الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ نِعْمَ وَبِئْسَ:
وَمِنْهُ أَيْضًا نِعْمَ زَيْدٌ رَجُلَا
…
وَبِئْسَ عَبْدُ الدَّارِ مِنْهُ بَدَلَا
اعلم أنّ نِعْمَ وبِئْسَ فِعْلان غَيْرُ مُتَصَرِّفَيْنِ1، وضعا للمدح [العامّ] 2، والذّمّ العامّ.
وفيهما أربع لغاتٍ: نَعِمَ وبَئِسَ هذه الأصل3، ونِعِمَ وبِئِسَ ونِعْمَ وبِئْسَ ونَعْمَ وبَئْسَ.
والدّليل على فعليّتهما: جوازُ [دخول] 4 تاء التّأنيث السّاكنة عليهما5، كقولك: نعمت هند وبئست الجارية6، وإنْ شئتَ قلتَ:
1 هذا مذهب البصريّين، والكسائيّ من الكوفيّين؛ ومذهب الكوفيّين أنّهما اسمان - كما سيوضّحه الشّارح رحمه الله.
تُنظر هذه المسألة في: المقتضب 2/141، والأصول 1/130، وأمالي ابن الشّجريّ 2/404، والإنصاف، المسألة الرّابعة عشرة، 1/97، وأسرار العربيّة 96، والتّبيين، المسألة الأربعون، 274، واللّباب 1/180، وشرح المفصّل 7/127، وائتلاف النّصرة، فصل الفعل، المسألة الرّابعة، 115.
2 ما بين المعقوفين ساقطٌ من ب.
3 قال سيبويه في الكتاب 2/179: "وأصلُ نِعْمَ وبِئْسَ: نَعِمَ وبَئِسَ؛ وهما الأصلان اللّذان وُضعا في الرَّداءة والصّلاح، ولا يكونُ منهما فِعْلٌ لغير هذا المعنى".
ويُنظر: المقتضب 2/140.
4 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
5 في ب: عليها.
6 وهُناك أدلّة أُخرى استدلّ بها البصريّون؛ منها:
1-
أن الضمير يتصل بهما على حدّ اتّصاله بالأفعال؛ فإنّهم قالوا: (نعما رجلين) و (نعموا رجالاً) كما قالوا: (قاما) و (قاموا) .
2-
أنّهما مبنيّان على الفتح كالأفعال الماضية؛ ولو كانا اسمين لَما بنيا على الفتح من غير علّة.
يُنظر: أسرار العربيّة 96، والإنصاف، المسألة الرّابعة عشرة، 1/104، 111، والتّبيين، المسألة الأربعون، 274، 275، واللّباب 1/180، وشرح المفصّل 7/127، وشرح الكافية الشّافية 2/1102.
نعم المرأة، ويجوز هذا مع المفرد المذكّر، والمؤنّث، والمثنّى، والمجموع؛ فتقول: نعم الرّجل زيد ونعم الرّجلان أخواك ونعم الرّجال إخوتك ونعم المرأتان هِنْدٌ ودَعْدٌ ونعم النِّساء بنات عمّك.
وقد جوّزوا في هذه المسألة في المخصوص1بالمدح أو الذّمّ أنْ يكون مبتدأً وخبره [الجملة] 2 الّتي قبله3. [63/ ب]
وأنْ يكون خبرًا لمبتدأ محذوف، تقديره: نعم الرّجل هو زيد4.
1 في كلتا النّسختين: الخصوص، والتّصويب من ابن النّاظم.
2 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
3 في أ: إلى قبله.
4 هذان الوجهان ذكرهما معظم النّحاة.
يُنظر: الكتاب 2/176، والمقتضب 2/141، والأصول 1/112، والتّبصرة 1/275.
وقيل: هو مبتدأ خبره محذوف، والتّقدير:(زيدٌ الممدوح) ؛ وإليه ذهب ابن عصفور.
وقيل: هو بدلٌ من الفاعل، وإليه ذهب ابن كيسان.
يُنظر: المقرّب 1/69، والارتشاف 3/25، وابن عقيل 2/156، والتّصريح 2/97، والهمع 5/41، والأشمونيّ 3/37.
وإمّا1 أنْ يكون مضمرًا، مميّزًا بنكرة منصوب، وبعد ذلك اسم مرفوع هو المخصوص بالمدح أو الذّم، كنعم صاحبًا زيدٌ وبئس غُلامًا بِشْرٌ.
ويكون الاسم المرفوع الّذي فيه الألف واللاّم للجنس2 مُضْمرًا
1 هذه الكلمة قبلها كلام ساقط؛ يدلّ عليه عدم الارتباط بين هذا الكلام والّذي قبله؛ حيث كان الحديث قبلها عن المخصوص بالمدح أو الذّمّ، والحديثُ هُنا عن حالة من حالات الفاعل.
والظّاهر أنّ هذا السّقْط من النُّسّاخ؛ ويُقال في استكماله: إنّ الشّارح قد أورد هذا الكلام لبيان أنّ (نعم) و (بئس) يقتضيان فاعلاً؛ إمّا معرّفًا بالألف واللاّم، نحو:(نعم الرجل زيدٌ) ؛ وإمّا مضافًا إلى المعرّف بها، نحو:(بئس صاحب العشيرة بشر) ؛ وإمّا مضافًا إلى مضاف إلى ما فيه الألف واللاّم، نحو:(نعم غلامُ صاحب القوم) .
والنّوع الأخير من أنواع فاعل (نعم) و (بئس) ذكره الشّارح عندما قال: "وإمّا أنْ يكون مضمَرًا
…
".
يُنظر: شرح المفصّل 7/130، وشرح الكافية الشّافية 2/1105، وابن النّاظم 469، والتّصريح 2/95، والأشمونيّ 3/28، 31.
2 اختلف العلماء في (أل) الّتي في فاعل (نعم) و (بئس) على قولين:
فذهب الجمهور إلى أنّها جنسيّة.
وذهب قومٌ إلى أنّها عهديّة.
والّذين قالوا بالجنسيّة اختلفوا على قولين:
أحدهما: أنّها للجنس حقيقة؛ فالجنس كلّه ممدوح أو مذموم، والمخصوص مندرجٌ تحته لأنّه فردٌ من أفراده؛ ثمّ نصَّ عليه كما ينصّ على الخاصّ بعد العامّ الشّامل له ولغيره.
والثُاني: أنّها للجنس مجازًا؛ لأنّك لم تقصد إلَاّ مدح معيَّن، ولكنّك جعلته جميع الجنس مبالغة.
واختلف القائلون بالعهد على قولين - أيضًا -:
أحدهما: أنّها لمعهود ذهنّي فهي مشار بها إلى ما في الأذهان من حقيقة رجل، كما تقول:(اشتر اللّحم) ولا تريد الجنس ولا معهودًا تقدّم.
والثّاني: أنّها للعهد في الشّخص الممدوح، كأنّك قلت:(زيدٌ نعم هو) .
يُنظر: الكتاب 2/177، والمقتضب 2/141، 142، وشرح المفصّل 7/130، والارتشاف 3/16، وابن عقيل 2/151، والتّصريح 2/95، والهمع 5/30، والأشمونيّ 3/29.
وقد فسَّرَهُ الاسم النَّكرة المنصوب؛ وتقديره: نعم الرّجل رجلاً، ومنه قولُ الشّاعر:
لَنِعْمَ مَوْئِلاً الْمَوْلَى1 إِذَا حُذِرَتْ
…
بَأْسَاءُ ذِي الْبَغْيِ وَاسْتِيْلَاءُ ذِي الإِحَنِ2
1 في أ: الموالي، وهو تحريف.
2 في ب: العن، وهو تحريف.
وهذا البيتُ من البسيط، ولم أقف على قائله.
و (موئلاً) : ملجأً ومرجعًا. و (حُذِرَتْ) : خيفت. و (البأساء) : الشّدّة. و (الإحن) : الأحقاد.
والشّاهد فيه: (لنعم موئلاً) حيث رفع (نعم) ضميرًا مستترًا؛ وقد فُسِّر هذا الضّمير بالتّمييز (موئلاً) .
يُنظر هذا البيت في: شرح التّسهيل 3/9، وشرح الكافية الشّافية 2/1106، وشرح عمدة الحافظ 2/782، وابن النّاظم 469، وابن عقيل 2/152، والمقاصد النّحويّة 4/6، والأشمونيّ 3/32.
التّقدير: لنعم الموئل موئلاً المولى فأضمر الفاعل وفسَّرَهُ بالتّمييز بعده، ومنه قولُه تعالى:{بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً} 1.
وقد يُسْتَغْنَى عن التّمييز للعلم بجنس الضّمير، كقوله صلى الله عليه وسلم:"مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الجُمْعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ" 2 أي: فبالسّنّة أَخَذَ، ونعمت السّنّة.
وقد يتقدّم3على نِعْمَ ما يدلّ على المخصوص4بالمدح؛ فيغني ذلك عن ذكره، كقولك: العِلْمُ نِعْمَ المُقْتَنَى، وكقوله تعالى عن أيُّوب - عليه السّلام5 -:{إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِّعْمَ الْعَبْدُ} 6، وكقول الشّاعر:
1 من الآية: 50 من سورة الكهف.
2 هذا الحديث رواه سَمُرَةُ بن جُندب عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم. وتمامُه: "وَمَنِ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَل".
يُنظر: سنن أبي داود، كتاب الطّهارة، باب في الرّخصة في ترك الغسل يوم الجمعة، 1/251، وسنن التّرمذيّ، كتاب الصّلاة، باب ما جاء في الوضوء يوم الجمعة، 2/369، وسنن النّسائيّ، كتاب الجمعة، باب فضل الغسل، 1/522، وسنن ابن ماجه، كتاب إقامة الصّلاة والسّنّة فيها، باب ما جاء في الرّخصة في ذلك، 1/347، ومسند الإمام أحمد 5/16.
3 في ب: يقدّم.
4 في ب: الخصوص، وهو تحريف.
5 في ب: صلى الله عليه وسلم.
6 من الآية: 44 من سورة ص.
إِنِّي1 اعْتَمَدْتُكَ يَا يَزِيـ ـدُ2
…
فَنِعْمَ3مُعْتَمَدُ الْوَسَائِلْ4
[64/أ]
وممّا جاء بمعنى بِئْسَ في عَدَمِ التّصرّف سَاْءَ5، كقولك: سَاء الرّجل زيدٌ وساء غلام الرّجل عمروٌ وساء غُلامًا عبدُ هندٍ6، كقوله تعالى7:{بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} 8، وقوله تعالى9:{سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} 10؛
1 في أ: بأنّي.
2 في ب: زيد.
3 في كلتا النّسختين: فنعم أنت، والتّصويب من ابن النّاظم.
4 في أ: الرّسايل.
وهذا البيتُ من مجزوء الكامل، من قصيدة قالها الطّرمّاح يمدح بها يزيد بن المهلّب ابن أبي صُفرة.
والمعنى: إنّي اعتمدّت عليك يا يزيد في قضاء مآربي وأداء مطالبي، ونعم معتمد الوسائل أنت.
والشّاهد فيه: (فنعم معتمد الوسائل) حيث حذف المخصوص بالمدح، والتّقدير: فنعم معتمد الوسائل أنت.
يُنظر هذا البيت في: شرح عمدة الحافظ 2/794، وشرح التّسهيل 3/18، وشرح الكافية الشّافية 2/1110، وشرح التّحفة الورديّة 272، والمقاصد النّحويّة 4/11، والفرائد الجديدة 2/657، والدّيوان 219.
5 في أ: بنا، وفي ب: بيسا؛ وكلتاهما محرّفة.
6 مَثّل الشّارح رحمه الله بهذه الأمثلة، ليدلّ على أنّ (ساء) يُستعمل استعمال (بئس) في عدم التّصرُّف، والاقتصار على كون الفاعل معرّفًا بالألف واللاّم، أو مضافًا إلى المعرّف بهما، أو مضمرًا مفسّرًا بتمييز بعده، والمجيء بعد الفاعل بالمخصوص بالذّمّ.
(تعالى) ساقطة من ب.
8 من الآية: 29 من سورة الكهف.
9 في أ: سبحانه.
10 من الآية: 136 من سورة الأنعام.
فهذا على حَدِّ: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ} 1.
وذهب الفرّاءُ وأكثرُ الكوفيّين2 إلى اسميّة نعم وبئس، واحتجّوا بدخول حرف الجرّ عليهما، كقول بعض العرب وقد بُشِّر ببنتٍ:" [وَاللهِ] 3 مَا هِيَ بِنعْمَ المَوْلُوْدَةِ، نَصْرُهَا بُكَاءٌ، وَبِرُّهَا سَرِقَةٌ"4، وقول الآخر:"نِعْمَ السَّيْرُ عَلَى بِئْسَ الْعَيْرُ"5؛ ولا حجّة في ذلك؛ لجواز أنْ يكون دخول حرف [الجرّ] 6، كدخوله7 على نام
1 من الآية: 90 من سورة البقرة.
2 يُنظر رأي الكوفيّين في: معاني القرآن للفرّاء 1/268، 2/141، والإنصاف، المسألة الرّابعة عشرة، 1/97، والتّبيين، المسألة الأربعون، 274، وشرح ديوان المتنبّي - المنسوب إلى العكبريّ - 2/299 - 301، والمقرّب 1/65، وشرح الكافية الشّافية 2/1102، وابن النّاظم 467، والتّصريح 2/117، والهمع 5/26.
3 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
4 قال ابن الشّجريّ في أماليه 2/405: "وقال أبو بكر محمد بن القاسم بن بشّار الأنباريُّ: سمعتُ أحمد بن يحيى يحكي عن سلمة بن عاصم، عن الفرّاء: أنّ أعرابيًّا بُشِّر بابنةٍ وُلِدت له، فقيل له: نِعْم الولدُ هي! فقال: واللهِ ما هي بِنِعْمَ الولدُ، نَصْرُها بُكاءٌ، وبِرُّهَا سَرِقَةٌ".
ويُنظر: أسرار العربيّة 97، والإنصاف 1/98، 99، وشرح المفصّل 7/128، والمقرّب 1/65، وشرح الكافية الشّافية 2/1102، وابن النّاظم 467.
5 نسبه ابن الشّجريّ إلى بعض فصحاء العرب نقلاً عن الفرّاء أيضًا.
أمالي ابن الشّجريّ 2/405، ويُنظر: المصادر السّابقة.
(الجرّ) ساقطٌ من ب.
7 في ب: لدخوله، وهو تحريف.
في قول القائل:
عَمْرُكَ مَا لَيْلِي بِنَامَ1 صَاحِبُهْ2
تقديره: ما ليلي بليلٍ نام3صاحبه؛ ثم حذف الموصوف، وأُقيمت4الصّفة مقامه5.
1 في أ: ينام، وهو تحريف.
2 هذا بيتٌ من الرّجز المشطور، وبعده:
وَلَا مُخَالِطِ اللَّيَانِ جَانِبُهْ
ولم أقف على قائله.
و (عمرك) : قسم. و (اللّيان) - بفتح اللاّم والياء جميعًا -: مصدر من اللّين، يقال: فلانٌ في ليان من العيش، أي: لين الجانب.
والشّاهد فيه: (بنام) حيث لا تدلّ الباء على اسميّة (نام) ؛ لأنّ تقديره: ما ليلي بليل نام صاحبه؛ وكذا دخول حرف الجرّ على (نعم) و (بئس) في قوله: (بنعم المولودة و (على بئس العير) لا يدلّ على اسميّتهما.
يُنظر هذا البيت في: الخصائص 2/366، وأمالي ابن الشّجريّ 2/405، والإنصاف 1/112، وأسرار العربيّة 99، 100، والتّبيين 279، وشرح المفصّل 3/62، وشرح الكافية الشّافية 2/1103، وابن النّاظم 468، والمقاصد النّحويّة 4/3، والخزانة 9/388.
3 في أ: ينام، وهو تحريف.
4 في أ: واقا، وهو تحريف.
5 وبعضُ النُّحاة يؤوِّل هذا الكلام على حذف الموصوف وصفته، وإقامة معمول الصّفة مقامها.
والتّقدير: ما هي بمولودٍة مقولٍ فيها نعم المولودة، ونعم السّير على عير مقولٍ فيه بئس العيرُ، وبليلٍ مقول فيه نام صاحبه.
يُنظر: أمالي ابن الشّجريّ 2/406، والإنصاف، المسألة الرّابعة عشرة، 1/113، وشرح قطر النّدى 34، والتّصريح 2/94.
[وكذلك ما هي بِوَلدٍ مقول فيه:1 نعم المولودة؛ فحذف الموصوف، وأُقيمت الصّفة مقامه2]3.
1 في ب: فقال فيه، وهو سهوٌ من النّاسخ، والصّواب ما هو مثبَت.
2 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
3 وهُناك أدلّة أُخرى استدلّ بها الكوفيّون؛ منها:
1-
أنّ العرب تقول: (يا نعم المولى، ونعم النّصير) ؛ فنداؤهم (نعم) يدلّ على الاسميّة؛ لأنّ النّداء من خصائص الأسماء.
2-
أنّه لا يحسُن اقتران الزّمان بهما كسائر الأفعال؛ ألا ترى أنّه لا يحسُن أنْ تقول: (نعم الرجل أمس) ولا (بئس الرّجل غدًا) ؛ فلمّا لمْ يحسُن اقتران الزّمان بهما دلّ على أنّهما ليسا بفعلين.
يُنظر: أمالي ابن الشّجريّ 2/405، 413، 414، والإنصاف، المسألة الرّابعة عشرة، 1/99، 103، 104، وأسرار العربيّة 97، والتّبيين، المسألة الأربعون، 276.