الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ المَفْعُولِ بِهِ:
[48/أ]
وَالنَّصْبُ لِلْمَفْعُولِ حُكْمٌ أُوجِبَا1
…
كَقَوْلِهِمْ: صَادَ الأَمِيرُ أَرْنَبَا
وَرُبَّمَا أُخِّرَ عَنْهُ الْفَاعِلُ
…
نَحْوُ: قَدِ اسْتَوْفَى الْخَرَاجَ2 الْعَامِلُ
المفعول به: كلّ اسم اتّصل به تعدّي الفعل فَنَصَبَهُ؛ فهو ما انتصب بعد تَمامِ الكلام إيجابًا أو نفيًا، مثل (ضَرَبْتُ زَيْدًا) و (مَا ضَرَبْتُ عَمْرًا) و (هَلْ رَأَيْتَ خَالِدًا؟) ، وكلّ ما جاء من باب المفاعَلة، كقولك:(ضَارَبَ زَيْدٌ عَمْرًا)، فالمنصوب مرفوعٌ في المعنى؛ لأنّك تقول:(تَضَارَبَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو) ؛ فإن اختصَّ أحدهما بمعنى الفاعليّة، كان الآخَرُ منصوبًا بالمفعوليّة، كقولك:(عاقبت اللِّصَّ) .
وشرط المفعول: أَنْ يكون آخِرًا؛ لأنَّهُ فضلةٌ في الكلام، ومرتبة الفاعل أنْ تكون3 وسطًا4، فإنْ توسَّط المفعول، أو قُدِّم على الفعل؛ فذلك للاهتمام5 [به]6.
1 في متن الملحة 20: حُكْمٌ وَجَبَا.
2 في أ: نحو جرى الماء وجار العامل، وهو تحريف لا يتّفقُ مع التّمثيل المطلوب.
3 في ب: أنْ يكون.
4 "الفاعل كالجزء من الفعل؛ فلذلك كان حقّه أنْ يتّصل بالفعل، وحقّ المفعول الانفصال عنه، نحو: (ضربَ زيدٌ عمرًا) ". ابن النّاظم 227.
5 في أ: الإهتمام.
6 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
قال سيبويه - عقيب ذكر المفعول -: "يقدِّمون في كلامهم ما هم ببيانه أهمّ وأَعْنَى"1 على هذا الحكم تَقَدَّمُه2 على الفاعل، كقولك:(ركب الفرسَ الأميرُ) اهتمامًا3 بذكره.
وكذلك تَقَدُّمُهُ، كقولك:(عَمْرًا ضَرَبَ زيدٌ) ومرتبة مجيئه بعد الفاعل الأصيل4.
وَإِنْ تَقُلْ: كَلَّمَ مُوسَى يَعْلَى
…
فَقَدِّمِ الْفَاعِلَ فَهْوَ أَوْلَى5
[48/ب]
قد تقدّم ذكر جواز تقديم6 المفعول على وجه الاهتمام به، والتوسّع7 في الكلام، بشرط الأمن من اللَّبس؛ فمتى وقع اللّبس لعدَم8 الإعراب9، كالمقصورين [في قولك:(أَكرم موسى عيسى) ] 10؛
1 يُنظر: الكتاب 1/34.
2 في ب: تقديمه.
3 في ب: أو اهتمامًا.
4 في ب: الأصل.
5 في شرح الملحة 168: فَهْوَ الأَوْلَى.
6 في أ: تقدّم.
7 في ب: أو التوسّع.
8 في أ: بعدم. والمقصود: عدم الإعراب الظّاهر.
9 قال الرّضيّ - في شرحه على الكافية 1/72 -: ((إذا انتفى الإعراب اللّفظيّ في الفاعل والمفعول معًا، مع انتفاء القرينة الدّالّة على تمييز أحدهما عن الآخر، وجب تقديم الفاعل؛ لأنّه إذا انتفت العلامة الموضوعة للتّمييز بينهما - أي: الإعراب - لمانع، والقرائن اللّفظيّة والمعنويّة الّتي قد توجَد في بعض المواضع دالّة على تعيين أحدهما من الآخر كما يجيء فليلزم كلّ واحد مركزه ليعرفا بالمكان الأصليّ)) . ويُنظر: البسيط 1/280.
10 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
فموسى واجب تقدّمه1 إنْ كان فاعلاً، وتأخّره إنْ كان مفعولاً.
فإن أُمِنَ اللّبس جَازَ التَّقديم والتّأخير، كقولك:(أكلتْ الكُمَّثْرى الحبلى) و (أخذت ليلى الحُمَّى) 2 وما أشبه ذلك.
1 في ب: تقديمه.
2 المميّز فيهما القرينة المعنويّة؛ فتقدَّمَ المفعول فيهما. يُنظر: شرح الرّضيّ 1/72، وشرح الكافية الشّافية 2/589، وابن النّاظم 228.
[بَابُ] 1 أَقْسَامِ الأَفْعَالِ فِي التَّعَدِّي:
وَكُلُّ فِعْلٍ مُتَعَدٍّ يَنْصِبُ
…
مَفْعُولَهُ مِثْلُ: سَقَى وَيَشْرَبُ
الأفعال في التّعدّي أَنْواعٌ2:
فيُقال: الفعل منه لازِمٌ وهو: كُلّ ما لا يقتضي معناه تعدِّيًا إلى مفعولٍ؛ كأفعال الألوان، والخِلَق، والمطاوعة، كـ (اسْوَدَّ) و (حَوِلَ) و (تَدَحْرَجَ) و (ظَرُفَ) .
والمتعدِّي على ضربين:
ما يتعدّى بحرف جرٍّ3.
وما يتعدّى بنفسه.
والّذي يتعدَّى بحرف الجرِّ على ضربين4:
أَحَدُهما: لا يجوز إسقاط حرف الجرِّ منه إلَاّ في الشّعر؛ وذلك نحو: (مررت بزيدٍ) ، فلا يجوز إسقاط هذه الباء؛ لأنَّها كالجزء من الاسم
1 ما بين المعقوفين زيادة يقتضيه صنيعه في الأبواب السّابقة.
2 الأفعال تنقسم بحسب اللّزوم والتّعدّي سبعة أقسام. يُنظر: شرح ألفيّة ابن معطٍ 1/475.
3 لو قال الشّارح رحمه الله: (ما يتعدّى بغيره) لكان أفضل؛ ليشمل التّعدِّي بحرف الجرّ، وبالهمزة، وبالتّضعيف.
يُنظر: أسرار العربيّة 86، وشرح ألفيّة ابن معطٍ 1/520.
4 أي: ما يتعدّى إلى المفعول مطلَقًا بحرف الجرّ ونحوه، ممّا يصل به الفعل اللاّزم إلى المفعول ضربان.
يُنظر: شرح ألفيّة ابن معطٍ 1/486.
لاتّصالها بِهِ، وكالجزء من الفعل لكونها [49/أ] معدّية1 له، وموصِّلة2 إلىالاسم؛ فكلّ واحدٍ من هذين - الاسم والفعل - مفتقرٌ إلى هذا الحرف؛ فخُلُوّهُما منه إجحافٌ بهما؛ وقد ورد حذفه في الشّعر، كقول الشّاعر:
تَمُرُّونَ الدِّيَارَ وَلَمْ تَعُوجُوا
…
كَلَامُكُمُ عَلَيَّ إِذَنْ حَرَامُ3
الثّاني: الّذي يتعدّى بحرف الجرّ، والمتكّلم مُخيّرٌ في إثباتِهِ وحَذْفِهِ، كـ (شكرتُ) و (أَمَرْتُ) و (نَصَحْتُ) و (وَزَنْتُ) و (كِلْتُ) و (اخْتَرْتُ) 4؛ تقول: شكرتُ زيدًا، وشكرتُ له، ونصحتُه، ونصحتُ له، ووَزَنْتُه،
1 في أ: متعدّية له.
2 في أ: موصولة، وهو تحريف.
3 هذا بيتٌ من الوافر، وهو لجرير.
و (لم تعوجوا) : لم تقيموا، مِن عاج بالمكان: أقام به.
والشّاهد فيه: (تمرّون الدّيار) حيث إنّ الفعل (تمرّون) قد تعدّى إلى المفعول (الدّيار) بحرف الجرّ الّذي حُذِف للضّرورة؛ وأصله: تمرّون بالدّيار.
يُنظر هذا البيت في: شرح المفصّل 8/8، 9/103، والمقرّب 1/115، وشرح ألفيّة ابن معطٍ 1/486، وتخليص الشّواهد 503، وابن عقيل 1/488، والمقاصد النّحويّة 2/560، والهمع 5/20، والخزانة 9/118، والدّيوان 1/278- والرّواية فيه (أَتُمْضُونَ الرُّسُومَ وَلَا تُحَيَّى) -.
(اخترتُ) من الأفعال الّتي تتعدّى إلى مفعولين؛ أحدهما بنفسها، والآخر بحرف الجرّ، نحو:(اخترت الرّجالَ زيدًا) أي: من الرّجال، ومثل الآية الكريمة الّتي استشهد بها الشّارح.
يُنظر: شرح ألفيّة ابن معطٍ 1/500.
ووزنت له؛ قال1 اللهُ تعالى: {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} 2، وقال تعالى3:{وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً} 4 أي: من قومه، وأمرته كذا، وأمرته بِهِ، ومنهُ5 قولُ الشّاعر:
أَمَرْتُكَ الْخَيْرَ فَافْعَلْ مَا أُمِرْتَ بِهِ
…
فَقَدْ تَرَكْتُكَ ذَا مَالٍ وَذَا نَشَبِ6
1 في ب: وقال.
2 سورة المطفّفين، الآية:3.
3 في ب: وقال سبحانه.
4 من الآية: 155 من سورة الأعراف.
5 في ب: وقال الشّاعر.
6 في ب: وذا بشره.
وهذا البيتُ من البسيط، ويُنسب إلى عمرو بن معدي كرب، وإلى العبّاس بن مرداس، وإلى زُرعة بن السّائب، وإلى خفاف بن ندبة، وإلى أعشى طرود - واسمه: إياس بن عامر -.
و (النّشب) : المال الثّابت كالضّياع ونَحْوِها، وهو من نشب الشّيء إذا ثبت في موضع ولزمه. و (المال) : الإبل، أو هو عامّ.
والشّاهد فيه: (أمرتك الخير) ، و (أمرت به) فإنّ العبارة الأولى قد تعدّى فيها الفعل الّذي هو (أمر) إلى مفعولين بنفسه؛ وفي العبارة الثّانية قد تعدّى إلى الأوّل منهما بنفسه، وهو النّائب عن الفاعل، وإلى الثّاني بحرف الجرّ.
والّذي في كلام سيبويه والأعلم - رحمهما الله - يدلّ على أنّهما يعتبران الأصل في هذا الفعل أنّه يتعدّى إلى ثاني مفعوليه بحرف الجرّ؛ ثمّ قد يحذف حرف الجرّ فيصل الفعل إلى المفعول الثّاني بنفسه؛ ويدلّ ذلك على أنّ النّصب عندهما على نزع الخافض، وأنّه يقتصر فيهما على المسموع.
يُنظر هذا البيتُ في: الكتاب 1/37، والمقتضب 2/36، 86، 321، والمؤتلف والمختلف 17، والمحتسب 1/51، 272، وتحصيل عين الذّهب 72، 73، وأمالي ابن الشّجريّ 2/133، 558، وشرح المفصّل 8/50، وشرح ألفيّة ابن معطٍ 1/501، وشرح شذور الذّهب 346، والهمع 5/18، والخزانة 1/339، وديوان عمرو بن معدي كرب 63، وديوان خفاف بن ندبة 126، وديوان العبّاس بن مرداس 46، والصّبح المنير 284.
وقوله: (مِثْلُ: سَقَى وَيَشْرَبُ) يشير إلى الرّابع؛ وهو1 أقوى ممّا تقدّمه2 وهو (يشرب) 3 فإنّه متعدٍّ بنفسه إلى مفعولٍ واحدٍ؛ تقول: (شَرِبْتُ ماءً) ؛ وإلى الخامس وهو (سَقَى) ؛ لأنّه متعدٍّ بنفسه إلى مفعولين ثانيهما غير الأوّل4، تقول:(سقيتُ زيدًا ماءً) ، وهذا يجوزُ فيه ذكر المفعولين، كقوله تعالى:{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوثَرَ} 5، والاقتصار على أَحدِهما، [49/ب]
1 في أ: وهذا.
2 في ب: أقوى ممّا تقدم.
3 في أ: شرب.
4 وهو ضربان:
أحدهما: ما يتعدّى بنفسه مطلَقًا، نحو:(كسوت زيدًا حُلَّةً) .
والثّاني: ما كان متعدّيًا إلى مفعول، فَعُدِّي بالنّقل إلى آخَرَ، نحو:(أعطيتُ زيدًا درهمًا) ؛ لأنّ أصله (عطوت الدرهم) أي: تناولته، ثمّ يُعدّى إلى الآخر بالهمزة.
يُنظر: شرح ألفيّة ابن معطٍ 1/502.
5 سورة الكوثر، الآية:1.
كقولك: (أعطيتُ زيدًا) ، ولا تذكر ما أَعطيت، [و] 1 كقوله تعالى:{وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} 2؛ و (أعطيت درهمًا) ولا تذكر مَنْ أَعطيت؛ ولك أن تقول: (أعطيت) بحذفهما، كقوله تعالى:{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} 3؛ وهذا القسم أقوى من القسم الرّابع.
والسّادس: هي4 أفعال القلوب - ويأتي ذكرها -، وهو أقوى من الخامس.
والسّابع: لم يذكره الشّيخ5؛ وهو أقواها بتعديته إلى ثلاثة مفعولين6؛ وذلك إمّا بحرف جرٍّ، وإمّا بتضعيف عين الفعل، وإمّا بهمزة النّقل؛
1 العاطف ساقطٌ من أ.
2 سورة الضّحى، الآية:5.
3 سورة اللّيل، الآية:5.
4 في أ: من أفعال القلوب.
5 يريد: الشّيخ أبا القاسم الحريريّ صاحب الملحة.
6 قوله: (ثلاثة مفعولين) قال ابن أبي الرّبيع في البسيط 1/449: "رأيتُ بعض المتأخِّرين أَبْطَل هذا اللّفظ، وقال: إنّ العدد لا يُضاف إلى الصّفة، وإنّما يُضاف العدد إلى الأسماء، وإضافة العدد إلى الصّفات شيءٌ لا يُقاس عليه؛ لأنّه جاء على غير قياس، والمفعول صفة فقوله:(ثلاثة مفعولين) خَطَأ، إنما كان ينبغي أن يقال: ثلاثة أسماء مفعولين.
وهذا الّذي أنكره قد ورد في كلام سيبويه رحمه الله 1/41: "هذا بابُ الفاعل الّذي يتعدَّاه فعله إلى ثلاثة مفعولين)) ، والّذي ينبغي أنْ يقال: إنّ المفعول قد جرى مجرى الأسماء؛ فإذا كان كذلك فتصحّ إضافة أسماء الأعداد إليه، كما يُضاف إلى الأسماء؛ ألا ترى أنّك تقول: (ثلاثة أصحابٍ) ، وإنْ كان صاحب صفة في الأصل، لكنّه اسْتُعمِلَ استعمال الأسماء، فجرى مجراها في كلّ شيء".
وأنشد الفرّاءُ:
تَعْدِيَةُ اللَاّزِمِ يَا حَمْزَهْ
…
بِالْحَرْفِ وَالتَّضْعِيْفِ وَالهَمْزَهْ1
والأفعال2 هي: (أَعْلَمَ) و (أَرَى) و (أَنْبَأَ) و (نَبَّأَ) و (خَبَّرَ) و (أَخْبَرَ) و (حَدَّثَ) ؛
كقولك3: (أَعْلَمَ اللهُ النَّاسَ مُحَمَّدًا صَادِقًا) و (نَبَّأْتُ عَمْرًا زَيْدًا كَرِيمًا) و (أَخْبَرْتُ عَنْ عَمْرٍو زَيْدًا خَبَرًا) والتّقدير: أَعْلمَ اللهُ النّاسَ أنَّ محمدًا صَادِقٌ.
وذوات التّعديَةِ4 أَتمّها الحرف5؛ لأنّه يتعدّى به جميع الأفعال
1 هذا بيتٌ من السّريع، ولم أقف على قائله، ولم أجد مَنْ ذكره.
2 الأفعال المتعدّية إلى ثلاثة؛ سبعة: أربعة معها همزة النّقل، وثلاثة جاءت بتضعيف العين.
يُنظر: كشف المُشْكِل 1/406، والبسيط 1/449، وشرح ألفيّة ابن معطٍ 1/519.
3 في أ: كقولهم.
4 ذوات التّعدية تنقل الفعل اللاّزم من اللّزوم إلى التّعدّي، وكذلك إذا دخلت على الفعل المتعدّي فإنما تزيده مفعولاً، وإنْ كان يتعدّى إلى مفعولٍ واحدٍ، صار يتعدّى إلى مفعولين، كقولك في:(ضرب زيد عمرًا) أضربتُ زيدًا عمرًا، وما أشبه ذلك، وإنْ كان متعدّيًا إلى مفعولين صار متعدّيًا إلى ثلاثة مفعولين.
يُنظر: أسرار العربيّة 86، 87، وكشف المُشْكِل 1/386، وشرح ألفيّة ابن معطٍ 1/520.
5 في أ: الحروف.
الثّلاثيّة وما زاد عليها.
وأمَّا الهمزةُ [50/أ] فلا يتعدّى بها إلَاّ الثّلاثيّ؛ وكذلك التّضعيف، تقول من ذلك:(فَرّحتُ زيدًا) و (أخرجته من السّجن) و (ذهبتُ به) 1 و (ما اختفيتُ منه)2.
1 هذا مثالٌ للتّعدية بالحرف، وكذلك ما بعده.
2 في ب: وما اخفيت منه.