للحاجة، بالتعامل، وبقوله تعالى:.
(فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) ، وإلا فالقياس يأباه، لأنه وارد على استهلاك العين.
والإجارة إذا وردت على استهلاك العين مقصوداً لا تجوز.
(الزرقا ص 211) .
8 -
تجويز الاستصناع فيما فيه التعامل، على الصحيح، من أن الاستصناع بيع.
.
(1)
وهو أن يضمن البائع المبيع للمشتري إذا أدركه آخر وطالب باستحقاق المبيع، فيرد البائع الثمن للمشتري.
لا عِدَة، فإن القياس يأباه؛ لأنه بيع المعدوم، لكن جوَّزوه استحساناً بالإجماع للحاجة بسبب تعامل الناس عليه، وما فيه من الخلاف فليس في أصل جوازه، بل في أنه بيع أو عدة.
(الزرقا ص 212) .
9 -
تجويز دخول الحمام بأجر، فمقتضى القياس عدم جوازه، لأنه وارد على استهلاك الأعيان وهو الماء الحار، ومع ذلك فإن ما يستوفيه كل من الآخر مجهول، لكنه جوّز لحاجة الناس، بالتعامل، مع جهالة المدة، وكمية الماء، للحاجة، وله نظير في الشرع يمكن إلحاقه به، وهو جواز استئجار الظئر بطعامها وكسوتها، فإن ما يستوفيه كل من المؤجر والمستأجر من صاحبه مجهول، وهذا النظير (يعني استئجار الظئر بطعامها وكسوتها) هو من السوابق الشائعة من صدر الإسلام بلا نكير.
وجوازه مروي عن أبي حنيفة نفسه.
(الزرقا ص 212، الدعاس ص 35) .
10 -
تجويز الوصية، فإن القياس يأباها؛ لأنها تمليك مضاف لما بعد الموت.
والتمليكات لا تقبل الإضافة، وأيضاً بالموت ينتقل الملك إلى الوارث، فلم يبق للمورث بعد الموت حتى يملك تمليكه، ولكن جوزت بنص الكتاب العزيز، للحاجة.
(الزرقا ص 212) .
11 -
بيع الثمار التي تتلاحق في الظهور متى بدأ بعضها، نظراً للحاجة.
(الدعاس ص 35) .
12 -
بيع الوفاء (1) ، جاز للحاجة، ولتعامل الناس به كما سبق، وينطبق عليه
قاعدة "العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني "(م/3) .
(الدعاس ص 35) .
13 -
تضبيب الإناء (1) بالفضة يجوز للحاجة، ولا يعتبر العجز عن التضبيب
.
(1)
بيع الوفاء: أن يبيع شخص عقاراً لآخر، ويشترط عليه أنه إذا أعاد له الثمن ووفاه، فيفسخ البيع، ويسترد العقار..
(2)
التضبيب: هو وضع الضُبَّة وهي القطعة لإصلاح الإناء ولحمه.
بغير النقدين، فإن العجز يبيح إصلاح الإناء منهما قطعاً، بل المراد الأغراض المتعلقة بالتضبيب سوى الزينة كإصلاح موضع الكسر، وكالشذ والتوثق، وهذا مثال للحاجة الخاصة..
(اللحجي ص 45) .
14 -
جواز لبس الحرير لحاجة دفع القمل والحكة، فيجوز لبسه لذلك بنص
الحديث الشريف، وهذا مثال آخر للحاجة الخاصة.
15 -
إذا عمَّ الحرام بلداً بحيث لا يوجد فيه حلال إلا نادراً، فإنه يجوز تناول ما يحتاج إليه من الحرام للضرورة؛ لأن الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة، ولا يتوسع في الحرام من احتاج إليه، ولا يتبسط فيه كما يتوسع في الحلال، من وثير المركوب والمفروش، والأثاث والملبس، والتنعم بفواكه الطعام ولذائذه، لأن الضرورة أو الحاجة التي تنزل مترلتها تقدر بقدرها.
(الغرياني ص 321) .
16 -
جواز الصلح مع أن الصلح إنقاص للحق، ويترتب عليه أخذ مال الغير بدون وجه مشروع، إلا أنه أجيز بنصوص شرعية للإصلاح بين المتنازعين، وتسوية الخلاف، ولما يترتب عليه من مسامحة وتطييب النفوس.
(السدلان ص 293) .
17 -
جواز طائفة من الخيارات في العقد، وهو أن يكون للمتعاقد الحق أو
الاختيار بين إمضاء العقد وفسخه وإبطاله، ويكون العقد غير لازم، مع أن الأصل في العقود أن تكون لازمة لا يجوز فسخها، وأجيز الخيار للحاجة الماسة حتى لا يطغى أحد على مصلحة أحد بدون تحقق رضاه، ولا يستغل عاقد حسن نية العاقد الآخر فيغبنه، وليتمكن كل عاقد من تفحص المعقود عليه، أو اكتشافه أثناء الخبرة والتجربة، أو ليتهيا له فرصة للتروي والتثبت والمشورة لموازنة حقه مع التزامه.
(السدلان ص 294) .
18 -
يجوز للجنب والحائض وكل حامل لنجاسة دخول المسجد بدون كراهة إذا كانت هناك حاجة أو عذر يقضي بذلك، وهي حاجة خاصة.
(السدلان ص 295) .
19 -
يدخل في هذه القاعدة جميع الأحكام التي قرر الفقهاء تبديلها لتغير الزمان أو فساده، فتقرّر الأحكام الجديدة وتتبدل تبعاً للحاجة، واعتبار العرف عاماً كان أو خاصاً استجابة لداعي الحاجة.
(السدلان ص 295) .
20 -
جواز المعاملات وضروب الشركات التي تحدث بين الناس، وتقتضيها
تجارتهم، إذا قام البرهان، ودل الاستقراء على أنها صارت حاجياً للناس بحيث ينالهم الحرج والضيق إذا حرّمت عليهم، فتباح لهم، وإن كان فيها مجهول، أو معدوم، أو محظور، بمقدار ما يرفع الحرج عنهم..
(السدلان ص 294) .
21 -
جميع واجبات الصلاة تسقط عند العجز عن فعلها، كالقيام، والقراءة، والجماعة، والاصطفاف، وغير ذلك من واجبات الصلاة..
(ابن تيمية، الحصين 1/256)
22 -
يجب على كل ولي أمر أن يستعين بأهل الصدق والعدل، وإذا تعذر ذلك استعان بالأمثل فالأمثل، وإن كان فيه كذب وظلم؛ لأن الواجب إنما هو فعل المقدور..
(ابن تيمية، الحصين 1/257) .
23 -
إذا تعذر ضرب المحدود في القذف أو الزنا أو غير ذلك مفرقاً، لمرضه أو ضعفه، فإنه يجوز ضربه ضرباً مجموعاً غير مفرق..
(ابن تيمية، الحصين 1/257) .
24 -
يفرق فيما يحرِّم من الرضاعة بين أن يقصد رضاعة أو تغذية، فمتى كان المقصود الثاني لم يحرِّم إلا ما كان قبل الفطام، وهذا هو إرضاع عامة الناس، وأما الأول فيجوز إن احتيج إلى جعله ذا محرم، وقد يجوز للحاجة ما لا يجوز لغيرها.
(ابن تيمية، الحصين 1/257) .
25 -
العرايا (وهي بيع الرطب على رؤوس النخل بالتمر كيلاً)
يلحق بها ما كان في معناها، لعموم الحاجة إلى ذلك، وحسب القاعدة السابقة "ما حرم لسدّ الذريعة أبيح للمصلحة الراجحة "..
(ابن تيمية، الحصين 1/ 531) .
26 -
ما يحتاج إلى بيعه يجوز بيعه وإن كان معدوماً إذا لم يمكن بيعه إلا على تلك الحال، فيجوز بيع المقاثي كالبطيخ والخيار والقثاء دفعة واحدة في البستان، وإن كان
بعضها معدوماً لم يوجد بعد؛ لأن الحاجة داعية إلى ذلك، ويتعذر أو يتعسر بيعها لَقْطة لَقْطة..
(ابن تيمية، الحصين 1/531) .
27 -
يجوز استئجار الأرض المشتملة على أشجار وأرض تصلح للزراعة، بأجرة معلومة، فيزرعها المستأجر، ويسقيها، وينتفع بثمرتها، ويعطي المؤجر أجرة معلومة في الشهر أو السنة، سواء أكان الشجر كثيراً يزيد عن الثلث، والباقي أرض بيضاء، أم كان قليلاً؛ لأن الحاجة داعية إلى مثل هذه المعاملة، ولا يمكن استئجار الأرض المشتملة على أشجار إلا باستئجار الشجر معها..
(ابن تيمية، الحصين 1/532) .
28 -
جواز شراء وبيع أسهم الشركات التي تقترض بربا، أو تودع جزءاً من أموالها في بنوك ربوية، إذا كانت في أصل تعاملها قائمة على الحلال، وذلك أن حاجة الناس تقتضي الإسهام في هذه الشركات لاستثمار مدخراتهم التي لا يستطيعون استثمارها وحدهم، وهم غير قادرين على منع هذه الشركات من مثل هذه المعاملات، وفي المنع من المشاركة فيها لأجل هذا القليل من الحرام من الضيق والحرج ما لا تأتي به هذه الشريعة الكاملة، ويتحرى المساهم بإخراج هذا المال المحرم
والتخلص منه حين يستلم أرباحه (الحصين 1/533) .