الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ أَفْعَالِ القُلُوبِ:
لَكِنَّ فِعْلَ الشَّكِّ وَالْيَقِينِ
…
يَنْصِبُ مَفْعُولَيْنِ فِي التَّلْقِينِ
تَقُولُ: قَدْ خِلْتُ الْهِلَالَ لَائِحَا
…
وَقَدْ وَجَدْتُ المُسْتَشَارَ نَاصِحَا
وَمَا أَظُنُّ عَامِرًا رَفِيقَا
…
وَلَا أَرَى لِي خَالِدًا صَدِيقَا
وَهَكَذَا تَفْعَلُ1 فِي عَلِمْتُ
…
وَفِي حَسِبْتُ ثُمَّ فِي زَعَمْتُ
هذه أفعال القلوب2؛ وهي تدخل على المبتدأ والخبر فتَنْصِبُهُمَا جميعًا؛ وهي: (ظَنَنْتُ) و (رَأَيْتُ) و (وَجَدْتُ) و (عَلِمْتُ) و (حَسِبْتُ) و (خِلْتُ) و (زَعَمْتُ) .
فـ (خال) 3 لا بمعنى تكبَّر، كقولك:(خِلْتُ زيْدًا صديقًا) .
1 في ب: تصنع.
2 أفعال القلوب تنقسم إلى أربعة أقسام:
أحدها: ما يُفيد في الخبر يقينًا؛ وهو أربعة: وَجَد، وألْفَى، وتَعَلَّمْ - بمعنى أعلم - ودرى.
والثّاني: ما يُفيد في الخبر رجحانًا؛ وهو خمسة: جَعَلَ، وحَجَا، وَعَدَّ، وهَبْ، وزَعَمَ.
والثّالث: ما يرد بالوجهين، والغالب كونه لليقين؛ وهو اثنان: رأى، وعلم.
والرّابع: ما يرد بهما، والغالب كونه للرّجحان؛ وهو ثلاثة: ظنَّ، وحَسِبَ، وخَال. يُنظر: أوضح المسالك 1/294، 297، 304، وشرح التّسهيل2/77، وابن النّاظم 195، والتّصريح 1/247، والأشمونيّ 2/24.
(خال) إنْ كانت بمعنى تكبّر، أو ظَلَعَ في قولهم: خال الفرس؛ أي: ظلع، فهي لازمة.
يُنظر: شرح التّسهيل 2/81، وابن النّاظم 197، والأشمونيّ 2/20.
و (ظنّ) لا بمعنى اتّهم1، نحو (ظننت عمرًا صادقًا) .
و (حَسِبَ) 2 لا من صار أَحْسَبَ، أي: ذا شُقْرةٍ، أو حُمْرَةٍ وبياضٍ كالبَرص3، بل كقول الشّاعر:
وَكُنَّا حَسِبْنَا كُلَّ بَيْضَاءَ شَحْمَةً
…
عَشِيَّةَ لَاقَيْنَا جُذَامَ وَحِمْيَرَا4
[50/ب]
1 إنْ أُريد بظنّ معنى اتّهم تعدَّت إلى واحد، نحو قوله تعالى:{وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} [التّكوير: 24] .
يُنظر: شرح التّسهيل 2/81، وابن النّاظم 197.
2 في كلتا النسختين: حَسِبْتُ، والتصويب من ابن الناظم 197.
(حسبت) إنْ كانت بهذا المعنى الّذي ذكره الشّارح فهي لازِمة، يقال: حَسِبَ الرجل إذا احمرّ لونه، وابيضّ كالبرص، وكذا إذا كان ذا شقرة.
يُنظر: شرح التّسهيل2/81، وابن النّاظم 197، والمساعد 2/360، والأشمونيّ 2/21.
4 هذا بيتٌ من الطّويل، وهو لزُفَرِ بن الحارث الكلابيّ.
و (كنّا حسبنا كلّ بيضاء شحمة) أي: كنّا نطمع في أمرٍ فوجدناه على خلاف ما كنّا نظنّ.
والمعنى: إنّا كنّا نظنّ أنّ النّاس سواء في الخوَر والجبن، وأنّهم متى لقوا من لا قِبَل لهم بحربه مثل قومنا فرُّوا عنهم؛ ولكنّ هذا الظّنّ لم يلبث أنْ زال حين لقينا هاتين القبيلتين؛ فلقينا بلقائهم البأس والشّدّة.
والشَّاهد فيه: (حسبنا كلّ بيضاء شحمة) حيث استعمل (حسب) بمعنى الرّجحان، فنصب به مفعولين؛ أوّلهما قوله:(كلّ بيضاء)، وثانيهما قوله:(شحمة) .
يُنظر هذا البيت في: شرح ديوان الحماسة للتّبريزيّ 1/41، وابن النّاظم 197، وأوضح المسالك 1/305، وتخليص الشّواهد 435، والمغني 833، والمقاصد النّحويّة 2/382، والتّصريح 1/249.
و (زعم) لا بمعنى كَفَل أو سَمِنَ أو هَزُل1، كقولك:(زَعَمْتُ بَكْرًا مقيمًا) .
و (عَلِمْتُ) لا لإدراك المفرد وهو العِرفَان2، نحو:(علمت خالدًا مُحْسِنًا) . و (وَجَدْتُ) لا من وجدَان الضَّالّة3، كقولك:(وجدت محمَّدًا عالمًا) . و (رأيت) لا من قولهم: (رأيته) إذا رماه فأصاب رئته4،
(زعم) إنْ كانت بمعنى كفل، أو بمعنى رأس؛ تعدّت لواحد، تارةً بنفسها، وتارةً بالحرف؛ وإنْ كانت بمعنى سَمِنَ، أو هَزُلَ فهي لازمة، يقال: زعمت الشاة، بمعنى سمنت، وبمعنى: هزلت.
يُنظر: شرح التّسهيل 2/78، وابن النّاظم 198 والمساعِد 2/356، والأشموني2/22.
2 نحو قوله تعالى: {وَاللهُ أَخْرَجَكُم مِّنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} [النّحل: 78] أي: لا تعرفون، ويتعدّى حينئذ إلى واحد.
يُنظر: شرح التّسهيل 2/78، وابن النّاظم 196، والمساعِد 2/356، والأشمونيّ 2/33.
(وجد) إنْ كانت بمعنى أصاب؛ تعدّت إلى واحد، ومصدرها الوجدان، نحو:(وجد فلانٌ ضالّته) ؛ وإنْ كانت بمعنى (استغنى) ، أو (حزن) ، أو (حقد) ؛ فهي لازمة.
يُنظر: شرح التّسهيل2/78، وابن النّاظم 196، والمساعِد 2/357، والأشمونيّ 1/21.
(رأى) إنْ كانت بصريّة، أو من الرّأي، أو بمعنى أصاب رئته؛ تعدّت إلى واحد.
يُنظر: شرح التّسهيل 2/81، والمساعِد 2/361، والأشمونيّ 2/19.
كـ (رأيت الأميرَ عادلاً) . وقيل: (عَدّ) و (أَلْفَى) يجريان مجرى هذه الأفعال؛ فـ (عَدَّ) لا بمعنى (حَسَبَ) 1، كقول الشّاعر:
لَا أَعُدُّ الإِقْتَارَ2 عُدْمًا وَلَكِنْ
…
فَقْدُ مَنْ قَدْ فَقَدْتُهُ الإِعْدَامُ3
و (ألفى) بمعنى وَجَدَ4.
ومنه (حَجَا) لا بمعنى (غَلَب) في المحاجَاة، أو قَصَدَ5، كقوله:
(عدّ) إنْ كانت بمعنى (حَسَبَ) تعدّت لواحد.
يُنظر: المساعِد 1/355، والأشمونيّ 2/23.
2 في أ: الافتقار.
3 هذا بيتٌ من الخفيف، وهو لأبي دُؤاد الإياديّ.
و (أعدّ) : أظن. و (الإقتار) : قِلّة المال وضيق العيش. و (العدم) والإعدام: الفقر.
والشّاهد فيه: (لا أعدُّ الإقتارَ عُدْمًا) حيث استعمل (عدّ) استعمال (ظنّ) فنصب بها مفعولين؛ هما (الإقتار) و (عدمًا) .
يُنظر هذا البيت في: الأصمعيّات 187، وشرح التّسهيل 2/77، وابن النّاظم 198، وتخليص الشّواهد 431، والمقاصد النّحويّة 2/391، والهمع 2/211، والخزانة 8/125، 9/590، والدّرر 2/238، والدّيوان 338.
4 يقصد الشّارح (ألفى) الّتي ترادِف (وجد) المتعدّية إلى اثنين؛ أمّا الّتي بمعنى (أصاب) فإنّها تتعدّى لواحد، نحو قوله تعالى:{وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَا الْبَابِ} [يوسف: 25] .
يُنظر: شرح التّسهيل 2/79، والمساعِد 1/358.
5 فإنْ كانت بمعنى غلب في المحاجات، أو قصد، أو ردّ؛ تعدّت إلى واحدٍ.
وإنْ كانت بمعنى أقام، أو بخل؛ فهي لازمة.
يُنظر: شرح التّسهيل 2/77، والمساعِد 1/355، والأشمونيّ 2/23.
وَكُنْتُ أَحْجُو أَبَا عَمْرٍو أَخَا ثِقَةٍ
…
حَتَّى أَلَمَّتْ بِنَا يَوْمًا مُلِمَّاتُ1
ومنه (هَبْ)، كقول الشّاعر:
فَقُلْتُ أَجِرْنِي أَبَا خَالِدٍ
…
وَإِلَاّ فَهَبْنِي امْرَأً هَالِكًا2
1 هذا بيتٌ من البسيط، ويُنسب إلى تميم بن أبي مقبل، وإلى أبي شنبل الأعرابيّ.
و (أحجو) : أظنّ. و (ألمّت) : نزلت. و (الملمّات) : جمع ملمّة؛ وهي: النّازلة من نوازِل الدّهر.
والشّاهد فيه: (أحجو أبا عمرو أخا) حيث ورد الفعل (حجا) بمعنى (ظنّ) فنصب مفعولين؛ هما (أبا عمرو) و (أخا ثقة) .
يُنظر هذا البيت في: شرح التّسهيل 2/77، وابن النّاظم 199، وأوضح المسالك1/298، وتخليص الشّواهد 440، وابن عقيل 1/388، والمساعد 1/355، والمقاصد النّحويّة 2/376، والتّصريح 1/248، والهمع 2/210، والأشمونيّ 2/23.
2 هذا بيتٌ من المتقارِب، وهو لعبد الله بن همّام السّلوليّ.
و (أجرني) : اتّخذني جارًا لك، ثم أُريد لازم المعنى؛ وهو الحماية والدّفاع.
و (هبني) أي: اعددني واحسبني.
والشّاهد فيه: (فهبني امرأً) فإن (هَبْ) فيه بمعنى الظّنّ، وقد نصب به مفعولين؛ أحدهما: ياء المتكلِّم، وثانيهما قوله:(امرأ) .
يُنظر هذا البيت في: شرح التّسهيل 2/78، وابن النّاظم 199، وأوضح المسالك 1/300، وتخليص الشّواهد 442، وابن عقيل 1/389، والمساعد 1/357، والمقاصد النّحويّة 2/378، والتّصريح 1/248، والهمع 2/213، والخزانة 9/36، والدّيوان 85.
ومنه (جَعَل)، كقولك:(جَعَل زَيْدٌ عَمْرًا صَدِيقًا) .
فهذه الأفعال معانيها قائمة بالقلب1؛ وكُلُّ ما جاز أنْ يكون خبرًا لمبتدأ يجوز أنْ يكون المفعول الثّاني لهذه الأفعال. [51/أ]
وتختصّ هذه الأفعالُ - سِوَى (هَبْ) و (تَعَلَّم) - بالإلغاء والتّعليق2.
فالإلغاءُ3 هو: ترك إعمال4 الفعل؛ لضعفه بالتّأخير، أو التّوسّط بين المفعولين، كقولك مع التّأخير:(زَيْدٌ عَالِمٌ ظننت)، ومع التّوسّط:(زَيْدٌ ظننت عَالِمٌ) .
فالمثال الأوّل: يجوز فيهما5 الرّفع والنّصب6، والرّفعُ7 أجود؛ لتأخير الفعل عنهما، فعودُهما إلى الابتداء8 أَوْلى.
1 ولذلك سمّيت (أفعال القلوب) .
2 إنّما لم يدخل التّعليق والإلغاء (هب) و (تعلم) وإنْ كانا قلبيّين؛ لضعف شبههما بأفعال القلوب من حيث لزوم صيغة الأمر.
يُنظر: أوضح المسالك 1/318، والتّصريح 1/256، والأشمونيّ 2/27.
3 وقيل في تعريفه: إبطال العمل لفظًا ومحلاًّ؛ لضعف العامل بتوسُّطِهِ أو تأخّره.
يُنظر: أوضح المسالك 1/313، وابن عقيل 1/395.
4 في أ: الإعمال.
5 في ب: فيه.
6 الرّفع على الإلغاء، والنّصب على الإعمال.
7 في أ: والنّصب.
8 في ب: المبتدأ.
والمثال الثّاني: يجوز فيهما الرَّفعُ والنّصب، والنّصب أجود1؛ لعمل الفعل في بعض الجملة2.
والتّعليق3 هو: ترك [إعمال] 4 الفعل؛ لفصل ماله صدر الكلام بينه وبين معمولِه، كقولك:(علمت لزيدٌ ذاهبٌ) و (علمتُ أزيدٌ أخوك أم عمرٌو؟) ، فقد تعلَّق (عمله) 5 بلام الابتداء وهمزة الاستفهام، أو بـ (ما) النّافية، كقولك:(علمت [ما] 6 زيدٌ ذاهبٌ) ، أو بالقسم، كقولك:(علمت واللهِ الْعِلْمُ نَافِعٌ) .
1 وقيل: الإعمال والإلغاء سِيَّان.
يُنظر: أوضح المسالك 1/316، وابن عقيل 1/396، والأشمونيّ 2/28.
2 بقي صورة؛ وهي: إذا تقدّم الفعل، نحو:(ظننت زيدًا قائمًا) ، فعند البصريّين يمتنع الإلغاء، فلا تقول:(ظننت زيدٌ قائم) بل يجب الإعمال.
فإنْ جاء من لسان العرب ما يوهم إلغائها مُتقدّمةً أوّلَ على إضمار ضمير الشّأن؛ ليكون هو المفعول الأوّل؛ والجزءان جملة في موضع المفعول الثّاني، أو على تقدير لام الابتداء.
وذهب الكوفيّون إلى جواز إلغاء التّقدّم، فلا يحتاجون إلى تأويل. تُنظر هذه المسألة في: أوضح المسالك 1/320، وابن عقيل 1/396، والتّصريح 1/258، والأشمونيّ 2/28.
3 وقيل في تعريفه هو: إبطال العمل لفظًا لا محلاًّ؛ لمجيء ماله صدر الكلام بعده، وهو لام الابتداء، ولام القسم، وما النّافية، والاستفهام.
يُنظر: أوضح المسالك 1/316، وابن عقيل 1/394.
(إعمال) ساقطةٌ من ب.
5 في ب: علمت.
(ما) ساقطة من أ.