الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ كَمِ الْخَبَرِيَّةِ:
وَاجْرُرْ بِكَمْ مَا كُنْتَ عَنْهُ مُخْبِِراً
…
مُعَظِّمًا لِقَدْرِهِ مُكَثِّرَا1
تَقُولُ: كَمْ مَالٍ أَفَادَتْهُ يَدِي
…
وَكَمْ إِمَاءٍ مَلَكَتْ وَأَعْبُدِ
(كَمْ) : اسم موضوع لعدد مُبْهَمٍ جِنْسًا ومِقْدارًا؛ ولها موضعان2: الخبر [41/أ] ، والاستفهام.
فالخبرُ يقترن بالتّكثير3؛ والعددُ مجرورٌ بها، ولزمت صدر الكلام لأَنَّها في الخبر بمنزلة (رُبَّ) ؛ لأنَّ الشّيءَ يحمل على نقيضه4 فلم يتقدّم عليها شيءٌ سِوى حرف الجرِّ؛ لأنَّ الجارّ والمجرور كالشّيء الواحد. ويحكم على موضعها بالرّفع تارةً، وبالنّصب أُخرى، وبالجرّ تارةً على ما يقتضيه العامل.
وهي تشبه الاستفهاميّة من وُجوهٍ، وتخالِفها من وُجوهٍ5؛ وتوجيه المشابهة:
1 في متن الملحة 17: مُكَبِّرَا.
2 في أ: موضوعان، وهو تحريف.
3 في أ: بالتّنكير، وهو تحريف.
4 قيل: لأنّها إنْ كانت استفهاميّة فالاستفهام له صدرُ الكلام؛ وإنْ كانت خبريّة فهي نقيضة (رُبّ)، و (رُبّ) معناها: التّقليل، والتّقليل مضارِعٌ للنّفي، والنّفي له صدرُ الكلام كالاستفهام.
يُنظر: أسرار العربيّة 214، وشرح الرّضيّ 2/97، والصّبّان 4/83.
5 يُنظر: التّصريح 2/279، والأشمونيّ 4/83.
أنّهما يشتركان في لفظ الكميَّةِ1، ويلزمان صدر الكلام، وأنّهما يشتركان في البِناء لتَضمُّنِهمَا معنى الحرف، وأنّهما يشتركان في احتياجهما إلى مُفَسِّرٍ لأجل ابهامهما، ويشتركان في جواز الحمل على اللّفظ، وتارةً على المعنى في الإفراد والجمع والتّذكير والتّأنيث2.
ووجوه المخالَفة:
مِنْهَا: أنَّ الاستفهاميّة بمنزلة عَدَدٍ مُنوَّنٍ، نحو:(عشرين دِرْهمًا)، والخبريّة بمنزلة عَدَدٍ مُضافٍ؛ ويدلّ على ذلك: انتصاب مميّز الاستفهاميَّة، [وانجرار مميّز الخبريّة. ومنها: أنّ مميّز الاستفهاميّة] 3 فردٌ منصوبٌ4، ومميّز الخبريّة
1 لأنّهما كنايتان عن عدد مجهول الجنس والمقدار. التّصريح 2/279.
2 يُنظر: شرح المفصّل 4/132، وشرح ألفيّة ابن معطٍ 2/1123.
3 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
4 أمّا الإفراد فلازمٌ عند البصريّين، وأجاز الكوفيّون كونه جمعًا مطلَقًا، وفصّل بعضهم فقال: إنْ كان السّؤال عن الجماعات - نحو (كم غلامانًا لك) إذا أردتّ أصنافًا من الغلمان - جاز، وإلَاّ فَلا، وهو مذهب الأخفش.
وأمّا نصبه ففيه ثلاثة مذاهب:
أحدها: أنّه لازمٌ ولا يجوز جرّه مطلَقًا؛ وهو مذهب بعض النّحويّين.
والثّاني: أنّه ليس بلازم بل يجوز جرّه مطلَقًا حملاً على الخبريّة، وإليه ذهب الفرّاء، والزّجّاج، والفارسيّ.
والثّالث: أنّه يجوز جرّه بـ (مِنْ) مضمَرةً جوازًا إنْ جرّت (كم) بحرف، نحو:(بكم درهم اشتريت ثوبك؟) ؛ هذا هو المشهور، ولم يذكر سيبويه جرّه إلاّ إذ دخل على (كم) حرفُ جرٍّ ليكون حرف الجرّ الدّاخل على (كم) عوضًا من اللّفظ بـ (من) المضمَرة؛ وهو مذهب الخليل، وسيبويه، وجماعة؛ وذهب الزّجّاج إلى أنّ جرّ التّمييز إنّما هو بإضافة (كم) إليه.
تُنظر هذه المسألة في: الكتاب 2/159، 160، والمقتضب 3/56، وشرح الرّضيّ 2/96، والتّصريح 2/279، والهمع 4/78، 79، والأشمونيّ 4/79، 80.
جمع مجرور1.
ومنها: [41/ب] أنَّ الاستفهاميّة تقتضي جوابًا؛ وجوابها: إعرابه يكون بحسب موضعها؛ فإذا قُلْتَ:
(كم مالك؟) فجوابه: (عشرون) ؛ والخبريّة لا تقتضي جوابًا؛ لأنّ المتكلِّم بها يُخْبِرُ عن نفسه.
ويجوز أن يأتي الاسم بعد الخبريّة مُفْرَدًا وجمعًا2، كقولك:(كم عَبْدٍ ملكت) و (كم عبيدٍ) .
فإن فَصَل بينها3 وبين ما عملت فيه فاصلٌ انتصب على التّمييز4،
1 تمييز (كم الخبريّة) مجرورٌ، ويكون مفرَدًا، وجمعًا، والجرُّ هُنا بإضافة (كم) على الصّحيح إذْ لا مانع منها؛ وقال الفرّاء:"إنّه بمن مقدّرة"، ونُقل عن الكوفيّين.
ينظر: الهمع 4/80، 81، والأشمونيّ 4/81.
2 الإفراد أكثر من الجمع وليس الجمع بشاذ - كما زعم بعضهم -.
تنظر هذه المسألة في شرح الرّضيّ 2/96، 97، والتصريح 2/279، 280، والهمع 4/ 80، والأشماوني 4/ 80، 81.
3 في أ: ما بينها، بإقحام الميم.
4 يفصل - في السّعة - بين (كم) الاستفهاميّة، ومميّزها بالظّرف، وشبهه، نحو:(كم عندك غلامًا؟) و (كم لك جارية؟) . ولا يفصل بين (كم) الخبريّة ومميّزها إلاّ في الضّرورة؛ فيجوز لأجلها الفصل بينهما بالظّرف، وشبهه، وبالجملة.
ثم اختلف العلماء: فذهب الكوفيّون إلى أنّه إذا فصل بين (كم) في الخبر وبين الاسم بالظّرف وحرف الجرّ كان مخفوضًا، نحو (كم عندك رجل) و (كم في الدّار غلام) . وذهب البصريّون إلى أنّه لا يجوز فيه الجرّ، ويجب أن يكون منصوبًا.
تُنظر هذه المسألة في: الكتاب 2/164، والمقتضب 3/60، والأصول 1/319، والإنصاف، المسألة الحادية والأربعون، 1/303، والتّبيين، المسألة الرّابعة والسّبعون، 429، وشرح المفصّل 4/131، وشرح الرّضيّ 2/97، وابن النّاظم 742، والهمع 4/82، والأشموني ّ4/81، 82.
كقول الشّاعر:
كَمْ نَالَنِي مِنْهُمُ فَضْلاً عَلَى عَدَمٍ
…
إِذْ لَا أَكَادُ مِنَ الإِقْتَارِ أَحْتَمِلُ1
فتقول من ذلك: (كم لي عَبْدًا) .
1 هذا بيتٌ من البسيط، وهو لِلْقُطَامِيّ.
و (العدم) : فقْدُ المال وقلّته. و (الإقتار) : الافتقار.
والمعنى: الشّاعر يمدح هؤلاء القوم بأنّهم أنعموا عليه وأفضلو عند فقره وعدمه - لشدّة الزّمان وشمول الجدب -؛ وحين بلغ به الجهد وسوء الحال إلى أنّه لا يستطيع الاحتمال - أي: الارتحال - لطلب الرّزق ضعفًا وفقرًا.
ويروى (أجتمل) - بالجيم - أي: أجمع العظام لأخرج وَدَكها وأتعلّل به، و (الجميل) : الوَدَك.
والشّاهد فيه: (فضلاً) حيث نصب (فضلاً) على التّمييز مع الفصْل بينه وبين (كم) الخبريّة بفاصل.
يُنظر هذا البيتُ في الكتاب 2/165، والمقتضب 3/60، وتحصيل عين الذّهب 301، والإنصاف 1/305، والتّبيين 430، وشرح المفصّل 4/131، وشرح عمدة الحافظ 535، وابن النّاظم 744، والمقاصد النّحويّة 3/298، والخزانة 6/477، والدّيوان 30.