الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
108 - (13) باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب في التخفيف عنه
407 -
(187)(23) وحدّثنا عُبَيدُ الله بن عُمَرَ الْقَوَارِيرِي، وَمُحَمدُ بْنُ أَبِي بَكير المقدمِي، وَمُحَمدُ بن عَبْدِ الْمَلِكِ الأموي. قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيرٍ، عَن عَبْدِ الله بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوفَلٍ،
ــ
108 -
(13) باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب في التخفيف عنه
407 -
(187) - (23)(وحدثنا عبيد الله بن عمر القواريري) نسبة إلى بيع القارورة أو صنعها، الجُشَمِي مولاهم أبو شعيب البصري ثقة من (10) مات سنة (235) روى عنه في (10) أبواب (ومحمد بن أبي بكر) بن علي بن عطاء بن مقدم (المقدمي) بضم أوله وفتح ثانيه وفتح الدال المشددة نسبة إلى جده مقدم أبو عبد الله الثقفي مولاهم البصري ثقة من (10) مات سنة (234) روى عنه في (5) أبواب (ومحمد بن عبد الملك) بن أبي الشوارب اسمه محمد بن عبد الرحمن بن أبي عثمان القرشي (الأموي) أبو عبد الله البصري روى عن أبي عوانة في الإيمان وغيره، وعبد العزيز بن المختار في الزكاة والحج والدعاء، وعبد الواحد بن زياد ويزيد بن زريع وغيرهم، ويروي عنه (م ت س ق) والبغوي وابن جرير، وقال النسائي: لا بأس به، وقال في التقريب: صدوق من كبار العاشرة مات سنة (244) أربع وأربعين ومائتين روى عنه في (4) أبواب تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (قالوا) أي قال كل من الثلاثة (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي البزاز مشهور بكنيته ثقة ثبت من (7) مات سنة (176)(عن عبد الملك بن عمير) الفَرَسِي اللخمي أبي عمر الكوفي ثقة فقيه من الثالثة مات سنة (136) روى عنه في (15) بابا (عن عبد الله بن الحارث بن نوفل) بن عبد المطلب الهاشمي أبي محمد المدني تحول إلى البصرة وكان أميرها له رؤية ولأبيه وجده صحبة حنكه النبي صلى الله عليه وسلم روى عن العباس بن عبد المطلب في الإيمان وأم هاني بنت أبي طالب في الصلاة، وأم الفضل في النكاح، وحكيم بن حزام في البيوع، وأبي بن كعب في الفتن، وعبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب في الزكاة، ويروي عنه (ع) وعبد الملك بن عمير وبنوه عبد الرحمن وعبيد الله وسليمان، والزهري وغيرهم
عَنِ الْعَباسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطلِبِ؛ أَنهُ قَال: يَا رَسُولَ الله، هَلْ نَفَعتَ أبَا طَالِبٍ بِشَيءٍ، فَإِنهُ كَانَ يَحُوطُكَ ويغْضَبُ لَكَ؟ قَال:"نَعَمْ. هُوَ فِي ضَحْضَاح مِنْ نَارٍ، وَلَوْلا أَنَا لَكَانَ فِي الدرَكِ الأَسفَلِ مِنَ النارِ"
ــ
وفي التقريب قال ابن عبد البر: أجمعوا على توثيقه مات بعُمَان سنة (84) أربع وثمانين روى عنه في (5)(عن العباس بن عبد المطلب) بن هاشم عم رسول الله صلى الله عليه وسلم الهاشمي أبي الفضل المكي أظهر إسلامه يوم الفتح وكان فيما قَبْلُ يَكْتُمُ بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم عداده في المكيين له خمسة وثلاثون حديثًا اتفقا على حديث وانفرد (خ) بحديث و (م) بثلاثة أحاديث ويروي عنه (ع) وعبد الله بن الحارث بن نوفل وعامر بن سعد في الإيمان، ومالك بن أوس وبنوه عبد الله وكثير وعبيد الله، وعامر بن سعد، مات سنة (32) اثنتين وثلاثين بالمدينة في خلافة عثمان وهو ابن (88) ثمان وثمانين.
وهذا السند من خماسياته رجاله واحد منهم بصري وواحد واسطي وواحد كوفي وواحد مدني وواحد مكي وهذا من ألطف لطائف السند، والله أعلم.
(أنه) أي أن العباس (قال يا رسول الله هل نفعت) عمك (أبا طالب بشيء) من المنافع عند الله تعالى إما بالعتق من النار أو بالتخفيف عنه (فإنه) أي فإن أبا طالب (كان) في حياته (يحوطك) أي يحفظك وينصرك على أعدائك، يُقال حاطه يحوطه حَوْطًا وحياطةً إذا صانه وحفظه وذب عنه وتوفر على مصالحه، وقد كان أبو طالب يمنعه ممن يريد به مكروهًا ويُعينه على ما كان بصدده (وبغضب) على الغير (لك) أي لأجلك (قال) النبي صلى الله عليه وسلم للعباس (نعم) نفعته بتخفيف عذابه لأنه كان (هو في ضحضاح) أي في شيء يسير (من نار) يبلغ إلى الكعبين أي كان في غير قَعْرها، وأصل الضحضاح الماء اليسير إلى نحو الكعبين فاستعير في النار، وفي المفهم: والضحضاح ما رَق من الماء منبسطًا على وجه الأرض ومنه قول عمرو بن العاص في عمر بن الخطاب إنه جَانَبَ غَمْرَتَها ومشى ضحضاحها وما ابتَلت قدماه يعني لم يتعلق من الدنيا بشيء (ولولا أنا) نافع له (لكان) أبو طالب (في الدرك الأسفل) أي في الطبقة السفلى (من النار) والدرك الأسفل هي الطبقة السفلى من قعر جهنم وقيل هي توابيت من نار تُطبق على أهلها، قال القرطبي: والدرك في مراتب السفل والنزول كالدرج في مراتب
408 -
(00)(00) حدثنا ابنُ أَبي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفيَانُ عَن عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيرٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ الْحَارِثِ؛ قَال: سَمِعتُ الْعَباسَ
ــ
العلو والارتفاع ويراد به آخر طبق في أسفل النار وهو أشد أطباق جهنم عذابًا ولذلك قال تعالى {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} وكان أبو طالب يستحق ذلك إذ كان قد علم صدق النبي صلى الله عليه وسلم في جميع حالاته ولم يَخْفَ عليه شيء من أموره من مولده إلى حين اكتماله ولذلك كان يقول لعلي ابنه اتَبِعْهُ فإنه لا يرشدك إلا إلى خير أو حق أو كما قيل عنه ومع ذلك لم يؤمن به صلى الله عليه وسلم فاستحق الدرك الأسفل من النار وببركة نصره صلى الله عليه وسلم وحفظه إياه حُول من الدرك إلى الضحضاح. اهـ، قال الأبي: وهذا الكلام هو جواب لقول السائل هل نفعت أبا طالب وليس فيه نص أن هذا النفع كان شفاعته حتى يعارض قوله تعالى {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48)} ، قال النواوي: قال أهل اللغة في الدرك لغتان فصيحتان مشهورتان فتح الراء وإسكانها وقُرئ بهما في القراءات السبع، وقال أبو حاتم: جمع الدرك بالفتح أدراك كجمل وأجمال وفرس وأفراس وجمع الدرك بالإسكان أدرك كفلس وأفلس أما معناه فقال جميع أهل اللغة والمعاني والغريب وجماهير المفسرين الدرك الأسفل قعر جهنم وأقصى أسفلها، قالوا ولجهنم أدراك فكل طبقة من أطباقها تسمى دَرْكًا. اهـ.
وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في رواية هذا الحديث أعني حديث العباس أحمد [1/ 206 - 210] والبخاري [6208].
ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث العباس رضي الله عنه فقال:
408 -
(00)(00)(حدثنا) محمد بن يحيى (ابن أبي عمر) العدني أبو عبد الله المكي، وقال في التقريب: صدوق صنَّف المسند وكان لازم ابن عيينة لكن قال أبو حاتم: كانت فيه غفلة من العاشرة مات سنة (243) روى عنه في (11) بابا، قال (حدثنا سفيان) بن عيينة الهلالي أبو محمد الأعور الكوفي ثم المكي ثقة حافظ من (8) مات سنة (198) روى عنه في (25) بابا (عن عبد الملك بن عمير) اللخمي الكوفي (عن عبد الله بن الحارث) الهاشمي المدني (قال سمعت العباس) بن عبد المطلب.
وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مكيون وواحد كوفي وواحد مدني، وغرضه بسوقه بيان متابعة سفيان بن عيينة لأبي عوانة في رواية هذا الحديث عن
يَقُولُ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، إِن أبَا طَالِبٍ كَانَ يَحُوطُكَ وينصُرُكَ، فَهَل نَفَعهُ ذَلِكَ؟ قَال:"نَعَمْ. وَجَدْتُهُ فِي غَمَرَاتٍ مِنَ النارِ فَأخْرَجْتُهُ إِلَى ضَحْضَاحٍ".
409 -
(00)(00) وَحَدثَنِيهِ مُحَمدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن سَعِيدٍ
ــ
عبد الملك بن عمير، وفائدتها بيان كثرة طرقه وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في بعض الكلمات.
أي سمعت العباس حالة كونه (يقول قلت) لرسول الله صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله إن أبا طالب) اسمه عبد مناف كما مر (كان) قبل موته (يحوطك) ويحفظك من إذاية قومك (وينصرك) أي يعينك على أعدائك والنصرة العون، تقول العرب:"أرض منصورة" أي مُعانة على إنباتها بالمطر (فهل نفعه) عند ربه (ذلك) النصر والحياطة لك (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم) نفعه ذلك المذكور عند ربه لأني (وجدته) أي رأيته (في غمرات) وأمواج (من النار فأخرجته) منها وحولته (إلى ضحضاح) منها، والغمرات بالميم جمع غمرة وهي ما يُغطي الإنسان ويغمره أي يستره مأخوذ من الماء الغَمْرِ وهو الكثير منه، ووقع في بعض النسخ غبرات وهي بمعنى البقايا وهو تصحيف ولا معنى للغبرات هنا، وتقدم أن الضحضاح ما رَق من الماء على وجه الأرض، وهذا كله تمثيل لشدة العذاب وخِفتِه، وفي القاموس والغمرات جمع غمرة بإسكان الميم وغَمَرَةُ الشيء شدته ومزدحمه مِنْ غَمَرَهُ الماءُ إذا غطاه. اهـ.
وقال القاضي عياض: والغمر كل شيء كثير وماء غمر أي كثير وفرس غمر أي كثير الجري ورجل غمر أي كثير الجُود وغِمار الناس جماعتهم، ويصحح هذا المعنى ذكر الضحضاح بعده والضحضاح بضادين معجمتين ما رَق من الماء على وجه الأرض إلى نحو الكعبين فاستعير للنار ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث العباس رضي الله عنهما فقال:
409 -
(00)(00)(وحدثنيه محمد بن حاتم) بن ميمون أبو عبد الله السمين المروزي ثم القطيعي بفتح القاف صدوق ربما وهم من العاشرة مات سنة (235) روى عنه في (11) بابا قال (حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ التميمي أبو سعيد القطان البصري الأحول ثقة متقن إمام قدوة من كبار التاسعة مات سنة (198) روى عنه في (13) بابا
عَنْ سُفْيَانَ، قَال: حَدثَنِي عَندُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَير. قَال: حَدثَنِي عَبْدُ الله بْنُ الْحَارِثِ. قَال: أَخْبَرَنِي الْعَباسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطلِبِ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، بِهذَا الإِسنَادِ، عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِنَحْو حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ.
410 -
(188)(24) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ
ــ
(عن سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري أبي عبد الله الكوفي ثقة حافظ فقيه إمام حجة من (7) مات سنة (161) روى عنه في (24) بابا (قال) الثوري (حدثني عبد الملك بن عمير) بن سويد الفَرَسِي الكوفي ويقال اللخمي (قال) عبد الملك (حدثني عبد الله بن الحارث) القرشي المدني (قال) عبد الله بن الحارث (أخبرني العباس بن عبد المطلب) الهاشمي المكي.
وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم كوفيان وواحد مكي وواحد مدني وواحد بصري وواحد مروزي، وغرضه بسوقه بيان متابعة الثوري لأبي عوانة في رواية هذا الحديث عن عبد الملك، وفائدتها بيان كثرة طرقه.
وأتى بحاء التحويل في قوله (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي (عن سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي لبيان اختلاف مشايخ السندين في أولهما وإن كان مآلهما إلى الثوري، وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بما عمل في المتابع وهو سفيان أي حدثنا سفيان الثوري عن عبد الملك بن عمير عن عبد الله بن الحارث عن العباس بن عبد المطلب (عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو حديث أبي عوانة) عن عبد الملك بن عمير.
وهذا السند أيضًا من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد مكي، وغرضه بسوقه أيضًا بيان متابعة الثوري لأبي عوانة، وفائدتها بيان كثرة طرقه، ولم يكرر متن الحديث هنا كما كرره في متابعة سفيان بن عيينة لاتحاد حديث الثوري مع حديث أبي عوانة لفظًا ومعنى، والله سبحانه وتعالى أعلم.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث العباس رضي الله عنه بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال:
410 -
(188) - (24)(وحدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي مولاهم أبو رجاء
حَدَّثَنَا لَيثْ عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِي؛ أَن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذُكِرَ عِنْدَهُ عَمهُ أَبُو طَالِبٍ. فَقَال:"لَعَلهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ. فَيُجْعَلُ فِي ضَحْضَاحٍ مِنَ النارِ يَبْلُغُ كعْبَيهِ، يَغْلِي مِنْهُ دِمَاغُهُ"
ــ
البغلاني ثقة ثبت من (10) مات سنة (240) روى عنه في (7) أبواب، قال (حدثنا ليث) ابن سعد بن عبد الرحمن الفهمي مولاهم أبو الحارث المصري ثقة ثبت فقيه من (7) مات سنة (148) روى عنه في (15) بابًا تقريبًا (عن) يزيد بن عبد الله بن أسامة (ابن الهاد) الليثي أبي عبد الله المدني ثقة مكثر من (5) مات سنة (139) روى عنه في (12) بابًا تقريبًا (عن عبد الله بن خَبَّاب) الأنصاري النجاري مولاهم المدني روى عن أبي سعيد في الإيمان والصلاة ويروي عنه (ع) وابن الهاد وبكير بن الأشج والقاسم بن محمد مع تقَامِه وابن إسحاق وعدة، وثقه أبو حاتم، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة مات بعد المائة (عن أبي سعيد) سعد بن مالك بن سنان بنونين بن عبد بن ثعلبة بن عبيد بن خدرة بضم المعجمة (الخدري) نسبة إلى جده المذكور له ولأبيه صحبة استصغر يوم أُحد ثم شهد ما بعدها وبايع تحت الشجرة، وكان من علماء الصحابة الأنصاري الخزرجي الحارثي الخدري المدني له (1170) حديثًا مات بالمدينة سنة (65) وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد مصري وواحد بغلاني (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذُكر عنده عمه أبو طالب) عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي، كأنه قيل له صلى الله عليه وسلم إنه كان يحوط بك ويحفظك وينصرك وعاداه قومه لأجلك ويحبك فهل ينفعه ذلك يوم القيامة (فقال) صلى الله عليه وسلم (لعله) أي لعل الشأن والحال أو لعل أبا طالب (تنفعه شفاعتي يوم القيامة فـ) بسبب ذلك (يُجعل في ضحضاح) أي في يسير (من النار يبلغ كعبيه) ولا يجاوزهما ومع ذلك (يغلي) ويفور (منه) أي من ذلك الضحضاح (دماغه) أي مخ رأسه لشدته، فهذا معارض بحسب الظاهر لقوله تعالى {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48)} وأجيب: بأنه لما انتفع بقربه والذب عنه وكان ذلك بسببه وبركته سماه شفاعة مجازًا أو أن ما في الآية محمول على شفاعة الإخراج، قال النواوي: والجواب الأول للبيهقي، وقال القاضي: وهذا التخفيف ليس جزاء على حوطته خلافًا لمن قاله للإجماع على أن الكافر لا يُثاب في الآخرة على خير فعله ولا بالتخفيف حقيقة وإنما هو تخفيف بالنسبة إلى مَنْ عذابُه أشد كأبي لهب مثلًا. اهـ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وعبارة المفهم هنا (وقوله لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة) هذا المُتَرَجَّى في هذا الحديث قد تحقق وقوعه إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم فوجدته في غمرات فأخرجته إلى ضحضاح فكأنه لما ترجى ذلك أُعطيه وحُقق له فأخبر به، وهل هذه الشفاعة لبيان قول محقق أو لسان حال؟ اختُلف فإن تَنَزلْنَا على أنه حقيقة وأنه صلى الله عليه وسلم شفع لأبي طالب بالدعاء والرغبة حتى شُفع عارضه قوله تعالى {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48)} [المدثر: 48] وقوله تعالى {وَلَا يَشْفَعُونَ إلا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28] وما في معناه.
والجواب من أوجه: أقربها أن الشفاعة المنفية إنما هي شفاعة خاصة وهي التي تُخفص من العذاب وغاية ما ذُكر من المعارضة إنما هي بين عموم وخصوص ولا تعارض بينهما إذ البناء والجمع ممكن وإن تنزلنا على أنه حال فيكون معناه أن أبا طالب لما بالغ في إكرام النبي صلى الله عليه وسلم والذب عنه خُفف عنه بسبب ذلك ما كان يستحقه بسبب كفره مع ما حصل عنده من معرفته صدق النبي صلى الله عليه وسلم كما قدمناه، ولما كان ذلك بسبب وجود النبي صلى الله عليه وسلم وببركة الحُنُو عليه نسبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى نفسه، ولا يُستبعد إطلاق الشفاعة على مثل هذا المعنى فقد سلك الشعراء هذا المعنى فقال بعضهم:
في وجهه شافع يمحو إساءته
…
إلى القلوب وجيه حيثما شفعا
وقد يورد أيضًا على هذا المعنى فيقال هذا إثبات نفع الكافر في الآخرة بما عمله في الدنيا وقد نفاه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله في حديث ابن جدعان الآتي "لا ينفعه"، وبقوله "وأما الكافر فيُعطى بحسنات ما عمل في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يُجزى بها". والجواب من وجهين أحدهما ما تقدم في بناء العام على الخاص، والثاني أن المخفف عنه لما لم يجد أثرًا لما خُفف عنه فكأنه لم ينتفع بذلك، ألا ترى أنه يُعتقد أنه ليس في النار أشد عذابًا منه، مع أن عذابه جمرة من جهنم في أخمصه، وسببه أن القليل من عذاب جهنم أعاذنا الله تعالى منه لا تُطيقه الجبال وخصوصًا عذاب الكافر، وإنما تظهر فائدة التخفيف لغير المعذب وأما المعذب فمشتغل بما حل به إذ لا يُخلَّى ولا بغيره يتسلى فيَصْدُق عليه أنه لم ينتفع ولم يحصل له نفع البتة، والله أعلم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهذا الحديث أعني حديث أبي سعيد الخدري شارك المؤلف في روايته أحمد [3/ 9 و 50] والبخاري [3885] وذكر المؤلف في هذه الترجمة حديثين الأول حديث العباس ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث أبي سعيد الخدري وذكره للاستشهاد، والله سبحانه وتعالى أعلم.
***