الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
135 - (40)(22) باب الاستنجاء والنهي عن استقبال القبلة واستدبارها ببول أو غائط وعن الاستنجاء بروث أو عظم وعن الاستنجاء باليمين
502 -
(237)(73)(37) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ وَوَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَاللَّفْظُ لَهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو
ــ
135 -
(40)(22) باب الاستنجاء والنهي عن استقبال القبلة واستدبارها ببول أو غائط وعن الاستنجاء بروث أو عظم وعن الاستنجاء باليمين
والاستنجاء استفعال من النجو بمعنى القطع، وهو لغةً: طلب قطع الأذى، وشرعًا: إزالة الخارج النجس الملوث من الفرج عن الفرج بماء أو حجر بشروطه من كونه طاهرًا قالعًا غير محترم كما هو مبسوط في الفروع، وشرع مع الوضوء ليلة الإسراء وقيل في أول البعثة، وهو بالحجر رخصة وهو من خصائص هذه الأمة، وأما بالماء فليس من خصائصنا، وأول من استنجى بالماء إبراهيم الخليل عليه السلام، والحكمة في شرعيته الاستعداد لوطء الحور العين أي طهارة العضو الذي خرج منه البول لوطء الحور العين في الجنة كذا قالوا، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وأخر أحاديثه عن أحاديث الوضوء إشارةً إلى جواز تأخير الاستنجاء عنه بشرط أن يكون هناك حائل يمنع النقض بخلاف التيمم فإنه لا يجوز تأخير الاستنجاء عنه، ومثله وضوء صاحب الضرورة على المعتمد لأن كلًّا منهما طهارة ضعيفة فلا تصح مع قيام المانع. اهـ من البيجوري.
502 -
(237)(73)(37)(حدثنا أبو بكر) عبد الله (بن أبي شيبة) العبسي مولاهم الكوفي، قال (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي مولاهم الكوفي، ثقة من (9)(ووكيع) بن الجراح الرؤاسي أبو سفيان الكوفي، ثقة من (9)(عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي مولاهم أبي محمد الكوفي، ثقة من (5)(ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي مولاهم أبو زكرياء النيسابوري، ثقة من (10) وأتى بجملة قوله (واللفظ) أي لفظ الحديث الآتي (له) أي ليحيى بن يحيى تورعًا من الكذب على أبي بكر بن أبي شيبة، قال يحيى (أخبرنا أبو
مُعَاويةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَن عَبدِ الرَّحمنِ بنِ يَزِيدَ، عَنْ سَلْمَانَ؛ قَال: قِيلَ لَهُ: قَد عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُم صلى الله عليه وسلم كُل شَيء. حَتَّى الْخِرَاءَةَ
ــ
معاوية عن الأعمش عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس النخعي أبي عمران الكوفي الفقيه، يرسل كثيرًا ثقة من (5) مات سنة (96) روى عنه في (11) بابا (عن عبد الرحمن بن يزيد) بن قيس أخي الأسود بن يزيد بن قيس النخعي أبي بكر الكوفي، روى عن سلمان في الوضوء، وعثمان بن عفان في الصلاة، وأبي مسعود في الصلاة، وعلقمة وعبد الله بن مسعود في الصوم والنكاح والحج والأدب والدعاء والرحمة، والأسود بن يزيد في الزهد، ويروي عنه (ع) وإبراهيم بن يزيد النخعي وعمارة بن عمير وكثير بن مدرك وإبراهيم بن سويد ومالك بن الحارث وأبو إسحاق السبيعي وغيرهم، وثقه ابن معين، وقال في التقريب: ثقة من كبار الثالثة مات سنة (83) ثلاث وثمانين في الجماجم، وقال العجلي: كوفي تابعي ثقة، روى عنه في (9) أبواب كما بينا آنفًا (عن سلمان) الخير الفارسي الكوفي أبي عبد الله ابن الإسلام، أصله من حَيٍّ قرية بأصبهان ويقال من أهل رام هرمز سكن الكوفة وأسلم عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وكان قبل إسلامه يقرأ الكتب ويطلب الدين، وكان عبدًا لقوم من بني قريظة فكاتبوه فأدى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابته وعتق، وأول مشاهده بالخندق، له صحبة من النبي صلى الله عليه وسلم له ستون (60) حديثًا، اتفقا على ثلاثة وانفرد (خ) بواحد و (م) بثلاثة، ويروي عنه (ع) وعبد الرحمن بن يزيد في الوضوء، وشرحبيل بن السمط وأبو عثمان النهدي وأنس، وهو من نجباء الصحابة مات في خلافة عثمان بالمدائن، وقيل في خلافة علي بعد الجمل سنة (36) ست وثلاثين، وله (53) ثلاث وخمسون سنة. وهذا السند من سداسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون (قال) عبد الرحمن بن يزيد (قيل له) أي لسلمان الفارسي، وفي النهاية: قال له الكفار، ويأتي رواية قال لنا المشركون، وفي المشكاة: قال بعض المشركين وهو يستهزئ. اهـ. أي قال له بعض المشركين من أهل المدينة استهزاءً للدين وطعنًا فيه وتنقيصًا له ولقلة حيائه (قد علمكم) أيها المؤمنون (نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شيء) مما تحتاجون إليه (حتى) علمكم (الخِرَاءة) أي كيفية إخراج الغائط وهيئته والتنظف منه، والخراءة بكسر الخاء المعجمة وبالمد والهاء اسم لهيئة إخراج الغائط وهي بالكسر والفتح والمد دون هاء الحدث نفسه، ويقال أيضًا
قَال: فَقَال: أَجَلْ. لَقَدْ نَهَانَا أَن نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِغَائِطٍ أَوْ بَوْل
ــ
فيه بالفتح مع سكون الراء وضمها (قال) عبد الرحمن بن يزيد (فقال) سلمان للقائل المشرك (أجل) أي نعم علمنا ما قلت، وكان من حق سلمان أن يهدده أو يسكت عن جوابه لكنه لم يلتفت إلى ما قال ولا إلى ما فعل من الاستهزاء وأخرج الجواب مخرج جواب المسئول المسترشد المجد في جواب ما يسأل عنه تقديرًا للشرع أي ليس هذا مقام استهزاء، نعم إنه علمنا كل شيء نحتاج إليه في ديننا، حتى الخراءة التي ذكرت أيها القائل فإنه علمنا آدابها و (لقد نهانا أن نستقبل القبلة) أي جهتها (لغائط) أي لإخراج غائط (أو) إخراج (بول) قال النواوي: كذا في مسلم (لغائط) باللام وروي في غيره (بغائط) بالباء وروي (للغائط) باللام والتعريف وهما بمعنى فاللام هنا بمعنى الباء، وأصل الغائط المكان المنخفض من الأرض ثم صار عبارة عن الخارج المعروف من دبر الآدمي، قال الأبي: لم يكن عن البول لعدم استقباح لفظه، وكنى عن الآخر بالغائط وهو المنخفض من الأرض، ومنه قيل لموضع الحاجة لأنهم كانوا يقصدونه لقضاء الحاجة للستر، ثم اتُّسِعَ فيه حتى صار يطلق على الحدث نفسه ومن حديث أبي هريرة "لا يقل أحدكم أهريق الماء ولكن أبول". اهـ.
وفي المفهم: قوله (أجل) أي نعم، قال الأخفش: أجل بمعنى نعم إلا أنه أحسن من نعم في الخبر، ونعم أحسن منه في الاستفهام، وهما لتصديق ما قبلهما مطلقًا نفيًا كان أو إثباتًا، فأما بلى فهو جواب بعد النفي عاريًا من حرف الاستفهام أو مقرونًا به، قال الجوهري: بلى إيجاب لما يقال لك لأنها ترد النفي، وربما ناقضتها نعم، فإذا قال: ليس لك عندي وديعة؛ فقولك نعم تصديق له وبلى تكذيب له، وقوله (نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول) دليل لمن ذهب إلى منع الاستقبال والاستدبار مطلقًا أي في الصحراء والبنيان، وهو أحمد وأبو ثور وأبو حنيفة في المشهور عنه، وزاد النخعي وابن سيرين منع استقبال القبلة المتقدمة واستدبارها وكان هؤلاء لم يبلغهم حديث ابن عمر الآتي يعني قوله (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدًا لحاجته مستقبل الشام مستدبر القبلة) أو لم يصلح عندهم للتخصيص لأنه فعل في خلوة، وذهب ربيعة وداود إلى جواز ذلك مطلقًا أي في الصحراء والبنيان متمسكين بحديث ابن عمر وبما رواه الترمذي عن جابر قال (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة ببول فرأيته
أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ،
ــ
قبل أن يموت بعام يستقبلها) رواه أبو داود والترمذي قال: وقال فيه البخاري: هو صحيح، وذهب الشافعي إلى التفريق بين القرى والصحاري تعويلًا على أن حديث ابن عمر مخصص لأحاديث النهي بالصحراء، وأما مذهب مالك فهو أنه إذا كان ساترٌ وكُنُفٌ ملجئة إلى ذلك جاز، وإن كان الساتر وحده فروايتان، وسبب هذا الاختلاف اختلاف هذه الأحاديث وبناء بعضها على بعض، أي تُحْمَل أحاديث النهي على الصحراء وعلى ما إذا لم يكن ساتر، وأحاديث الإباحة على البنيان وعلى ما إذا كان ساتر وبهذا يجمع بينها.
والحاصل أن حديث سلمان فيه النهي عن الاستقبال فقط، وحديث أبي أيوب الآتي فيه النهي عن الاستقبال والاستدبار جميعًا، وحديث ابن عمر الآتي أيضًا، وحديث الترمذي عن جابر قال:(نهانا أن نستقبل أو نستدبر ثم رأيته قبل موته بعام مستقبلها) وحديث الدارقطني عن عائشة رضي الله عنها قالت: (ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أن أناسًا يكرهون أن تُسْتَقبل القبلة لبول أو غائط فأمر بموضع خلائه أن يستقبل به القبلة) فيها جوازهما، فاختلف العلماء في استقبالها واستدبارها لاختلاف هذه الأحاديث، قال القاضي عياض: فمنعهما النخعي وابن سيرين وأحمد وأبو ثور وأبو حنيفة في المشهور عنه لحديث أبي أيوب في البنيان والصحراء، وأجازهما فيهما ربيعة وداود لحديث ابن عمر ورأياه ناسخًا لتأخره مع ما ورد من فعله، وعن أبي حنيفة أيضًا جواز الاستدبار فقط دون الاستقبال لحديث سلمان هذا قصرًا له على ما ورد، وجمع مالك والشافعي بينهما فحملا حديث أبي أيوب على الصحراء وحديث ابن عمر على المدن، قال الأبي: ومن العلماء من وقف لتعارض الأحاديث وليس بينها تعارض، فإن حديث عائشة وجابر متكَلَّمٌ في سندهما، فلم يبق إلا حديث أبي أيوب ويوافقه حديث سلمان وحديث ابن عمر والجمع بينهما بما قال مالك والشافعي ممكن، والتعارض والنسخ إنما يكونان عند عدم إمكان الجمع، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وكلمة أو في قوله (أو نستنجي باليمين) وفيما بعده بمعنى الواو العاطفة لا للشك، أي ونهانا أن نستنجي وأن نستجمر باليمين صونًا لها من القاذورات لشرفها، والاستنجاء إزالة ما بالمحل من الأذى بالماء، والاستجمار أن يزيله عنه بالأحجار، ونهى هنا عن الاستنجاء باليمين ونهى في الحديث الآتي عن مسه بها، قال المازري: فينبغي
أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَل مِنْ ثَلاثةِ أَحْجَارٍ
ــ
للمستجمر أن يمس ذكره بشماله على الحجر ليسلم من الأمرين، قال القاضي: هذا إنما يتأتى في حجر ثابت في الأرض إن أمكنه أن يسترخي ذكره حتى يمسح بها فإن احتاج إلى الاستعانة باليمين أمسك الحجر بها وحرك عليها الذكر بشماله، وهذا كله تنزيه لليمين أن تُستعمل في مستقذر فإن استنجى بها أساء وصح، قال النواوي: وهذا أدب من آداب الاستنجاء، وقد أجمع العلماء على أنه منهي عن الاستنجاء باليمين ثم الجماهير على أنه نهي تنزيه وأدب لا نهي تحريم، وذهب بعض أهل الظاهر إلى أنه حرام وأشار إلى تحريمه جماعة من أصحابنا ولا تعويل على إشارتهم، قال أصحابنا: ويُستحب أن لا يستعين باليد اليمنى في شيء من أمور الاستنجاء إلا لعذر فإذا استنجى بماء صبه باليمين ومسح باليسار وإاذا استنجى بحجر فإن كان في الدُّبر مسح بيساره كان كان في القُبل وأمكنه وضع الحجر على الأرض أو بين قدميه بحيث يتأتَى مسحه أمسك الذكر بيساره ومسحه على الحجر وإن لم يمكنه ذلك واضطر إلى حمل الحجر حمله بيمينه وأمسك الذكر بيساره ومسح بها ولا يُحرك اليمنى لئلا يكون مستنجيًا بها وهذا هو الصواب ثم إن في النهي عن الاستنجاء باليمين تنبيهًا على إكرامها وصيانتها عن الأقذار ونحوها، والله أعلم. اهـ.
(أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار) أي ونهانا أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار أو ثلاث مسحات، قال النواوي: هذا نص صريح في أن استيفاء ثلاث مسحات واجب لا بد منه وهذه المسألة فيها خلاف بين العلماء فمذهبنا أنه لا بد في الاستنجاء بالحجر من إزالة عين النجاسة واستيفاء ثلاث مسحات فلو مسح مرة أو مرتين فزالت عين النجاسة وجب مسحه ثالثة وبهذا قال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور، وقال مالك وداود: الواجب الإنقاء فإن حصل بحجر أجزأه وهو وجه لبعض أصحابنا والمعروف من مذهبنا ما قدمناه، قال أصحابنا: ولو استنجى بحجر له ثلاثة أحرف فمسح بكل حرف مسحة أجزأه لأن المراد المسحات ولكن الأحجار الثلاثة أفضل من حجر له ثلاثة أحرف ولو استنجى في القبل والدبر وجب ست مسحات لكل واحد ثلاث مسحات والأفضل أن يكون بستة أحجار، فإن اقتصر على حجر واحد له ستة أحرف أجزأه وكذلك الخرقة الصفيقة التي إذا مسح بها لا يصل البلل إلى الجانب الآخر يجوز أن يمسح بجانبها، قال أصحابنا: وإذا حصل الإنقاء بثلاثة أحجار فلا زيادة عليها فإن
أَوْ أَن نَستَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَو بِعَظيمٍ
ــ
لم يحصل بثلاثة وجب رابع فإن حصل الإنقاء به لم تجب الزيادة ولكن يستحب الإيتار بخامس فإن لم يحصل بالأربعة وجب خامس فإن حصل به فلا زيادة وهكذا فيما زاد متى حصل الإنقاء بوتر فلا زيادة وإلا وجب الإنقاء بشفع واستحب الإيتار.
وأما نصه صلى الله عليه وسلم على الأحجار فقد تعلق به بعض أهل الظاهر، وقالوا: الحجر متعين لا يُجزئ غيره، وذهب العلماء كافة من الطوائف كلها إلى أن الحجر ليس متعينًا بل تقوم الخرق والخشب وغير ذلك مقامه وأن المعتبر فيه كونه مزيلًا وهذا يحصل بغير الحجر وإنما قال صلى الله عليه وسلم: ثلاثة أحجار لكونها الغالب المتيسر فلا مفهوم له كما في قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ} ونظائره ويدل على عدم تعين الحجر نهيه صلى الله عليه وسلم عن العظام والبعر والرجيع ولو كان الحجر متعينًا لنهى عما سواه مطلقًا، قال أصحابنا: ويقوم مقام الحجر كل جامد طاهر مزيل للعين ليس له حرمة ولا هو جزء من حيوان، قالوا: ولا يُشترط اتحاد جنسه فيجوز في القبل وفي الدبر خرق ويجوز في أحدهما حجر مع خرقتين أو مع خرقة وخشبة ونحو ذلك، والله سبحانه وتعالى أعلم.
(أو أن نستنجي) أي ونهانا أن نستنجي (برجيع) بوزن أمير أي بروث وعذرة إنسان، قال في المصباح: والرجيع الروث والعذرة فعيل بمعنى فاعل لأنه رجع عن حاله الأولى بعد أن كان طعامًا أو علفًا وأرميته فَلْتِي، والروث هو رجيع ذوات الحوافر، وأما عذرة الإنسان فهي داخلة تحت قوله صلى الله عليه وسلم "إنها ركس"(أو بعظم) فيه النهي عن الاستنجاء بذلك، ونبه صلى الله عليه وسلم بالرجيع على جنس النجس فإن الرجيع هو الروث، وأما العظم فلكونه طعامًا للجن فنبه على جميع المطعومات وتلتحق به المحترمات كأجزاء الحيوان وأوراق كتب العلم وغير ذلك، ولا فرق في النجس بين المائع والجامد، فإن استنجى بنجس لم يصح استنجاؤه ووجب عليه بعد ذلك الاستنجاء بالماء ولا يجزئه الحجر لأن الموضع صار نجسًا بنجاسة أجنبية، ولو استنجى بمطعوم أو غيره من المحترمات الطاهرات، فالأصح أنه لا يصح استنجاؤه ولكن يجزئه الحجر بعد ذلك إن لم يكن نقل النجاسة عن موضعها، وقيل إن استنجاءه الأول يجزئه مع المعصية، والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ نواوي.
وعبارة المفهم هنا: وقوله (برجيع أو بعظم) الرجيع العذرة والأرواث ولا يستنجي
503 -
(00)(00)(00) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ وَمَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَلْمَانَ؛
ــ
بها لنجاستها ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن مسعود حين أتاه بالحجرين. والروثة "إنها رجس" رواه البخاري، وقد جاء أيضًا من حديثه في سنن أبي داود ما يدل على أنه إنما نهى عن الاستنجاء بها وبالعظم لكونهما زادًا للجن، قال:"قدم وفد الجن على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد إِنْهَ أمتَكَ أن يستنجوا بعظم أو روثة أو حممة فإن الله جاعل لنا فيها رزقًا" رواه أبو داود، وكذلك جاء في البخاري من حديث أبي هريرة قال:"فقلت: ما بال العظم والروثة، قال: هما من طعام الجن، وإنه أتاني وفد جن نَصِيبِينَ ونِعْمَ الجن فسألوني فدعوت الله أن لا يمروا بعظم ولا روثة إلا وجدوا عليها طعامًا" وفي بعض الحديث وأما الروث فعلف دوابهم، رواه أحمد ومسلم والترمذي من حديث ابن مسعود.
ويؤخذ من هذا الحديث احترام أطعمة بني آدم وتنزيهها عن استعمالها في أمثال هذه القاذورات ووجه هذا الأخذ أنه إذا منع من الاستنجاء بالعظم والروث لأنها زاد الجن وطعامهم فأخرى وأولى زاد الإنس وطعامهم، اهـ.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود 71، ، والترمذي 161، ، والنسائي [1/ 38 - 39]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سلمان رضي الله عنه فقال:
503 -
(00)(00)(00)(حدثنا محمد بن المثنى) بن عبيد العنزي البصري قال (حدثنا عبد الرحمن) بن مهدي بن حسان الأزدي البصري ثقة من (9)(حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي ثقة من (7)(عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة من (5)(ومنصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي أبي عتاب الكوفي ثقة من (5) كلاهما (عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي الفقيه (عن عبد الرحمن بن يزيد) بن قيس النخعي الكوفي (عن سلمان) ابن الإسلام الفارسي الكوفي. وهذا السند من سباعياته رجاله خمسة منهم كوفيون واثنان بصريان، وغرضه بسوقه بيان متابعة سفيان الثوري لأبي معاوية في رواية هذا الحديث عن الأعمش، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن
قَال: قَال لَنَا الْمُشْرِكُونَ: إِني أَرَى صَاحِبَكُمْ يُعَلِّمُكُمْ. حَتَّى يُعَلِّمَكُمُ الْخِرَاءَةَ. فَقَال: أَجَلْ. إِنهُ نَهَانَا أَنْ يَسْتَنْجِيَ أَحَدُنَا بِيَمِينِهِ. أَوْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ. وَنَهَى عَنِ الرَّوْثِ وَالْعِظَامِ. وَقَال: "لا يَسْتَنْجِي أَحَدُكُمْ بِدُونِ ثَلاثَةِ أَحْجَارٍ".
504 -
(238)(74)(38) حدثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا زَكَرِياءُ بْنُ إِسْحَاقَ
ــ
الحديث لما بين الروايتين من المخالفة في سياق الحديث (قال) سلمان الفارسي (قال لنا) معاشر المسلمين (المشركون) أي بعض مشركي المدينة طعنًا في دين الإسلام وتنقيصًا له (إني أرى) وأظن (صاحبكم) أي نبيكم محمدًا صلى الله عليه وسلم (يعلمكم) جميع ما تحتاجون إليه من أموركم الدينية والدنيوية (حتى يعلمكم الخراءة) أي هيئة إخراج الحدث وكيفيتها (فقال) سلمان (أجل) أي نعم يعلمنا جميع ما نحتاج (إنه) أي إن صاحبنا (نهانا) أي زجرنا عن (أن يستنجي أحدنا بيمينه أو يستقبل القبلة) ببول وغائط (ونهى عن) الاستنجاء بـ (الروث والعظام)(وقال) صاحبنا أيضًا و (لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار) أي بأقل من ثلاث مسحات، وفي رواية لأحمد "ولا نكتفي بدون ثلاثة أحجار" قال الخطابي: فيه بيان أن الاستنجاء بالأحجار أحد الطهرين وأنه إذا لم يستعمل الماء لم يكن بد من الحجارة أو ما يقوم مقامها وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس والشافعي وأحمد بن حنبل، وفيه بيان أن الاقتصار على أقل من ثلاثة لا يجوز وإن وقع الإنقاء بما دونها ولو كان المراد به الإنقاء حَسْبُ لم يكن لاشتراط عدد الثلاث معنى إذ كان معلومًا أن الإنقاء يقع بالمسحة الواحدة وبالمسحتين فلما اشترط العدد لفظًا وعلم الإنقاء فيه معنى دل على إيجاب الأمرين. انتهى مختصرًا. قال المظهري: الاستنجاء بثلاثة أحجار واجب عند الشافعي رحمه الله تعالى وإن حصل الإنقاء بأقل، وعند أبي حنيفة الإنقاء متعين، لا العدد ولكل منهما حجة كما هو مذكور في المطولات. اهـ. تحفة الأحوذي.
ثم استشهد المؤلف لحديث سلمان بحديث جابر رضي الله عنهما فقال:
504 -
(238)(74)(38)(حدثنا زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حدثنا روح بن عبادة) بن العلاء بن حسان القيسي أبو محمد البصري ثقة من التاسعة مات سنة (207) روى عنه في (14) بابا، قال (حدثنا زكرياء بن إسحاق) المكي ثقة رمي
حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُتَمَسَّحَ بِعَظْمٍ أَوْ بِبَعَرٍ
ــ
بالقَدَر من (6) روى عنه في (6) أبواب، قال (حدثنا أبو الزبير) محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي مولاهم المكي ثقة مدلس من (4) مات سنة (126) روى عنه في (9) أبواب (أنه) أي أن أبا الزبير (سمع جابرًا) ابن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري السلمي أبا عبد الله المدني الصحابي المشهور مات بالمدينة سنة (78) ثمان وسبعين وله (94) سنة. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان وواحد مدني وواحد بصري وواحد نسائي، حالة كون جابر بن عبد الله (يقول نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُتَمَسَّح) بضم أوله على صيغة المجهول أي أن يستجمر، وفي رواية أبي داود نتمسح بالنون بدل الياء على صيغة المعلوم أي نستنجي (بعظم) لأنه طعام الجن (أو ببعر) أي بروث بعير لأنه علف دوابهم، قال المازري: عُلِّلَ منع العظم بأنه زاد الجن، والرجيع وهو الروث بأنه علف دوابهم وقيل لأن العظم لا ينقي، والرجيع يزيد المحل نجاسةً، قال القاضي عياض: وقيل لأن العظم طعام إذ يؤكل في الشدائد ويمشمش الرِّخْوَ منه وقيل لأنه لا يخلو عن بقية دسم، والرجع يزيد المحل نجاسةً، وعلل منع الحَمَمَة وهي الفحم بأنها أيضًا من طعام الجن ولأنه لا صلابة لأكثره بل يتفتَّتُ عند الاستنجاء به والضغط ولا يقطع الخارج كالتراب ويسَوِّدُ المحل ويلوثه، وفي هذه الأحاديث أن الجن تأكل، قال ابن العربي: وأجمع عليه المسلمون وأنهم يشربون وينكحون، قال: ولم تأكل الملائكة عليهم السلام لعادةٍ أجراها الله تعالى فيهم لا لطبيعة خلقها فيهم، فعدم الاستنجاء بذلك على هذا إنما هو لحق الغير. اهـ. ورواية أبي داود مع البذل (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتمسح) أي نستنجي (بعظم) فإنه صلى الله عليه وسلم قال فيه: زاد إخوانكم الجن، وتلتحق به المحترمات كلها كأجزاء الحيوان وأوراق كتب العلم وغير ذلك (أو بعر) فالنهي عن الاستنجاء به لنجاسته ويلتحق به كل ما كان نجسًا، ولكن إذا استنجى بالنجس يجوز ذلك مع الكراهة عندنا يعني الأحناف، وأما عند الشافعية والحنابلة فلم يصح استنجاؤه ووجب عليه بعد ذلك الاستنجاء بالماء، ولا يجزئه الحجر لأن الموضع صار نجسًا بنجاسة أجنبية، وكذلك إذا استنجى بمطعوم يجوز عندنا ولكن يكره، وعند الشافعية الأصح أنه لا يصح استنجاؤه
505 -
(239)(75)(39) وحدّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ نُمَيرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَاللَّفْظُ لَهُ، قَال: قُلْتُ لِسُفْيَانَ بْنِ عُيَينَةَ: سَمعْتَ الزُّهْرِيَّ يَذْكُرُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيثِي، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ؛ أَن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: "إِذَا أَتَيتُمُ الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلا تَسْتَدْبِرُوهَا، بِبَوْلٍ وَلا بغَائِطٍ
ــ
ولكن يجزئه الحجر بعد ذلك إن لم تنتقل النجاسة عن موضعها. اهـ.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود رواه في الطهارة عن أحمد بن حنبل عن روح بن عبادة بهذا السند، والله أعلم اهـ تحفة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث سلمان الفارسي بحديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنهما فقال:
505 -
(239)(75)(39)(وحدثنا زهير بن حرب) أبو خيثمة النسائي (و) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (قالا: حدثنا سفيان بن عيينة) الهلالي الكوفي من (8)(ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي أبو زكرياء النيسابوري ثقة ثبت من (10) وأتى بقوله (واللفظ) أي لفظ الحديث الآتي (له) أي ليحيى تورعًا من الكذب على زهير وابن نمير لأنهما إنما رويا المعنى (قال) يحيى (قلت لسفيان بن عيينة) هل (سمعت) يا سفيان بفتح التاء للمخاطب، أي هل سمعت محمد بن مسلم (الزهري) المدني بتقدير همزة الاستفهام التقريري، فقال سفيان في جواب استفهام يحيى: نعم؛ سمعت الزهري، كما سيأتي التصريح به في الكتاب (يذكر) أي يحدث (عن عطاء بن يزيد الليثي) الجندعي المدني ثقة من الثالثة (عن أبي أيوب) الأنصاري النَجَّاري خالد بن زيد بن كليب المدني الصحابي المشهور من كبار الصحابة له (150) حديثًا مات غازيًا بالروم سنة (50) وقيل بعدها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان أو كوفي ونسائي أو كوفي ونيسابوري (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أتيتم الغائط) أراد به المعنى الحقيقي وهو المطمئن من الأرض، ومنه قيل لموضع قضاء الحاجة لأن العادة أن يُقضى في المنخفض من الأرض لأنه أستر له، ثم اتسع حتى أطلق على النجو نفسه أي الخارج تسمية للحال باسم محله (فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها) أي جهة الكعبة المشرفة احترامًا لها (ببول ولا بغائط) أراد بالغائط هنا المعنى المجازي وهو الخارج المعروف وهو النجو
وَلَكنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا".
قَال أبُو أَيوبَ: فَقَدِمْنَا الشَّامَ. فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ قَدْ بُنِيَتْ قِبَلَ
ــ
والتقدير عند إخراج غائط أو بول، قال ابن رسلان: ظاهره اختصاص النهي بخروج النجس ففي معناه دم الفصد والحجامة والحيض والقيء وغيرها، أو المعنى النهي عن كشف العورة ففي حكمه الوطء والاستحداد وغير ذلك، وقال أيضًا بعد ذلك: ويجوز عندنا معاشر الشافعية الاستقبال والاستدبار حالة الجماع في البنيان والصحراء بلا كراهة وبه قال أبو حنيفة وأحمد واختلف فيه عن مالك. اهـ. وقوله (بغائط) الخ الباء متعلقة بمحذوف حال من ضمير تستقبلوا أي لا تستقبلوا القبلة حال كونكم مقترنين بغائط أو بول.
وقد أخرج هذا الحديث الشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجه بألفاظ مختلفة، ولكن الألفاظ التي في رواية أبي داود ومسلم متقاربة (ولكن شرقوا أو غربوا) أي توجهوا إلى جهة المشرق أو المغرب لئلا يقع استقبالكم واستدباركم إلى القبلة، وهذا خطاب مختص لأهل المدينة ومَن في حكمهم من الساكنين في جهة الشمال والجنوب من الكعبة فأما من كانت قبلته إلى جهة الغرب أو الشرق فإنه ينحرف إلى الجنوب أو الشمال.
وعبارة المفهم هنا: (قوله ولكن شرقوا أو غربوا) هذا الحديث قيل لأهل المدينة ومن وراءها من أهل الشام والمغرب لأنهم إذا شَرَّقُوا أو غربوا لم يستقبلوا القبلة ولم يستدبروها، فأما من كانت الكعبة في شرق بلاده أو غربها فلا يُشَرِّق ولا يغرب إكرامًا للقبلة، واختلف أصحابنا في تعليل هذا الحكم فقيل إنه معلل بحرمة القبلة وقيل بحرمة المصلين من الملائكة، والصحيح الأول بدليل ما رواه الدارقطني مرسلًا عن طاووس مرفوعًا "إذا أتى أحدكم البراز فليكرم قبلة الله فلا يستقبلها ولا يستدبرها" رواه الدارقطني في سننه [1/ 57].
(قال أبو أيوب) بالسند السابق (فقَدِمْنا) معاشر الصحابة (الشام) أي غزاةَ ففتحناها (فوجدنا) فيها (مراحيض) بفتح الميم والحاء المهملة والضاد المعجمة على زنة مصابيح، جمع مرحاض على زنة محراب، وهو مفعال من رحض إذا غسل يقال رحضت الثوب إذا غسلته فهو رحيض أي غسيل، ثم استعير للمُسْتَراح لأنه موضع غسل النجو، قال النواوي: وهو البيت المتخذ لقضاء حاجة الإنسان أي التغوط (قد بُنِيَتْ) موجهة (قِبَلَ
الْقِبْلَةِ. فَنَنْحَرِفُ عَنْهَا وَنَسْتَغْفِرُ اللهَ؟ قَال: نَعَمْ.
506 -
(240)(76)(40) وحدّثنا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ خِرَاشٍ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ
ــ
القبلة) أي جهتها، والظاهر أن قدوم أبي أيوب رضي الله عنه الشام كان عند فتح الشام، وكانت المراحيض التي بنيت فيها من بناء الكفار النصارى الذين يسكنون فيها قبل فتح المسلمين، فبنوها متوجهةً جهة الكعبة، وبعيد غاية البعد أن يكون بناؤها من المسلمين مستقبلة القبلة، قال أبو أيوب (فـ) كنا (ننحرف) أي نعدل (عنها) أي عن القبلة يمنةً أو يسرةً أي نحرص على اجتنابها بالميل عنها بحسب قدرتنا (ونستغفر الله) تعالى يعني كنا مستقبلي القبلة نسيانًا على وفق بناء المراحيض، ثم ننتبه على تلك الهيئة المكروهة فننحرف عنها ونستغفر الله تعالى عنها.
فإن (قلت) الساهي لا يأثم فكيف يستغفرون (قلت) أهل الورع والمناصب العلية يستغفرون عن مثل هذا وجَعْلُ الاستغفار لباني الكُنُفِ في غاية البعد.
قال القرطبي: وقول أبي أيوب (فننحرف عنها ونستغفر الله) دليل على أنه لم يبلغه حديث ابن عمر أو لم يره مخصصًا وحمل ما رواه على العموم حتى في المراحيض اهـ (قال) سفيان (نعم) سمعت الزهري يذكر هذا الحديث عن عطاء، هو جواب لقوله أولًا قلتُ لسفيان بن عيينة سمعت الزهري.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 421] والبخاري [394]، وأبو داود [9]، والترمذي [8]، والنسائي [8/ 21 - 22] كما أشرنا إليه آنفًا.
ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث سلمان بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال:
506 -
(240)(76)(40)(وحدثنا أحمد بن الحسن بن خِرَاش) بكسر المعجمة وفتح الراء، الخراساني البغدادي أبو جعفر صدوق من (11) مات سنة (242) قال (حدثنا عمر بن عبد الوهاب) بن رياح بكسر الراء المهملة ثم بالمثناة التحتانية بن عبيدة بفتح أوله الرياحي أبو حفص البصري، روى عن يزيد بن زريع في الوضوء، وجويرية بن أسماء وإبراهيم بن سعد، ويروي عنه (م س) وأحمد بن الحسن بن خراش وعباس بن محمد وعباس بن عبد العظيم له في (م) فرد حديث، وقال أبو حاتم: ثقة مأمون، وقال
حَدَّثَنَا يَزِيدُ، يَعنِي ابْنَ زُرَيعٍ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، عَنْ سُهَيلٍ، عَنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ قَال:"إِذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ عَلَى حَاجَتِهِ، فَلَا يَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ وَلا يَسْتَدْبِرْها"
ــ
في التقريب: ثقة من العاشرة مات سنة (221) إحدى وعشرين ومائتين، قال (حدثنا يزيد) بن زريع مصغرًا التميمي أبو معاوية البصري ثقة ثبت من (8) مات سنة (182) روى عنه في (12) بابا، وأتى بالعناية في قوله (يعني ابن زريع) لما مرّ مرارًا، قال (حدثنا روح) بن القاسم التميمي العنبري أبو غياث بكسر المعجمة البصري ثقة من (6) مات سنة (141) روى عنه في (11) بابا (عن سهيل) بن أبي صالح السمان أبي يزيد المدني صدوق من (6) مات في خلافة المنصور، روى عنه في (13) بابا (عن القعقاع) بن حكيم الكناني المدني ثقة من الرابعة، روى عنه في (5) أبواب (عن أبي صالح) ذكوان السمان المدني ثقة ثبت من الثالثة مات سنة (101) روى عنه في (8) أبواب (عن أبي هريرة) المدني. وهذا السند من ثمانياته، رجاله أربعة منهم مدنيون وثلاثة بصريون وواحد بغدادي (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا جلس أحدكم) أي أراد أن يجلس (على) موضع قضاء (حاجته) بولًا كانت أو غائطًا (فلا يستقبل) بحاجته بكسر اللام على الجزم لأنه نهي (القبلة) أي جهتها (ولا يستدبرها) احترامًا وإكرامًا لها، والحاجة لفظ خصصه العرف بالحدث الخارج، قال القاضي عياض: ففيه التجافي عن ذكر ما يقبح سماعه والكناية عنه وهو أدب الشرع وهو أيضًا عادة العرب في صونها ألسنتها عما تصان عنه الأسماع عكس ما قال المشركون "علمهم كل شيء حتى الخراءة"، قال العيني: احتج أبو حنيفة رحمه الله تعالى بهذا الحديث على عدم جواز استقبال القبلة واستدبارها بالبول والغائط سواء كان في الصحراء أو في البنيان أخذًا في ذلك بعموم الحديث انتهى، وأجاب عنه ابن رسلان بثلاثة أجوبة: أحسنها أن الغائط حقيقة في المكان الواسع، والثاني أن حقيقة الاستقبال يكون في الصحراء، والرواية الثانية عن الإمام الأعظم رحمه الله تعالى أن الاستدبار غير منهي عنه لحديث ابن عمر الآتي قريبًا "قال: لقد ارتقيت على ظهر بيتٍ لنا .. " الحديث قال الحلبي: والصحيح الأول لأنه إذا تعارض قوله صلى الله عليه وسلم وفعله رُجِّحَ القول لأن الفعل يحتمل الخصوص والعذر وغير ذلك، وكذلك إذا تعارض المحرم والمبيح رجح المحرم، انتهى، من بذل المجهود.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
واعترض الدارقطني على مسلم بأن هذا الحديث غير محفوظ عن سهيل، وليس لسهيل في هذا الإسناد ذكر، فقد رواه أمية بن بسطام عن يزيد بن زريع على الصواب عن روح عن ابن عجلان عن القعقاع عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قلتُ: مثل هذا لا يقدح فإنه محمول على أن سهيلًا وابن عجلان سمعاه جميعًا عن القعقاع واشتهرت روايته عن ابن عجلان وقَلَّتْ عن سهيل ولم يذكره أبو داود والنسائي وابن ماجه إلا من جهة ابن عجلان، اهـ نواوي بتصرف، وانفرد الإمام مسلم برواية هذا الحديث بهذا اللفظ وبهذا السند عن غيره من أصحاب الأمهات وغيرهم كما علمتَ.
وجملة ما ذكره من الأحاديث في هذا الباب أربعة: الأول حديث سلمان الفارسي ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث جابر ذكره للاستشهاد، والثالث حديث أبي أيوب ذكره للاستشهاد أيضًا، والرابع حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد أيضًا.
* * *