الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة [8]
6 -
لا عبرة للدلالة في مقابلة التصريح
(م/13)
الألفاظ الأخرى
- اعتبار الصريح أولى من اعتبار الدلالة عند تعارضهما.
التوضيح
الدلالة بفتح الدال في المعقولات، وبكسرها في المحسوسات، وهي كون الشيء بحال يفيد الغير علماً، ودلالة التصريح يقينية، ودلالة الحال والقرائن محل الشك، واليقين لا يزول بالشك، والتصريح أقوى من الدلالة، فإذا تعارض التصريح مع الدلالة فلا عبرة بالدلالة مقابل التصريح، لأنها دونه في الإفادة وهو فوقها، فيقدم الأقوى.
ولا يدخل بالدلالة هنا الدلالة اللفظية، وهي دلالة الألفاظ على ما وضعت له، لأنها تصريح، ولا يدخل الدلالة العقلية كدلالة اللفظ على وجود اللافظ، ودلالة المصنوعات على وجود الصانع، لأنه يوجد تلازم بين الدلالة العقلية ومدلولها.
والمراد بالدلالة ثلاثة أمور، وهي:
1 -
الدلالة اللفظية الطبيعية، كما إذا قبل الرجل التهنئة بعد تزويج الفضولي له، فيكون ذلك إجازة منه للعقد طبعاً، ولكن إذا وقع ردّه قبل ذلك صريحاً ارتد.
2 -
الدلالة غير اللفظية الوضعية، مثل المحاريب، والأعلام، والأميال، والحفر، والأغلاق، والستور التي تتخذ وتنصب بإزاء ملك الغير من أرض أو بستان أو
حانوت لتدل على الإذن بالدخول، أو على عدم الإذن، فإنها تعتبر، ويعتمد عليها، ولكن إذا وجد التصريح بخلافها تلغى تلك الدلالة.
3 -
الدلالة الطبيعية غير اللفظية، كدلالة الحمرة على الخجل، والصفرة على الوجع، ومثل دلالة ضحك البكر بلا استهزاء عندما بلغها خبر تزويج الولي، فإنه يعتبر إجازة، لكن إذا وجد قبله أو معه تصريح بالرد فتلغى تلك الدلالة.
وعند عدم التعارض يعمل بالدلالة لأنها في حكم التصريح، فإذا وجد التصريح يعمل به بشرط يأتي قبل عمل الدلالة، فإذا جاء التصريح بعد أن عملت الدلالة عملها فتعتبر الدلالة دون التصريح، كما لو قام أحد العاقدين من المجلس قبل القبول فيبطل الإيجاب، لأن القيام دليل الرجوع، وتعمل الدلالة عمل الصريح، فإن قال بعد القيام: قبلت: ووجد الصريح فلا يعتبر، لأنه وجد بعد عمل الدلالة عملها، فلا يعارضها.
التطبيقات
1 -
إذا دخل إنسان دار آخر بإذنه ليشرب من إنائه، فوقع الإناء من يده، وهو يشرب فلا ضمان عليه؛ لأن المالك لم يصرح بالنهي عن الشرب، فهو مأذون شرعاً بالدلالة، والجواز الشرعي ينافي الضمان، بخلاف إذا نهاه صاحب الدار عن الشرب، ثم أخذه ليشرب به، فوقع من يده فانكسر فإنه يضمن قيمته، ففي التصريح بالنهي
تنعدم الدلالة، فلا حكم لها في مقابلته.
(الدعاس ص 17، السدلان ص 175) .
2 -
يحق للبائع حبس المبيع لقبض الثمن، فلو قبضه المشتري، ورآه البائع.
وسكت، كان سكوته إذناً بالقبض دلالة، فيسقط حقه في الحبس، ولو نهاه عن القبض فلا يسقط، لأن التصريح أقوى من الدلالة.
(الدعاس ص 17، الزرقا ص 142) .
3 -
يستدل على مصارف الوقف بتعامل القوَّام السابقين، ولكن إذا وجد كتاب الواقف الموثوق به، فلا عبرة لتعامل القوام على خلافه.
(الزرقا ص 142) .
4 -
إذا باع عقاراً بيعاً صحيحاً شرعياً، ثم ادعى أن البيع كان وفاء، وقال
المشتري: إنه بات قطعي، ينظر، فإن كان هناك دلالة على الوفاء ككون الثمن دون ثمن المثل بغَبْن فاحش، تسمع دعوى الوفاء من البائع، ويكون القول قوله.
(الزرقا ص 142) .
ولكن إذا وجد التصريح بالبتات فلا يعمل بتلك الدلالة، ولا تسمع
دعوى الوفاء حينئذ (م/1658) .
5 -
إذا قبض الموهوب له الهبة بحضرة الواهب، ولم ينهه صح قبضه وتمت الهبة، ولا يملك الاسترداد منه بدون قضاء أو رضاء، ولو نهاه صريحاً لم يصح قبضه، وله استرداده (م/ 57) .
(الزرقا ص 143، السدلان ص 178) .
6 -
لو زوج الأب ابنه الصغير، وضمن عنه المهر، ثم دفعه عنه، أو كان دفعه بلا ضمان، فإنه لا يرجع على الصغير إلا إذا أشهد عند الضمان أو عند الدفع أنه يدفع ليرجع، وعلة عدم الرجوع في الأولى إنما هو لجريان العادة بأن يتحمل الأب مهر ابنه الصغير، بلا طمع في الرجوع، فيكون متبرعاً دلالة، ولكن إذا شرط الرجوع صريحاً
تنتفي الدلالة؛ لأن الصريح يفوقها.
(الزرقا ص 143) .
7 -
لو اشترى إنسان حماراً، ثم جاء ليردَّه بطريق الإقالة، فصرَّح البائع له بأنه لا يقبله، واستعمل البائعُ الحمارَ أياماً، فطالبه المشتري، بردّ الثمن، فامتنع عن ردّه، وعن قبول الإقالة، كان له ذلك، لأنه لما رفض الإقالة صريحاً بطل كلام المشتري فلا تتم الإقالة باستعماله إياه، فقد لَغَتْ دلالة استعمال البانع للحمار على الإقالة في مقابلة تصريحه برفضها.
(الزرقا ص 143) .
8 -
لو وضع شخص الدراهم وأخذ المبيع، وذهب به، والبائع يصيح: لا أعطيها بهذا الثمن، وكان معلوماً أن مراده تطييب قلب المشتري بذلك، لا عدم الرضا، فإنه لا ينعقد البيع.
(الزرقا ص 143) .
9 -
لو عقد على أختين متعاقباً، وني العقد الأول، ثم دخل على إحداهما، اعتبر
دخوله بها بياناً لكونها هي السابق نكاحها، فإذا صرح بعد دخوله بها أن تلك
الأخرى هي السابق نكاحها يعتبر تصريحه بذلك؛ إذ الدلالة لا تعارض التصريح.
وقد يبدو أن التصريح بعد أن عملت الدلالة عملها، والحقيقة أن تبين ذات
النكاح السابق أمر تابع للواقع ونفس الأمر، لا للبيان، فوطء الزوج لإحداهما لا يجعلها هي ذات النكاح السابق في نفس الأمر، بل يجعل بياناً ضرورة حمل فعله على الصلاح، فإذا صرح بعده بأن الأخرى هي السابق نكاحها كان تصريحه فوق البيان الذي صير إليه ضرورة، وأقوى من الدلالة على الواقع ونفس الأمر.
(الزرقا ص 144 - 145) .
10 -
لو تنازع شخصان شيئاً في يد أحدهما، وكل منهما يزعم ملكه بالشراء من شخص ثالث، ولم يذكرا تاريخاً للشراء، أو ذكره أحدهما فقط، وأقام كل منهما البينة على دعواه، ترجح بينة ذي اليد، لأن تمكنه من قبضه دليل على سبق شرائه.
لكن لو ادعى الخارج أن شراءه قبل شراء ذي اليد، وأقام بينة شهدت له بذلك يحكم له، لأن تصريح الشهود يفوق دلالة اليد على سبق الشراء.
(الزرقا ص 144) .
11 -
لو تنازع رجلان في امرأة، فكل منهما يدير أنها زوجته، وأقاما بينتين على ذلك، ولم يبينا تاريخاً للنكاح، ينظر: فإن لم يكن أحدهما دخل بها، أو نقلها إلى منزله، ترد البينتان، لعدم إمكان الاشتراك في النكاح، ويحكم بنكاحها لمن تصدقه هي منهما، وإن كانت في بيت أحدهما، أو كان دخل بها تُرجح بينته، ولا يلتفت إلى تصديقها لخصمه الآخر، لأن تمكنه من نقلها أو الدخول بها هو دلالة على سبق عقده، إلا إذا برهن الآخر على أنه تزوجها قبله، فيكون حينئذٍ هو أولى بها؛ لأن التصريح يفوق الدلالة.
(الزرقا ص 144) .
وإذا كانت المدعى نكاحها ميتة، وأقام كل منهما البينة، ولم يؤرخا، أو أرخا تاريخاً متحداً، فإنه يقضى بالنكاح بينهما، وعلى كل منهما نصف المهر، ويرثان منها ميراث زوج واحد، لأن المقصود من دعوى النكاح بعد موتها هو الإرث، فكانت الدعوى دعوى مال، ولا مانع من اشتراكهما في المال، لأن العبرة في العقود للمقاصد والمعاني، لا للألفاظ والمباني.
(الزرقا ص 65، 144) ، كما سيأتي.
12 -
لو قبض الأب مهر ابنته البالغة من الزوج فسكتت كان سكوتها إذناً
بالقبض دلالة، ويبرأ الزوج؛ لأن ما كان السكوت فيه كالنطق فهو من قبيل
الدلالة، ولو صرحت بالنهي لا يجوز قبض الأب عليها، ولا يبرأ الزوج.
(السدلان ص 178) .
المستثنى
1 -
قد تكون الدلالة في بعض الأوقات أقوى من التصريح، فيثبت بها ما لا يثبت به في مسألة منصوص عليها، وهي أن الحاكم ليس له أن يستنيب آخر عنه إلا إذا كان مفوضاً له بالاستنابة صراحة، كـ "وَلِّ من شئت " ونحوه، أو مفوضاً له دلالة: كـ جعلناك قاضي القضاء، فإذا كان التفويض له صريحاً بما ذكر فإنه يملك الاستنابة.
ولا يملك عزل النائب، أما إذا كان التفويض له دلالة فإنه يملك الاستنابة والعزل، فعملت الدلالة ههنا ما لا يحمله الصريح، ويثبت بها ما لا يثبت به.
(الرزقا ص 145) .
2 -
اشترى شيئاً ثم اطلع على عيب فيه، فاستعمله استعمالاً يدل على الرضا
بالعيب، وهو يصرح بعدم الرضا به، فإنه يلزمه المبيع، ولا يقبل منه تصريحه بعدم الرضا.
(الزرقا ص 146) .
3 -
لو بنى المتولي، في عقار الوقف، أو غرس فيه، ولم يشهد أنه لنفسه، ثم اختلف مع المستحقين، فقال: فعلته لنفسي، وقالوا: بل للوقف، فالقول قولهم، ترجيحاً للدلالة بكونه متولياً، وبناؤه وغرسه لنفسه غير جائز، ويعدُّ خيانة منه، والأصل عدمه، فتقدم الدلالة على تصريحه بأنه فعل لنفسه.
(الزرقا ص 146) .
4 -
لو اشترى إنسان حيواناً، ثم قال لمن يساومه عليه: اشتره فلا عيب به، ولم يتم بينهما البيع، ثم وجد به عيباً، فله رده على بائعه، ولا يمنعه إقراره السابق لمن ساومه بأنه لا عيب فيه، لأن كلامه ذلك مجاز عن الترويج، لظهور أنه لا يخلو عن عيب، فيتيقن بأن ظاهر إقراره غير مراد، إلا إذا كان عين نوع العيب، فقال: لا شلل به، أو لا عور مثلاً، فإنه لا يردّه بعد ذلك بهذا العيب الذي نفاه، لأنه يحيط
العلم به فيعتبر إقراره، ويحكم بأن هذا العيب حدث عنده بعد إقراره بعدمه.
(الزرقا ص 146) .
5 -
إن دلالة الشرع أقوى من صريح كلام الإنسان، فيعمل بدلالة الشرع في أن الولد للفراش، وهي أقوى في ثبوت النسب من صريح منكر جماع المطلقة رجعياً، أو أنه راجعها في العدة، بقوله: لم أجامعها، أو لم أراجعها، فيعمل بدلالة الشرع لعدم احتمالها الكذب، وينسب الولد إليه إذا أتت به لستة أشهر أو أقل، ويبطل صريح إقراره بعدم الوطء؛ لأن دلالة الشرع أقوى من صريح كلام العبد..
(السدلان ص 179) .