الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(2)
كتاب الطهارة
114 - (19)(1) باب فضل الوضوء
ــ
(2)
كِتَابُ الطَّهَارَةِ
114 -
(19)(1) باب فضل الوضوء
(المناسبة) مناسبة كتاب الطهارة لكتاب الإيمان أن الطهارةَ النَّظافةُ عن الأنجاس الحسية كما أن الإيمان الخلوص عن الأرجاس المعنوية، ولأن الطهارة مفتاح الصلاة التي هي ثاني أركان الإسلام بعد الإيمان بالله تعالى، والكتاب لغةَ: مصدرٌ بمعنى الضمِّ والجمْعِ لِكَتَبَ من باب نصر تقول؛ كتب بالقلم يكتب كَتْبًا وكتابًا وكتابة إذا خط بالقلم لما فيه من اجتماع الكلمات والحروف وانضمام بعضها إلى بعض وتَكَتَّبَتْ بنو فلان إذا اجتمعوا وانضم بعضهم إلى بعض، واصطلاحًا: اسم لألفاظ مخصوصة دالة على معان مخصوصة مشتملة على أبواب وفصول ومسائل غالبًا، والباب لغة: فُرجة في ساتر يتوصل بها من داخل إلى خارج وعكسه، واصطلاحًا: اسم لألفاظ مخصوصة دالة على معان مخصوصة مشتملة على فصول ومسائل غالبًا كما مر، والطَّهارة بفتح الطاء لغة: النظافة من الأقذار ولو طاهرة كالمخاط والبُصاق حسية كانت كالأنجاس أو معنوية كالأدناس الباطنية وهي العيوب من الحقد والحسد وغيرهما، وشرعًا فعل ما تستَباح به نحو الصلاة من وضوء وغسل وتيمم وإزالة نجاسة، وأما الطُّهارة بضم الطاء: فاسم لبقية الماء أي لما فَضَل من طهارته كالذي يبقى في نحو الإبريق، وأما الطِّهارة بكسر الطاء فاسم لما يضاف إلى الماء من سدر ونحوه كذا قاله بعض الفقهاء، وأما الوُضوء فهو بضم الواو: اسم لاستعمال الماء في أعضاء مخصوصة مفتتحًا بنية، وبفتحها اسم لما يُعَدُّ ويهيأ للوُضوء به كالماء الذي في الإبريق أو في الميضأة، لا لما يصح منه الوضوء كماء البحر وماء البئر خلافًا لبعضهم لأنه لم يُسْمَع إطلاقه على ماء البحر مثلًا وهذا
431 -
(200)(36)(1) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدَّثَنَا حَبَّانُ بْنُ هِلالٍ. حَدَّثَنَا أَبَانٌ
ــ
القول هو الأشهر، وقيل بالضم فيهما، وقيل بالفتح فيهما، وقيل بعكس الأول وهذه الأقوال تجري في كل ما جاء على وزن فُعُول كالوُقود والسحور والفطور والطهور والوجور الدواء الذي يُصبُّ في الحلق وهو بالضم اسم مصدر لتوضأ، وقياس المصدر التَّوَضُّؤُ لأن فعله تَوَضَّأ نظير تكلم من الوضاءة وهي الحسن والنظافة والخلوص من ظلمة الذنوب.
وفُرض الوضوء مع الصلاة ليلة الإسراء لكن مشروعيته سابقة على ذلك لأنه روي أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم في ابتداء البعثة فعلمه الوضوء ثم صلى به ركعتين وهو من الشرائع القديمة لخبر "هذا وُضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي" والخاصُّ بنا الكيفيةُ المخصوصة أو الغرة والتحجيل لخبر "أنتم الغر المحَجَّلُون يوم القيامة من آثار الوضوء ومن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل".
أي هذا كتاب معقود في ذكر الأحاديث الواردة في الطهارة إزالة ورفعًا واستباحةً غسلًا ووضوءًا، وهذا باب معقود في ذكر الأحاديث الواردة في فضل الطهارة التي من أفرادها الوضوء فعطف الوضوء على الطهارة في الترجمة من عطف الخاص على العام اهتمامًا به وإظهارًا لمزِيَّتِه وفي بيان اشتراطهما في الصلاة.
431 -
(200)(36) - (1)(حدثنا إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي أبو يعقوب المروزي ثم النيسابوري ثقة ثبت من (11) مات سنة (251) روى عنه في (17) بابًا تقريبًا، قال (حدثنا حبان) بفتح الحاء المهملة وبالباء الموحدة المشددة (بن هلال) الباهلي أو الكناني أبو حبيب البصري ثقة ثبت من (9) مات سنة (216) روى عنه في (8) أبواب قال (حدثنا أبان) بالصَّرْفِ ومَنْعِهِ والمختارُ الصرفُ، بن يزيد العطار أبو يزيد البصري روى عن يحيى بن أبي كثير في الوضوء والصلاة وغيرهما، وقتادة في الصلاة والجنائز والبيوع وصفة النار، وغيلان بن جرير في الصوم، وأبي عمران الجَونِي في العلم، ويروي عنه (خ م د ت س) وحبان بن هلال ويزيد بن هارون وعفان بن مسلم وأبو داود الطيالسي وعبد الصمد بن عبد الوارث وابن المبارك ويحيى القطان، وقال في التقريب: ثقة من السابعة مات سنة (160) ستين ومائة، وجملة الأبواب التي روى عنه
حَدَّثَنَا يَحْيَى؛ أَنَّ زيدًا حَدَّثَهُ؛ أَنَّ أَبَا سَلَّام حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِي؛ قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الطهُورُ
ــ
فيها سبعة (7)، قال (حدثنا يحيى) بن أبي كثير اسمه صالح بن المتوكل، وقيل اسمه دينار الطائي مولاهم أبو نصر اليمامي سكن اليمامة البصري ثقة ثبت لكنه يدلس ويرسل من (5) مات سنة (132) روى عنه في (16)(أن زيدًا) ابن سلَّام بتشديد اللام بن أبي سلَّام الأسود الحبشي أبا معاوية الدمشقي، روى عن جده أبي سلَّام في الوضوء والزكاة والجهاد وغيرها، ويروي عنه (م عم) ويحيى بن أبي كثير، وقيل لم يسمع منه بل نسخ كتابه، وأخوه معاوية بن سلام، وقال في التقريب: ثقة من الرابعة (حدثه) أي حدث ليحيى بن أبي كثير (أن) جده (أبا سلَّام) ممطورًا الباهلي الأسود الحبشي الأعرج الدمشقي، قيل النوبي، وقيل نسبة إلى حيٍّ من حمير من اليمن لا إلى الحبشة، روى عن أبي مالك الأشعري في الوضوء والجنائز، وأبي أسماء الرحبي عمرو بن مرثد وأبي أمامة الباهلي في الصلاة، والحَكَمِ بن مِيناء في الصلاة، وعبد الله بن فرُّوخ في الزكاة، وحذيفة في الجهاد، والنعمان بن بشير، ويروي عنه (م عم) وزيد بن سلام ومكحول والأوزاعي وغيرهم، وثّقه العجلي، وقال في التقريب: ثقة يرسل من الثالثة (حدثه) أي حدث لزيد بن سلام (عن أبي مالك الأشعري) له صحبة مختلف في اسمه قيل اسمه الحارث بن الحارث، وقيل عبيد، وقيل عبيد الله، وقيل كعب بن عاصم، وقيل عمرو، وقيل غير ذلك الدمشقي له (27) سبعة وعشرون حديثًا، روى عنه أبو سلَّام ممطور الحبشي في الوضوء، وهذا السند من سباعياته رجاله ثلاثة منهم شاميون وثلاثة بصريون وواحد مروزي، قال النواوي: وهذا الإسناد مما تكلم فيه الدارقطني وغيره فقالوا: سقط عنه رجل بين أبي سلام وأبي مالك والساقط عبد الرحمن بن غُنم، قالوا: والدليل على سقوطه أن معاوية بن سلام رواه عن أخيه زيد بن سلام عن جده أبي سلام عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي مالك الأشعري، وهكذا أخرجه النسائي وابن ماجه وغيرهما، ويمكن أن يجاب عن مسلم عن هذا الاعتراض بأن الظاهر من حال مسلم أنه علم سماع أبي سلام لهذا الحديث من أبي مالك فيكون أبو سلام سمعه من أبي مالك وسمعه أيضًا من عبد الرحمن بن غنم عن أبي مالك فرواه مرة عنه ومرة عن عبد الرحمن، وكيف كان فالمتن صحيح لا مطعن فيه والله سبحانه وتعالى أعلم.
(قال) أبو مالك (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الطُّهور) في طائه الضم
شَطْرُ الإِيمَانِ
ــ
والفتح، قال النواوي: والمعروف أنها بالضمِّ الفعلُ وبالفتح الماءُ، وقال الخليل: ليس في طائه إلا الفتح في الأمرين ولا يعرف الضم، قال القرطبي: وهذه الوجوه كلها لغات، وأما الحديث فإنما الرواية فيه بالفتح ولا يستقيم إلا على قول الخليل ولا يستقيم على المعروف إلا بتقدير مضاف أي استعمال الطهور اهـ سنوسي بتصرف. أي التنزه والتجنب عن المستخبثات الشرعية الظاهرة والباطنة (شطر الإيمان) أي نصف الإيمان منحصر في امتثال المأمورات والمستحسنات الشرعية وفعلها والتلبس بها، وفي اجتناب المستخبثات والمنهيات الشرعية بالتنزه والتطهر منها فهذان الصنفان عُبِّر عن أحدهما بالطهارة في استعمال اللغة، وفي المفهم: والطُّهور والطهارة مصدران بمعنى النظافة تقول العرب: طَهُرَ الشيء بفتح الهاء وضمها يَطْهُر بضمها لا غير طهارةً وطُهورًا كما تقول: نَظُفَ ينظُف نظافة ونَزُه يَنْزُهُ نَزَاهَةً بضمها لا غير، وهي التنزه من المستخبثات المحسوسة والمعنوية كما قال تعالى {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} والشطر النصف وقد تقدم ويأتي أيضًا بمعنى الجهة ومنه {شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} أي جهته، ويقال: شَطَرَ عنه أي بعد وشطر إليه أي أقبل، والشاطر من الشبان البعيد من الخير، وقد اختلف في معنى قوله صلى الله عليه وسلم (الطهور شطر الإيمان) على أقوال كثيرة أحسنها أن يقال: إنه أراد بالطهور الطهارة من المستخبثات الظاهرة والباطنة، وبالشطر النصف، وبالإيمان المعنى العام كما يدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام (الإيمان تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان) رواه الخطيب في تاريخه [9/ 386] وفيه عبد الله بن أحمد الطائي ليس بالمرضي، ولا شك أن هذا الإيمان ذو خصال كثيرة وأحكام متعددة غير أنها منحصرة فيما ينبغي التنزه والتطهر منه وهو كل ما نهى الشرع عنه وفيما ينبغي التلبس والاتصاف به وهو كل ما أمر الشرع به فهذان الصنفان عُبر عن أحدهما بالطهارة على مُسْتَعْمَل اللغة، وهذا كما قد روي مرفوعًا "الإيمان نصفان نصف شكر ونصف صبر" رواه الديلمي في الفردوس، والقضاعي في الشهاب، والبيهقي في الشعب من حديث أنس رضي الله عنه وفيه عتبة بن السكن متروك ويزيد بن أبان متروك أيضًا، وقيل الطهارة هنا بمعنى التطهر بالماء، والشطر بمعنى الجزء والمعنى الطهارة بالماء جزء من الإيمان أي شعبة منه كقوله النظافة من الإيمان أي شعبة منه وهذا أوضح الأقوال، وقيل إن الطهارة الشرعية لمَّا كانت تكفِّرُ الخطايا السابقة
وَالْحَمْدُ للَّهِ تَمْلأُ الْمِيزَانَ. وَسُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمدُ للهِ تَمْلآنِ أَوْ تَمْلأُ، مَا بَينَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ
ــ
كانت كالإيمان الذي يَجُبُّ ما قبله فكانت شطر الإيمان بالنسبة إلى محو الخطايا، وهذا فيه بعدٌ إذ الصلاة وغيرها من الأعمال الصالحة تكفر الخطايا فلا يكون لخصوصية الطهارة بذلك معنىً ثم لا يصح أيضًا معنى كون الطهارة نصف الإيمان بذلك الاعتبار لأنها إنما تكون مِثْلًا له في التكفير ولا يطلق على المثل للشيء شطره، وقد أطال القرطبي الكلام في ذكر الأقوال وقال في آخره: فالأولى التأويل الأول ما أشرنا إليه، وقال النواوي: اختلف في معنى قوله صلى الله عليه وسلم الطهور شطر الإيمان فقيل معناه أن الأجر فيه ينتهي تضعيفه إلى نصف أجر الإيمان، وقيل معناه إن الإيمان يجبُّ ما قبله من الخطايا وكذلك الوضوء لأن الوضوء لا يصح إلا مع الإيمان فصار لتوقفه على الإيمان في معنى الشطر وقيل المراد بالإيمان هنا الصلاة كما في قوله تعالى {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} والطهارة شرط في صحة الصلاة فصارت كالشطر وليس يلزم في الشطر أن يكون نصفًا حقيقيًّا وهذا القول أقرب الأقوال، ويحتمل أن يكون معناه أن الإيمان تصديق بالقلب وانقياد بالظاهر وهما الشطران للإيمان، والطهارةُ متضمنةٌ الصلاةَ فهي انقياد في الظاهر، والله أعلم اهـ كلامه، وعلى كل الأقوال فقوله (الطهور شطر الإيمان) هو موضع الجزء الأول من الترجمة (والحمد لله) أي كلمة الحمد لله (تملأ) ثوابًا (الميزان) أي ميزان الحسنات لو كان جسمًا يظهر بالعيان، وقال القرطبي: والحمد الثناء على مُثْنىً مَّا بأوصاف كمالِهِ، فإذا حمد الله حامدٌ مستحضرًا معنى الحمد في قلبه امتلأ ميزانه من الحسنات فإذا أضاف إلى ذلك (وسبحان الله) الذي معناه تبرئة الله وتنزيهه عن كل ما لا يليق به من النقائص ملأت حسناته، وثوابها زيادة على ذلك (ما بين السماوات والأرض) إذ الميزان مملوء بثواب التحميد وذكر السماوات والأرض على جهة الإغياء -من أغيا الرجلُ إذا بلغ الغاية- على العادة العربية، والمراد أن الثواب على ذلك كثير جدًّا بحيث لو كان أجسامًا لملأ ما بين السماوات والأرض، قال النواوي: وأما قوله (والحمد لله تملأ الميزان) بالتاء المثناة فوق على معنى كلمة الحمد لله لا على معنى السورة، وبالياء المثناة تحتُ على معنى الذِّكر ومعنى ذلك لعظم أجرها يملأ الميزان، وقد تظاهرت نصوص القرآن والسنة على وزن الأعمال وثقل الموازين وخِفَّتِها، قال الأبي: يريد هذا الذكر فقط لا كل السورة، وامتلاءُ الكفة لا يستلزم رجحانها بل عدم
وَالصَّلاةُ نُورٌ. وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ. وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ
ــ
مرجوحيتها لأن الأخرى إن كانت ملأى ساوتها وإلا رجحت هذه، والمعنى أنها لو كانت أجسامًا لملأته، قال النواوي: وأما قوله (وسبحان الله والحمد لله تملآن) ضبطناه بالتاء المثناة من فوق أي هاتان الكلمتان، ويالياء المثناة من تحت أي هذان الذكران (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو الراوي والشك من الراوي أو ممن دونه (تملأ) أي جملة الذكرهرين فالألف في تملآن بالتاء يعود إلى المؤنثتين الغائبتين أي تملأ الكلمتان، وبالياء إلى المذكرين الغائبين أي يملأ الذكران، وفي (تملأ) بالتاء ضمير المؤنثة الغائبة أي تملأ جملة الكلمتين، وبالياء ضمير المذكر الغائب أي يملأ كل من الذكرين، والمقصود من هذا الكلام تفخيم شأن هذه الكلمات على معنى أنها لو قدر أن تكون أجسامًا لبلغت من كثرتها هذا المبلغ ويجوز أن يراد به أجرها وثوابها أفاده ابن الأثير في النهاية.
والمعنى لو قُدِّر ثوابهما جسمًا لملأ ما بين السماوات والأرض وسبب عظم فضلها ما اشتملتا عليه من التنزيه لله تعالى بقوله (سبحان الله) والتفويضِ والافتقارِ إلى الله تعالى بقوله (والحمد لله) والله أعلم اهـ من النواوي بتصرف، يعني أن الحمد إذا أُفْرِد يملأ الميزان وإذا قُرِن بالتسبيح يملأ ما بين السماوات والأرض (والصلاة نور) قال القاضي عياض: أي أجرها نور يسعى بين يدي صاحبها يوم القيامة أو أن الصلاة سبب لإشراق أنوار المعارف وانشراح القلب ومكاشفات الحقائق لتفرغ القلب فيها والإقبال بالجسم والقلب على الله تعالى وشغل الجوارح بها عما سواه كما قال صلى الله عليه وسلم "وجُعِلَتْ قرَّةُ عيني في الصلاة" رواه النسائي وأحمد والحاكم (والصدقة برهان) أي دليل على إيمان صاحبها لأن شأن المنافقين اللمزُ فيها، ألا ترى ضعف إيمان من منعها في الردة أيام أبي بكر رضي الله عنه، وعبارة المفهم هنا: قوله (والصدقة برهان) أي على صحة إيمان المتصدق أو على أنه ليس من المنافقين الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات أو على صحة محبة المتصدق لله تعالى ولما لديه من الثواب إذ قد آثر محبة الله تعالى وابتغاء ثوابه على ما جبل عليه من حب الذهب والفضة حتى أخرجه لله تعالى (والصبر) أي الصبر على العبادات ومشاقِّها وعلى المصائب والصبر عن المخالفات والمنهيات كاتباع هوى النفس والشهوات وغير ذلك (ضياء) أي مُضيء لصاحبه في عواقب أحواله فمن كان صابرًا في تلك الأحوال متثبتًا فيها مقابلًا لكل حال
وَالْقرآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيكَ كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو. فَبَايعٌ نَفْسَهُ. فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا"
ــ
بما يليق به ضاءت له عواقب أحواله ووَضَحَتْ له مصالح أعماله فظفر بمطلوبه وحصل له من الثواب على مرغوبه كما قيل:
فقل مَن جدَّ في أمرٍ تَطَلَّبَهُ
…
واستَعْمَل الصبرَ إلا فاز بالظفرِ
قال النووي: يعني أن الصبر المحبوب في الشرع ضياء وهو الصبر على طاعة الله تعالى، والصبر عن معصيته، والصبر أيضًا على النائبات وأنواع المكاره في الدنيا يعني أن الصبر محمود لا يزال صاحبه مستضيئًا مهتديًا مستمرًا على الصواب، قال إبراهيم الخواص: الصبر هو الثبات على الكتاب والسنة، وقال ابن عطاء: الصبر الوقوف مع البلاء بِحُسْن الأدب، وقال أبو علي الدقّاق: حقيقة الصبر أن لا يعترض على المقدور، فأما إظهار البلاء لا على وجه الشكوى فلا ينُافي الصبر، قال الله تعالى {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} مع أنه قال {إني مسني الضر} والله أعلم. اهـ (والقرآن حجة) أي شاهد (لك) بالإيمان إن صدقته وعملت بما فيه (أو) شاهد (عليك) إن خالفته ولم تعمل بما فيه، قال القرطبي: يعني أنك إذا امتثلت أوامره واجتنبت نواهيه كان حجة لك في المواقف التي تُسأل عنه فيها كمسألة الملكين في القبر والمسألة عند الميزان وفي عقبات الصراط وإن لم تمتثل ذلك احتُجَّ به عليك، ويحتمل أن يُراد به أن القرآن هو الذي يُنتهى إليه عند التنازع في المباحث الشرعية والوقائع الحُكمية فبه تَسْتَدِلُّ على صحة دعواك وبه يستدل عليك خصمك (كل الناس يغدو) أي يُبكرُ في أشغاله (فبائع) أي فمنهم بائع (نفسه) بطاعات الله تعالى (فمُعتقها) أي فيُعتقها من العذاب (أو) بائع نفسه للهوى والنفس والشيطان أي بائع بمعصية الله تعالى فـ (مُوبقها) أي يُهلكها بالعذاب باتباع ما ذُكر أي بالمعاصي، وفي المفهم:(كل الناس يغدو) أي يُبكِّر يقال غَدَا إذا خرج صباحًا في مصالحه يغدو غدوًا وراح إذا رجع بعَشيِّ، ومعنى ذلك أن كل إنسان يُصبح ساعيًا في أموره متصرفًا في أغراضه ثم إما تكون تصرفاته بحسب دواعي الشرع والحق فهو الذي يبيع نفسه من الله تعالى وهو بيع آيل إلى عتقٍ وحرِّية، كما قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة: 111] وإما أن تكون تصرفاته بحسب دواعي الهوى والشيطان فهو الذي باع نفسه من الشيطان فأوبقها أي أهلكها، ومنه قوله تعالى {أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا} [الشورى: 34] ومنه قول ابن مسعود: "الناس
432 -
(201)(37)(2) حدَّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ وَاللَّفْظُ لِسَعِيدٍ، قَالُوا حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، قَال: دَخَلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ عَلَى ابْنِ عَامِرٍ
ــ
غاديان فبائع نفسه فموبقها أو مفاديها فمعتقها" رواه الطبراني بإسناد جيد.
وهذا الحديث أعني حديث أبي مالك الأشعري شارك المؤلف في روايته أحمد [5/ 342 و 343 و 344] والترمذي [3517] والنسائي [5/ 5 - 6].
وغرض المؤلف بسوقه الاستدلال به إلى الجزء الأول من الترجمة ثم استدل على الجزء الثاني من الترجمة بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال:
432 -
(201)(37)(2)(حدثنا سعيد بن مضور) بن شعبة أبو عثمان الخراساني ثقة مصنف من العاشرة مات سنة (227) روى عنه في (15) بابًا تقريبًا (وقتيبة بن سعيد) ابن جميل الثقفي أبو رجاء البغلاني ثقة من (10) مات سنة (240) روى عنه في (7) أبواب (وأبو كامل) فضيل بن حسين بن طلحة (الجحدري) منسوب إلى جدٍّ له اسمه جحدر البصري ثقة من (10) مات سنة (237) روى عنه في (6) أبواب تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه، وأتى بقوله (واللفظ لسعيد) تورعًا من الكذب على الآخرين (قالوا) أي قال كل من الثلاثة (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري البزَّاز الواسطي ثقة ثبت من (7) مات سنة (176) روى عنه في (19) بابا (عن سماك بن حرب) بن أوس البكري الذهلي أبي المغيرة الكوفي صدوق من (4) مات سنة (123) روى عنه في (14) بابًا تقريبًا (عن مصعب بن سعد) بن أبي وقّاص القرشي الزهري أبي زرارة الكوفي روى عن ابن عمر في الوضوء، وعن أبيه سعد في الصلاة والوصايا والفضائل والدعاء، ويروي عنه (ع) وسماك بن حرب وأبو يعفور وَقْدَان في الصلاة والزبير بن عدي وعبد الملك بن عمير وغيرهم، قال ابن سعد: ثقة كثير الحديث، وقال العجلي: تابعي ثقة، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة مات سنة (103) ثلاث ومائة روى عنه في (5) أبواب (قال) مصعب بن سعد (دخل عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما أبو عبد الرحمن المكي القرشي العدوي، وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم كوفيان وواحد مكي وواحد واسطي وواحد إما خراساني أو بغلاني أو بصري (على) عبد الله (بن عامر) بن كُرَيز بالتصغير بن ربيعة بن حبيب بن
يَعُودُهُ وَهُوَ مَرِيضٌ. فَقَال: أَلا تَدْعُو الله لِي، يَا ابْنَ عُمَر؟ قَال: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لا تُقبَلُ صَلاةٌ بِغَيرِ طُهُورٍ، وَلا صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ" وَكُنْتَ عَلَى الْبَصْرَةِ
ــ
عبد شمس بن عبد مناف القرشي العبشمي ابن خال عثمان بن عفان لأن أم عثمان هي أروى بنت كريز، حالة كون ابن عمر (يعوده) أي يعود ابن عامر (وهو) أي والحال أن ابن عامر (مريض فقال) ابن عامر لابن عمر (إلا) حرف عرض وهو الطلب برفق ولين أي هلَّا (تدعوا الله) سبحانه وتعالى العافية (لي) من مرضي هذا (يا ابن عمر، قال) ابن عمر لابن عامر (إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تقبل صلاة بغير طهور) من حَدَث وخَبَث فكذلك لا يقبل الدعاء للعاصي بلا توبة منه من المعاصي التي ارتكبها (و) سمعته يقول (لا) تقبل (صدقة من غلول) أي مِن مالء غَلَّه وسرقه من الغنيمة قبل قسمتها (وكنتَ) أنت يا ابن عامر واليًا أميرًا (على البصرة) فلست بسالم من الغلول أي كنت واليًا على البصرة وتعلقت بك تبعات من حقوق الله تعالى وحقوق العباد فلا يُقْبَل الدعاءُ لمن هذه صفته كما لا تقبل الصلاة إلا من متطهر ولا الصدقة إلا من مُتَصَوِّنٍ من الحرام، والظاهر والله أعلم أن ابن عمر قصد زجر ابن عامر وحثه على التوبة وتحريضه على الإقلاع من المخالفات ولم يُرِد القطع حقيقة بأن الدعاء للفسَّاق لا ينفع لأنه لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم والسلف والخلف يدعون للكفار وأصحاب المعاصي بالهداية والتوبة. اهـ نووي.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 57] والترمذي [1]، قال القاضي عياض: وذِكْرُ ابن عمر الحديث له وهو إنما سأله الدعاء تذكرةَ ووعظٌ وتنبيهٌ على أن الخيانة في مال الله لا ينجي من العقوبة عليها ما صُرِفَ منه في وجوه البر وقد يكون ذكره له استدلالًا على أنه لا يصح شيء بدون شرطه فكما لا تصح صلاة بلا طهور ولا صدقة من غلول فكذا لا يُطمع في دعاء ولا في قبوله بدون توبة من المعاصي يعرض له بالغلول لمال الله ويعرفه ما عليه فيه ليخاف ذنبه ولا يغتر، قال الأبي: لعله مذهبٌ لابن عمر أنه لا يُدعَى للمتلبس بالمخالفة وإلا فهو جائز، وابن عمر ممن عُرِفَتْ شدته في الدين، وذكره له أنه كان على البصرة تعريض بمحل الغلول، وفي بعض الطرق زيادة (وكنت على البصرة وما أظنك إلا أصبت فيها شيئًا) وفي معنى الصدقة من الغلول: الصدقة من المال المحرم وانظر الحج به، والظاهر الصحة كالصلاة في الدار المغصوبة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأما النكاح به فقال مالك فيه: أخاف أن يضارع الزنا، نعم الصدقة بالمال الحرام أرجح لصرفه عن النفس. اهـ.
وفي تهذيب التهذيب: وكان ابن عامر جوادًا شجاعًا ولّاه عثمان البصرة بعد أبي موسى الأشعري سنة تسع وعشرين وضم إليه فارس بعد عثمان بن أبي العاص فافتتح في إمارته خراسان كلها وسجستان وكِرْمان حتى بلغ طرف عَزْنَة وفي إمارته قُتل يَزْدَجرْد آخر ملوك الفرس وأحرم ابن عامر من خراسان فقَدِمَ على عثمان فلامه فيما صنعه وكرهه وقال: غَرَّرْتَ بنفسك، وأخرج البيهقي حديثه من طريق داود بن أبي هند لما فتح خراسان قال: لأجعلنَّ شكري أن أحرم من موضعي فأحرم من نيسابور فلما قدم على عثمان لامه، قال أبو عمر: قدم ابن عامر بأموال عظيمة ففرَّقها في قريش والأنصار، قال: وهو أول من اتخذ الحياض بعرفة وأجرى إلى عرفة العين، وشهد الجمل مع عائشة ثم اعتزل الحرب بصفين ثم ولَّاه معاوية البصرة، ثم صرفه بعد ثلاث سنين فتحول إلى المدينة حتى مات بها سنة سبع أو ثمان وخمسين اهـ. قال القرطبي: وقوله (لا يقبل الله صلاة بغير طهور) دليل لمالك وابن نافع على قولهما إنَّ مَنْ عَدِم الماءَ والتراب لم يُصَل ولم يقض إن خرج وقت الصلاة لأن عدم قبولها لعدم شرطها يدل على أنه ليس مخاطبًا بها حالة عدم شرطها فلا يترتب شيء في الذمة فلا تُقضى وعلى هذا فتكون الطهارة من شروط الوجوب، واختلف أصحاب مالك في هذه المسألة لاختلافهم في هذا الأصل اهـ.
وقال النواوي: هذا الحديث نص في وجوب الطهارة للصلاة وقد أجمعت الأمة على أن الطهارة شرط في صحة الصلاة، قال القاضي عياض: واختلفوا متى فرضت الطهارة للصلاة فذهب ابن الجهم إلى أن الوضوء في أول الإسلام كان سنَّة ثم نزل فرضه في آية التيمم، قال الجمهور: بل كان قبل ذلك فرضًا، قال: واختلفوا في أن الوضوءَ فرضٌ على كل قائم إلى الصلاة أم على المحدث خاصة فذهب قوم من السلف إلى أن الوضوء لكل صلاة فرض بدليل قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} الآية وذهب قوم إلى أن ذلك قد كان ثم نسخ، وقيل: الأمر به لكل صلاة على الندب، وقيل: بل لم يشرع إلا لمن أحدث ولكن تجديده لكل صلاة مستحب وعلى هذا أجمع أهل الفتوى بعد ذلك ولم يسبق بينهم فيه خلاف.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومعنى الآية عندهم إذا كنتم مُحْدِثِينَ، هذا آخر كلام القاضي رحمه الله تعالى، واختلف أصحابنا في الموجب للوضوء على ثلاثة أقوال: أحدها أنه يجب بالحدث وجوبًا مُوَسَّعًا، والثاني لا يجب إلا عند القيام إلى الصلاة، والثالث يجب بالأمرين وهو الراجح عند أصحابنا، وأجمعت الأمة على تحريم الصلاة بغير طهارة من ماء أو تراب ولا فرق بين الصلاة المفروضة والنافلة وسجود التلاوة والشكر وصلاة الجنازة إلا ما حكي عن الشعبي ومحمد بن جرير الطبري من قولهما تجوز صلاة الجنازة بغير طهارة وهذا مذهب باطل، وأجمع العلماء على خلافه، ولو صلى محدثًا متعمدًا بلا عذر أثم ولا يَكْفُر عندنا وعند الجماهير، وحكي عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه يكفر لتلاعبه، ودليلنا أن الكفر للاعتقاد وهذا المصلي اعتقاده صحيح وهذا كله إذا لم يكن للمصلي مُحْدِثًا عذرٌ، أما المعذور كمن لم يجد ماءً ولا ترابًا ففيه أربعة أقوال للشافعي رحمه الله تعالى وهي مذاهب للعلماء قال بكل واحد منها قائلون أصحها عند أصحابنا يجب عليه أن يصلي على حاله ويجب أن يعيد إذا تمكن من الطهارة، والثاني يحرم عليه أن يصلي ويجب القضاء، والثالث يستحب أن يصلي ويجب القضاء، والرابع يجب أن يصلي ولا يجب القضاء وهذا القول اختيار المزني وهو أقوى الأقوال دليلًا، وأما وجوب الصلاة فلقوله صلى الله عليه وسلم "وإذا أمرتكم بأمر فافعلوا منه ما استطعتم" وأما الإعادة فإنما تجب بأمر مجدد والأصل عدمه وكذا يقول المزني: كل صلاة أُمِرَ بفعلها في الوقت على نوع من الخلل لا يجب قضاؤها والله أعلم، وأما قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآتي:"لا تقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ" فمعناه حتى يتطهر بماء أو تراب وإنما اقتصر صلى الله عليه وسلم على الوضوء لكونه الأصل والغالب والله أعلم.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم "ولا صدقة من غلول" فهو بضم الغين والغلول هنا الخيانة مطلقًا والمال الحرام وأصله السرقة من مال الغنيمة قبل القسمة، قال القرطبي: وذِكْر ابن عمر هذا الحديث لابن عامر حين سأله في الدعاء إنما كان على جهة الوعظ والتذكير حتى يخرج من المظالم كلها وكأنه يشير له إلى أن الدعاء مع الاستمرار على المظالم لا ينفع كما لا تنفع صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول، وقوله "وكنت على البصرة" تنبيه على الزمان الذي تعلقت به فيه الحقوق حتى يحاسب نفسه على تلك المدة فيتخلص مما ترتب عليه فيها اهـ.
433 -
(00)(00)(00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حدَّثَنَا حُسَينُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ زَائِدَةَ. قَال أَبو بَكْرِ بن أبي شيبة وَوَكِيعٌ: عَنْ إِسْرَائِيلَ. كُلُّهُمْ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِهِ
ــ
ثم ذكر المؤلف رحمه الله المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:
433 -
(00)(00)(00)(حدثنا محمد بن المثنى) العنزي أبو موسى البصري (و) محمد (بن بشار) بن عثمان العبدي أبو بكر البصري المعروف بِبُنْدَار (قال) أي قال كل منهما (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي أبو عبد الله البصري المعروف بغندر، قال (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم أبو بسطام البصري (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي، قال (حدثنا حسين بن علي) بن الوليد الجعفي مولاهم أبو محمد الكوفي (عن زائدة) بن قدامة الثقفي أبي الصلت الكوفي (قال أبو بكر بن أبي شيبة و) حدثنا (وكيع) بن الجراح بن مليح الرؤاسي أبو سفيان الكوفي أيضًا أي كما حدثنا علي بن حسين (عن إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الهمداني وأبي يوسف الكوفي فلأبي بكر بن أبي شيبة سندان فقوله ووكيع معطوف على علي بن حسين (كلهم) أي كل من شعبة في السند الأول وزائدة في السند الثاني وإسرائيل في السند الثالث رَوَوْا (عن سماك بن حرب) الذهلي أبي المغيرة الكوفي، وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بما عمل في المتابِعِين الثلاثة واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابَع أي عن مصعب بن سعد عن عبد الله بن عمر (عن النبي صلى الله عليه وسلم وقوله (بمثله) متعلق أيضًا بما عمل في المتابعين الثلاثة، والضمير عائد إلى المتابَع المذكور في السند السابق وهو أبو عوانة كما هو القاعدة المطردة عنده أي روى كل من الثلاثة عن سماك بن حرب عن مصعب بن سعد عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل حديث أبي عوانة عن سماك بن حرب، وهذه الأسانيد الثلاثة كلها من سداسياته الأول منها رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان وواحد مكي والثاني منها رجاله خمسة منهم كوفيون وواحد مكي والثالث منها خمسة منهم أيضًا كوفيون وواحد مكي، وغرضه بسوقها بيان متابعة أولئك الثلاثة لأبي عوانة في رواية هذا الحديث عن سماك بن حرب، وفائدتها بيان كثرة طرقه.
434 -
(202)(38)(3) حدَّثنا مُحَمدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ، حَدَّثَنَا مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، أَخِي وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ؛ قَال: هذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ عن مُحَمَّدٍ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْها: وَقَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُقْبَلُ صَلاةُ أَحَدِكُمْ، إِذَا أَحْدَثَ، حَتَّى يَتَوَضأَ"
ــ
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهم فقال:
434 -
(202)(38)(3)(حدثنا محمد بن رافع) القشيري مولاهم أبو عبد الله النيسابوري ثقة عابد من (11) مات سنة (245) روى عنه في (11) بابًا تقريبًا، قال (حدثنا عبد الرزاق بن همام) بن نافع الحميري مولاهم أبو بكر الصنعاني ثقة مصنف من (9) مات سنة (211) روى عنه في (7) أبواب، قال (حدثنا معمر بن راشد) الأزدي مولاهم أبو عروة البصري ثقة ثبت من (7) مات سنة (154) روى عنه في (9) أبواب تقريبًا (عن همام بن منبه) بن كامل بن سِيج اليماني أبي عُقْبَةَ الصنعاني ثقة من الرابعة مات سنة (132) روى عنه في (3) أبواب تقريبًا (أخي وهب بن منبه) بن كامل اليماني أبي عبد الله الصنعاني ويقال الأَبْنَاوي بفتح الهمزة وسكون الموحدة بعدها نون، ويقال الذِّماري نسبة إلى الأبناو أو الذمار قرية من قرى صنعاء على مرحلتين منها، القصَّاص روى عن أخيه همام بن منبه في الزكاة، ويروي عنه عمرو بن دينار ثقة عابد من الثالثة مات سنة بضع عشرة ومائة (113) (قال) همام (هذا) الحديث الذي أذكره لكم (ما حدثنا) به (أبو هريرة عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم صنعانيان وواحد مدني وواحد نيسابوري (فذكر) همام (أحاديث) كثيرة (منها) أي من تلك الأحاديث الكثيرة قال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا كذا (وقال رسول الله على الله عليه وسلم: لا تقبل صلاة أحدكم) أيها المسلمون (إذا أحدث حتى يتوضأ) أو يتيمم، واقتصر على الوضوء لأنه الأصل الغالب كما مر، قال القرطبي: والحدث هنا كناية عما يخرج من السبيلين معتادًا في جنسه ومخرجه عند مالك وجلّ أصحابه، وقال ابن عبد الحكم والشافعي: المعتبر الخارج النجس من المَخْرَجَينِ، وقال أبو حنيفة: المعتبر الخارج النجس وحده فمن أي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
محل خرج نقض وأوجب الوضوء اهـ، وقال الأبي: الحدث يطلق على الخارج المعتاد وعلى نفس الخروج وعلى الوصف الحكمي المقدر قيامُهُ بالأعضاء قيامَ الأوصافِ الحسية، وعلى المنع من العبادة المترتب على كل واحد من المعاني الثلاثة وقد جعل الوضوء في الحديث رافعًا للحدث فلا يُعنى بالحدث الخارج المعتاد ولا نفس الخروج لأن الواقع لا يرتفع فلا يمكن حمله إلا على المعنيين الأخيرين الوصفِ القائم بالأعضاء أو المنعِ المترتب عليه اهـ.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 308] والبخاري [135] وأبو داود [60] والترمذي [76] وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: والمراد بالقبول هنا ما يرادف الصحة وهو الإجزاء، وحقيقة القبول ثمرة وقوع الطاعة مجزئة رافعة لما في الذمة ولما كان الإتيان بشروطها مظنة الإجزاء الذي القبول ثمرته عبر عنه بالقبول مجازًا، وأما القبول المنفي في مثل قوله صلى الله عليه وسلم "من أتى عرافًا لم تقبل له صلاة" فهو الحقيقي لأنه قد يصح العمل ويتخلَّف القبول لمانع ولهذا كان بعض السلف يقول: لأن تقبل لي صلاة واحدة أحب إلي من جميع الدنيا قاله ابن عمر قال: لأن الله تعالى قال "إنما يتقبل الله من المتقين" اهـ.
قوله (إذا أحدث) أي صار ذا حدث قبل الصلاة أو في أثنائها (حتى يتوضأ) أي بالماء أو بما يقوم مقامه، وقد روى النسائي بإسناد قوي عن أبي ذر مرفوعًا "الصعيد الطيب وضوء المسلم" فأطلق الشارع على التيمم أنه وضوء لكونه قام مقامه ولا يخفى أن المراد بقبول صلاة من كان محدثًا فتوضأ أي مع باقي شروط الصلاة كذا في فتح الباري اهـ تحفة الأحوذي.
***