الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ فَقَامَ عُكاشَةُ فَقَال: ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنهُم. قَال: أَنْتَ مِنْهُمْ قَال: فَقَامَ رَجُلٌ فَقَال: يَا نَبِيَّ الله، ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُم. قَال: سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ"
ــ
الله تعالى وبآياته طلبًا للشفاء من الأمراض أي لا يُعالجون أنفسهم بالكي ولا الرُقية توكلًا على ربهم في حصول الشفاء لهم من الأمراض، والأصح أن الحديث محمول على ظاهره كما ذكره الخطابي وأن هؤلاء اختصوا بغاية التوكل والرضا بشفاء الله تعالى وهو أرفع درجات المؤمنين وما فعله النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك إنما هو للاقتداء وتوسعة على ضعفة المؤمنين، قال القاضي عياض: وهذا هو الصواب وليس في الحديث ما يُحوج إلى التأويل لأنه لم يَذُمَّ من قال بالكي والرقى وإنما فيه أنه أخبر عن كرامة السبعين ألفًا وفسّرهم بما ذكر، اهـ من السنوسي (وعلى ربهم) لا على الكي ولا الرقى وسائر الأسباب (يتوكلون) أي يعتمدون في حصول الشفاء (فقام عكاشة) بن محصن (فقال: ادع الله أن يجعلني منهم) أي من أولئك السبعين ألفًا (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنت) يا عكاشة (منهم) أي من أولئك السبعين (قال) عمران بن حصين (فقام رجل) آخر (فقال) ذلك الآخر (يا نبي الله ادع الله أن يجعلني منهم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (سبقك) أيها الرجل (بها) أي بهذه الدعوة (عكاشة) بن محصن سدًّا لباب السؤال لئلا يتسلسل عليه.
وهذا الحديث أعني حديث عمران بن حصين شارك المؤلف في روايته أحمد [1/ 271] والبخاري [6541] والترمذي [24481].
(تتمة في مباحث تتعلق بهذا الحديث)
البحث الأول في الكي: أما هو فالمأمون منه جائز وقد كوى النبي صلى الله عليه وسلم أُبيًّا يوم الأحزاب على أكحله لما رُمي، وفي البخاري: عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الشفاء في ثلاث في شرطة معجم أو شَربة عسل أو كية بنار وأنهى أمتي عن الكي"، رواه البخاري وابن ماجه وفي حديث جابر "وما أحب أن أكتوي" رواه البخاري ومسلم، وعلى هذا فالمأمون من الكي إن كان نافعًا جائز إلا أن تركه خير من فعله وهذا معنى نهيه صلى الله عليه وسلم عنه وسببه أنه تعذيب بعذاب الله وقد قال صلى الله عليه وسلم "لا تعذبوا بعذاب الله" يعني النار وبهذا ينفرد الكي ولا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يلحق به التطبب بغير ذلك في الكراهة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد تطبب وطيب وأحال على الطبيب وأرشد إلى الطب بقوله" يا عباد الله تَدَاوَوا فإن الذي أنزل الداء أنزل الدواء" رواه أبو داود والترمذي من حديث أسامة بن شريك.
والبحث الثاني في الرُّقى والاسترقاء: فما كان منه من رُقى الجاهلية أو بما لا يُعرف فواجب اجتنابه على سائر المسلمين وفعله حرام واعتقاد حله كُفر فلا يكون اجتناب ذلك هو المراد هنا ولا اجتناب الرقى باسماء الله تعالى وبالمروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه التجاء إلى الله تعالى وتبرك باسمائه بل المراد ترك ما يحل منها توكلًا على الله تعالى ورضاء بقضائه وبلائه.
والبحث الثالث في التوكل: والتوكل لغة: إظهار العجز عن أمر ما والاعتماد فيه على الغير والاسم التكلان يقال منه اتكلت عليه في أمري، وأصله إوتكلت قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها ثم أبدلت منها التاء وأُدغمت في تاء الافتعال، ويقال وكلته بأمر كذا توكيلًا والاسم الوكالة بكسر الواو وفتحها، واختلفوا في معناه اصطلاحًا فقالت طائفة من الزهاد: التوكل أن لا يخالط القلبَ خوفُ غيرِ الله تعالى من سَبُعٍ وغيره وتركُ السعي في طلب الرزق لضمان الله تعالى، وقال عامة الفقهاء والمحدثين: هو الثقة بالله تعالى والإيقان بأن قضاءه ماض واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم في السعي فيما لا بد منه من الأسباب من مطعم ومشرب وتحزز من عدو وإعداد الأسلحة واستعمال ما تقتضيه سنة الله تعالى المعتادة وإلى هذا ذهب محققوا الزهاد لكنه لا يستحق اسم المتوكل على الله عندهم مع الطمأنينة إلى تلك الأسباب والالتفات إليها بالقلوب فإنها لا تجلب نفعًا ولا تدفع ضرًّا بل السبب والمُسبب فعل الله تعالى والكل منه وبمشيئته ومتى وقع من المتوكل ركون إلى تلك الأسباب فقد انسلخ عن ذلك الاسم، ثم المتوكلون على حالين: الحال الأول حال المتمكن في التوكل فلا يلتفت إلى شيء من تلك الأسباب بقلبه ولا يتعاطاها إلا بحكم الأمر، والحال الثاني حال غير المتمكن وهو الذي يقع له الالتفات إلى الأسباب أحيانًا غير أنه يدفعها عن نفسه بالطرق العلمية والبراهين والأذواق الحالية فلا يزال كذلك إلى أن يُرقيه الله بجوده إلى مقام المتمكنين ويُلحقه بدرجات العارفين. اهـ ط بتصرف.
وقال القشيري: اعلم أن التوكل محله القلب وأما الحركة بالظاهر فلا تتنافى مع التوكل بالقلب بعدما تحقق العبد الثقة من قِبَلِ الله تعالى فإن تعسر شيء فبتقديره تعالى
422 -
(00)(00) حدثني زُهَيرُ بن حَربٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا حَاجِبُ بن عُمَرَ أَبُو خُشَينَةَ الثقَفِي، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ الأَعْرَجِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَينِ؛ أَن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَال: "يَدْخُلُ الجنةَ مِنْ أُمتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيرِ
ــ
وإن تيسر فبتيسيره، وقال سهل بن عبد الله التستُري: التوكل الاسترسال مع الله تعالى على ما يَرِدُ، وقال أبو عثمان الجبري: التوكل الاكتفاء بالله تعالى مع الاعتماد عليه، وقيل: التوكل أن يستوي عنده الإكثار والتقلل، اهـ نووي.
وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الحديث أحمد فقط [4/ 448].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عمران بن حصين رضي الله عنه فقال:
422 -
(00)(00)(حدثني زهير بن حرب) بن شداد الحَرَشِي النسائي من العاشرة قال (حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث) بن سعيد العنبري مولاهم أبو سهل البصري، قال في التقريب: صدوق ثبت من (9) مات سنة (257) روى عنه في (16) بابا، قال (حدثنا حاجب بن عمر) البصري (أبو خُشينة) بمعجمتين ثم نون مصغرا (الثقفي) وهو أخو عيسى بن عمر النحوي الإمام المشهور، روى عن الحكم بن الأعرج في الإيمان والصوم، ويروي عنه (م دت) وعبد الصمد بن عبد الوارث ووكيع بن الجراح وثَّقَه أحمد وابن معين والنسائي، وقال في التقريب: ثقة من السادسة مات سنة (158) ثمان وخمسين ومائة، قال (حدثنا الحكم) بن عبد الله بن إسحاق (بن الأعرج) الثقفي البصري روى عن عمران بن حصين في الإيمان، وابن عباس في الصلاة، ومعقل بن يسار في الجهاد، ويروي عنه (م دت س) وحاجب بن عمر، ومعاوية بن عمر، وخالد الحذاء، وقال في التقريب: ثقة ربما وهِمَ من الثالثة (عن عمران بن حصين) الخزاعي أبي نُجيد البصري، وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا زهير بن حرب فإنه نسائي، وغرضه بسوقه بيان متابعة الحكم لابن سيرين في رواية هذا الحديث عن عمران بن حصين، وفائدتها بيان كثرة طرقه لأن ابن سيرين من الأئمة الأعلام فلا يصلح الحكم لتقويته لأنه ربما وَهِم.
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفًا بغير
حِسَابٍ قَالُوا: مَنْ هُم؟ يَا رَسُولَ الله، قَال: هُمُ الذِينَ لَا يَسترقُونَ، وَلَا يَتَطَيرُونَ وَلَا يَكْتَوُونَ، وَعَلَي رَبهِمْ يَتَوَكلُونَ".
423 -
(196)(32) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ -يَعنِي: ابْنَ أَبِي حَازِمٍ- عَنْ أبِي حَازِمٍ،
ــ
حساب، قالوا) أي قال الحاضرون (من هم؟ ) أي من أولئك السبعون (يا رسول الله قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (هم الذين لا يسترقون) أي لا يطلبون الرقية من الأمراض توكلًا على الله تعالى، والرُّقية مداواة المريض والمأووف بالنفث بنحو قراءةٍ (ولا يتطيرون) أي لا يتشاءمون بمرور بعض الطير قدَّامهم في نحو السفر فيتركون سفرهم، قال القرطبي: قد فسر الطيرة في الحديث بأنها شيء يجدونه في صدورهم فدَفْعُها ضَرْب من التوكل فإذ صُرِفت وفُوض الأمر إلى الله عز وجل ذهب ما يُوجد منها كله. اهـ.
قال ابن الأثير: الطيرة بكسر الطاء وفتح الياء وقد تُسكن هي التشاؤم بالشيء وهو مصدر تطير يقال تطير طِيَرَة وتخير خيرة ولم يجئ من المصادر هكذا غيرهما، وأصله فيما يُقال التطير بالسوانح والبوارح من الظير والظباء وغيرهما وكان ذلك يصدّهم عن مقاصدهم فنفاه الشرع وأبطله ونهى عنه وأخبر أنه ليس له تأثير في جلب نفع أو دفع ضر وقد تكرر ذكرها في الحديث اسمًا وفعلًا، اهـ منه (ولا يكتوون) أي لا يُعالجون أنفسهم بالكي (وعلى ربهم يتوكلون) أي يعتمدون عليه في جلب نفع أو دفع ضُر ولا يعتقدون تأثير شيء من الأسباب ولا يفعلونها ألْبَتَة.
ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي هريرة رضي الله عنه بحديث سهل بن سعد رضي الله عنهم فقال:
423 -
(196)(32)(حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي أبو رجاء البغلاني من العاشرة، قال (حدثنا عبد العزيز) بن أبي حازم سلمة بن دينار المخزومي مولاهم أبو تمام المدني صدوق فقيه من الثامنة مات وهو ساجد في الحرم النبوي سنة (184) روى عنه في (4) أبواب، وأتى بالعناية في قوله (يعني ابن أبي حازم) إشعارًا بأن هذه النسبة ليست مما سمعه من شيخه بل من زيادته إيضاحًا (عن) أبيه (أبي حازم) سلمة بن دينار الأعرج مولى الأسود بن سفيان التَمار المدني ثقة عابد من (5) مات في خلافة المنصور
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ؛ أَن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَال: "لَيَدخُلَن الجنةَ مِنْ أُمتِي سَبْعُونَ أَلفًا، أَو سَبعُمائةِ أَلْفٍ (لَا يَدرِي أبُو حَازِمٍ أَيهُمَا قَال) مُتَمَاسِكُونَ. آخِذٌ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. لَا يَدخُلُ أَولُهُمْ حَتى يَدْخُلَ آخِرُهُمْ، وُجُوهُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيلَةَ الْبَدْرِ".
424 -
(197)(33) حدَّثنا سَعِيدُ بن مَنْصُور،
ــ
سنة (133) روى عنه في (12) بابا (عن سهل بن سعد) بن مالك بن خالد الأنصاري الخزرجي الساعدي أبي العباس المدني الصحابي المشهور له ولأبيه صحبة له مائة حديث وثمانية وثمانون حديثًا اتفقا على ثمانية وعشرين حديثًا وانفرد البخاري بأحد عشر مات سنة إحدى وتسعين (91) عن مائة سنة (100) روى عنه في (3) أبواب، وهذا السند من رباعياته رجاله كلهم مدنيون إلا قتيبة بن سعيد فإنه بغلاني (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) والله (ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفا أو) قال سهل بن سعد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليدخلن الجنة من أمتي (سبعمائة ألفٍ) والشك من أبي حازم فيما قاله سهل، قال عبد العزيز (لا يدري أبو حازم أيهما قال) أي أي الكلمتين قال سهل بن سعد، وقوله (متماسكون) صفة لسبعون، وقوله (آخذ بعضهم بعضًا) تفسير لمتماسكون وهو هكذا في معظم الأصول متماسكون بالواو وآخذ بالرفع ووقع في بعضها متماسكين بالياء وآخذًا بالنصب وكلاهما صحيح، ومعنى متمايسكين ممسك بعضهم بيد بعض ويدخلون معترضين صفًا واحدًا بعضهم بجنب بعض، وهذا تصريح بعظم سعة باب الجنة نسأل الله الكريم رضاه والجنة لنا ولأحبابنا ولسائر المسلمين، اهـ نووي (لا يدخل أولهم) في الجانب الأيمن (حتى يدخل آخرهم) في الجانب الأيسر مثلًا (وجوههم) في الإضاءة والاستنارة والجمال (على صورة القمر) وهيئته (ليلة البدر) أي في ليلة أربع عشرة.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أعنى حديث سهل بن سعد البخاري فقط رواه في الزقاق عن قتيبة أيضًا.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أبي هريرة رضي الله عنه بحديث ابن عباس رضي الله عنهم فقال:
424 -
(197)(33)(حدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة أبو عثمان الخراساني نزيل
حَدَّثَنَا هُشَيم، أَخْبَرَنَا حُصَينُ بْنُ عَبْدِ الرحْمنِ، قَال: كُنتُ عِندَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ فَقَال: أَيكُمْ رَأَى الْكَوْكَبَ الذِي انْقَضَّ الْبَارِحَةَ؟ قُلْتُ: أَنَا. ثُم قُلْتُ: أَمَا إِني لَمْ أَكُنْ فِي صَلاةٍ. وَلكِني لُدِغْتُ. قَال: فَمَاذَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: اسْتَرْقَيتُ. قَال: فَمَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ؟ قُلْتُ: حَدِيث حَدثَنَاهُ الشعْبِي. فَقَال: وَمَا حَدثَكُمُ الشَّعْبي؟ قُلْتُ:
ــ
مكة ثقة مصنف من العاشرة مات سنة (227) روى عنه في (15) بابًا تقريبًا، قال (حدثنا هشيم) بن بشير بن القاسم بن دينار السلمي أبو معاوية الواسطي نزيل بغداد ثقة ثبت كثير التدليس والإرسال الخفي، من السابعة مات سنة (183) روى عنه في (18) بابًا تقريبًا (أخبرنا حصين بن عبد الرحمن) السلمي أبو الهذيل الكوفي ثقة تغير حفظه في الآخر من الخامسة مات سنة (136) وله (93) سنة (قال) حصين بن عبد الرحمن (كنت عند سعيد بن جبير) الوالِبِيّ مولاهم أبي محمد الكوفي ثقة إمام حجة فقيه من الثالثة قتله الحجاج سنة (95) فما أُمهل بعده روى عنه في (7) أبواب تقريبًا (فقال) سعيد بن جبير (أيكم) أيها الحاضرون (رأى الكوكب) والنجم (الذي انقض) وسقط من السماء (البارحة) أي الليلة الماضية القريبة إلينا، والبارحة أقرب ليلة مضت، قال ثعلب: يقال قبل الزوال رأيت الليلة وبعد الزوال رأيت البارحة وهي مُشتقة من برح إذا زال، وفي مسلم "أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الصبح قال: هل رأى أحد منكم البارحة رؤيا؟ "، فهذا يَرُد على ثعلب، قال حصين بن عبد الرحمن (قلت) لسعيد (أنا) الذي رأى الكوكب المُنقضّ، قال حصين (ثم قلت) لسعيد خشية أن أوصف بما لم أفعله، قال الأبي: قالت امرأة لأبي حنيفة أنت أبو حنيفة الذي يقال: إنه يحيى الليل كله؟ قال: ولم أكن أحييه فصرت أحييه حياء أو كراهة أن أُوصف بما لم أفعل (أما) حرف تنبيه واستفتاح (إني لم أكن في صلاة) حينما رأيت الكوكب المُنقضّ (ولكني لُدغت) وأصبت بإبرة العقرب، يقال: لدغَتْهُ العقربُ وذوات السموم إذا أصابته بسُمها وذلك بأن تَأبَرَه بشوكتها، وفي هامش بعض المتون واللدغ إصابة العقرب بإبرة ذنبها والحية بنابها (قال) سعيد بن جبير (فماذا صنعت) يا حصين بلدغتها، قال حصين (قلت) لسعيد (استرقيتـ) ـها أي داويتها بالنفث عليها بالقراءة (قال) سعيد (فما حملك) وبعثك (على ذلك) الاسترقاء، قال حصين (قلت) لسعيد حملني على ذلك (حديث حدثناه الشعبي) عامر بن شراحيل الحميري الكوفي (فقال) لي سعيد (وما حدثكم الشعبي) قال حصين (قلت) لسعيد
حَدَّثَنَا عَنْ بُرَيدَةَ بْنِ حُصَيبٍ الأَسلَمِيِّ؛ أنَّهُ قَال: لا رُقْيَةَ إِلا مِنْ عَينٍ أَوْ حُمَةٍ. فَقَال: قَدْ أَحْسَنَ مَنِ انْتَهَى إِلَى مَا سَمِعَ. وَلكِنْ حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال: "عُرِضَتْ عَلَيَّ الأمَمُ
ــ
(حدثنا) الشعبي (عن بُريدة بن حصيب الأسلمي) البصري ثم المروزي رضي الله عنه مات بمرو سنة ثلاث وستين وهو آخر من مات بخراسان من الصحابة (أنه) أي أن بُريدة (قال لا رُقية) أي لا مداواة بالقراءة (إلا من) إصابة (عين) عائن إنس أو جن، والعين هي إصابة العائنِ غيرَه بعينه، والعين حق (أو) إلا من لدغة أو لسعة حيوان ذي (حُمَة) أي سمٍّ، والحُمة بضم الحاء المهملة وفتح الميم المخففة سم العقرب والحية والزنبور ونحوها من كل ذوات السموم كالنحل، وقيل: الحُمة فُوقَةُ السم وهي حِدَّته وحرارته، والكلام هنا على حذف مضاف كما قدرنا أي لا رُقية إلا من لدغ ذي حُمة، واللدغ من نحو العقرب والحية واللسع من نحو الزنبور، قال الفيومي: والحُمة محذوفة اللام سم كل حيوان يلدغ أويلسع. اهـ. وأصلها حُمَوٌ أو حُمَيٌ على وزان صُرَد والهاء فيها عوض عن الواو المحذوفة أو الياء ذكره ابن الأثير، قال الخطابي: والمعنى لا رُقية أشفى وأولى من رُقية العين ورُقية الحُمة وهي بكتاب الله تعالى وأسمائه جائزة وتحرم بالأسماء الأعجمية والملائكة والأنبياء والجن والأولياء والصالحين لأنها قد تكون كفرًا واختُلف عن مالك في رُقية الكتابي المسلم فأجازها مرة إذا رقى بكتاب الله تعالى ومنعها مرة لأنا لا نعلم ما الذي رقى الكتابي به، اهـ أبي.
(فقال) لي سعيد بن جبير (قد أحسن) وأجاد (من انتهى) ووصل (إلى ما سمع) به من الرسول صلى الله عليه وسلم وعمل به ولم يُجاوز إلى غيره وسيأتي الكلام على الرُّقية والعين والطيرة في كتاب الطب بأشبع من هذا إن شاء الله تعالى (ولكن حدثنا) عبد الله (بن عباس) بن عبد المطلب الهاشمي المكي ثم الطائفي (عن النبي صلى الله عليه وسلم وسلسلة هذا السند هكذا أخبرنا حصين بن عبد الرحمن عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم .. الخ فيكون السند من خماسياته رجاله اثنان منهم كوفيان وواحد مكي وواحد واسطي وواحد خراساني (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (عُرضت علي الأمم) السابقة وأمتي على ترتيب أزمنتها أي أُظهرت لي على سبيل المكاشفة كما كُشفت له بيت المقدس حين سألته قريش عن أماراتها أو عُرضت عليّ في المنام، والله تعالى أعلم بكيفية العرض له ولكن في رواية الترمذي "لما أسرى النبي
فَرَأَيتُ النَّبيَّ وَمَعَهُ الرُّهَيطُ. وَالنَّبيَّ وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلانِ. وَالنَّبيَّ لَيسَ مَعَهُ أَحَدٌ. إِذْ رُفِعَ لِي سَوَادٌ عَظِيمٌ. فَظَنَنْتُ أنَّهُمْ أُمَّتِي. فَقِيلَ لِي: هذَا مُوسَى عليه السلام وَقَوْمُهُ. وَلكنِ انْظُرْ إِلَى الأَفُقِ. فَنَظَرْتُ، فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ. فَقِيلَ لِي: انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ الآخَرِ. فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ. فَقِيلَ لِي: هذِهِ أُمَّتُكَ. وَمَعَهُمْ سَبْعُونَ ألْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيرِ حِسَابٍ وَلا عَذَابٍ
ــ
صلى الله عليه وسلم جعل يمر بالنبي والنبيين ومعهم القوم والنبي والنبيين ومعهم الرهط فذكره بطوله وقال: حسن صحيح، وهذا نص في أن العرض في ليلة الإسراء والله أعلم (فرأيت النبي) من الأنبياء (ومعه الرهيط) تصغير الرهط وهي الجماعة دون العشرة أي رأيته والحال أن معه الجماعة القليلة من أمته (و) رأيت (النبي) الآخر منهم (ومعه الرجل والرجلان) من أمته لم يؤمن به إلا واحد أو اثنان كلوط عليه السلام (و) رأيت (النبي) الآخر منهم، والحال أنه (ليس معه أحد) من أمته لم يؤمن به واحد منهم كيحيى عليه السلام وقد تقدمت معارضة ما هنا لحديث "ما من نبي بعثه الله إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب" فيقال في الجمع بينهما بأن ما تقدم باعتبار أغلبهم وما هنا باعتبار أقلهم كما مر هناك، وكلمة (إذ) في قوله (إذ رُفع) وكُشف (لي سواد عظيم) أي أشخاص كثيرة يُجمع على أسودة ويُطلق على الواحد ومنه قولهم "لا فارق سوادي سوادَك" فجائية والتقدير: بينما أنا أنظر إلى الأنبياء المذكورين ومن معهم فاجأني مكاشفة سواد عظيم من الأفق (فظننت أنهم) أي أن أولئك السواد (أمتي فقيل لي) في تلك الحالة (هذا) السواد (موسى) بن عمران (عليه السلام وقومه) أي أمته (ولكن) إن أردت النظر إلى أمتك (انظر إلى الأفق) أي إلى نواحي السماء (فنظرت) إلى الأفق (فإذا سواد عظيم) أي فاجأني رؤية سواد عظيم أي أشخاص كثيرة (فقيل لي انظر إلى الأفق الآخر) أي إلى الجانب الآخر من السماء (فإذا سواد عظيم) أي فاجأني رؤية سواد عظيم (فقيل لي هذه) الأسودة العديمة النظير (أمتك) أيضًا يا محمد (ومعهم) أي ومع هذه الأسودة العظيمة التي هي أمتك أي منهم (سبعون ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب) أي بغير محاسبة على أعمالهم (ولا) سبق (عذاب) لهم، وهذا محل الاستشهاد من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال القاضي عياض: ظاهره أن السبعين زائدة على المرئي والصحيح أنها منها لقوله في البخاري "هذه أمتك ويدخل الجنة من هؤلاء سبعون ألفًا" قال النواوي:
ثُمَّ نَهَضَ فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ، فَخَاضَ النَّاسُ فِي أولئِك الذين يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيرِ حِسَابٍ وَلا عَذَابٍ. فَقَال بَعْضُهُم: فَلَعَلَّهُمُ الَّذِينَ صَحِبُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وَقَال بَعضُهُم: فَلَعَلَّهُمُ الَّذين وُلِدُوا فِي الإِسْلامِ وَلَمْ يُشْرِكُوا بِاللهِ، وَذَكَرُوا أَشْيَاءَ، فَخَرَجَ عَلَيهِمْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَقَال ما الذي تَخُوضُونَ فِيهِ؟ فأخبروه. فقال: هُمُ الَّذِينَ لا يَرْقُونَ، وَلا يَسْتَرْقُونَ، وَلا يَتَطَيَّرُونَ،
ــ
ويحتمل أن يكون معناه سبعون ألفًا من أمتك غير هؤلاء، ويحتمل أن يكون معناه في جملتهم سبعون ألفًا ويؤيد هذا الثاني ما في صحيح البخاري من قوله:"هذه أمتك ويدخل الجنة من هؤلاء سبعون ألفًا" والله تعالى أعلم (ثم) بعد ما حدّث هذا الحديث (نهض) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي قام من مجلسه ذلك بسرعة (فدخل منزله) أي حجرته (فخاض الناس) الحاضرون لذلك المجلس أي دخلوا أشد الدخول (في) التكلم في شأن (أولئك) السبعين ألفًا (الذين) سـ (يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب) أي تكلموا وتناظروا في تعيينهم وفي هذا إباحة المناظرة في العلم والمباحثة في نصوص الشرع على جهة الاستفادة وإظهار الحق (فقال بعضهم) أي بعض الحاضرين في تعيين أولئك السبعين (فلعلهم) أي فلعل أولئك السبعين هم (الذين صحبوا) ولازموا (رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم فلعلهم) أي فلعل أولئك السبعين هم (الذين ولدوا في الإسلام ولم يشركوا بالله) شيئًا أي لم يدركوا الجاهلية فيقع منهم الإشراك (وذكروا) أي وذكر الناس الحاضرون (أشياء) أي أنواعًا مختلفة وأقوالًا متنوعة في تعيين أولئك السبعين فقالوا: فلعلهم الذين سبقوا إلى الإسلام ولعلهم الذين شهدوا بيعة الرضوان، ولعلهم الذين شهدوا المشاهد كلها إلى غير ذلك (فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من منزله (فقال) لهم (ما) الأمر (الذي تخوضون) وتتكلمون (فيه فأخبروه) صلى الله عليه وسلم ما خاضوا وتكلموا فيه (فقال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان أولئك السبعين (هم) أي السبعون الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب هم (الذين لا يرقون) ولا يعالجون أنفسهم ولا غيرهم من الأمراض بالقراءة عليهم، وفي هامش بعض المتون قوله (لا يرقون) لم يُرَ في روايات البخاري ولم ير في المصابيح ولا في المشارق اهـ (ولا يسترقون) أي ولا يطلبون الرقية لأنفسهم ولا لغيرهم (ولا يتطيرون) أي ولا يتشاءمون بمرور بعض الطيور أو الحيوانات قدامهم عند سفرهم لحوائجهم
وَعَلَى رَبِّهمْ يَتَوَكَّلُونَ فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ. فَقَال: ادْعُ الله أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. فَقَال: أَنْتَ مِنْهُم ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَال: ادْعُ الله أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُم. فَقَال: سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ".
425 -
(00)(00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيلٍ عَنْ حُصَينٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ". ثُمَّ ذَكَرَ بَاقِي الْحَدِيثِ، نَحْوَ حَدِيثِ هُشَيمٍ
ــ
فيرجعون من ذلك السفر لاعتقادهم عدم قضاء حوائجهم في ذلك السفر (وعلى ربهم) لا على غيره (يتوكلون) في قضاء حوائجهم ويعتمدون عليه في نفوذ أمورهم لا على الأسباب (فقام عكاشة بن محصن) بسرعة (فقال: ادع الله) لي يا رسول الله (أن يجعلني منهم) أي من أولئك السبعين ألفًا (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنت) يا عكاشة (منهم) أي من أولئك السبعين (ثم قام رجل آخر فقال: ادع الله) لي (أن يجعلني منهم فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (سبقك بها) أي بهذه الدعوة أي إليها (عكاشة) سدًا لباب السؤال فيتسلسل الأمر.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أعني حديث ابن عباس البخاري أخرجه في الطب وفي أحاديث الأنبياء وفي الرقاق وفي مواضع كثيرة، والترمذي في الزهد، والنسائي في الطب اهـ تحفة. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال:
425 -
(00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي مولاهم الكوفي من (10) قال (حدثنا محمد بن فضيل) بن غزوان الضبي مولاهم أبو عبد الرحمن الكوفي صدوق من (9) مات سنة (195) روى عنه في (20) بابا (عن حصين) بن عبد الرحمن السلمي الكوفي من (5)(عن سعيد بن جبير) الوالبي الكوفي من (3) قال (حدثنا ابن عباس) الهاشمي المكي ثم الطائفي، وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا ابن عباس، وغرضه بسوقه بيان متابعة محمد بن فضيل لهشيم في رواية هذا الحديث عن حصين بن عبد الرحمن، وفائدتها بيان كثرة طرقه (قال) ابن عباس (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عُرِضت عليّ الأمم) أي الأمم السابقة وأمتي ليلة أُسري بي كما في رواية الترمذي (ثم ذكر) محمد بن فضيل (باقي الحديث نحو حديث هشيم
وَلَمْ يَذْكُرْ أَوَّلَ حَدِيثِهِ
ــ
ولم يذكر) محمد بن فضيل (أول حديثه) أي أول حديث هشيم من قصة حصين بن عبد الرحمن مع سعيد بن جبير، وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث أربعة: الأول حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال وذكر فيه ثلاث متابعات، والثاني حديث عمران بن حصين ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث سهل بن سعد ذكره للاستشهاد ولم يذكر فيه متابعة، والرابع حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة.
***