الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
110 - (15) باب من لم يؤمن لن ينفعه عمل صالح في الآخرة
415 -
(192)(28) حدّثني أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِي، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، ابْنُ جُدْعَانَ، كَانَ فِي الْجَاهِلِيةِ يَصِلُ الرَّحِمَ
ــ
110 -
(15) باب من لم يؤمن لن ينفعه عمل صالح في الآخرة
أي هذا باب معقود في بيان الدليل على أن من لم يؤمن بالله تعالى في الدنيا لا ينفعه عمله الصالح في الآخرة أي لا يُثاب عليه في الآخرة لأن شرط قبول الأعمال الصالحة وصحتها الإيمان بالله تعالى وهو أساسها لأن القُربة لا تصح إلا بمعرفة المتُقرب إليه وتسمية عمله عملًا صالحًا مجاز لكونه على صورة العمل الصالح الواقع من المؤمن.
415 -
(192)(28)(حدثني أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) العبسي الكوفي قال (حدثنا حفص بن غياث) بن طلق بن معاوية النخعي أبو عمر الكوفي ثقة فقيه من الثامنة مات سنة (195) روى عنه في (14) بابا (عن داود) بن أبي هند اسمه دينار القشيري مولاهم أبي بكر أو أبي محمد البصري ثقة متقن من الخامسة مات سنة (140) أربعين ومائة روى عنه في (8) أبواب (عن الشعبي) عامر بن شراحيل الحميري أبي عمرو الكوفي الإمام العَلَمِ ثقة مشهور فقيه فاضل من الثالثة مات سنة (103) روى عنه في (19) بابا (عن مسروق) بن عبد الرحمن ويقال ابن الأجدع وهو لقب عبد الرحمن بن مالك الهمداني أبي عائشة الكوفي، قال ابن معين: ثقة لا يسأل عن مثله، وقال في التقريب: ثقة فقيه مخضرم عابد من الثانية مات سنة (63) ثلاث وستين، روى عنه في (11) بابا (عن عائشة) الصديقة رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد بصري (قالت) عائشة (قلت يا رسول الله ابن جُدْعَان) بضم الجيم وإسكان الدال المهملة وبالعين المهملة اسمه عبد الله وكان من رؤساء قريش وإنما سألت عائشة عنه لأنه كان من فخذها من بني تيم بن مرة بن قتيبة وكان من أقربائها، أي سألَتْ عائشةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فقالت: يا رسول الله عبد الله بن جدعان التيمي (كان في الجاهلية) أي في زمن الأمة الجاهلية وهو ما كان قبل النبوة سُموا بذلك لكثرة جهالاتهم (يصل الرحم) أي يُحسن إلى الرحم
وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، فَهَلْ ذَلكَ نَافِعُهُ؟ قَال:"لَا يَنْفَعُهُ، إِنهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا: رَب اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدينِ"
ــ
والأقارب بالصلات والعطايا (ويُطعم المسكين) والفقير والمحاويج (فهل ذلك) الذي فعله من صلة الرحم وإطعام المساكين (نافعه) في الآخرة برفع العذاب عنه أو تخفيفه عليه (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا ينفعه) عمله ذلك (إنه) أي لأن ابن جدعان (لم يقل يومًا) من أيام حياته (رب اغفر لي خطيئتي) وذنبي (يوم الدين) أي يوم الجزاء وهو يوم القيامة، وهذا يدل على أنه لم يؤمن باليوم الآخر فهو كافر، فالكافر لا يُثاب على حسناته لعدم شرط قبولها وهو الإيمان.
وعبارة المفهم (قول عائشة هل ذلك نافعه؟ ) معناه هل ذلك مخلصه من عذاب الله المستحق بالكفر؟ فأجابها بنفي ذلك وعَلَّلَهُ بأنه لم يؤمن، وعئر عن الإيمان ببعض ما يدل عليه وهو قوله (لم يقل رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين) ويُقتبس منه أن كل لفظ يدل على الدخول في الإسلام اكتُفي به ولا يلزم من أراد الدخول في الإسلام صيغة مخصوصة مثل كلمتي الشهادة بل أي شيء دل على صحة إيمانه ومجانبة ما كان عليه اكتُفي به في الدخول في الإسلام ولابد له مع ذلك من النطق بكلمتي الشهادة فإن النطق بهما واجب مرة في العمر، انتهى منه.
قال النواوي: معنى هذا الحديث أن ما كان يفعله من الصلة والإطعام ووجوه المكارم لا ينفعه في الآخرة لكونه كافرًا وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم (لم يقل رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين) أي لم يكن مُصدقًا بالبعث ومن لم يُصدق به فهو كافر ولا ينفعه عمل، قال القاضي عياض: وقد انعقد الإجماع على أن الكفار لا تنفعهم أعمالهم ولا يُثابون عليها بنعيم ولا تخفيف عذاب لكن بعضهم أشد عذابًا من بعض بحسب جرائمهم هذا آخر كلام القاضي، وذكر الحافظ أبو بكر البيهقي في كتابه البعث والنشور نحو هذا عن بعض أهل العلم والنظر، قال البيهقي: وقد يجوز أن يكون حديث ابن جدعان وما ورد من الآيات والأخبار في بطلان خيرات الكافر إذا مات على الكفر ورد في أنه لا يكون له موقع التخلص من النار وإدخال الجنة ولكن يُخفف عنه من عذابه الذي يستوجبه على جنايات ارتكبها سوى الكفر بما فعل من الخيرات هذا كلام البيهقي، قال العلماء: وكان ابن جدعان كثير الإطعام وكان اتخذ للضيفان جَفْنَة يُرْقى إليها بسُلم، اهـ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال السهيلي: كان ابن جدعان في بدئه صعلوكًا شديدًا فاتكًا لا يزال يجني وقومه يعقلون عنه فطرده أبوه وعشيرته لثقل ما حملهم من الديات فخرج في شعاب مكة صابرًا يتمنى أن يموت فيستريح فرأى شَقًّا في جبل فتعرض للشق يرجو أن تكون فيه حية تقتله فلم ير شيئًا فدخل فيه فإذا فيه ثعبان عظيم عيناه تَتَّقِدَان كالسراج فحمل عليه الثعبان ففَرَج له فانساب عنه مستديرًا بدائرة عند باب بيته فخطا خطوة أخرى فصغر له الثعبان وأقبل عليه كالسهم فأفرج فانساب قَدَمًا لا ينظر إليه فوقع في نفسه أنه مصنوع فأمسكه بيده فإذا هو مصنوع من ذهب وعيناه ياقوتتان فكسره وأخذ عينيه ودخل البيت فإذا طُوَال على سرير لم ير مثلهم طُولًا وعظمًا وعند رؤوسهم لوح من فضة فيه تاريخهم وإذا هم رجال من ملوك جُرهم وإذا عليهم ثياب لا يُمس شيء منها إلا انتثر لطول الزمان، وفي الطُول مكتوب: أنا نفيل بن عبد الدار بن خشرم بن عبد يا ليل بن جُرهم بن قحطان بن هود نبي الله عليه السلام عشت خمسمائة سنة وقطعت وُعُور الأرض ظاهرها وباطنها في طلب الثروة والمجد والمُلك فلم يكُ ذلك يُنجي من الموت، وتحتها أبيات فيها عظات آخر بيت منها:
صاح هل رَيْتَ أو سمعت براع
…
رد في الضرع ما قرى في الحلاب
وإذا في وسط البيت كوم من ذهب وياقوت ولؤلؤ وزبرجد فأخذ منه ما أخذ وعلم الشق وأغابه بالحجارة وأرسل إلى أبيه بالمال الذي أخرج فرَضِيَهُ ووصل عشيرته فسادهم وجعل يُنفق من ذلك الكنز ويُطعم الناس ويفعل المعروف (قال ابن قتيبة) كانت جفنة طعامه يأكل منها الراكب على بعيره، قال في غريب الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كنت أستظل بظل جفنة عبد الله بن جدعان، انتهى من الأبي.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 123 و 283] ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلا حديث عائشة رضي الله تعالى عنها.
***