المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القاعدة: [36]5 -الحاجة تنزل منزلة الضرورة، عامة كانت أو خاصة - القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة - جـ ١

[محمد مصطفى الزحيلي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تقديم

- ‌منهح البحث

- ‌خطة البحث

- ‌الباب التمهيديتعريف القواعد الفقهية وفوائدها وأهم كتبها

- ‌ثالثاً: الفرق بين القاعدة والضابط

- ‌سابعاً: مصادر القواعد الفقهية

- ‌جـ (كتب القواعد الفقهية في المذهب الشافعي)

- ‌د - (كتب القواعد الفقهية في المذهب الحنبلي)

- ‌هـ - (القواعد الكلية في مجلة الأحكام العدلية)

- ‌عاشراً: فوائد

- ‌الباب الأولالقواعد الفقهية الأساسية

- ‌القاعدة الأساسية الأولى:الأمور بمقاصدها

- ‌المستثنى

- ‌فوائد

- ‌القاعدة الأساسية الثانية:اليقين لا يزول بالشك

- ‌فوائد

- ‌القاعدة: [3]1 -الأصل بقاء ما كان على ما كان

- ‌القاعدة: [4]2 -ما ثبت بزمان يحكم ببقائهما لم يقم الدليل على خلافه

- ‌القاعدة: [5]3 -الأصل في الصفات العارضة العدم

- ‌القاعدة: [6]4 -الأصل براءة الذمة

- ‌القاعدة: [7]5 -الأصل إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته

- ‌القاعدة [8]6 -لا عبرة للدلالة في مقابلة التصريح

- ‌القاعدة: [9]7 -لا ينسب إلى ساكت قول، لكن السكوت في معرض الحاجة بيان

- ‌القاعدة: [10]8 -لا عبرة للتوهم

- ‌القاعدة: [11]9 -لا حجة مع الاحتمال الناشئ عن دليل

- ‌القاعدة: [12]10 -لا عبرة بالظن البينِّ خطؤه

- ‌القاعدة: [13]11 -من شك هل فعل شيئًا أولا فالأصل أنه لم يفعله

- ‌القاعدة: [14]12 -من تيقن الفعل، وشك في القليل أو الكثير، عمل علىالقليل، لأنه المتيقن

- ‌القاعدة: [15]13 -الأصل العدم

- ‌القاعدة: [16]14 -الأصل في الأشياء الإباحة حتى يدل الدليل على التحريمعند الجمهور، وعند أبي حنيفة: الأصل فيها التحريم حتى يدلالدليل على الإباحة

- ‌القاعدة: [17]15 -الأصل في الأبضاع التحريم

- ‌القاعدة: [18]16 -الذمة إذا عمرت بيقين فلا تبرأ إلا بيقين

- ‌القاعدة الأساسية الثالثة: [19]لا ضرر ولا ضرار

- ‌القاعدة: [20]1 -الضرر يدفع بقدر الإمكان

- ‌القاعدة: [21]2 -الضرر يُزال

- ‌القاعدة: [22]3 -الضرر لا يزال بمثله

- ‌القاعدة: [23]4 -الضرر الأشد يُزال بالضرر الأخف

- ‌القاعدة: [24]5 -يُختار أهون الشَّرين

- ‌القاعدة: [25]6 -إذا تعارضت مفسدتان رُوعي أعظمهما ضررًا بارتكاب أخفهما

- ‌القاعدة: [26]7 -يُتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام

- ‌القاعدة: [27]8 -درء المفاسد أولى من جلب المنافع

- ‌القاعدة: [28]9 -إذا تعارض المانع والمقتضي يُقدَّم المانع

- ‌القاعدة: [29]10 -القديم يُترك على قدمه

- ‌القاعدة: [30]11 -الضرر لا يكون قديمًا

- ‌القاعدة الأساسية الرابعة: [31]المشقة تجلب التيسير

- ‌القاعدة: [32]1 -الأمر إذا ضاق اتَّسع

- ‌القاعدة: [33]2 -الضرورات تبيح المحظورات

- ‌القاعدة: [34]3 -الضرورات تَقَدَّر بقَدْرِها

- ‌القاعدة: [35]4 -الاضطرار لا يبطل حق الغير

- ‌القاعدة: [36]5 -الحاجة تُنزَّل منزلة الضرورة، عامة كانت أو خاصة

- ‌القاعدة: [37]6 -كل رخصة أبيحت للضرورة والحاجة لم تستبح قبل وجودها

- ‌القاعدة: [38]7 -يجوز في الضرورة ما لا يجوز في غيرها

- ‌القاعدة: [40]1 -كل اسم ليس له حد في اللغة، ولا في الشرع، فالمرجع فيه إلى العرف

- ‌القاعدة: [41]2 -العقد العرفي كالعقد اللفطي

- ‌القاعدة: [42]3 -الممتنع عادة كالمتنع حقيقة

- ‌القاعدة: [43]4 -استعمال الناس حجَّة يجب العمل بها

- ‌القاعدة: [44]5 -إنما تُعتبر العادة إذا اطردت أو غَلَبت

- ‌القاعدة: [45]6 -العبرة للغالب الشائع لا للنادر

- ‌القاعدة: [46]7 -الحقيقة تترك بدلالة العادة

- ‌القاعدة: [47]8 -الكتابُ كالخطاب

- ‌القاعدة: [48]9 -الإشارة المعهودة للأخرس كالبيان باللسان

- ‌القاعدة: [49]10 -المعروف عرفًا كالمشروط شرعًا

- ‌القاعدة: [50]11 -التعيين بالعرف كالتعيين بالنص

- ‌القاعدة: [51]12 -المعروف بين التجار كالمشروط بينهم

- ‌القاعدة: [52]13 -لا يُنكر تغيُّر الأحكام بتغير الأزمان

- ‌الباب الثاني:القواعد الكلية المتفق عليها

- ‌القاعدة: [53]إعمال الكلام أولى من إهماله

- ‌القاعدة: [54]1 -الأصل في الكلام الحقيقة

- ‌القاعدة: [55]3 -إذا تعذَّرت الحقيقة يُصار إلى المجاز

- ‌القاعدة: [56]3 -إذا تعذر إعمال الكلام يُهمل

- ‌القاعدة: [57]4 -ذكر بعض ما لا يتجزأ كذكر كله

- ‌القاعدة: [58]5 -المطلق يجري على إطلاقهما لم يقم دليل التقييد نصا أو دلالة

- ‌القاعدة: [59]6 -الوصف في الحاضر لَغو، وفي الغائب معتبر

- ‌القاعدة: [60]7 -السؤال مُعاد في الجواب

- ‌القاعدة: [61]8 -التأسيس أولى من التأكيد

- ‌القاعدة: [62]الاجتهاد لا ينقض بمثله

- ‌القاعدة: [63]ما جاز لعذر بطل بزواله

- ‌القاعدة: [64]ما حرم أخذه حرم إعطاؤه

- ‌القاعدة: [65]ما حرم فعله حرم طلبه

- ‌القاعدة: [66]العبرة في العقود للمقاصد والمعاني، لا للألفاظ والمباني

- ‌القاعدة: [67]من استعجل الشيء قبل أوانه عُوقب بحرمانه

- ‌القاعدة: [68]يُغتفر في البقاء ما لا يغتفر في الابتداء

- ‌القاعدة: [70]1 -من ملك شيئًا ملك ما هو من ضروراته

- ‌القاعدة: [71]2 -التابع لا يفرد بالحكم

- ‌القاعدة: [72]3 -يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع

- ‌القاعدة: [73]4 -إذا سقط الأصل سقط الفرع

- ‌القاعدة: [74]5 -قد يثبت الفرع دون الأصل

- ‌القاعدة: [75]6 -إذا بطل الشيء بطل

- ‌القاعدة: [76]7 -التابع يسقط بسقوط المتبوع

- ‌القاعدة: [77]8 -التابع لا يتقدَّم على المتبوع

- ‌القاعدة: [78]9 -يدخل تبعًا ما لا يدخل استقلالاً

- ‌القاعدة: [79]الخراج بالضمان

- ‌القاعدة: [80]إذا اجتمع المباشر والمتسبب يُضاف الحكم إلى المباشر

- ‌القاعدة: [81]الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة

- ‌القاعدة: [82]التصرف على الرعية منوط بالمصلحة

- ‌الباب الثالثالقواعد الكلية في المذهب الحنفي

- ‌القاعدة: [83]لا مساغ للاجتهاد في مورد النص

- ‌القاعدة: [84]ما ثبت على خلاف القياس فغيره عليه لا يقاس

- ‌القاعدة: [85]إذا زال المانع عاد الممنوع

- ‌القاعدة: [86]ليس للمظلوم أن يظلم غيره

- ‌القاعدة: [87]من سعى في نقض ما تمَّ من جهته فسعيه مردود عليه

- ‌القاعدة: [88]البقاء أسْهَل من الابتداء

- ‌القاعدة: [89]إذا بطل الأصل يصار إلى البدل

- ‌القاعدة: [90]الساقط لا يعود كما أنَّ المعدوم لا يعود

- ‌القاعدة: [91]لا يتم التبرع إلا بالقبض

- ‌القاعدة: [92]تبدل سبب الملك كتبدل الذات

- ‌القاعدة: [93]المعلق بالشرط يجب ثبوته عند ثبوت الشرط

- ‌القاعدة: [94]المواعيد بصورة التعاليق تكون لازمة

- ‌القاعدة: [95]يلزم مراعاة الشرط بقدر الإمكان

- ‌القاعدة: [96]الجواز الشرعي ينافي الضمان

- ‌القاعدة: [97]الغُرْمُ بالغُنْم

- ‌القاعدة: [98]النعمة بقدر النقمة، والنقمة بقدر النعمة

- ‌القاعدة: [99]الأجر والضمان لا يجتمعان

- ‌القاعدة: [100]لا يجوز لأحد أن يتصرف في ملك الغير بلا إذنه

- ‌القاعدة: [101]الأمر بالتصرف في ملك الغير باطل

- ‌القاعدة: [102]لا يجوز لأحد أن يأخذ مال أحد بلا سبب شرعي

- ‌القاعدة: [103]يُضاف الفعل إلى الفاعل لا إلى الآمر ما لم يكن مُجْبِرًا

- ‌القاعدة: [104]المباشر ضامن وإن لم يَتَعَمَّد

- ‌القاعدة: [105]المتسبب لا يضمن إلا بالتعمُّد

- ‌القاعدة: [106]جناية العجماء جُبار

- ‌القاعدة: [107]يقبل قول المترجم مُطلقاً

- ‌القاعدة: [108]المرء مؤاخذ بإقراره

- ‌القاعدة: [109]دليل الشيء في الأمور الباطنة يقوم مقام الظاهر

- ‌القاعدة: [110]الثابت بالبرهان كالثابت بالعِيان

- ‌القاعدة: [111]البينة حجة متعدية، والإقرار حجة قاصرة

- ‌القاعدة: [112]البينة لإثبات خلاف الظاهر، واليمين لإبقاء الأصل

- ‌القاعدة: [113]البينة على المدعي واليمين على من أنكر

- ‌القاعدة: [114]لا حجة مع التناقضلكن لا يختل معه حكم الحاكم

- ‌القاعدة: [115]الإسقاط قبل سبب الوجوب يكون لغوًا

- ‌القاعدة: [116]الإجازة اللاحقة كالوحالة السابقة

- ‌القاعدة: [117]الاحتياط في باب العبادات واجب

- ‌القاعدة: [118]الأكثر يقوم مقام الكل

- ‌الباب الرابعالقواعد الفقهية الكلية عند المالكية

- ‌القاعدة: [119]المفرط ضامن

- ‌القاعدة: [120]ما يضمن بالعمد يضمن بالخطأ

- ‌القاعدة: [121]ما يوجب ضمان المنقول يوجب ضمان الأصول

- ‌القاعدة: [122]ما تصح إجارته فعلى متلفه الضمان

- ‌القاعدة: [123]كل ما لا يضمن من التلفات المأخوذة بغير إشهادلا يضمن إذا أخذ بغير إشهاد

- ‌القاعدة: [124]الزعيم غارم

- ‌القاعدة: [125]إيجاب الأخذ يفيد إيجاب الدفع

- ‌القاعدة: [126]العقد على الأعيان كالعقد على منافعها

- ‌القاعدة: [127]كل ما لم يمنع العقد على العين، لم يمنع العقد على منفعتها

- ‌القاعدة: [128]كل عقد جاز أن يكون على القسمة، جاز أن يكون على المشاع

- ‌القاعدة: [129]العقود لا تثبت في الذمم

- ‌القاعدة: [130]كل عقد فاسد مردود إلى صحيحه

- ‌القاعدة: [131]الشرط الباطل لا يؤثر في العقد

- ‌القاعدة: [132]ما ليس بشرط في صحة العقد فليس بواجب أن يقترن به

- ‌القاعدة: [133]الإكراه يبطل العقد

- ‌القاعدة: [134]كل ما يصح تأبيده من عقود المعاوضات فلا يصح توقيته

- ‌القاعدة: [135]كل ما كان لأحد المتعاقدين فسخه بوجهكان للآخر فسخه بمثل ذلك الوجه

- ‌القاعدة: [136]ما هو موجَب العقد لا يحتاج إلى اشتراطه

- ‌القاعدة: [137]ما حرم للاستعمال حرم للاتخاذ

- ‌القاعدة: [138]ما حرم لذاته حرم ثمنه

- ‌القاعدة: [139]ما صح إجارته صحَّ ملكه

- ‌القاعدة: [140]ما صح أن يملك بالأخذ صح أن يملك بالبيع

- ‌القاعدة: [141]كل ما صح أَن يملك إرثًا صح أن يملك هبة وابتياعًا

- ‌القاعدة: [142]كل تمليك في الحياة صح بعد الوفاة

- ‌القاعدة: [143]الحقان المختلفان لا يتداخلان

- ‌القاعدة: [144]كل حق لم يسقط بتأخير الإقرار لم يسقط بتأخير الشهادة

- ‌القاعدة: [145]أخد الحق لا يتوقف إلا بدليل

- ‌القاعدة: [146]إذا اجتمع في المال حقان، أحدهما قد أخذ عوضه، والآخر لميؤخد عوضه، قُدِّم ما أخذ عوضه عدما لم يؤخذ عوضه

- ‌القاعدة: [147]كل ما يفسد العبادة عمدًا يفسدها سهوًا

- ‌القاعدة: [148]لا قياس في العبادات يضر معقولة المعنى

- ‌القاعدة: [149]التلبس بالعبادة يوجب إتمامها

- ‌القاعدة: [150]كل ما جاز في الحضر لعذر جاز في قصير السفر وطويله

- ‌القاعدة: [151]طهارة الأحداث لا تتوقف

- ‌القاعدة: [152]كل قرض جرَّ نفعًا فهو حرام

- ‌القاعدة: [153]الإطلاق محمول على العادة

- ‌القاعدة: [154]ما لا يمكن الاحتراز عنه فهو معفو عنه

- ‌القاعدة: [155]الحدود تدرأ بالشبهات

- ‌القاعدة: [156]العبرة في الحدود بحال وجوبها لا حال استيفائها

- ‌القاعدة: [157]إعطاء الموجود حكم المعدوم، والمعدوم حكم الموجود

- ‌القاعدة: [158]كل ما أدى إثباته إلى نفيه، فنفيه أولى

- ‌القاعدة: [159]الربح يتبع المال الأصل، فيكون ملطا لمن له المال الأصل

- ‌القاعدة: [160]من أثبت أولى ممن نفى

- ‌القاعدة: [161]الأصل لا يجتمع مع البدل

- ‌القاعدة: [162]من أصول المالكية مراعاة الخلاف

- ‌القاعدة: [163]الأصل ألَّا يسقط الوجوب بالنسيان

- ‌القاعدة: [164]كلما سقط اعتبار المقصد سقط اعتبار الوسيلة

- ‌القاعدة: [165]مراعاة المقاصد مقدمة على رعاية الوسائل أبدًا

الفصل: ‌القاعدة: [36]5 -الحاجة تنزل منزلة الضرورة، عامة كانت أو خاصة

‌القاعدة: [36]

5 -

الحاجة تُنزَّل منزلة الضرورة، عامة كانت أو خاصة

.

(م/32)

الألفاظ الأخرى

- الحاجة تُنزَّل منزلة الضرورة، عامة كانت أو خاصة في إباحة المحظور.

- الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة الخاصة في حق آحاد الناس.

التوضيح

الضرورة هي الحالة الملجئة إلى ما لا بدَّ منه، والضرورة أشدُّ درجات الحاجة

للإنسان، ويترتب على عصيانها خطر، كخشية الهلاك جوعاً، والإكراه الملجئ، والمحتاج إذا لم يصل إلى حاجته لا يهلك، ولا يفقد عضواً من أعضائه، ولكنه يكون بسبب فقدها في جهد ومشقة شديدة.

والحاجة هي الحالة التي تستدعي تيسيراً أو تسهيلاً لأجل الحصول على المقصود، فهي دون الضرورة، وإن الحكم الثابت لأجلها مستمر.

والثابت للضرورة مؤقت، ويترتب على عدم الاستجابة إلى الحاجة عسر وصعوبة.

والحاجة تتنزَّل، فيما يحظره ظاهر الشرع، منزلة الضرورة، عامة كانت أم

خاصة، وتنزيلها منزلة الضرورة في كونها تثبت حكماً، وإن افترقا في كون حكم

ص: 288

الحاجة مستمراً، وحكم الضرورة مؤقتاً بمدة قيام الضرورة؛ إذ الضرورة تقدر بقدرها" (م/ 22) .

ومعنى كونها عامة: أن يكون الاحتياج شاملاً جميع الأمة.

ومعنى كونها خاصة: أن يكون الاحتياج لطائفة منهم، كأهل بلد، أو حرفة، وليس المراد من كونها خاصة أن تكون فردية إلا نادراً.

وكيفما كانت الحاجة فالحكم الثابت بسببها يكون عاماً بخلاف الحكم الثابت

بالعرف والعادة، فإنه يكون مقتصراً وخاصاً بمن تعارفوه، وتعاملوا عليه.

واعتادوه؛ وذلك لأن الحاجة إذا مست إلى إثبات حكم تسهيلاً على قوم لا يمنع ذلك من التسهيل على آخرين، ولا يضر، بخلاف الحكم الئابت بالعرف والعادة، فإنه يقتصر على أهل ذلك العرف؛ إذ ليس من الحكمةِ إلزام قوم بعرف آخرين وعادتهم ومؤاخذتهم بها.

ومعنى هذه القاعدة أن التسهيلات الاستثنائية في الشرع لا تقتصر على حالات الضرورة الملجئة، بل تشمل التسهيلات حاجات الجماعة أيضاً مما دون الضرورة.

ولكن إنما يضاف الحكم إلى الحاجة فيما يظهر إذا كان تجويزه مخالفاً للقياس، وإلا كانت إضافته للقياس أولى، ويدخل تحت الأصل والحكم العام.

والظاهر أن ما يجوز للحاجة إنما يظهر فيما ورد فيه نص يجوزه، أو تعامل، أو لم يرد فيه شيء منهما، ولكن لم يرد فيه نص يمنعه بخصوصه، وكان له نظير في الشرع يمكن إلحاقه به، وجعل ما ورد في نظيره وارداً فيه.

كما في بيع الوفاء، فإن مقتضاه عدم الجواز؛ لأنه إما من قبيل الربا؛ لأنه انتفاع بالعين بمقابلة الدين، أو صفقة مشروطة في صفقة، كأنه قال: بعته منك بشرط أن تبيعه مني إذا جئتك بالمن، وكلاهما غير جائز، ولكن لما مست الحاجة إليه في بخارى بسبب كثرة الديون على أهلها جوز ذلك على وجه أنه رهن أبيح الانتفاع بثمراته ومنافعه كلبن الشاة وثمر الشجرة، والرهن على هذه الكيفية جائز.

أو كان الفعل لم يرد فيه نص يجوِّزه، أو تعامل، ولم يرد فيه نص يمنعه، ولم يكن له

ص: 289

نظير جائز في الشرع يمكن إلحاقه به، ولكن كان فيه منفعة ومصلحة، كما وقع في الصدر الأول من تدوين الدواوين، وضرب الدراهم، والعهد بالخلافة، وغير ذلك مما لم يأمر به الشرع، ولم يَنْهَ عنه، ولم يكن له نظير قبل، فإنه دعت إليه الحاجة، وسَوَّغته المصلحة، بخلاف الضرورة؛ فإن ما يجوز لأجلها لا يعتمد شيئاً من ذلك.

أما ما لم يرد فيه نص يسوِّغه، ولا تعاملت عليه الأمة، ولم يكن له نظير في الشرع يمكن إلحاقه به، وليس فيه مصلحة عملية ظاهرة، فإن الذي يظهر عندئذ عدم جوازه، جرياً على ظواهر الشرع، لأن ما يتصور فيه أنه حاجة، والحالة هذه، يكون غير منطبق على مقاصد الشرع، وقد ذكر ابن الهمام أن نفي المدرك الشرعي يكفي لنفي الحكم الشرعي.

وأما ما ورد فيه نص يمنعه بخصوصه فعدم الجواز فيه واضح، ولو ظُنت فيه

مصلحة؛ لأنها حينئذ وهم.

والفرق بين الحاجة والضرورة في الأحكام أمران:

1 -

إن الضرورة تبيح المحظور سواء كان الاضطرار للفرد أو للجماعة، والحاجة لا تبيح المحظور إلا للجماعة، والحاجة إذا عمَّت كانت كالضرورة.

2 -

الحكم الثابت بالضرورة ينتهي بانتهاء الاضطرار؛ بخلاف الحكم الثابت

بالحاجة، فهي تثبت بصورة دائمة، يستفيد منها المحتاج وغيره، وهي لا تصادم النص، إنما تخالف القواعد العامة والقياس.

التطبيقات

1 -

تجويز الإجارة، فإنها جوزت بالنص على خلاف القياس، للحاجة إليها؛ لأن عقد الإجارة يرد على المنافع، وهي معدومة، وتمليك المعدوم قبل وجوده يستحيل، ولا يمكن جعل العقد فيها مضافاً إلى زمن وجود المنفعة؛ لأنَّ التمليكات لا تقبل الإضافة.

(الزرقا ص 211، اللحجي ص 45) .

ص: 290

2 -

تجويز السلم، وهو بيع معدوم، وإن جُوِّزَ بالنص على خلاف القياس لحاجة الكثير إليه.

(الزرقا ص 211، الدعاس ص 34) .

3 -

تجويز الجعالة، وهو عقد مع غير معلوم، ففيه جهالة، وجوزت للحاجة إليه (اللحجي ص 45) .

4 -

تجويز الحوالة، وهو بيع الدين بالدين، وجوّزت لعموم الحاجة إلى ذلك.

(اللحجي ص 45) .

5 -

تجويز ضمان الدَرَك (1) ، فإنه جوّز با لإجماع، على خلاف القياس؛ وذلك لأن الكفالة من جهة المطلوب، وهو المكفول عنه، بمنزلة الطلاق والعتاق لا تتوقف على قبوله، ومن جهة الطالب، وهو المكفول له، بمنزلة البيع؛ لأنها تملكه حق مطالبة الكفيل، فتستدير التنجيز كسائر التمليكات، وضمان الدرك عبارة عن ضمان

الثمن للمشتري عند استحقاق المبيع، فهو كفالة مضافة، والقياس يأباها؛ لأنها تمليك للطالب كما ذكرنا، والتمليكات لا تقبل الإضافة، لكنها جوِّزت بالإجماع، لمكان التعامل، ولقوله تعالى:(وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72) ..

(الزرقا ص 211) .

6 -

تجويز استئجار السمسار على أن له في كل مئة كذا، فإن القياس يمنعه.

ويوجب له أجر المثل، ولكن جوَّزوه للتعامل لحاجة الناس إليه.

(الزرقا ص 211) .

7 -

تجويز استئجار الظئر للإرضاع، على القول بأن العقد يرد على اللبن، والخدمة تثبت تبعاً، فإنه جوز للحاجة، بالتعامل، وبقوله تعالى:.

(فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) ، وإلا فالقياس يأباه، لأنه وارد على استهلاك العين.

والإجارة إذا وردت على استهلاك العين مقصوداً لا تجوز.

(الزرقا ص 211) .

8 -

تجويز الاستصناع فيما فيه التعامل، على الصحيح، من أن الاستصناع بيع.

.

(1)

وهو أن يضمن البائع المبيع للمشتري إذا أدركه آخر وطالب باستحقاق المبيع، فيرد البائع الثمن للمشتري.

ص: 291

لا عِدَة، فإن القياس يأباه؛ لأنه بيع المعدوم، لكن جوَّزوه استحساناً بالإجماع للحاجة بسبب تعامل الناس عليه، وما فيه من الخلاف فليس في أصل جوازه، بل في أنه بيع أو عدة.

(الزرقا ص 212) .

9 -

تجويز دخول الحمام بأجر، فمقتضى القياس عدم جوازه، لأنه وارد على استهلاك الأعيان وهو الماء الحار، ومع ذلك فإن ما يستوفيه كل من الآخر مجهول، لكنه جوّز لحاجة الناس، بالتعامل، مع جهالة المدة، وكمية الماء، للحاجة، وله نظير في الشرع يمكن إلحاقه به، وهو جواز استئجار الظئر بطعامها وكسوتها، فإن ما يستوفيه كل من المؤجر والمستأجر من صاحبه مجهول، وهذا النظير (يعني استئجار الظئر بطعامها وكسوتها) هو من السوابق الشائعة من صدر الإسلام بلا نكير.

وجوازه مروي عن أبي حنيفة نفسه.

(الزرقا ص 212، الدعاس ص 35) .

10 -

تجويز الوصية، فإن القياس يأباها؛ لأنها تمليك مضاف لما بعد الموت.

والتمليكات لا تقبل الإضافة، وأيضاً بالموت ينتقل الملك إلى الوارث، فلم يبق للمورث بعد الموت حتى يملك تمليكه، ولكن جوزت بنص الكتاب العزيز، للحاجة.

(الزرقا ص 212) .

11 -

بيع الثمار التي تتلاحق في الظهور متى بدأ بعضها، نظراً للحاجة.

(الدعاس ص 35) .

12 -

بيع الوفاء (1) ، جاز للحاجة، ولتعامل الناس به كما سبق، وينطبق عليه

قاعدة "العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني "(م/3) .

(الدعاس ص 35) .

13 -

تضبيب الإناء (1) بالفضة يجوز للحاجة، ولا يعتبر العجز عن التضبيب

.

(1)

بيع الوفاء: أن يبيع شخص عقاراً لآخر، ويشترط عليه أنه إذا أعاد له الثمن ووفاه، فيفسخ البيع، ويسترد العقار..

(2)

التضبيب: هو وضع الضُبَّة وهي القطعة لإصلاح الإناء ولحمه.

ص: 292

بغير النقدين، فإن العجز يبيح إصلاح الإناء منهما قطعاً، بل المراد الأغراض المتعلقة بالتضبيب سوى الزينة كإصلاح موضع الكسر، وكالشذ والتوثق، وهذا مثال للحاجة الخاصة..

(اللحجي ص 45) .

14 -

جواز لبس الحرير لحاجة دفع القمل والحكة، فيجوز لبسه لذلك بنص

الحديث الشريف، وهذا مثال آخر للحاجة الخاصة.

15 -

إذا عمَّ الحرام بلداً بحيث لا يوجد فيه حلال إلا نادراً، فإنه يجوز تناول ما يحتاج إليه من الحرام للضرورة؛ لأن الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة، ولا يتوسع في الحرام من احتاج إليه، ولا يتبسط فيه كما يتوسع في الحلال، من وثير المركوب والمفروش، والأثاث والملبس، والتنعم بفواكه الطعام ولذائذه، لأن الضرورة أو الحاجة التي تنزل مترلتها تقدر بقدرها.

(الغرياني ص 321) .

16 -

جواز الصلح مع أن الصلح إنقاص للحق، ويترتب عليه أخذ مال الغير بدون وجه مشروع، إلا أنه أجيز بنصوص شرعية للإصلاح بين المتنازعين، وتسوية الخلاف، ولما يترتب عليه من مسامحة وتطييب النفوس.

(السدلان ص 293) .

17 -

جواز طائفة من الخيارات في العقد، وهو أن يكون للمتعاقد الحق أو

الاختيار بين إمضاء العقد وفسخه وإبطاله، ويكون العقد غير لازم، مع أن الأصل في العقود أن تكون لازمة لا يجوز فسخها، وأجيز الخيار للحاجة الماسة حتى لا يطغى أحد على مصلحة أحد بدون تحقق رضاه، ولا يستغل عاقد حسن نية العاقد الآخر فيغبنه، وليتمكن كل عاقد من تفحص المعقود عليه، أو اكتشافه أثناء الخبرة والتجربة، أو ليتهيا له فرصة للتروي والتثبت والمشورة لموازنة حقه مع التزامه.

(السدلان ص 294) .

18 -

يجوز للجنب والحائض وكل حامل لنجاسة دخول المسجد بدون كراهة إذا كانت هناك حاجة أو عذر يقضي بذلك، وهي حاجة خاصة.

(السدلان ص 295) .

ص: 293

19 -

يدخل في هذه القاعدة جميع الأحكام التي قرر الفقهاء تبديلها لتغير الزمان أو فساده، فتقرّر الأحكام الجديدة وتتبدل تبعاً للحاجة، واعتبار العرف عاماً كان أو خاصاً استجابة لداعي الحاجة.

(السدلان ص 295) .

20 -

جواز المعاملات وضروب الشركات التي تحدث بين الناس، وتقتضيها

تجارتهم، إذا قام البرهان، ودل الاستقراء على أنها صارت حاجياً للناس بحيث ينالهم الحرج والضيق إذا حرّمت عليهم، فتباح لهم، وإن كان فيها مجهول، أو معدوم، أو محظور، بمقدار ما يرفع الحرج عنهم..

(السدلان ص 294) .

21 -

جميع واجبات الصلاة تسقط عند العجز عن فعلها، كالقيام، والقراءة، والجماعة، والاصطفاف، وغير ذلك من واجبات الصلاة..

(ابن تيمية، الحصين 1/256)

22 -

يجب على كل ولي أمر أن يستعين بأهل الصدق والعدل، وإذا تعذر ذلك استعان بالأمثل فالأمثل، وإن كان فيه كذب وظلم؛ لأن الواجب إنما هو فعل المقدور..

(ابن تيمية، الحصين 1/257) .

23 -

إذا تعذر ضرب المحدود في القذف أو الزنا أو غير ذلك مفرقاً، لمرضه أو ضعفه، فإنه يجوز ضربه ضرباً مجموعاً غير مفرق..

(ابن تيمية، الحصين 1/257) .

24 -

يفرق فيما يحرِّم من الرضاعة بين أن يقصد رضاعة أو تغذية، فمتى كان المقصود الثاني لم يحرِّم إلا ما كان قبل الفطام، وهذا هو إرضاع عامة الناس، وأما الأول فيجوز إن احتيج إلى جعله ذا محرم، وقد يجوز للحاجة ما لا يجوز لغيرها.

(ابن تيمية، الحصين 1/257) .

25 -

العرايا (وهي بيع الرطب على رؤوس النخل بالتمر كيلاً)

يلحق بها ما كان في معناها، لعموم الحاجة إلى ذلك، وحسب القاعدة السابقة "ما حرم لسدّ الذريعة أبيح للمصلحة الراجحة "..

(ابن تيمية، الحصين 1/ 531) .

26 -

ما يحتاج إلى بيعه يجوز بيعه وإن كان معدوماً إذا لم يمكن بيعه إلا على تلك الحال، فيجوز بيع المقاثي كالبطيخ والخيار والقثاء دفعة واحدة في البستان، وإن كان

ص: 294

بعضها معدوماً لم يوجد بعد؛ لأن الحاجة داعية إلى ذلك، ويتعذر أو يتعسر بيعها لَقْطة لَقْطة..

(ابن تيمية، الحصين 1/531) .

27 -

يجوز استئجار الأرض المشتملة على أشجار وأرض تصلح للزراعة، بأجرة معلومة، فيزرعها المستأجر، ويسقيها، وينتفع بثمرتها، ويعطي المؤجر أجرة معلومة في الشهر أو السنة، سواء أكان الشجر كثيراً يزيد عن الثلث، والباقي أرض بيضاء، أم كان قليلاً؛ لأن الحاجة داعية إلى مثل هذه المعاملة، ولا يمكن استئجار الأرض المشتملة على أشجار إلا باستئجار الشجر معها..

(ابن تيمية، الحصين 1/532) .

28 -

جواز شراء وبيع أسهم الشركات التي تقترض بربا، أو تودع جزءاً من أموالها في بنوك ربوية، إذا كانت في أصل تعاملها قائمة على الحلال، وذلك أن حاجة الناس تقتضي الإسهام في هذه الشركات لاستثمار مدخراتهم التي لا يستطيعون استثمارها وحدهم، وهم غير قادرين على منع هذه الشركات من مثل هذه المعاملات، وفي المنع من المشاركة فيها لأجل هذا القليل من الحرام من الضيق والحرج ما لا تأتي به هذه الشريعة الكاملة، ويتحرى المساهم بإخراج هذا المال المحرم

والتخلص منه حين يستلم أرباحه (الحصين 1/533) .

ص: 295