الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
100 - (5) باب انطفاء نور المنافقين على الصراط ونجاة المؤمنين على اختلاف أحوالهم والإذن في الشفاعة وإخراج من قال لا إله إلا الله من النار
366 -
(170)(6) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ؛ كِلاهُمَا عَنْ رَوْحٍ. قَال عُبَيدُ اللهِ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ الْقَيسِيُّ، حَدَّثَنَا ابنُ جُرَيجٍ قَال: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛
ــ
100 -
(5) باب انطفاء نور المنافقين على الصراط ونجاة المؤمنين على اختلاف أحوالهم والإذن في الشفاعة وإخراج من قال لا إله إلا الله من النار
366 -
(170)(6)(حدثنا عبيد الله بن سعيد) بن يحيى اليشكري مولاهم أبو قدامة السرخسي نزيل نيسابور ثقة من العاشرة مات سنة (241) روى عنه في (8) أبواب (وإسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي أبو يعقوب النيسابوري ثقة ثبت من الحادية عشرة مات سنة (251) روى عنه في (17) بابًا تقريبًا (كلاهما عن روح) بن عبادة بن العلاء بن حسان القيسي أبي محمد البصري، روى عن ابن جريج وشعبة وزكرياء بن إسحاق ومالك بن أنس وعبيد الله بن الأخنس وحماد بن سلمة وحسين المعَلِّم وسعيد بن أبي عروبة وخلق، ويروي عنه (ع) وعبيد الله بن سعيد وإسحاق بن منصور وزهير بن حرب ومحمد بن أبي خلف ومحمد بن عبد الله بن نمير وحجاج بن الشاعر ويحيى بن حبيب وجماعة، روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة في ثلاثة مواضع والصوم في أربعة مواضع والجنائز والحج في ثلاثة مواضع والضحايا والرحمة واللباس وسن النبي صلى الله عليه وسلم والأشربة في موضعين والجهاد وصفة النار والفتن فجملة الأبواب التي روى عنه فيها أربعة عشر بابًا تقريبًا، وأتى بقوله (قال عبيد الله حدثنا روح ابن عبادة القيسي) تورعًا من الكذب على عبيد الله لأنه لو لم يأت بهذه الجملة لأوهم أنه روى بالعنعنة كإسحاق ولم يذكر النسبة، وقال في التقريب: ثقة فاضل له تصانيف من التاسعة مات سنة (207) قال (حدثنا) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي مولاهم أبو الوليد المكي ثقة فقيه من السادسة مات سنة (150) روى عنه في (16) بابًا تقريبًا (قال) ابن جريج (أخبرني أبو الزبير) محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي مولاهم المكي صدوق من الرابعة إلا أنه يدلس من الرابعة مات سنة (126)
أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، يُسْأَلُ عَنِ الْوُرُودِ، فَقَال: نَجِيءُ نَحْنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ كَذَا وَكَذَا انْظُرْ أَي ذَلِكَ فَوْقَ النَّاسِ. قَال: (فَتُدْعَى الْأُمَمُ بِأَوْثَانِهَا، وَمَا كَانَتْ تَعْبُدُ، الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ، ثُمَّ يَأْتِينَا رَبُّنَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَيَقُولُ:"مَنْ تَنْظُرُونَ؟ فَيَقُولُونَ: نَنْظُرُ رَبَّنَا. فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ لَهُ: حَتَّى نَنْظُرَ إِلَيكَ. فَيَتَجَلَّى لَهُمْ يَضْحَكُ"
ــ
روى عنه في (9) أبواب تقريبًا (أنه) أي أن أبا الزبير (سمع جابر بن عبد الله) بن عمرو بن حرام الأنصاري المدني، وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان وواحد مدني وواحد بصري وواحد نيسابوري حالة كون جابر (يسأل عن الورود) أي عن معنى الورود المذكور في قوله تعالى {وَإِنْ مِنْكُمْ إلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71)} [مريم: 71] (فقال) جابر (نجيء نحن يوم القيامة عن كذا وكذا انظر أي ذلك فوق الناس قال) اتفق العلماء والشُرَّاح على أن هذا الكلام كله تصحيف وتغيير من النُّساخ وصوابه (سمع جابر بن عبد الله يسأل عن الورود فقال) جابر للسائلين له (نجيء نحن) معاشر الأمة المحمدية (يوم القيامة) حالة كوننا (على كَوْمٍ) أي على محل مرتفع (فوق الناس) أي فوق سائر الأمم، والكوْمُ بفتح الكاف على ما ذكره ابن الأثير المواضع المشرفة واحدها كومة، قالوا: فكان الراوي أظلم عليه هذا الحرف فعبر عنه بكذا وكذا وفسره بقوله أي فوق الناس وكتب عليه انظر تنبيهًا فجمع النَّقلة الكُلّ ونسقوه على أنه من متن الحديث كما تراه. اهـ وليس كذلك والصواب كما قلنا هكذا (فقال نحن يوم القيامة على كوم) أي على تَلٍّ مرتفع (فتُدعى الأمم) العابدة غير الله سبحانه (بأوثانها) أي تُنادى بأوثانها وأصنامها فيقال: يا عُباد اللات ويا عُباد العزى مثلًا (و) تُنادى بـ (ـما كانت تعبد) هـ من دون الله تعالى كان يقال يا عُباد العزير ويا عُباد المسيح ويا عُباد الملائكة ويا عُباد الشمس ويا عُباد الكواكب مثلًا، وقوله (الأول فالأول) عطف بيان من الأمم أو بدل منه أو صفة له أي يُدعى الأول والأسبق منها في الدنيا كأمة نوح وأمة إبراهيم وأمة موسى وعيسى مثلًا، فالأول أيضًا على الترتيب الزماني في الدنيا (ثم يأتينا ربنا بعد ذلك) أي بعد ذهاب الأمم مع معبوداتها إلى النار (فيقول) لنا قد ذهبت سائر الأمم مع معبوداتها فـ (ـمن تنظرون) أي فمن تنتظرونه (فيقولون) له نحن (ننظر ربنا) أي ننتظر ربنا (فيقول) سبحانه (أنا ربكم فيقولون له) لا نقبل كونك ربنا (حتى ننظر إليك) أي حتى نراك وننظر إلى وجهك المقدس (فيتجلى لهم) أي يظهر لهم ويرفع الحجاب عنهم والحال أنه (يضحك) بهم، والضحك
قَال: فَيَنْطَلِقُ بِهِمْ وَيَتَّبِعُونَهُ، وَيُعْطَى كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ؛ مُنَافِقٍ أَوْ مُؤْمِنٍ نُورًا، ثُمَّ يَتَّبِعُونَهُ، وَعَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ كَلَالِيبُ وَحَسَكٌ، تَأْخُذُ مَنْ شَاءَ اللهُ، ثُمَّ يُطْفَأُ نُورُ الْمُنَافِقِينَ، ثُمَّ يَنْجُو الْمُؤْمِنُونَ، فَتَنْجُو أَوَّلُ زُمْرَةٍ وُجُوهُهُمْ كَالْقَمَرِ لَيلَةَ الْبَدْرِ سَبْعُونَ أَلْفًا لَا يُحَاسَبُونَ، ثُمَّ
ــ
صفة ثابتة لله نعتقده ولا نمثله، وقيل المعنى يظهر لهم وهو راض عنهم (قال) جابر (فينطلق) الرب (بهم) إلى موقف المحاسبة أو إلى جهة الصراط أي يأمر الملك بالذهاب بهم (ويتبعونه) إلى موقف المحاسبة (ويُعطى كل إنسان منهم) سواء كان من (منافق أو مؤمن نورًا) يستضيئون به على ظلمات الصراط، قال القاضي عياض: وذلك في المنافق بظاهر إيمانه الذي دخل بسببه في جملة المؤمنين كما يُحشرون غُرًا محجلين حتى يُفتضحوا بإطفاء النور وتساقطهم على الصراط وكما يُصدّون عن الحوض ويُطردون ذات الشمال ومعنى (ويتبعونه) أي يتبعون أمره. اهـ (ثم يتبعونه) إلى جهة الصراط (وعلى جسر جهنم) أي وعلى جانبي الصراط الذي هو جسر جهنم وقنطرته (كللاليب وحَسَكٌ) تطلع من قعر جهنم (تأخذ) أي تخطف (من شاء الله) خطفه وترميه إلى قعر جهنم.
قال القاضي: ثم إن هذا الحديث جاء كله من كلام جابر موقوفًا عليه وليس هذا من شرط مسلم رحمه الله تعالى إذ ليس فيه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وإنما ذكره مسلم وأدخله في المسند لأنه رُويَ مسندًا من غير هذا الطريق فذكر ابن أبي خيثمة عن ابن جريج يرفعه بعد قوله يضحك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فينطلق بهم، وقد نبه على هذا مسلم بعد هذا في حديث ابن أبي شيبة وغيره في الشفاعة وإخراج من يُخرج من النار، وذكر إسناده وسماعه من النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى بعض ما في هذا الحديث والله أعلم. اهـ.
(ثم يطفأ نور المنافقين) بفتح الياء على صيغة المعلوم أي ينطفأ وبضمها على صيغة المجهول أي يُطفؤه الله تعالى فيتساقطون ويهلكون في جهنم (ثم ينجو المؤمنون) أي يمرون على الصراط ناجين من نار جهنم على اختلاف نور وجوههم (فتنجو أول زمرة) أي جماعة منهم (وجوههم) أي حالة كون وجوههم (كالقمر ليلة البدر) أي ليلة أربعة عشر في الإضاءة والجمال وهم (سبعون ألفًا لا يُحاسبون) على أعمالهم (ثم) ينجو
الَّذِينَ يَلُونَهُمْ كَأَضْوَءِ نَجْمٍ فِي السَّمَاءِ، ثُمَّ كَذَلِكَ، ثُمَّ تَحِلُّ الشَّفَاعَةُ، وَيَشْفَعُونَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ النَّارِ مِنْ قَال: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً، فَيُجْعَلُونَ بِفِنَاءِ الْجَنَّةِ، وَيَجْعَلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ يَرُشُّونَ عَلَيهِمُ الْمَاءَ حَتَّى يَنْبُتُوا نَبَاتَ الشَّيءِ فِي السَّيلِ، وَيَذْهَبُ حُرَاقُهُ، ثُمَّ يَسْأَلُ حَتَّى تُجْعَلَ
ــ
(الذين يلونهم) حالة كونهم (كأضوء نجم في السماء) أي كأشدها وأكثرها ضوءًا ونورًا (ثم) يمر الذين يلونهم (كذلك) أي مختلفين في السرعة والضياء بعضهم كالبرق الخاطف وبعضهم كالريح المرسلة وبعضهم كجواد الفرس وبعضهم كشديد العَدْو من الرجال (ثم تحل الشفاعة) للشافعين (ويشفعون حتى يخرج من النار من قال لا إله إلا الله) مع عديلتها محمد رسول الله (وكان في قلبه من الخير) زائدًا على مجرد الإيمان كالحب في الله والبغض في الله (ما يزن شعيرة) أي حبة واحدة من حبوب الشعير القوت المعروف (فيُجعلون) أي فيُجعل أولئك المُخرجون (بفِناء الجنة) أي قدامه وأمامه وفِناء الدار بكسر الفاء الفضاء الذي كان قدامه (ويُجْعل أهل الجنة) جعل هنا من أفعال الشروع أَي ويشرع أهل الجنة (يرشون) أي يصبون (عليهم) صبًا خفيفًا (الماء) أي ماء الحياة الذي قدام باب الجنة فَأَلْ للعهد (حتى ينبتوا) نباتًا سريعًا كـ (ـنبات الشيء) من الحِبَّة (في) حميل (السيل) وغُثائه، قال النواوي قوله (نبات الشيء) هكذا هو في جميع الأصول الموجودة ببلادنا (نبات الشيء) وكذا نقله القاضي عياض عن رواية الأكثرين وعن بعض رواة مسلم (نبات الدِّمْنِ) بكسر الدال وسكون الميم، وهذه الرواية هي الموجودة في الجمع بين الصحيحين لعبد الحق وكلاهما صحيح لكن الأول هو المشهور الظاهر وهو بمعنى الروايات السابقة (نبات الحبة في حميل السيل) وأما نبات الدمن فمعناها أيضًا كذلك، فإن الدمن البعر والتقدير نبات المحل ذي الدمن في السيل أي كما ينبت الشيء الحاصل في البعر والغثاء الموجود في أطراف النهر، والمراد التشبيه به في السرعة والنضارة، وأشار صاحب المطالع إلى تصحيح هذه الرواية حيث قال: وعندي رواية صحيحة ومعناه سرعة نبات الدمن مع ضعف ما ينبت فيه وحسن منظره والله أعلم. اهـ منه. (ويذهب حُرَاقُه) بضم الحاء وتخفيف الراء، والضمير في حراقه يعود على المُخرج من النار وعليه يعود أيضًا الضمير في قوله ثم يسأل، ومعنى حراقه أثر النار أي ويذهب عنه بعد صب الماء عليه أثر حرق النار إياه من سواد الجسم وتغيره بالنار (ثم يسأل) ذلك المُخرج من النار من صنوف نعيم الجنة فيُعطى ثم يُعطى ثم يُعطى (حتى تُجعل) وتُعطى
لَهُ الدُّنْيَا وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهَا مَعَهَا.
367 -
(00)(00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ
عَمْرٍو، سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ: سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِأُذُنِهِ يَقُولُ: "إِنَّ اللهَ يُخْرِجُ نَاسًا مِنَ النَّارِ فَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ".
368 -
(00)(00) حدَّثنا أَبُو الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، قَال: قُلْتُ لِعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: أَسَمِعْتَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم "إِن اللهَ يُخْرِجُ قَوْمًا مِنَ النَّارِ بِالشفَاعَةِ؟ " قَال: نَعَمْ
ــ
(له الدنيا) أي قدر مُلك ملِك الدنيا كما مر (وعشرة أمثالها) أي والحال أن عشرة أمثال الدنيا تُعطى له (معها) أي مع إعطاء قدر الدنيا له، وحديث جابر هذا انفرد به الإمام مسلم لم يشاركه فيه غيره كما في التحفة.
ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال:
367 -
(00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي قال (حدثنا سفيان بن عيينة) الهلالي الكوفي (عن عمرو) بن دينار الجمحي مولاهم أبي محمد المكي أنه (سمع جابرًا) ابن عبد الله المدني (يقول سمعه) أي سمع هذا الحديث الآتي (من النبي صلى الله عليه وسم بأُذُنِه) وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم كوفيان وواحد مكي وواحد مدني، وغرضه بسوقه بيان متابعة عمرو بن دينار لأبي الزبير في رواية هذا الحديث عن جابر حالة كون النبي صلى الله عليه وسلم (يقول إن الله) سبحانه وتعالى (يُخرج ناسًا من النار فيُدخلهم الجنة).
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال:
368 -
(00)(00)(حدثنا أبو الربيع) سليمان بن داود العتكي الزهراني البصري ثقة من العاشرة مات سنة (234) روى عنه في (7) أبواب تقريبًا، قال (حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي أبو إسماعيل البصري ثقة ثبت فقيه من كبار الثامنة مات سنة (179) روى عنه في أربعة عشر بابا (قال) حماد (قلت لعمرو بن دينار) الجمحي المكي (أسمعتَ) أي هل سمعت (جابر بن عبد الله) بن عمرو بن حرام الأنصاري الصحابي الجليل حالة كونه (يُحدِّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يقول (إن الله يُخرج قومًا) من المُوحِّدين (من النار بالشفاعة) أي بشفاعة الشافعين (قال) جابر (نعم) سمعته
369 -
(00)(00) حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيرِيُّ، حَدَّثَنَا قَيسُ بْنُ سُلَيمٍ الْعَنْبَرِيُّ، قَال: حَدَّثَنِي يَزِيدُ الْفَقِيرُ، حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَال: قَال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ قَوْمًا يُخْرَجُونَ مِنَ النَّارِ يَحْتَرِقُونَ فِيهَا، إلا دَارَاتِ وُجُوهِهِمْ،
ــ
يقول ذلك، وهذا السند أيضًا من رباعياته رجاله اثنان منهم بصريان وواحد مكي وواحد مدني، وغرضه بسوقه بيان متابعة حماد بن زيد لسفيان بن عيينة في رواية هذا الحديث عن عمرو بن دينار، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال:
369 -
(00)(00)(حدثنا حجاج) بن يوسف بن حجاج الثقفي أبو محمد المعروف بـ (ـابن الشاعر) البغدادي ثقة حافظ من الحادية عشرة مات سنة (259) روى عنه في (13) بابا، قال (حدثنا أبو أحمد) محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمرو بن درهم الأسدي (الزبيري) مولاهم الكوفي وليس من ولد الزبير بن العوام ثقة ثبت إلا أنه قد يُخطئ في حديث الثوري من التاسعة مات سنة (203) روى عنه في عشرة أبواب تقريبًا، قال (حدثنا قيس بن سليم) مصغرًا التميمي (العنبري) الكوفي روى عن يزيد الفقير في الإيمان وجماعة، ويروي عنه (م س) وأبو أحمد الزبيري وأبو نعيم، وثقه ابن حبان، وقال في التقريب: ثقة من السادسة، (قال) قيس (حدثني يزيد) بن صهيب الكوفي أبو عثمان (الفقير) بفتح الفاء بعدها قاف، قيل له ذلك لأنه أُصيب في فقار ظهره يألم منه حتى ينحنيَ له، روى عن جابر بن عبد الله في الإيمان والصلاة، وأبي سعيد وابن عمر، ويروي عنه (م د س ق) وقيس بن سليم والمسعودي والحكم بن عتيبة وغيرهم، ثقة من الرابعة، قال (حدثنا جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد بغدادي وواحد مدني، وغرضه بسوقه بيان متابعة يزيد الفقير لعمرو بن دينار في رواية هذا الحديث عن جابر، وفائدتها بيان كثرة طرقه لأن يزيد لا يصْلُح لتقوية عمرو لأن عمرًا أوثق منه (قال) جابر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن قومًا) من المُوحِّدين (يُخرجون من النار) قرئ بضم الياء على البناء للمجهول وبفتحها على البناء للمعلوم، حالة كونهم (يحترقون فيها) أي محروقة فيها أجسادهم (إلا دارات وجوههم) جمع دارة وهي ما يحيط بالوجه من جوانبه، ومعناه أن النار لا تأكل دارة
حَتى يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ".
370 -
(00)(00) وحدّثنا حَجَّاجُ بن الشاعِرِ، حَدَّثَنَا الْفَضلُ بْنُ دُكَينٍ، حَدَّثَنا أَبُو عَاصِمٍ -يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ أبِي
ــ
الوجه لكونها محل السجود، والمراد بالدارة الوجه كله لأن فيه محل السجود ويحتمل أن يكون المراد محل السجود منه فقط وهو الجبهة والأنف وجُمعت الدارات بحسب الأشخاص. اهـ سنوسي، ولا يعارضه ما تقدم في حديث أبي هريرة من أن الله حرّم على النار أن تأكل من ابن آدم أثر السجود أي الأعضاء السبعة لأن ذلك في قوم خاصِّين (حتى يدخلون الجنة) بإثبات النون على أنه معطوف على يخرجون، وحتى هنا لمجرد العطف بمعنى الفاء العاطفة التي للتعقيب أو جارَّة، فأنْ مضمرة بعدها وإثبات النون للمشاكلة أو لغة.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال:
370 -
(00)(00)(وحدثنا حجاج بن الشاعر) الثقفي البغدادي ثقة من الحادية عشرة، قال (حدثنا الفضل بن دكين) أبو نعيم وهو الفضل بن عمرو بن حماد بن زهير القرشي الأحول مولاهم كان مولى لآل طلحة بن عبيد الله، ودكين لقب أبيه عمرو المُلائي بضم الميم مشهور بكنيته الحافظ الكوفي، وكان مولده سنة ثلاثين ومائة (130) روى عن أبي عاصم محمد بن أبي أيوب الثقفي في الإيمان، وإسماعيل بن مسلم في الوضوء، وسيف بن أبي سليمان في الصلاة، وأبي العُميس عتيبة في الصلاة، وموسى بن علي في الصلاة، وأبي شهاب موسى بن رافع في الحج، وسفيان في الحدود والتوبة والزهد، وهشام بن سعد في الطب، وعبد الواحد بن أيمن في الفضائل، وإسرائيل في الزهد، ويروي عنه (ع) وحجاج بن الشاعر وعبد بن حُميد وابن أبي شيبة وأبو سعيد الأشج وابن نمير وعبد الله الدارمي وزهير بن حرب وأحمد وخلق، ثقة ثبت من التاسعة مات سنة (219) تسع عشرة ومائتين روى عنه في عشرة (10) أبواب تقريبًا، قال الفضل (حدثنا أبو عاصم) محمد بن أبي أيوب أو ابن أيوب الثقفي الكوفي روى عن يزيد الفقير في الإيمان والشعبي، ويروي عنه (م) والفضل بن دكين ووكيع، وثقه ابن معين، وقال في التقريب: صدوق يُخطئ من السابعة وأتى بالعناية في قوله (يعني محمد بن أبي
أَيُّوبَ- قَال حَدَّثَنِي يَزِيدُ الْفَقِيرُ، قَال: كُنْتُ قَدْ شَغَفَنِي رَأْيٌ مِنْ رَأْي الْخَوَارِجِ. فَخَرَجْنَا فِي عِصَابَةٍ ذَوي عَدَدٍ نُرِيدُ أَنْ نَحُجَّ. ثُمَّ نَخْرُجَ عَلَى النَّاسِ. قَال: فَمَرَرْنَا عَلَى الْمَدِينَةِ فَإِذَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ ، جَالِسٌ إِلَى سَارِيَةٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال فَإِذَا هُوَ قَدْ ذَكَرَ الْجَهَنَّمِيِّينَ قَال: فَقُلْتُ لَهُ
ــ
أيوب) إشعارًا بأن هذه التسمية لم يسمعها من شيخه بل زادها من عند نفسه إيضاحًا للراوي، (قال) أبو عاصم (حدثني يزيد) بن صهيب (الفقير) الكوفي ثقة من الرابعة (قال) يزيد (كنت قد شغفني) وأحبني وعشقني حتى دخل شغاف قلبي وغلافه (رأي) أي مذهب واعتقاد (من رأي الخوارج) أي من مذهبهم واعتقادهم وهو أنهم يرون ويعتقدون أن أصحاب الكبائر يُخلَّدون في النار ولا يخرج منها من دخلها، وقوله (قد شغفني) رُوي بالغين المعجمة وبالعين المهملة وهما بمعنى، ومعناه لصق بشغاف قلبي وهو غلافه، وقيل سويداؤه وهو كناية عن شدة محبته و {شَغَفَهَا حُبًّا} [يوسف: 30] قُرئ أيضًا بالغين وبالعين المهملة أي ما برح به حبه، وقيل أخذ حُبه قلبها من أعلاه وشغاف كل شيء أعلاه، وقيل بلغ داخل قلبها (فخرجنا) من الكوفة إلى مكة (في عصابة) أي مع جماعة من الحجاج (ذوي عدد) أي أصحاب عدد كثير حالة كوننا (نريد) ونقصد (أن نحج) ونرجع (ثم نخرج) عن مذهب أهل السنة ظاهرين (على الناس) أي على أهل السنة غالبين عليهم مظهرين مذهب الخوارج داعين إليه حاثين عليه، والخوارج قوم خرجوا على علي بن أبي طالب أول ظهورهم في قرية تُسمى بالحرورية موضع من بلاد جُهينة (قال) يزيد الفقير (فمررنا) في سفرنا (على المدينة) المنورة فدخلنا المسجد النبوي (فإذا جابر بن عبد الله) بن عمرو الأنصاري (يُحدِّث القوم) بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا هنا فجائية أي دخلنا المسجد ففاجأنا حالة كونه (جالسًا) مستندًا (إلى سارية) من سواري المسجد، وفي بعض النسخ جالس بالرفع على أنه خبر ثان لجابر، والجار والمجرور في قوله (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم متعلق بيُحدِّث، وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد بغدادي وواحد مدني، وغرضه بسوقه بيان متابعة أبي عاصم لقيس بن سليم في رواية هذا الحديث عن يزيد الفقير، وفائدتها بيان كثرة طرقه (قال) يزيد الفقير (فإذا هو) أي جابر بن عبد الله (قد ذكر الجهنميين) أي خروج أهل جهنم من جهنم بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم (قال) يزيد (فقلت له) أي
يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ مَا هَذَا الَّذِي تُحَدِّثُونَ؟ وَاللَّهُ يَقُولُ: {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيتَهُ} [آل عمران: 192] وَ {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا} [السجدة: 20] فَمَا هَذَا الَّذِي تَقُولُونَ؟ قَال: فَقَال: أَتَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قُلْتُ نَعَمْ. قَال فَهَلْ سَمِعْتَ بِمَقَامِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم يَعْنِي الَّذِي يَبْعَثُهُ اللَّهُ فِيهِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَال: فَإِنَّهُ مَقَامُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم الْمَحْمُودُ الَّذِي يُخْرِجُ اللَّهُ بِهِ مَنْ يُخْرِجُ. قَال: ثُمَّ نَعَتَ وَضْعَ الصِّرَاطِ وَمَرَّ النَّاسِ عَلَيهِ. قَال: وَأَخَافُ أَنْ لَا أَكُونَ أَحْفَظُ
ــ
لجابر بن عبد الله (يا صاحب رسول الله) صلى الله عليه وسلم (ما هذا الذي تحدِّثون) به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مخالفًا للكتاب العزيز (والله يقول) أي فإن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز ({إِنَّكَ}) يا رب ({مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ}) الأُخروية ({فَقَدْ أَخْزَيتَهُ}) وخذلته وأهنته، والخزي ضد الإحسان بإخراجه من النار والإكرام بإدخاله الجنة، والآية في آل عمران (و) قال أيضًا في سورة السجدة ({كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا}) الآية وهذا صريح في أنهم لا يخرجون منها (فما هذا الذي تقولون) وتُحدِّثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهل هو صحيح أم لا؟ (قال) يزيد (فقال) لي جابر بن عبد الله (أتقرأ القرآن) يا يزيد أي أتعرف قراءته وتفسيره (قلت) لجابر (نعم) أقرأه وأفسره (قال) لي جابر (فهل سمعت) يا يزيد (بمقام محمد صلى الله عليه وسلم أي بجاهه ودرجته ورفعته على سائر الأولين والآخرين (يعني) جابر بمقام محمد صلى الله عليه وسلم الذي سأل عنه يزيد الفقير المقام والجاه (الذي يبعثه الله) تعالى أي يبعث الله سبحانه محمدًا صلى الله عليه وسلم ويظهره (فيه) أي في ذلك المقام والجاه في عرصات القيامة، قال يزيد (قلت) لجابر (نعم) سمعت في القرآن المقام المحمود الذي يعطاه محمد صلى الله عليه وسلم (قال) جابر (فإنه) أي فإن إخراج الجهنميين منها (مقام محمد صلى الله عليه وسلم أي جاهه ودرجته وشفاعته (المحمود) أي الذي يحمده فيه الأولون والآخرون (الذي يُخرج الله) سبحانه وتعالى (به) أي بمقامه وجاهه (من يُخرج) أي من أراد أن يُخرجه من النار من المُوحِّدين (قال) يزيد الفقير (ثم نعت) أي ذكر جابر (وَضْعَ الصراط) ومَدَّهُ على متن جهنم وظهرانيها (و) وصف (مر الناس عليه) أي مرورهم عليه على حسب أعمالهم (قال) يزيد (وأخاف) أي أظن (أن لا أكون) أنا (أحفظ ذاك) الكلام الذي ذكره جابر في وصف مرورهم على
ذَاكَ. قَال: غَيرَ أَنَّهُ قَدْ زَعَمَ أَنَّ قَوْمًا يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ بَعْدَ أَنْ يَكُونُوا فِيهَا. قَال: يَعْنِي فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمْ عِيدَانُ السَّمَاسِمِ. قَال: فَيَدْخُلُونَ نَهْرًا مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ فَيَغْتَسِلُونَ فِيهِ. فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمُ الْقَرَاطِيسُ. فَرَجَعْنَا قُلْنَا: وَيحَكُمْ ، أَتُرَوْنَ الشَّيخَ يَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَرَجَعْنَا. فَلَا وَاللَّهِ ، مَا خَرَجَ مِنَّا غَيرُ رَجُلٍ وَاحِدٍ
ــ
الصراط (قال) يزيد (غير أنه قد) أي لكن أن جابرًا (زعم) والزعم هنا بمعنى القول أي قال وأخبر (أن قومًا) من الجهنميين (يخرجون من النار بعد أن يكونوا فيها) أي في النار (قال) يزيد (يعني) جابر بخروجهم الذي ذكر أولًا (فيخرجون) أي أنهم يخرجون، والفاء زائدة لا معنى لها (كأنهم) أي كأن أجسامهم (عيدان السَّمَاسِم) في تغير لونها ونحافتها لأكل النار إياها، وفي بعض الرواية (كأنها) بضمير المؤنثة فالضمير حينئذ عائد على الصور والتقدير كأن صورهم عيدان السماسم والعيدان أصولها وساقها التي تقوم عليها جمع عود والسماسم بالسينين المهملتين الأولى مفتوحة والثانية مكسورة جمع سمسم بسينين مكسورتين بينهما ميم ساكنة الحَبُّ المعروف والذي يُستخرج منه الشَّيرج، قال ابن الأثير: والسماسم جمع سمسم وعيدانه تراها إذا قُلعت وتُركت في الشمس ليؤخذ حبُّها دقاقًا سوداء كأنها محترقة فشُبه بها هؤلاء (قال) جابر (فيدخلون نهرًا من أنهار الجنة فيغتسلون فيه) أي في ذلك النهر (فيخرجون) منه حالة كونهم (كأنهم القراطيس) أي الأوراق البِيضُ أي حالة كونهم مُشبهين بالصحائف، والقراطيس جمع قرطاس بكسر القاف وضمها لغتان وهو الصحيفة التي يُكتب فيها شَبَّهَهم بالقراطيس لشدة بياضهم بعد اغتسالهم وزوال ما كان عليهم من السواد، قال يزيد الفقير (فرجعنا) أنا ورفقتي إلى منزلنا في المدينة فـ (قلنا) فيما بيننا (ويحكم) أي ألزمكم الله الويح والرحمة (أتُرَون) بهمزة الاستفهام الإنكاري، وضم التاء المثناة فوق؛ أي أتظنون أن (الشيخ) جابر بن عبد الله رضي الله عنهما (يكذب) أي يضع الكذب ويختلقه (على رسول الله صلى الله عليه وسلم أي لا يُظَن به الكذب بلا شك قال يزيد أيضًا (فرجعنا) من حجنا إلى الكوفة (فلا والله) لا زائدة لتأكيد النفي المستفاد من ما في قوله فوالله (ما خرج) ولا رَأى رَأيُ الخوارج أحد (منا غير رجل واحد) مِنَّا معناه رجعنا من حجنا ولم نتعرض لرأي الخوارج بل كففنا عنه وتُبنا منه إلا رجلًا منا فإنه لم يوافقنا في الانكفاف عنه وتمذهب بمذهبهم،
أَوْ كَمَا قَال أَبُو نُعَيمٍ
ــ
قال المؤلف رحمه الله تعالى: قال الحجاج: هكذا لفظ الحديث الذي رويته عن شيخِي أبي نعيم الفضل بن دكين (أو) لفظه (كما قال أبو نعيم) والشك من حجاج بن الشاعر شيخ المؤلف وهذا أدب معروف من آداب الرُّواة وهو أنه ينبغي للراوي إذا روى الحديث بالمعنى أن يقول في آخره عقب روايته أو الحديث: كما قال شيخي احتياطًا وخوفًا من تغيير وتحريف.
قال الأبي: واعلم أن الخوارج تُكفِّر بالذنوب وهو سبب خروجهم عن الناس وتقول بتخليد العاصي في النار محتجين على التكفير بالآية الأولى يعني قوله {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيتَهُ} ووجه الدليل منها أنه يتركَّب منها مع غيرها قياس من الشكل الأول فيقال العاصي يدخل النار وكل داخل النار مخزي، فينتج العاصي مخزي ثم يركَّب من هذه النتيجة قياس ثان من الشكل الثاني فيقال العاصي مخزي ولا شيء من المخزي بمؤمن، والصغرى صادقة لأنها نتيجة الشكل الأول والكبرى كذلك لقوله تعالى {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} يُنتج لا شيء من العاصي بمؤمن، وأجيب بأن والذين آمنوا ليس بمعطوف على النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو مبتدأ مستأنف خبره نورهم يسعى، واحتجوا على التخليد بالآية الثانية، والجواب أنها في الكفار أو أنها مخصوصة بهذه الأحاديث، ولمَّا كان الحديث نصًّا في إبطال الأمرين وعلم يزيد أن جابرًا لا يكذب على النبي صلى الله عليه وسلم رجع عن رأي الخوارج.
قال القاضي: واختلفَت الأحاديث في المقام المحمود فذكر جابر في هذا الحديث أنه خروج العصاة بشفاعته صلى الله عليه وسلم ويأتي من حديث ابن عمر ما ظاهره أنه الشفاعة في تعجيل الحساب، وفي حديث جابر: يُنادى يوم القيامة والناس سكوت يا محمد فيقول: لبيك وسعديك والخير في يديك .. الخ، وفي حديث كعب بن مالك يُحشر الناس على تل فنكْسَى حُلَّة خضراء ثم يُنادى بي: فأقول ما شاء الله أن أقول فذلك المقام المحمود، وعن عبد الله بن سلام: محمد على كرسي الرب بين يدي الله عز وجل، ورُوي عن مجاهد في ذلك قول منكر لا يصح ولو صح يُتأول ويَقْرُبُ من قول عبد الله بن سَلَام ويُخرَّج من جملة الأحاديث أن المقام المحمود كون آدم عليه السلام وذريته تحت لوائه في عرصات القيامة من أول اليوم إلى دخول الجنة وخروج من يخرج من النار وأوَّل ذلك إجابة المنادي وحمده الله عز وجل بما ألهمه ثم الشفاعة في تعجيل
371 -
(171)(7) حدَّثنا هَدَّابُ بن خالِدٍ الأَزدِيُّ، حَدَّثَنا حمَّادُ بن سَلَمةَ عَنْ أَبي عِمْرانَ وثابِتٍ ، عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ؛ أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَال:"يخْرُجُ مِنَ النَّارِ أرْبَعَةٌ فَيُعرَضونَ عَلَى اللهِ. فيَلْتَفِتُ أحَدُهُم فيَقُولُ: أَي رَبِّ، إِذْ أَخْرَجْتَني مِنْها فَلا تُعِدْني فِيهَا. فَيُنجِيهِ اللهُ مِنْها"
ــ
الحساب وإراحة الناس من كرب المحشر وهو مقامه المحمود الذي حمده فيه الأولون والآخرون ثم شفاعته فيمن لا حساب عليه من أمته ثم فيمن يُخرج من النار حتى لا يبقى فيها من في قلبه مثقال ذرة من إيمان ثم يأمر الله عز وجل بإخراج من قال لا إله إلا الله حتى لا يبقى في النار إلا المخلدون وهو آخر عرصات القيامة. اهـ.
ثم استشهد المؤلف لحديث جابر بحديث أنس فقال:
371 -
(171)(7)(حدثنا هداب بن خالد) بن الأسود بن هُدبة (الأزدي) القيسي الثوباني أبو خالد البصري، ويقال له هُدبة بضم الهاء وسكون الدال وهو اسمه وهداب لقبه، ثقة عابد تفرد النسائي بِتَلْيِينِه من صغار التاسعة مات سنة (241) روى عنه في (4) أبواب تقريبًا، قال (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي أبو سلمة البصري ثقة عابد أثبت الناس في ثابت من كبار الثامنة مات سنة (167) روى عنه في (16) بابًا تقريبًا (عن أبي عمران) بكسر العين عبد الملك بن حبيب الأزدي الجوني نسبة إلى جون بن عوف بطن من الأزد ثقة من كبار الرابعة مات سنة (128) روى عنه في (12) بابا (وثابت) بن أسلم بن موسى البُناني أبي محمد البصري ثقة عابد من الرابعة مات سنة (123) وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (عن أنس بن مالك) الأنصاري (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) وهذا السند من رباعياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون (يُخرج من النار) بشفاعة الشافعين (أربعة) أنفار (فيُعرضون على الله) سبحانه وتعالى إظهارًا لمنِّه وفضله عليهم (فيلتفت أحدهم) إلى جهة النار (فيقول أي رب) أي يا رب (إذ أخرجتني منها) أي من النار، وإذ ظرف لما مضى من الزمان مضمَّن معنى الشرط فهي بمعنى إذا التي للاستقبال متعلق بجوابه وهو قوله (فلا تُعِدني فيها) أي في النار أي فلا تُعِدني فيها وقت إخراجك إياي منها وهو بالجزم بلا الدعائية (فينجيه الله منها) أي فيخلِّصه الله تعالى منها، رُوي بالتخفيف من الإنجاء وبالتثديد من التنجية، وهذا الحديث أعني حديث أنس هذا انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن أصحاب الأمهات وغيرهم كما في التحفة.