المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب المفعول له ويقال: المفعول من أجله - اللمحة في شرح الملحة - جـ ١

[ابن الصائغ]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة

- ‌القسم الأول: قسم الدراسة

- ‌التمهيد

- ‌الفصل الأول: الصايغ

- ‌المبحث الأول: اسمه، ونسبُه، وكنيته، ولقبه

- ‌المبحث الثاني: مولده، ونشأته، ووفاته

- ‌المبحث الثالث: شيوخه، وتلاميذه

- ‌المبحث الرابع: مصنّفاته

- ‌الفصل الثاني: اللمحة في شرح الملحة

- ‌المبحث الأول: توثيق اسم الكتاب، ونسبته إلى مؤلفه

- ‌المبحث الثاني: منهج المؤلّف في الكتاب

- ‌المبحث الثالث: مصادره

- ‌المبحث الرابع: شواهده

- ‌المبحث الخامس: موازنة بين اللّمحة وشرح الحريريّ على الملحة

- ‌المبحث السادس: تقويم الكتاب

- ‌القسم الثاني: قسم التحقيق

- ‌وصف النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق

- ‌منهجي في التّحقيق

- ‌النص المحقق

- ‌كتاب اللمحة في شرح الملحة

- ‌[بَابُ الكَلَامِ]

- ‌بَابُ الاسْمِ:

- ‌بَابُ الْفِعْلِ:

- ‌ باب الحرف

- ‌باب النكرة والمعرفة:

- ‌باب قسمة الأفعال:

- ‌باب الأمر:

- ‌باب الفعل المضارع:

- ‌باب الإعراب

- ‌باب التنوين:

- ‌بَابُ الأَسْمَاءِ المُعْتلَّةِ المُضَافَةِ:

- ‌بَابُ حُرُوفِ الْعِلَّةِ:

- ‌بَابُ الاِسْمِ الْمَنْقُوصِ:

- ‌بَابُ الاِسْمِ الْمَقْصُورِ:

- ‌بَابُ التَّثْنِيَةِ

- ‌بَابُ جَمْعِ التَّأْنِيْثِ:

- ‌بَابُ جَمْعِ التَّكْسِيْرِ:

- ‌بَابُ حُرُوفِ الْجَرِّ:

- ‌[بَابُ رُبَّ]

- ‌بَابُ القَسَمِ:

- ‌بَابُ الإِضَافَةِ:

- ‌بَابُ كَمِ الْخَبَرِيَّةِ:

- ‌بَابُ الْمُبْتَدَأ [وَخَبَرِهِ]

- ‌بَابُ الفَاعِلِ:

- ‌بَابُ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ:

- ‌بَابُ المَفْعُولِ بِهِ:

- ‌بَابُ أَفْعَالِ القُلُوبِ:

- ‌بَابُ اسْمِ الفَاعِلِ:

- ‌بَابُ الْمَصْدَرِ:

- ‌باب المفعول له ويقال: المفعول من أجله

- ‌بَابُ الْمَفْعُولِ مَعَهُ:

- ‌بَابُ الحَالِ: [

- ‌بَابُ التَّمْيِيز: ِ [

- ‌بَابُ نِعْمَ وَبِئْسَ:

- ‌بَابُ حَبَّذَا وَأَفْعَل الَّذِي لِلتَّفْضِيلِ:

- ‌بَابُ كَمِ الاسْتِفْهَامِيَّةِ:

- ‌بَابُ الْمَفْعُولِ فِيهِ وَهُوَ الظَّرْفُ

- ‌بَابُ الاسْتِثْنَاءِ:

- ‌بَابُ لَا فِي النَّفْيِ:

- ‌بَابُ التَّعَجُّبِ:

الفصل: ‌باب المفعول له ويقال: المفعول من أجله

أَلَا نَادَتْ أُمَامَةُ بِاحْتِمَالِ

لِتَحْزُنَنِي فَلَا بِكِ لَا أُبَالِي1

والواو: بدلٌ منها، وهي تدخل على الظّاهر دون المُضمَر؛ فتقول:(والمصحف) 2، ولا تأتي بعد الفعل؛ وتوجيه الإبدال كون بعض معاني الباء للإلصاق، ومن معنى الواو العطف، وهو الجمع؛ فلمّا تقارَب معناهما وقع الإبدال فيهما3.

1 هذا بيتٌ من الوافر، وهو لِغُوَيّة بن سُلْمَى بن ربيعة.

و (الاحتمال) : الارتحال.

ومعنى البيت: خَبّرتني أُمامة بارتحالها؛ لتجلب عليَّ الحزن والغم، لكنّني أدعو أن لا يقع ذلك.

والشّاهد فيه: (فلا بك) حيث جرّ الباءُ الكافَ؛ فهي تجرّ الاسم الظّاهر والمُضمَر؛ وهي هُنا للقسم.

يُنظر هذا البيت في: المسائل العسكريّة 100، وسرّ صناعة الإعراب 1/104، والخصائص 2/109، والتّبصرة 1/445، وشرح الحماسة للمرزوقيّ 2/1001، وشرح المفصّل 8/34، 9/101، وشرح ألفيّة ابن معطٍ 1/421، ورصف المباني 1/224.

2 هذا على أنّ المصحف يتضمّن كلامَ الله، وكلامُ الله تعالى من صفاته؛ فإنّه يجوز الحلِف بالمصحف، بأن يقول الإنسان:(والمصحف) ، ويقصد ما فيه من كلام الله عز وجل.

أمّا إذا قصد بالمصحف الصحُف والأوراق، أو الجلدة، أو المِداد فهذا لا يجوز.

يُنظر: المغني والشّرح الكبير على المقنع 11/173، ومنار السّبيل 2/433، وفتاوى الشّيخ محمّد الصّالح العثيمين 1/231.

(فيهما) زيادة من ب.

ص: 264

وقيل: أشبهت الواو لقُرب المخرَج1.

والتّاء: هي بدلٌ من الواو، كما أبدلت من2الواو في قولهم:(تُراث) و (تخمة) و (تهمة) ؛ إذ اشتقاق هذه الكلمات من: (ورث) ، ومن (الوخامة) ، ومن (الوهم) 3، فعدلوا إلى الإبدال طلبًا للخفَّة.

ولم تدخل التّاء إلَاّ على اسم الله تعالى، كقوله سبحانه:{وَتَاللهِ لأَكِيْدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} 4 لأنّها بدلٌ من بدل، فلم تدخل إلَاّ على اسمٍ واحدٍ [36/ب] معظّم.

ومنهُ5 قول الشّاعر:

تَاللهِ يَبْقَى عَلَى الأَيَّامِ ذُو حَيَدٍ

بِمُشْمَخِرٍّ بِهِ الظَّيَّانُ وَالآسُ6

1 يُنظر: أسرار العربيّة 276، وشرح المفصّل 9/99.

2 في ب: منها.

3 في ب: من اسم الوهم.

4 من الآية: 57 من سورة الأنبياء.

(ومنه) ساقطة من ب.

6 هذا بيتٌ من البسيط، وقد اختُلف في نسبته؛ فنسبه سيبويه في الكتاب 3/497 إلى أُميّة بن أبي عائذ، ونسبه الزّمخشريّ في المفصّل 484 إلى عبدِ مناة الهذليّ، وابن يعيش في شرحه على المفصّل 9/99 إلى أُميّة بن أبي عائذ، وقيل: لأبي ذؤيب الهذليّ، وقيل: للفضل بن العبّاس اللّيثيّ.

ونُسب إلى مالك بن خالد الهذليّ - كما في ديوان الهذليّين 3/2 -؛ ورواية الصّدر فيه:

وَالخُنْسُ لَنْ يُعْجِزَ الأيّامَ ذُو حَيَدٍ

وصدره في ديوان الهذليّين لِسَاعدة بن جُؤَيَةَ الهذليّ 1/193، وعجزه:

أَدْفَى صَلُودٌ مِنْ الأَوْعَالِ ذُو خَدمِ

و (ذو حَيَدٍ) : يريد بذلك الوعل، والحيَد - يروى بفتح الحاء والياء على أنّه مصدرٌ بمعنى العوج والأود - وهو: اعوجاجٌ يكون في قرن الوعْل؛ ويُروى بكسر الحاء مع فتح الياء على أنّه جمع (حَيْدَة) ؛ وهي: العُقدة في قَرْنِ الوعِل.

و (المشمخرّ) : الجبل الشّامخ. و (الظّيّان) : ياسمين البر. و (الآس) : الرّيحان، ومنابتهما: الجبال وحزون الأرض؛ وإنّما ذكرهما إشارةً إلى أنّ الوعل في خصبٍ، فلا يحتاج إلى السّهول فيُصاد.

والشّاهد فيه: (تالله يبقى) على أنّ التّاء لا تدخل إلَاّ على لفظ (الله) تعالى.

يُنظر هذا البيت في: الكتاب 3/497، والمقتضب 2/324 - وفيهما (لله) بدل (تالله) ولا شاهد فيه على هذه الرّواية -، والجُمل 71، والتّبصرة 446، ورصف المباني 198، 247، واللّسان (حيد) 15/158، والهمع 4/236، والأشمونيّ 2/216 - وفيهما (لله) بدل (تالله) ولا شاهد فيه على هذه الرّواية -.

ص: 265

وهاء التّنبيه1 فهي عِوَضٌ من الواو2، تقول:(ها الله لأفعلنَّ) .

فالمُقْسِمُ هُنا قد نبَّه السَّامِع على تأكيد القسم؛ فهذا الحرف هُنا يقتضي تنبيهًا3 ومُنَبِّهًا4 ومُنَبَّهًا عليه.

1 في أ: التثنية، وهو تحريف.

2 ويجوز في ألف (ها) وجهان:

أحدهما: أن تُحذَف ألفها، والهمزة من اسم الله تعالى؛ فتقول:(ها لله لأفعلنّ) .

والثّاني: أن تثبت ألفها، وتقطع الهمزة من اسم الله تعالى؛ فتقول:(ها ألله لأفعلنّ) .

يُنظر: شرح ملحة الإعراب 133، وشرح المفصّل 9/106.

3 في أ: مُنبّهًا، وهو تحريف.

(ومنبِّهًا) ساقطة من ب.

ص: 266

وتعوّض1 - أيضًا - همزة الاستفهام، وألف القطع،2 كقولك:(ألله لتفعلنَّ؟) ، ويجوز ألَاّ يؤتى بحرف القسم ولا بالعوض منه فينتقل إلى النّصب، فتقول:(اللهَ) ؛ فيكون من باب ما سقط فيه الجارّ وتعدّى الفِعْلُ فَنَصَبَ.

ويجوز القطع عن مراعاة الفعل، والحمل على الابتداء نحو:(أللهُ لأفعلنَّ) فيكون مبتدأً وخبرًا، كأنّك قُلْتَ:(اللهُ قسمي) أو (قسمي اللهُ)، ومنه قولُهم:(لَعَمْرُكَ) - بالضّمّ -، ومنه قولُ الشّاعر:

فَقَالَ فَرِيقُ الْقَوْمِ لَا، وَفَرِيقُهُمْ

نَعَمْ وَفَرِيقٌ أَيْمُنُ اللهِ مَا نَدْرِي3

المعنى: أقسِمُ بيمين الله.

وقال امرؤ القيس:

وَقَالَتْ يَمِيْنُ اللهِ مَالَكَ حِيْلَةٌ4

...................................

1 في ب: ويعوّض.

2 يُنظر: شرح ألفيّة ابن معطٍ 1/424.

3 هذا بيتٌ من الطّويل، وهو لِنُصَيْبِ بْنِ رَبَاح.

ومعنى البيت: وَصَف أنّه تعرّض لزيارة من يُحب فجعل ينشد ذودًا من الإبل ضلّت له؛ مخافةَ أن ينكَر عليه مجيئه وإلمامه.

والشّاهد فيه: (أيمنُ الله ما ندري) على أنّ (أيمن) تُستعمل للقسم، بمعنى: أقسم بيمين الله.

يُنظر هذا البيت في: الكتاب 3/503، والمقتضب 1/228، والأزهيّة 21، وتحصيل عين الذّهب 515، والإنصاف 1/407، وشرح المفصّل 8/35، 9/92، وشرح ألفيّة ابن معطٍ 1/427، والهمع 4/329، والدّيوان 94.

4 هذا صدرُ بيتٍ من الطّويل، وعجزه:

وَمَا إِنْ أَرَى عَنْكَ العَمَايَةَ تَنْجَلِي

والشّاهد فيه: (يمين الله) حيث جاء بها للقسم.

يُنظر هذا البيتُ في: الدّيوان 14.

ص: 267

ويحذف أوّل (أَيْمَنْ) 1، فيُقال:[37/أ](مُنُ اللهِ) و (مَنَ اللهِ) 2 و (مُ اللهِ)

وممّا يقسم به العمر؛ فيقال: (لَعَمْرُ اللهِ) ؛ فهو مرفوعٌ بالابتداء، وكقوله تعالى:{لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} 3، ويكون مفتوحًا عاريًا من اللاّم:(لَعَمْرَكَ الله)، وتقديره:(عَمْرَكَ الله) قسمي به، أي: ببقائك4.

1 اختلف البصريّون والكوفيّون في (أيمُن) في القسم: فذهب الكوفيّون إلى أنّها جمع (يمين) ، وأنّ ألِفها ألفُ قطع في الأصل، وحُذفت تخفيفًا لكثرة الاستعمال.

وذهب البصريّون إلى أنّ (أيمن) ليس جمع يمين، وإنّما هو اسمٌ مفرَدٌ مشتقّ من (اليُمْن) ، وأنّ همزته همزة وصلٍ.

وفيها لغاتٌ كثيرة، وصلت إلى عشرين لغة.

يُنظر: الكتاب 3/503، والإنصاف، المسألة التّاسعة والخمسون، 1/404، وشرح المفصّل 8/35، 9/92، وشرح الكافية الشّافية 2/878، وشرح ألفيّة ابن معطٍ 1/427، والجنى الدّاني 538، 541، والهمع 4/238.

(ومن الله) ساقطة من أ.

3 سورة الحجر، الآية:72.

(العَمْر) يُستعمل على ضربين:

أحدهما: أن يقترن باللاّم، وحينئذ يجب رفعه بالابتداء لتصدّره بلامه، والخبر محذوف لسدّ الجواب مسدّه.

والثّاني: أن يتجرّد من اللاّم فيجب نصبه.

يُنظر: شرح الكافية الشافية 2/874.

ص: 268

والحروف الّتي يجاب بها القسم أربعة:1

حرفان للنّفي؛ وهما: (ما) و (لا) ؛ وحرفان للإيجاب؛ وهما: (إنَّ) و (اللاّم)، كقولك:(والله لزيدٌ أفضلُ من عَمْرٍو)، وكقوله تعالى:{وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} 2.

وتأتي بعده3 (قد) ، ويسوغ حذف ما هو للنّفي دون الإيجاب، كقوله تعالى:{تَاللهِ تَفْتَؤُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} 4 أي: لا تَفْتَأُ، ومنه قولُ امرئ القيس:

فَقُلْتُ يَمِيْنُ اللهِ أَبْرَحُ قَاعِدَاً

وَلَوْ قَطَّعُوا رَأْسِي لَدَيْكِ وَأَوْصَالِي5

1 يُنظر: التّبصرة 1/452، وشرح ملحة الإعراب 134، والمقرّب 1/205، وشرح الجمل 1/526، وشرح ألفيّة ابن معطٍ 1/430.

2 سورة العصر، الآية: 1 – 2. ومثال (ما) قوله تعالى: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا} [التوبة:74] . ومثال (لا) قوله تعالى: {لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ} [الحشر:12]

3 في ب: بعد، وهو تصحيف.

4 من الآية: 85 من سورة يوسف.

5 هذا بيتٌ من الطّويل.

و (الأوصال) : جمع وصل؛ وهو كلّ عضوٍ ينفصل عن الآخر.

والشّاهد فيه: (أبرح قاعدًا) على أنّه يسوغ حذف ما هو للنّفي دون الإيجاب، والتّقدير: لا أبرح.

يُنظر هذا البيتُ في: الكتاب 3/504، والمقتضب 2/326، والجمل 73، والتّبصرة 1/454، وشرح المفصّل 8/37، 9/104، وشرح ألفيّة ابن معطٍ 1/426، والمغني 834، والأشمونيّ 1/228، والدّيوان 32.

ص: 269

أي: لا أبرح.

فإنْ أدخلت1 هذه اللاّم على الفعل المضارِع ألحقت بالفعل النّون الثّقيلة أو الخفيفة، كقوله تعالى:{فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} 2.

وحرف (قد) يقترن باللاّم الّتي يتلقّى بها الفعل، فيجوز [37/ب] أن يليها الماضي؛ وهي في هذا الحكم على أربعةِ أوجهٍ:

أَحَدُها: أنْ تأتي مقترنة بـ (قد)، كقوله تعالى:{وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ} 3.

الثّاني: بحذف (اللاّم) و (قد)، كقوله4 [تعالى] 5:{وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ} 6.

الثّالث: وقوع الجواب بـ (قد) عاريًا من اللاّم، كقوله تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} 7.

الرّابع: أن يكون باللاّم عاريًا من (قد)، كقول8 امرئ القيس:

حَلَفْتُ لَهَا بِاللهِ حَلْفَةَ فَاجِرٍ

لَنَامُوا فَمَا إِنْ مِنْ حَدِيثٍ وَلَا صَالِ9

1 في كلتا النسختين: فإن دخلت، وما أثبته هو الأولى.

2 سورة الحجر، الآية:92.

3 سورة التّين، الآية: 3 - 4.

4 في أ: لقوله.

(تعالى) ساقطةٌ من ب.

6 سورة البروج، الآية: 3-4.

7 سورة الشّمس، الآية:9.

8 في ب: وأنشد. دون اسم الشّاعر.

9 هذا بيتٌ من الطّويل.

و (الصّالي) : الّذي يصطلي بالنّار.

والمعني: لَمّا خوّفتني من السّمّار أقسمتُ لها كاذبًا أنْ ليس منهم أحدٌ إِلَاّ نائمًا.

والشّاهد فيه: (لناموا) حيث أدخل اللاّم في الجواب وهو فعل ماض، بدون قد.

يُنظر هذا البيتُ في: الأصول 1/242، وسرّ صناعة الإعراب 1/374، والتّبصرة 1/77، 452، والأزهيّة 52، 452، وشرح المفصّل 9/97، والمقرّب 1/205، وشرح ألفيّة ابن معطٍ 1/431، والمغني 229، والخزانة 10/71، والدّيوان 32.

ص: 270

والفرق بين واو القسم والواو الّتي تضمر بعدها (رُبَّ) :

أنَّ واوَ القسم يجوز أن يدخل عليها واو العطف وفاؤه، كقولك:(وو الله)، وكما قال اللهُ تعالى:{فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ} 1.

والواو القائمة مقام (رُبَّ) فلا يدخل2عليها واو العطف، ولا فاؤه؛ فلا يجوز أنْ تقول: و [وصاحب في قول الشّاعر] 3:

وَصَاحِبٍ نَبَّهْتُهُ لِيَنْهَضَا

إِذَا الْكَرَى في عَيْنِهِ تَمَضْمَضَا4

ولا (فو صاحب) .

1 من الآية: 92 من سورة الحجر.

2 في ب: فلا تدخل.

3 ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السّياق.

4 هذا بيتٌ من الرّجز؛ وهو للرّكّاض الدُّبيريّ.

و (تمضمض النّعاس في عينيه) : دَبَّ.

والتّمثيل فيه (وصاحبٍ) على أنّ الواو القائمة مقام (رُبّ) لا يجوز أن يدخل عليها واو العطف ولا فاؤه.

يُنظر هذا البيتُ في: نوادر أبي زيد 168، والكامل 1/192، والجمهرة (مضمض) 1/212، 3/1284، والتّهذيب (أرض) 12/63، 64، والصّحاح (مضض) 6/1106، والمخصّص 10/158، وشرح ملحة الإعراب 131، واللّسان (أرض) 7/112، (مضض) 7/234.

ص: 271

‌بَابُ الإِضَافَةِ:

وَقَدْ يُجَرُّ الاسْمُ بِالإِضَافَهْ

كَقَوْلِهِمْ: دَارُ أَبِي قُحَافَهْ

[38/أ]

الإضافة هي: إمالة الشّيء إلى الشّيء ونسبته إليه1؛ فالأوّل: مُضاف، والثّاني: مُضافٌ إليه، وينزّلان2 بالتّركيب الإضافي3 منزلة4 الاسم الواحد؛ ولذلك سقط التّنوين من الأوّل؛ لأنَّه لا يكون حشوً الكلمة؛ فالاسم5 الأوّل مُعْربٌ بما يقتضيه العامل، والثّاني مجرورٌ به6 دائمًا.

1 وفي الاصطلاح هي: إسناد اسمٍ إلى غيره، على تنزيل الثّاني من الأوّل منزلة تنوينه، أو ما يقوم مقام تنوينه. شرح الشّذور 306.

وقيل: نسبة تقييديّة بين اسمين توجِب لثانيهما الجرّ.

يُنظر: الهمع 4/264، والصّبّان 2/237.

2 في أ: ويتّصلان.

3 في أ: للإضافة.

4 في أ: بمنزلة.

5 في ب: والاسم.

6 حكم المضاف إليه الجرّ دائمًا؛ وقد اختُلف في عامل الجرّ فيه:

فذهب سيبويه والجمهور إلى أنّه مجرورٌ بالمضاف؛ وذهب الزّجّاج إلى أنّه مجرور بحرف جرٍّ مقدّر.

وقيل: هو مجرورٌ بالإضافة؛ وقيل: هو مجرورٌ بحرف مقدّر ناب عنه المضاف.

تُنظر هذه المسألة في: الكتاب 1/419، والبسيط 2/886، وشرح ألفيّة ابن معطٍ 2/731، وأوضح المسالك 2/167، والتّصريح 2/24، 25، والهمع 4/265.

ص: 273

فَتَارَةً تَأْتِي بِمَعْنَى اللَاّمِ

نَحْوُ: أَتَى عَبْدُ أَبِي1 تَمَّامِ

وَتَارَةً تَأْتِي بِمَعْنَى مِنْ إِذَا

قُلْتَ: مَنَا2 زَيْتٍ فَقِسْ ذَاْكَ وَذَا

اعلم أَنَّ الإضافة تنقسم إلى قسمين: مَحْضَة، وغَيْر مَحْضَةٍ.

فالمحضة: تقع تارةً بمعنى (اللَاّم) ، وتسمّى إضافة المِلك، كقولك:(غُلام زيدٍ) ، أو الاختصاص3 كـ (باب الدّار) .

وتارةً بمعنى (مِنْ) ، وتُسمَّى إضافة الجنس، ويكونُ الأوّل بعض الثّاني، كقولك:(خاتم فِضَّةٍ) 4؛ وهذا5يجوز في إعراب المضاف إليه [38/ب] ثلاثة أوجهٍ6:

جرُّه بالإضافة، ونصبه إمَّا على الحال أو على التّمييز وهو الأولى7، واتباعه للأوّل إمَّا على الصّفة وإمَّا على البدل8؛ مثاله:(خاتم حديدٍ) و (حديدًا) و (حديدٌ) .

ومن شرطه9 أن يكون الأوّل نكرة، والثّاني معرفة؛ فيتعرَّفُ

1 في أ: بني.

2 في أ: منّي زيت وإن شئت فذا.

3 في أ: أو لاختصاص.

4 في ب: ذهب.

5 لو قال: (وبهذا) لكان أحسن.

6 يُنظر: الكتاب 2/117، 118، والبسيط 2/898، 899.

7 في أ: وهو أولى.

8 في كلتا النسختين: من البدل، وما أثبتّه هو الأولى.

9 في ب: ومن شرطها.

ص: 274

بإضافته إليه1، وإن كانا نكرتين فالتّنكير بَاقٍ، كقولك:(طالبُ عِلْمٍ)2.

ومنها: إضافةٌ بمعنى (في)، كقولك:(هؤلاء مسلمو المدينة)،وكقوله تعالى:{يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ} 3، ومنه قولُ النّبيّ صلى الله عليه وسلم – "رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَفْضَلُ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ" 4، ومنه قولُ حَسَّان5:

تُسَائِلُ عَنْ قَوْمٍ هِجَانٍ سَمَيْدَعٍ

لَدَى البَأْسِ مِغْوَارِ الْصَّبَاحِ جَسُورِ6

1 نحو: (غلام زيد) ؛ فـ (غلام) قبل الإضافة نكرة، فلمّا أضيف إلى المعرفة اكتسب التّعريف منها.

يُنظر: التّصريح 2/26.

2 في هذا المثال اكتسب المضاف من المضاف إليه التّخصيص؛ فـ (طالب) قبل الإضافة نكرةٌ خالية عن التّخصيص، فلمّا أُضيف إلى النّكرة تخصّص بها.

يُنظر: التّصريح 2/26.

3 من الآية: 39 من سورة يوسف.

4 يُنظر: صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب فضل الرِّباط في سبيل الله عز وجل، 3/1520، وسنن التّرمذيّ، كتاب فضائل الجهاد، باب ما جاء في فضل المرابِط، 4/188، وسنن النّسائيّ، كتاب الجهاد، باب فضل الرّباط، 6/39، ومسند أحمد 5/441، ومشكل الآثار 3/102.

5 هو: حسّان بن ثابت الخزرجيّ الأنصاريّ، يكنى أبا الوليد: شاعرُ النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وأحد المخضرَمين، عاش ستّين سنة في الجاهليّة ومثلها في الإسلام، كُفّ بصره في آخر عمره؛ ومات في زمن معاوية رضي الله عنه.

يُنظر: طبقات فحول الشّعراء 1/215، والشّعر والشّعراء 188، والأغاني 4/141، والاستيعاب 1/400، والإصابة 1/55.

6 هذا بيتٌ من الطّويل.

و (الهجان) : الكريم الحسَب. و (السّميدع) : الشّجاع الموطّأ الأكناف. و (لدى البأس) : عند الشّدّة في الحرب. و (مغوار) : من أغار على العدوّ يُغير إغارة، ورجلٌ مِغْوارٌ: مقاتِلٌ. و (جسور) : مِقْدَامٌ.

والشّاهد فيه: (مغوار الصّباح) أي: مغوارٌ في الصّباح فالإضافة فيه بمعنى (في) .

يُنظر هذا البيتُ في: شرح عمدة الحافظ 1/483، وشرح الكافية الشّافية 2/908، وابن النّاظم 381، والمقاصِد النّحويّة 3/358، والدّيوان 1/133.

ص: 275

وغير المحضة هي:1 ما يُقَدَّرُ فيها التّنوين، ولا2يتعرّف بها المضاف، كإضافة اسم الفاعل إذا أُريد به الحال أو الاستقبال، كقوله تعالى:{هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} 3، والتّقدير في هذه الإضافة [الانفصال] 4 والتّنوين؛ وأصلُ هذا الكلام:(هديًا بالغًا الكعبة)، وتقول:(مررت برجلٍ حَسَنِ الوجه)[39/ أ] و (حَسَنٍ وجهًا) و (حَسَنٍ وَجْهُهُ)5.

ويجوز في الإضافة الّتي هي غير محضةٍ إدخال الألف واللَاّم على المضافين6، كقولك:(مررتُ بالرّجل الحسنِ الوجه)، كقوله تعالى:{وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ} 7.

1 في أ: هو، وهو تحريف.

2 في ب: فلا.

3 من الآية: 95 من سورة المائدة.

4 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.

5 وكذلك الصّفة المشبّهة باسم الفاعل لا يتعرّف بها المضاف كما مثّل.

ينظر: شرح الملحة 137.

6 يجوز دخول (أل) على المضاف في خمس مسائل.

ينظر: التّصريح 2/29، والأشمونيّ 2/245.

7 من الآية: 35 من سورة الحجّ.

ص: 276

والإضافة المحضة يجوز أن تَفْصِل بين المضاف والمضاف إليه اضطرارًا1، كما ورد في النّظم، [وذلك] 2 بنعتٍ في3 قول الشّاعر:

نَجَوْتُ4 وَقَدْ بَلَّ المُرَادِيُّ سَيْفَهُ

مِنَ ابْنِ أَبِي - شَيْخِ الأَبَاطِحِ - طَالِبِ5

1 هذا مذهب كثيرٍ من النّحويّين، وذهب ابن مالك إلى أنّه يجوز - في السّعة- الفصل بينهما في ثلاث صور:

الأولى: أن يكون المضاف مصدرًا، والمضاف إليه فاعله، والفاصل إمّا مفعوله كقراءة ابن عامرٍ:{قَتْلُ أَوْلَادَهُمْ شُرَكَائِهِمْ} [الأنعام: 137]، وإمّا ظرفه كقول بعضهم:(ترك - يوما - نفسك وهواها سعيٌ لها في رداها) .

الثّانية: أن يكون المضاف وصفًا، والمضاف إليه مفعوله الأوّل، والفاصل إمّا مفعوله الثّاني كقراءة بعضهم:{فَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدَهُ رُسُلِهِ} [إبراهيم: 47]، أو ظرف: كقوله صلى الله عليه وسلم: "هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو- لِي- صَاحِبي".

الثّالثة: أنْ يكون الفاصل القسَم، نحو قولهم:(هذا غلامُ - والله - زيدٍ) .

تُنظر هذه المسألة في: شرح التّسهيل 3/276-277، وابن النّاظم 405، والتّصريح2/57، والأشمونيّ 2/275، 276.

(وذلك) ساقطة من أ.

3 في أ: بنعتٍ من.

4 في أ: بقيت.

5 هذا بيتٌ من الطّويل، وهو لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.

و (بَلَّ) : لطّخ سيفه بالدّم. و (المُراديّ) : عبد الرّحمن بن مُلجم قاتِلُ عليّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه. و (الأباطح) : جمع أبطح، وهو: كلّ مكان متّسع، أو هو مسيلٌ واسعٌ فيه دِقاقُ الحصى، وأراد بالأباطح: مكّة المكرّمة. و (شيخ الأباطح) : هو أبو طالب - والد عليّ رضي الله عنه.

والشّاهد فيه: (من ابن أبي شيخ الأباطح طالب) حيث فصل بين المضاف وهو (أبي) والمضاف إليه وهو (طالب) بالنّعت للضّرورة الشّعريّة.

يُنظر هذا البيتُ في: شرح الكافية الشّافية 2/990، وشرح عمدة الحافظ 1/496، وابن النّاظم 411، وابن عقيل 2/79، والمساعِد 2/372، والمقاصد النّحويّة 3/478، والتّصريح 2/59، والهمع 4/296، والأشمونيّ 2/278.

ص: 277

أو بجملةٍ1، كقول الآخر2:

لَهَا خَائِلٌ أَوْعَى - بِأَيَّةِ كُلَّمَا

تَنَاوَلَ كَفَّاهُ البِسَارَ - الجَوَانِحِ3

1 في ب: أو مجمله.

2 في أ: الرّاجز، وهو سهوٌ من النّاسخ.

3 في ب: الحوايج، وهو تصحيف.

وهذا البيتُ من الطّويل، وهو لِسُوَيد بن الصّامت الأنصاريّ رضي الله عنه من قصيدة قالها؛ وقد ادّان دَيْنًا وطُولب فاستغاث بقومه فقصّروا عنه؛ ومنها:

وَأَصْبَحْتُ قَدْ أَنْكَرْتُ قَوْمِي كَأَنَّنِي

جَنَيْتُ لَهُمْ بِالدَّيْنِ إِحْدَى الفَضَائِحِ

أَدَيْنٌ وَمَا دَيْنِي عَلَيْهِم بِمَغْرَمٍ

وَلَكِنْ عَلَى الشُّمِّ الجِلَادِ القَرَاوِحِ

أَدِينُ عَلَى أَثْمَارِهَا وَأُصُولِهَا

لِمَوْلَى قَرِيبٍ أَوْ لآخَرَ نَازِحِ

الإصابة 3/187، واللّسان (قرح) 2/562.

و (نخلة قِرْواح) : ملساء جَرْداءُ طويلة، والجمع قراويح ولكن حذفت الياء. و (الشّمّ) : الطِّوالُ من النّخل وغيرها. و (الجلاد) : الصّوابر على الحرّ والعطش وعلى البرد، والضّمير في (لها) يرجع إلى النّخل الّذي يصفه. و (الخائل) المتعهّد للشّيء والمصلِح له القائم به. و (أوعى الجوانح) : مجبورها بعد كسر، قال في اللّسان - (وعى) 15/396 -:"وَعَى العظم إذا انجبر بعد الكسر". و (البِسار) : الحَبْل الّذي يُرتقى به إلى النّخل.

والشّاهد فيه: (أوعى الجوانحِ) حيث فصل بين المضاف - وهو (أوعى) - والمضاف إليه - وهو (الجوانح) - بنعت هو جملة؛ للضّرورة الشّعريّة.

يُنظر هذا البيت في: التّقفية في اللّغة 389، وشرح التّسهيل 3/276، وشرح عمدة الحافظ 1/497.

ص: 278

أو بظرفٍ، كقول الشّاعر:

.................................

لِلَّهِ دَرُّ - اليَومَ - مَنْ لَامَهَا1

1 هذا عجُز بيتٍ من السّريع، وصدره:

لَمَّا رَأَتْ سَاتِيدَمَا اسْتَعْبَرَتْ

وهو لعمرو بن قميئة.

و (سَاتِيدَمَا) : جبلٌ متّصلٌ من بحر الرّوم إلى بحر الهند، يقال: إنه سُمِّيَ بذلك لأنّه ليس مِنْ يومٍ إلاّ ويُسْفكُ عليه دمٌ، كأنّهما اسمان جعلا اسمًا واحدًا.

يُنظر: معجم ما استُعجم 2/711، ومعجم البلدان 3/168.

و (استعبرتْ) بكت من وحشة الغُربة، ولبُعدها عن أراضي أهلها؛ والعرب تقول:(لله درُّ فلان) إذا دعوا له، أو تعجّبوا من بلوغه الغاية في شيءٍ مّا.

والمعنى: وصفَ الشّاعر امرأةً نظرت إلى (سَاتِيدَمَا) - وهو جبلٌ بعيد من ديارها- فتذكّرتْ به بلادها، فاستعبرتْ شوقًا إليهم.

والشّاهد فيه: (درّ اليوم من لا مها) فإنّ (درّ) مضاف و (من لامها) اسمٌ موصولٌ مضافٌ إليه، وقد فصَل بين المُضاف والمضاف إليه بالظّرف وهو (اليوم) للضّرورة الشِّعريّة.

يُنظر هذا البيتُ في: الكتاب 1/178، والمقتضب 4/377، ومجالس ثعلب 125، وتحصيل عين الذّهب 147، والإنصاف 2/ 432، وشرح المفصّل 1/103، 3/20، والأشباه والنّظائر 2/232، والخزانة 4/406، والدّيوان 182.

ص: 279

[و] 1 كقول الآخر:

كَمَا خُطَّ الكِتَابُ بِكَفِّ - يَوْمًا -

يَهُودِيٍّ يُقَارِبُ أَوْ يُزِيْلُ2

أو بجارّ ومجرور، كقول الشّاعر:

[هُمَا أَخَوَا3 - فِي الحَرْبِ - مَنْ لَا أَخَا لَهُ 4

......................................

1 العاطف ساقط من ب.

2 هذا بيتٌ من الوافر، وهو لأبي حَيَّةَ النُّمَيْرِيِّ، يصف رسم دار.

و (يقارِب) : يضم بعض ما يكتبه إلى بعض. (أو يزيل) يفرِّق كتابته.

والمعنى: وصف رسوم الدّار فشبّهها بالكتاب في دقّتها والاستدلال بها؛ وخصّ اليهود لأنّهم أهلُ كتابٍ، وجعل كتابته بعضها متقاربٌ وبعضها متفرّق ومتباين؛ لاقتضاء آثار الدّار تلك الصّفة والحال.

والشّاهد فيه: (بِكَفِّ - يومًا - يهوديّ) حيث فصَل بين المضاف - وهو (كف) - والمضاف إليه - وهو (يهوديّ) - بالظّرف - وهو (يومًا) - للضّرورة الشّعريّة.

يُنظر هذا البيتُ في: الكتاب 1/179، والمقتضب 4/377، والخصائص 2/405، والإنصاف 2/432، وشرح المفصّل 1/103، وشرح التّسهيل 3/273، وابن النّاظم 410، وابن عقيل 2/78، والخزانة 4/419، وشعره - ضمن مجلّة المورِد، المجلّد الرّابع، العدد الأوّل - 142.

3 في ب: إلي، وهو تحريف؛ والصّواب ما هو مثبت.

4 هذا صدرُ بيتٍ من الطّويل، وعجزه:

إِذَا خَافَ يَوْمًا نَبْوَةً فَدَعَاهُمَا

نُسِبَ إلى عَمْرَة الخثعميّة، وقيل: لدُرْنا بنت عَبْعَبَةَ، وقيل: لامرأة من بني سعد.

و (النّبوَة) أصلُها: أنْ يضرِب بالسّيف فينبوَ عن الضّريبة ولا يمضي فيها. (فدعاهما) : استغاث بهما.

والمعنى: ترثي الشّاعرة أخويها فتقول: كانا لمن لا أخا له في الحرب ولا ناصر، أخوين ينصرانه إذا غشيه العدوّ فخاف أن ينبوَ عن مقاومته.

والشّاهد فيه: (هما أخوا - في الحرب - من لا أخا له) حيث فصَل بين المضاف - وهو (أخوا) - والمضاف إليه - وهو (مَن) - بالجارّ والمجرور- وهو (في الحرب) - للضّرورة الشّعريّة.

يُنظر هذا البيت في: الكتاب 1/180، ونوادر أبي زيد 115، 116، والخصائص 2/405، وتحصيل عين الذّهب 149، والإنصاف 2/434، وشرح المفصّل 3/21، وابن النّاظم 410، والمقاصِد النّحويّة 3/472، والهمع 4/295.

ص: 280

أو بنداء ومنادى1، كقول الآخر:] 2

كَأَنَّ بِرْذَوْنَ - أَبَا عِصَامِ3 -

زَيْدٍ حِمَارٌ دُقَّ بِاللِّجَامِ4

1 في ب: ومنادى إلى؛ ويستقيم الكلامُ بدون حرف الجرّ.

2 ما بين المعقوفين ساقط من أ.

3 في أ: عاصم.

4 هذا بيتٌ من الرّجز، ولم أقفْ على قائله.

و (البرذون) من الخيل ما ليس بعربيّ.

والمعنى: يشبّه برذون زيد بحمار ملجّم.

والشّاهد فيه: (برذون أبا عصام زيد) حيث فصَل بين المضاف - وهو (برذون) - والمضاف إليه - وهو (زيد) - بالمنادى - (أبا عصام) - للضّرورة الشّعريّة.

يُنظر هذا البيت في: الخصائص 2/404، وشرح التّسهيل 3/275، وابن النّاظم 412، وابن عقيل 2/81، والمقاصد النّحويّة 3/480، والتّصريح 2/60، والهمع 4/296، والأشمونيّ 2/278.

ص: 281

[39/ ب]

وَفِي المُضَافِ مَا يُجَرُّ أَبَدَا

مِثْلُ: لَدُنْ زَيْدٍ وَإِنْ شِئْتَ لَدَى

وَمِنْهُ سُبْحَانَ وَذُو وَمِثْلُ

وَمَعْ وَعِنْدَ وَأُوْلُو وَكُلُّ

ثُمَّ الجِهَاتُ السِّتُّ فَوْقُ وَوَرَا

وَيَمْنَةً وَعَكْسُهَا بِلَا مِرَا

وَهَكَذَا غَيْرُ وَبَعْضُ وَسِوَى

فِي كَلِمٍ شَتَّى رَوَاهَا مَنْ رَوَى1

الأسماء المضافة إضافة معنويّةً؛ لازمة الإضافة، وغير لازمة.

فاللاّزمةُ على ضربين: ظروف، وغير ظروف2.

فمن الظّروف: (لَدُنْ) ، وهو بمنزلة (عند) 3، وهو مع الظّاهر آخره ألفٌ، ومع المضمَر ينقلب4 ياءً؛ تقول:(لدى زيد ولديك) ؛ فإذا استقبلها الألف5واللاّم تسقط نُونها، كقولك:(لدى الرّجل) ؛ ومن العرب مَن ينصب بها6.

وتكون بمعنى (مُنْذُ) ؛ تقول: (ما رأيته من لَدُنْ غُدْوَةً)، قال أبو سفيان7 بن حَرْبٍ:

1 في ب: قُدِّمَ هذا البيتُ على الّذي قبله.

2 يُنظر: شرح المفصّل 2/126.

3 إلَاّ أنّ (لدن) تختصّ عن (عند) بستّة أمور.

يُنظر: التّصريح 2/45، والأشمونيّ 2/264.

4 في ب: تنقلب.

5 أي: دخل الألف واللاّم على المضاف إليه.

6 يُنظر: الكتاب 1/58، 210، 3/119، والتّصريح 2/45.

7 في أ: أبو اسفين، وفي ب: أبو سفين، وكلتاهُما محرّفة، والصوّاب ما هو مثبت.

وأبو سفيان هو: صخر بن حرب بن أُميّة القرشيّ الأمويّ، مشهور باسمه وكنيته: كان من دُهاة العرب، ومن أهل الرّأي والشّرف فيهم، أسلم عام الفتح، وشهد حنينًا والطّائف، وكان من المؤلَّفة قلوبهم؛ توفّي بالمدينة سنة (30هـ) .

يُنظر: الاستيعاب 2/270، وسير أعلام النّبلاء 2/105، والعبر 1/23، والإصابة 3/332.

ص: 282

وَمَا زَالَ مُهْرِي مَزْجَرَ الكَلْبِ مِنْهُمُ

لَدُنْ1 غُدْوَةً حَتَّى دَنَتْ لِغُرُوبِ2

(سُبحان الله) معناه: التّنزيه.

[و] 3 (ذو) 4: بمعنى صاحب لازم الإضافة، ومن إضافته إلى المضمَر5؛ ما أنشده الأصْمَعيُّ6:

1 في أ: لذن، وهو تصحيف.

2 هذا بيتٌ من الطّويل.

و (مزجَر الكلب) : مكان زجر الكلب وإبعاده.

والمعنى: ما زال مهري بعيدًا عن هؤلاء القوم من أوّل النّهار إلى آخره.

والشّاهد فيه: (لدن غدوة) حيث جاءت (لدن) بمعنى (مُنْذُ) أي: مُنْذُ غدوة.

وجميع النُّحاة استشهدوا به على نصب غدوة بعد (لدن) ولم تجرّ بالإضافة؛ وهذا نادر.

يُنظر هذا البيتُ في: حُروف المعاني 26، وشرح اللّمع لابن بَرْهان 2/429، واللّسان (لدن) 13/384، وابن عقيل 2/65، والمقاصد النّحويّة 3/429، والتّصريح 2/46، والهمع 3/218، والأشمونيّ 2/263، والدّرر 3/138.

3 العاطِف ساقطٌ من ب.

4 في أ: وذ، وهو تحريف.

5 في ب: إلى مضمرٍ.

6 هو: عبد الملك بن قُرَيب، أبو سعيد الأصمعيّ، البصريّ، اللّغويّ: أحدُ أئمّة اللّغة، والغريب، والأخبار، والملح، والنّوادر؛ مولده ووفاته بالبصرة؛ ومن مصنّفاته: الإبل، وخلق الإنسان، والخيل، والأضداد، وله قصائد اختارها، عُرفت بالأصمعيّات؛ توفّي سنة (216هـ) .

يُنظر: مراتب النّحويّين 80 - 105، وأخبار النّحويّين البصريّين 72 - 80، وطبقات النّحويّين واللّغويّين 167، ونزهة الألبّاء 90، وإنباه الرُّواة 2/197.

ص: 283

[40/أ]

إِنَّمَا يَصْطَنِعُ المَعْـ

رُوفَ فِي النَّاسِ ذَوُوهُ1

ومن إضافته إلى المضاف للمضمَر2قولُ عِثْيَر بن لَبِيد3:

يَبْكِي عَلَيْهِ غَرِيْبٌ لَيْسَ يَعْرِفُهُ

وَذُوْ قَرَابتَهِ فِي الحَيِّ مَسْرُورُ4

1 هذا بيتٌ من مجزوء الرّمل؛ أنشده الأصمعيّ ولم يعزه لقائل معيّن.

والشّاهد فيه: (ذووه) حيث أضاف (ذوو) - وهو جمع (ذو) - إلى المضمَر؛ والمختار: إضافة (ذو) إلى المضمَر.

يُنظر هذا البيت في: شرح المفصّل 3/38، وشرح الكافية الشّافية 2/928، وشرح التّسهيل 3/242، واللّسان (ذو) 15/458، والمساعِد 2/346، والهمع 4/284، والدّرر 5/27.

2 في كلتا النّسختين: ومن إضافته إلى المضاف المضمر، وهو تحريف، والصّواب ما هو مثبَت.

3 في ب: كبير. ولم أقف على ترجمةٍ له.

4 هذا بيتٌ من البسيط، وهو لِعثير بن لبيد العذريّ، وقيل: لعثمان بن لبيد العذريّ، وقيل: لحُرَيْث بن جَبَلة العذريّ.

والشّاهد فيه: (وذو قرابته) حيث أضاف (ذو) إلى المضاف للمضمر.

يُنظر هذا البيت في: المعمّرين 61، وعيون الأخبار 2/328، ومجالس ثعلب 1/221، ودرّة الغوّاص 73، 74، ونزهة الألبّاء 33، واللّسان (دهر) 4/293، وشرح شواهد المغني 1/244، والدّرر 3/101.

ص: 284

(مِثْل) : تسوية1، وقد يَدْخُلُ2 عليه الكاف تأكيدًا للتّشبيه.

(مَعَ) : كلمةٌ تَضُمُّ الشّيء إلى الشّيء، والغالب عليها الظّرفيّةُ، كقولك:(سِرْتُ مَعَ القوم) أي: في جَمْعهِمْ.

(عِنْد) : ظرف مكان، تقول:(كُنْتُ عِنْدَ زَيْدٍ) ؛ و [قد] 3 تكون ظرف زمان، كقولك:(كان هذا عند انتصاف4 النّهار) .

(أولو) : 5 اسم لجمع6 أسماء الإشارة.

(كلّ) : معناه العموم والإحاطة.

(فَوْقُ) و (تَحْتُ) : هما7 ظرفان، وقد8 يكونان اسمين9 في قولك:(تحتُكَ رجلاك) ؛ لأنَّ الرِّجْل هي التَّحْتُ نفسه10، وكذا:(فوقَكَ بناءٌ حَسَن)11.

1 في كلتا النّسختين: سويّه؛ ولعلّها محرّفة؛ والتّصويب من الكتاب 4/231.

2 في ب: تدخل.

(قد) ساقطة من ب.

4 في أ: انتصاب.

5 في أ: ألو، وهو تحريف.

6 في كلتا النّسختين: لجميع، وهو تحريف.

7 في أ: فهما.

8 في ب: وقيل.

9 يُنظر: الكتاب 1/411، 416، 420.

10 وكذا (فوقُكَ رأْسُك) ؛ لأنّ الفوق هو الرّأس.

يُنظر: حروف المعاني 27.

11 (فوق) في هذا المِثال ظرف، وكذا (تحت) في قولك: تحتَك بساطٌ.

يُنظر: حروف المعاني 27.

ص: 285

والجهات السِّت:1ظروف أمكنةٍ؛ ومنها: (يمين) و (شمال) و (أعلى) و (أسفل) و (قُبالَة) و (حِذاءَ) و (إِزاء)[و (تِلْقَاء) ] 2 و (تِجاه) و (أمام) و (وراء) و (بين ذلك) . ومنها:

(وسَْط) :3- بسكون السّين [وفتحها -؛ والفرق بينهما: أنَّ المتحرِّكة السّين] 4 تقع فيما لا ينقسم، كقولك:(ضربت وَسَطَ رأسه) ، والسّاكنة السّين تحلّ محلّ (بين)، تقول:(جلس5 وَسْط القوم)[40/ب]

(غَيْرُ) : كلمةٌ بمعنى (سِوى) ، ويستثنى بها بعضُ اختصاص من (كُلّ)، وبعض الشّيء: طائفةٌ مِنْهُ.

(سِوى) :6- تُضَمُّ سينه وتُفتح - وهي تكون اسمًا وظرفًا7؛

1 في أ: السّتّة.

2 ما بين المعقوفين ساقط من أ.

3 وسط: يكون اسمًا وظرْفًا: فإذا أردتّ الظّرف أسْكنت السّين، وإذا أردّت الاسم فتحتَ، فتقول:(وَسْط رأسك دهن) إذا أخبرت أنّه استقرّ في ذلك الموضع أسكنت السّين ونصبت لأنّه ظرف، وتقول:(وسَط رأسك صلب) فتحت السّين ورفعت لأنّه اسم غير ظرف.

يُنظر: الكتاب 1/411، والمقتضب 4/341، 342، وشرح المفصّل 2/128، والبسيط 2/880، والهمع 3/157.

4 ما بين المعقوفين ساقط من أ.

5 في ب: جلست.

6 يُنظر: حروف المعاني 10، 23.

7 هذا مذهب الكوفيين، وأما البصريون فإنها لا يكون عندهم إلا ظرفاً.

ينظر: الإنصاف، المسألة السادسة والثلاثون 1/214.

ص: 286

فإذا كانت اسمًا مُدَّت وقُصِرَت، ولا تُمَدُّ إلَاّ إذا كانت مفتوحة السّين.

فإذا كانت اسمًا فهي بمعنى (غير) 1، كقول الأعشى2:

.................................

وَمَا قَصَدَتْ مِنْ أَهْلِهَا لِسَوائِكَا3

وإذا4 كانت ظرفًا فهي بمنزلة (وَسَط) ، وتكون ممدودةً للتّحقيق، تقول:(مررتُ برجُلٍ سَواءٍ) أي: مثلك.

1 في ب: عن، وهو تحريف.

2 هو: ميمون بن قيس، المعروف بأعشى قيس، ويكنى أبا بصير: شاعرٌ جاهليّ من شعراء المعلَّقات العشر، لقِّب بـ (صنّاجة العرب) لجودة شعره، وقيل: لأنّه كان يتغنّى بشعره؛ أدرك الإسلام في أواخر عمره ولم يُسْلِم.

يُنظر: طبقات فحول الشّعراء 1/65، والشّعر والشّعراء 154، والأغاني 9/127، والمؤتلف والمختلف 10، والخزانة 1/175.

3 في ب: لسواكه، وهو تحريف.

وهذا عجز بيتٍ من الطّويل، وصدره:

تَجَانَفُ عَنْ جُوّ اليَمَامَةِ نَاقَتِي

و (التّجانف) : الميل والانحراف.

والشّاهد فيه: (لسوائكا) على أنّ (سِوى) تكون اسمًا بمعنى (غير) أي: لغيرك.

يُنظر هذا البيت في: الكتاب 1/32، 408، والمقتَضب 4/349، وتحصيل عين الذّهب 68، وأمالي ابن الشّجريّ 1/359، 2/250، والإنصاف 1/295، وشرح المفصّل 2/84، والهمع 3/162، والخزانة 3/435، والدّيوان 89.

4 في أ: وإنْ.

ص: 287

‌بَابُ كَمِ الْخَبَرِيَّةِ:

وَاجْرُرْ بِكَمْ مَا كُنْتَ عَنْهُ مُخْبِِراً

مُعَظِّمًا لِقَدْرِهِ مُكَثِّرَا1

تَقُولُ: كَمْ مَالٍ أَفَادَتْهُ يَدِي

وَكَمْ إِمَاءٍ مَلَكَتْ وَأَعْبُدِ

(كَمْ) : اسم موضوع لعدد مُبْهَمٍ جِنْسًا ومِقْدارًا؛ ولها موضعان2: الخبر [41/أ] ، والاستفهام.

فالخبرُ يقترن بالتّكثير3؛ والعددُ مجرورٌ بها، ولزمت صدر الكلام لأَنَّها في الخبر بمنزلة (رُبَّ) ؛ لأنَّ الشّيءَ يحمل على نقيضه4 فلم يتقدّم عليها شيءٌ سِوى حرف الجرِّ؛ لأنَّ الجارّ والمجرور كالشّيء الواحد. ويحكم على موضعها بالرّفع تارةً، وبالنّصب أُخرى، وبالجرّ تارةً على ما يقتضيه العامل.

وهي تشبه الاستفهاميّة من وُجوهٍ، وتخالِفها من وُجوهٍ5؛ وتوجيه المشابهة:

1 في متن الملحة 17: مُكَبِّرَا.

2 في أ: موضوعان، وهو تحريف.

3 في أ: بالتّنكير، وهو تحريف.

4 قيل: لأنّها إنْ كانت استفهاميّة فالاستفهام له صدرُ الكلام؛ وإنْ كانت خبريّة فهي نقيضة (رُبّ)، و (رُبّ) معناها: التّقليل، والتّقليل مضارِعٌ للنّفي، والنّفي له صدرُ الكلام كالاستفهام.

يُنظر: أسرار العربيّة 214، وشرح الرّضيّ 2/97، والصّبّان 4/83.

5 يُنظر: التّصريح 2/279، والأشمونيّ 4/83.

ص: 289

أنّهما يشتركان في لفظ الكميَّةِ1، ويلزمان صدر الكلام، وأنّهما يشتركان في البِناء لتَضمُّنِهمَا معنى الحرف، وأنّهما يشتركان في احتياجهما إلى مُفَسِّرٍ لأجل ابهامهما، ويشتركان في جواز الحمل على اللّفظ، وتارةً على المعنى في الإفراد والجمع والتّذكير والتّأنيث2.

ووجوه المخالَفة:

مِنْهَا: أنَّ الاستفهاميّة بمنزلة عَدَدٍ مُنوَّنٍ، نحو:(عشرين دِرْهمًا)، والخبريّة بمنزلة عَدَدٍ مُضافٍ؛ ويدلّ على ذلك: انتصاب مميّز الاستفهاميَّة، [وانجرار مميّز الخبريّة. ومنها: أنّ مميّز الاستفهاميّة] 3 فردٌ منصوبٌ4، ومميّز الخبريّة

1 لأنّهما كنايتان عن عدد مجهول الجنس والمقدار. التّصريح 2/279.

2 يُنظر: شرح المفصّل 4/132، وشرح ألفيّة ابن معطٍ 2/1123.

3 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.

4 أمّا الإفراد فلازمٌ عند البصريّين، وأجاز الكوفيّون كونه جمعًا مطلَقًا، وفصّل بعضهم فقال: إنْ كان السّؤال عن الجماعات - نحو (كم غلامانًا لك) إذا أردتّ أصنافًا من الغلمان - جاز، وإلَاّ فَلا، وهو مذهب الأخفش.

وأمّا نصبه ففيه ثلاثة مذاهب:

أحدها: أنّه لازمٌ ولا يجوز جرّه مطلَقًا؛ وهو مذهب بعض النّحويّين.

والثّاني: أنّه ليس بلازم بل يجوز جرّه مطلَقًا حملاً على الخبريّة، وإليه ذهب الفرّاء، والزّجّاج، والفارسيّ.

والثّالث: أنّه يجوز جرّه بـ (مِنْ) مضمَرةً جوازًا إنْ جرّت (كم) بحرف، نحو:(بكم درهم اشتريت ثوبك؟) ؛ هذا هو المشهور، ولم يذكر سيبويه جرّه إلاّ إذ دخل على (كم) حرفُ جرٍّ ليكون حرف الجرّ الدّاخل على (كم) عوضًا من اللّفظ بـ (من) المضمَرة؛ وهو مذهب الخليل، وسيبويه، وجماعة؛ وذهب الزّجّاج إلى أنّ جرّ التّمييز إنّما هو بإضافة (كم) إليه.

تُنظر هذه المسألة في: الكتاب 2/159، 160، والمقتضب 3/56، وشرح الرّضيّ 2/96، والتّصريح 2/279، والهمع 4/78، 79، والأشمونيّ 4/79، 80.

ص: 290

جمع مجرور1.

ومنها: [41/ب] أنَّ الاستفهاميّة تقتضي جوابًا؛ وجوابها: إعرابه يكون بحسب موضعها؛ فإذا قُلْتَ:

(كم مالك؟) فجوابه: (عشرون) ؛ والخبريّة لا تقتضي جوابًا؛ لأنّ المتكلِّم بها يُخْبِرُ عن نفسه.

ويجوز أن يأتي الاسم بعد الخبريّة مُفْرَدًا وجمعًا2، كقولك:(كم عَبْدٍ ملكت) و (كم عبيدٍ) .

فإن فَصَل بينها3 وبين ما عملت فيه فاصلٌ انتصب على التّمييز4،

1 تمييز (كم الخبريّة) مجرورٌ، ويكون مفرَدًا، وجمعًا، والجرُّ هُنا بإضافة (كم) على الصّحيح إذْ لا مانع منها؛ وقال الفرّاء:"إنّه بمن مقدّرة"، ونُقل عن الكوفيّين.

ينظر: الهمع 4/80، 81، والأشمونيّ 4/81.

2 الإفراد أكثر من الجمع وليس الجمع بشاذ - كما زعم بعضهم -.

تنظر هذه المسألة في شرح الرّضيّ 2/96، 97، والتصريح 2/279، 280، والهمع 4/ 80، والأشماوني 4/ 80، 81.

3 في أ: ما بينها، بإقحام الميم.

4 يفصل - في السّعة - بين (كم) الاستفهاميّة، ومميّزها بالظّرف، وشبهه، نحو:(كم عندك غلامًا؟) و (كم لك جارية؟) . ولا يفصل بين (كم) الخبريّة ومميّزها إلاّ في الضّرورة؛ فيجوز لأجلها الفصل بينهما بالظّرف، وشبهه، وبالجملة.

ثم اختلف العلماء: فذهب الكوفيّون إلى أنّه إذا فصل بين (كم) في الخبر وبين الاسم بالظّرف وحرف الجرّ كان مخفوضًا، نحو (كم عندك رجل) و (كم في الدّار غلام) . وذهب البصريّون إلى أنّه لا يجوز فيه الجرّ، ويجب أن يكون منصوبًا.

تُنظر هذه المسألة في: الكتاب 2/164، والمقتضب 3/60، والأصول 1/319، والإنصاف، المسألة الحادية والأربعون، 1/303، والتّبيين، المسألة الرّابعة والسّبعون، 429، وشرح المفصّل 4/131، وشرح الرّضيّ 2/97، وابن النّاظم 742، والهمع 4/82، والأشموني ّ4/81، 82.

ص: 291

كقول الشّاعر:

كَمْ نَالَنِي مِنْهُمُ فَضْلاً عَلَى عَدَمٍ

إِذْ لَا أَكَادُ مِنَ الإِقْتَارِ أَحْتَمِلُ1

فتقول من ذلك: (كم لي عَبْدًا) .

1 هذا بيتٌ من البسيط، وهو لِلْقُطَامِيّ.

و (العدم) : فقْدُ المال وقلّته. و (الإقتار) : الافتقار.

والمعنى: الشّاعر يمدح هؤلاء القوم بأنّهم أنعموا عليه وأفضلو عند فقره وعدمه - لشدّة الزّمان وشمول الجدب -؛ وحين بلغ به الجهد وسوء الحال إلى أنّه لا يستطيع الاحتمال - أي: الارتحال - لطلب الرّزق ضعفًا وفقرًا.

ويروى (أجتمل) - بالجيم - أي: أجمع العظام لأخرج وَدَكها وأتعلّل به، و (الجميل) : الوَدَك.

والشّاهد فيه: (فضلاً) حيث نصب (فضلاً) على التّمييز مع الفصْل بينه وبين (كم) الخبريّة بفاصل.

يُنظر هذا البيتُ في الكتاب 2/165، والمقتضب 3/60، وتحصيل عين الذّهب 301، والإنصاف 1/305، والتّبيين 430، وشرح المفصّل 4/131، وشرح عمدة الحافظ 535، وابن النّاظم 744، والمقاصد النّحويّة 3/298، والخزانة 6/477، والدّيوان 30.

ص: 292

‌بَابُ الْمُبْتَدَأ [وَخَبَرِهِ]

1:

وَإِنْ فَتَحْتَ النُّطْقَ باسْمِ

مُبْتَدَا فَارْفَعْهُ وَالإِخْبَارَ عَنْهُ أَبَدَا2

تَقُولُ مِنْ ذَلِكَ: زَيْدٌ عَاقِلُ

وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَالأَمِيرُ عَادِلُ

المبتدأ: كُلُّ اسمٍ ابتدأت به، وعرّيته من العوامِل [اللّفظيّة3 لتسند إليه خبرًا يكون به جملةً تحصُل به الفائدة.

وهو وخبره - إذا لم يكن ظرفًا ولا جارًّا ومجرورًا - مرفوعان، كـ (الصُّلْحُ خَيْرٌ) فالمبتدأ مُعْتمد السّؤال، والخبر - من ذي (خير) - معتمد الفائدة4.

وهو مرفوعٌ بالابتداء5؛ والابتداءُ مَعْنىً لا لفظ، وهو وَصْفٌ؛

1 ما بين المعقوفين ساقط من أ.

2 ورد في شرح الملحة 143بعد هذا البيت بيتٌ آخَر؛ وهو قولُه:

وَلَا يَكُونُ المُبْتَدَأ فِي الغَالِبِ

إِلَاّ وَقَدْ عَرَّفْتَهُ كَالكَاتِبِ

3 أي: غير المزيدة؛ ليدخل نحو: (بحسبك زيد)، {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَاّ الله} [المائدة: 73] ممّا جاء مبتدأً مجرورًا بحرف جرّ زائد. يُنظر: ابن النّاظم 105.

4 يُنظر: شرح ألفيّة ابن معطٍ 2/818.

5 اختلف العلماء في رافع المبتدأ:

فذهب سيبويه وجمهور البصريّين إلى أنّه مرفوعٌ بالابتداء.

وذهب الجرميّ والسّيرافيّ وكثيرٌ من البصريّين إلى أنّ عامله التّعرِّي من العوامِل اللّفظيّة. =

ص: 293

........................................................................................

= وذهب الزّجّاج إلى أنّ المبتدأ يرتفع بما في النّفس من معنى الإخبار.

وذهب آخرون إلى أنّ المبتدأ يرتفع بإسناد الخبر إليه.

وذهب الكوفيّون إلى أنّ المبتدأ يرفع الخبر، واختاره ابن جِنّي، وأبو حيّان، والسّيوطيّ.

وقيل: إنّه يرتفع بالعائد من الخبر؛ وهو مذهبٌ آخرٌ للكوفيّين.

وقال ابن عقيل بعد ذكر الخلاف: "وهذا الخلاف ممّا لا طائل فيه".

واختلفوا في الابتداء:

فقيل: هو التعرية من العوامِل اللّفظيّة.

وقيل: هو جعل الاسم أوّلاً ليُخبر عنه.

وقيل: هو عبارة عن مجموع وصفين هما التّجرّد والإسناد.

وقيل: هو علّة ذاتُ أوصاف ثلاثة: التّجرّد من العوامل اللّفظيّة لفظًا أو تقديرًا، والتّعرَّض لدخولها، والإسناد.

واختلفوا في رافع الخبر:

فذهب سيبويه وأكثرُ البصريّين إلى أنّه مرفوعٌ بالمبتدأ؛ وهو أحدُ قولي المبرّد في المقتضب 4/12، ونُسب إلى أبي عليّ الفارسيّ وابن جِنّي؛ واختاره ابن مالكٍ في التّسهيل 44.

وذهب الأخفش وابن السّرّاج، والزّمخشريّ والسّيوطيّ، إلى أنّه مرفوع بالابتداء.

وقيل: إنّ الخبر يرتفع بالابتداء والمبتدأ معًا؛ وهو أحدُ قولي المبرّد في المقتضب 2/49، 4/126؛ وهو مذهب ابن السّرّاج الذي قرره في كتابه الأصول 1/58، وكذلك ابن جنّي الّذي قرّره في كتابه الخصائص 2/385؛ وقال عنه ابن يعيش 1/85:"وهذا القولُ عليه كثيرٌ من البصريّين".

وذهب الكوفيّون إلى أنّ الخبر يرتفع بالمبتدأ؛ وهو اختيار ابن جنّي، وأبي حيّان، والسيوطي.

وقال ابن عقيل - بعد ذكر الخلاف -: "وهذا الخلاف ممّا لا طائل فيه".

تُنظر هذه المسائل في: الكتاب 2/127، والمقتضب 4/126، والتّبصرة 1/99، والمفصّل 24، وأسرار العربيّة 67، 76، والإنصاف، المسألة الخامسة، 1/44، والتّبيين، المسألة السّابعة والعشرون، 224، والمسألة الثّامنة والعشرون، 229، وشرح المفصّل 1/84، 85، وابن النّاظم 107، 108، وشرح ألفيّة ابن معطٍ 2/814، 816، والارتشاف 2/28، وابن عقيل 1/188، 189، والهمع 2/8، 9، والأشمونيّ 1/193، والصّبّان 1/193.

ص: 294

وذلك الوصفُ اهتمامُك بالمبتدأ وجعلك إيّاهُ أوّلاً لثانٍ، يكون الثّاني خبرًا عنه.

والخبر مرفوع بالمبتدأ فهو العامِل فيه.

ومن شرط الخبر أنْ يكون نكرة1] 2، [فإنْ كان معرفةً فأنتَ مخيَّرٌ في جعلك أيّهما شئتَ المبتدأ] 3، كقولك:(اللهُ رَبُّنَا)، [42/أ] وكقول الرّاجز:

أَنَا أَبُو النَّجْمِ وَشِعْرِي شِعْرِي4

1 أصل المبتدأ: أن يكون معرفة، وأصل الخبر: أن يكون نكرة؛ وذلك "لأنّ الفائدة في الخبر، وإنما يذكر الاسم لتسند إليه الفائدة؛ ألا ترى أنّك إذا قلتَ: (زيدٌ قائم) ؛ فالمخاطَب لم يستفد بقولك: (زيدٌ) شيئًا لأنّه كان يعرفه، وإنما فائدته في قولك: (قائمٌ) لأنّه قد كان يجوز أن يجهل قيامه؛ فإذا أخبره به فقد أوصلت إليه فائدة". التّبصرة 1/101.

ويُنظر: الكتاب 1/328، والأصول 1/59، وشرح عيون الإعراب 94، وشرح المفصّل 1/85.

2 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.

3 ما بين المعقوفين ساقطٌ من ب.

4 هذا بيتٌ من الرّجز، وهو لأبي النّجم العجليّ.

والمعنى: شعري الآن هو شعري المشهور المعروف بنفسه لا شيء آخر.

والشّاهد فيه: (وشعري شعري) حيث وقع المبتدأ والخبر معرفتين؛ فأنت مخيّرٌ في جعلك أيّهما شئت المبتدأ.

يُنظر هذا البيتُ في: إيضاح الشّعر 353، والخصائص 3/337، والمقتصد 1/307، وأمالي ابن الشّجريّ 1/373، والمرتجل 377، وشرح المفصّل 1/98، 9/83، والإرشاد إلى علم الإعراب 123، والمغني 434، والخزانة 1/439، والدّيوان 99.

ص: 295

والمبتدأ يُشْبِهُ الفاعل مِنْ وَجْهٍ، ويخالفه مِنْ وَجْهٍ:

فالمشابهةُ: أَنَّهُمَا أَبَدًا مرفوعان لفظًا أو تقديرًا؛ و1 أنَّهُمَا مُحَدّث عنهما2.

والمخالَفةُ: أنَّ حديث المبتدأ بعده، وحديث الفاعل قبله؛ وأنَّ عامل الفاعل لفظيٌّ، وعامل المبتدأ معنويٌّ.

ويشترط في المبتدأ أَنْ يكون اسمًا، أو مُنَزَّلاً منزلةَ الاسم مُخْبَرًا عنه؛ والمنزّل منزلة الاسم قولهم:(تَسْمَعُ بِالمُعَيْدِيِّ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَرَاهُ) 3 تقديره: سَمَاعك بالمعيديّ.

1 في ب: أو.

2 يُنظر: الأصول 1/58، وكشف المُشْكِل 1/313.

3 هذا مثَلٌ يُضرب لمن يكون خبره والحديث عنه أفضل من مَرْآه؛ وأوّل مَن قاله هو: المنذر بن ماء السّماء.

و (تسمع) مبتدأ؛ وهو في تأويل سماعك. وقبله (أَنْ) مقدّرة، ويروى:(لأَنْ تَسْمَعَ بالمُعَيْدِيّ خيرٌ) ، و (أَنْ تَسْمَعَ) .

يُنظر هذا المِثل في: كتاب الأمثال لأبي عُبيد 97، وجمهرة الأمثال 1/266، ومجمع الأمثال 1/227، والمستقصى 1/370.

ص: 296

وأنْ يكون معرفةً إذْ لا طريق إلى [معرفة] 1 الفائدة إلَاّ به، فإذا لم يُعْرَف في نفسه فأحرى2 ألاّ يعرف خَبَرَهُ؛ أو مقارنًا للمعرفة بتخصيصٍ أو فائدة؛ وذلك في سِتّة مواضع3:

أوَّلها: أنْ يكون نكرة موصوفةً4، كقوله تعالى:{وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ} 5.

أو أَنْ يتقدَّم6 خَبَرُه عليه في الجارّ والمجرور أو الظّرف7، كقولك:(لكَ مالٌ) و (عنده عِلْمٌ) ؛ لأنَّ تقدّمه هُنا قَدْ أبطل كونُهُ صِفَةً.

1 ما بين المعقوفين ساقط من أ.

2 في أ: فأحرى.

3 لم يشترط سيبويه والمتقدِّمون لجواز الابتداء بالنّكرة إلَاّ حصول الفائدة، وقال جمعٌ من المحقّقين كابن هشام والمراديّ: أنّ مرجع المسوّغات إلى التّعميم والتّخصيص.

ورأى المتأخّرون أنّه ليس كلّ واحدٍ يهتدي إلى مواطن الفائدة فتتبّعوها فمن مُقلّ مخلّ، ومِن مُكثِر مورِدٍ ما لا يصلُح، أو معدّد لأمور متداخِلة.

وقد أنهى بعض المتأخّرين ذلك إلى نيِّفٍ وثلاثين مسوّغًا؛ والمرجع في كلّ هذه المسوّغات هو حصول الفائدة.

يُنظر: المقرّب 1/82، وتوضيح المقاصد 1/281، والمغني 608، وشرح شذور الذّهب 175، وابن عقيل 1/203، والأشمونيّ 1/204.

4 في ب: موصوفا.

5 من الآية: 221 من سورة البقرة.

6 في أ: يقدّم.

7 في أ: الطّرف. ولا بدّ مع تقديم الخبر وكونه ظرفًا أو جارًّا ومجرورًا من أنْ يكون مختصًّا؛ فلو قلتَ: (عند رجل رجل) و (في دارٍ رجل رجل) لم يصح.

ص: 297

أو يقع1 دُعاءً2، كقوله تعالى:[42/ب]{سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} 3 و {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} 4 فأفاد لتضمّنه

معنى الفعل.

أو معتمداً5 على نفيٍ، كقولك:(ما أَحدٌ أفضل منك) .

أو على استفهام6، كـ (هل فتًى فأقصده؟) .

أو اختصاص بعملٍ، كقولك:(أَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ)7.

وإذا كانت النّكرة في معنى الفعل وقد ارتفع بها الاسم، كقولك:(أقائمٌ الزّيدان) و (ما ذاهِبٌ العمران) أفادت8 لاعتماده على الاستفهام،

1 في ب: أو تقع.

2 والدّعاء: إمّا بخير أو بشرّ.

3 من الآية: 24 من سورة الرّعد.

4 سورة المطفّفين، الآية:1.

5 في أ: أو يعتمد.

6 في ب: الاستفهام.

7 هذا جزءٌ من حديث طويل رواه أبو ذرّ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، قاله لقومٍ قالوا: يا رسول الله ذهب أهلُ الدُّثور بالأُجور: يصلّون كما نصلّي، ويصومون كما نصوم

وقد أخرجه بهذا اللّفظ: أحمد في مسنده 5/167.

وأخرجه مسلمٌ في صحيحه، كتاب الزّكاة، باب بيان أنّ اسم الصّدقة يقع على كلّ نوعٍ من المعروف، 2/697 بلفظ:" وَأَمْرٌ بِالمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ ".

8 في أ: يفيد، وفي ب: تفيد، وما أثبَتّه هو الأولى.

ص: 298

أو1 النّفي، وَمِنْهُ قولُ الشّاعر:

أَقَاطِنٌ قَوْمُ سَلْمَى أَمْ نَوَوْا ظَعَنَا؟

إِنْ يَظْعَنُوا فَعَجِيبٌ عَيْشُ مَنْ قَطَنَا2

وكقول3 الآخر:

خَلِيلَيَّ مَا وَافٍ بِعَهْدِيَ أَنْتُمَا

إِذَا لَمْ تَكُونَا لِي عَلَى مَنْ أُقَاطِعُ4

1 في أ: والنّفي.

2 هذا بيتٌ من البسيط، لمْ أقفْ على قائله.

و (قاطن) : مقيم. و (ظعنًا) : رحيلاً.

والمعنى: أمقيم قومُ سلمى في مكانهم الّذي أعهده؟، أمْ عزموا على الرّحيل؟؛ فإنْ كانوا قد عزموا على الرّحيل فعيش من يقيم ويتخلّف عنهم يكون عجيبًا.

والشّاهد فيه: (أقاطنٌ قوم سلمى) حيث سوّغ الابتداء بهذه النّكرة - قاطن - كونها في معنى الفعل، مع اعتمادها على الاستفهام.

وجميعُ النُّحاة استشهدوا بهذا البيت على اعتماد الوصف (قاطن) على الاستفهام بالهمزة، وهو اسم فاعل مبتدأ، فاستغنى بمرفوعه عن الخبر.

يُنظر هذا البيت في: شرح التّسهيل 1/269، وابن النّاظم 106، وأوضح المسالك 1/134، وتخليص الشّواهد 181، والمساعِد 1/204، والمقاصد النّحويّة 1/512، والتّصريح 1/157، والأشمونيّ 1/190.

3 في ب: وقول.

4 هذا بيتٌ من الطّويل، ولم أقف على قائله.

والمعنى: يقول لصديقَيْهِ: إنّكما إذا لم تكونا لي على مَنْ أُعاديه، وإذا لم تقاطِعا مَن أُقاطع من النّاس من أجلي، فإنّكما لم تَفِيَا بما بيننا من الصّداقة والوِداد.

والشّاهد فيه: (ما وافٍ بعهديَ أنتما) حيث سوّغ الابتداء بهذه النّكرة (وافٍ) كونها في معنى الفعل، مع اعتمادها على النّفي.

وجميعُ النّحاة استشهدوا بهذا البيت على اعتماد الوصف (وافٍ) على النّفي (ما) ، وهو اسم فاعل، فرفع فاعلاً سدّ مسدّ الخبر.

يُنظر هذا البيت في: شرح التّسهيل 1/269، وابن النّاظم 106، وأوضح المسالك 1/133، وتخليص الشّواهد 181، والمساعِد 1/204، والمقاصد النّحويّة 1/516، والتّصريح 1/157، والهمع 2/6، والأشمونيّ 1/191.

ص: 299

أو يكون جوابًا1، كقول2 قائلٍ:(مَنْ جاءك؟)، فتقول:(رجلٌ) أي: رَجُلٌ جاءني؛ لأنَّهُ داخِلٌ تحتَ (مَنْ) .

فهذه جُمْلَة ما يُبْتَدأُ فيها بالنّكرة.

1 يُنظر: كشف المشكِل 1/314.

2 في ب: لقول.

ص: 300

[فَصْلٌ] 1:

[وَلَا يَحُوْلُ حُكْمُهُ مَتَى دَخَلْ

لَكِنْ عَلَى جُمْلَتِهِ وَهَلْ وَبَلْ] 2

الّذي يُغَيِّرُ المبتدأ عن حاله ثلاثة؛ وهي:

العوامِل اللفظيّة؛ فَمِنْهَا: ما ينصب المبتدأ؛ وهي: (إنّ) وأخواتهَا؛ ومنها: ما ينصبُ الخبر؛ وهي/: (كان) وأخواتها؛ ومنها: ما ينصبهما مَعًا؛ وهي: (ظننت) وأخواتها؛ ويأتي ذِكرُ الجميع إنْ شاء الله تعالى.

وممَّا يَدْخُلُ على المبتدأ ولا يغيّرهُ عن حُكم الابتداء، ولا يؤثّر فيه بِوَجْهٍ3:(هَلْ) و (بَلْ) و (لَكِنْ) و (حَيْثُ) و (همزة الاستفهام) و (إذ) و (لام الابتداء) و (أَمَا) و (أَلَا) المخفّفان اللّذان لاستفتاح4 الكلام، و (أَمّا) - بفتح الهمزة وتشديد الميم - الّتي لتفصيل الجملة، و (لولا)[43/ أ] الّتي معناها امتناع الشّيء لوجود غَيْرِهِ.

وَقَدِّمِ الأَخْبَارَ إِذْ تَسْتَفْهِمُ

كَقَوْلِهِمْ: أَيْنَ الْكَرِيمُ المُنْعِمُ؟

وَمِثْلُهُ: كَيْفَ الْمَرِيضُ المُدْنَفُ؟

وأَيُّهَا الْغَادِي مَتَى المُنْصَرَفُ؟

خَبَرُ المبتدأ يجوز تقديمه إذا كان غَيْرَ مُسْتَفْهَمٍ به، كقولك:(عَالِمٌ زَيْدٌ بالأمر) .

1 ما بين المعقوفين ساقطٌ من ب.

2 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.

3 يُنظر: الكتاب 3/116، والأصول 1/61، والجُمل 302.

4 في أ: لافتتاح.

ص: 301

فإنْ كان اسم استفهام وَجَبَ تَقْدِيمُهُ، كقولك:(أَيْنَ زَيْدٌ؟) و (مَتَى الصّيامُ؟) و (كيف أَنْتَ؟) ؛ لأنَّ أسماء الاستفهام لها صدرُ الكلام1.

وقد يقع اسمُ الاستفهام مبتدأً؛ وذلك إذا وقع بعده فِعْلٌ أَوْ جارٌّ ومجرورٌ، كقولك:[43/ب]

(أين تسكُن؟) و (كم معك دِرْهَمًا؟) .

وَإِنْ يَكُنْ بَعْضُ الظُّروفِ الْخَبَرَا

فَأَوْلِهِ النَّصْبَ وَدَعْ عَنْكَ الْمِرَا

تَقُولُ: زَيْدٌ خَلْفَ عَمْرٍو قَعَدَا

وَالصَّوْمُ يَوْمَ السَّبْتِ وَالسَّيْرُ غَدَا

خبر المبتدأ أنواع:

منها: الظَّرْفُ2؛ وَهُوَ نَوْعان:

ظَرْفُ زَمَانٍ وهو يختصُّ بالأحدَاث3، كقولك:(الصِّيام يوم الخميس) .

وظرف مَكَانٍ وهو يختصّ بالأجسام، كقولك:(الإمام4 أَمَامَ القوم) ؛

1 يُنظر: المقتصد 1/224، وشرح عيون الإعراب 96، وكشف المشكِل 1/316، والارتشاف 2/43.

2 في أ: الطرف.

3 ظروف الزّمان لا يجوز أن تقع أخبارًا عن الأشخاص؛ لأنّ الفائدة لا تتمّ إلَاّ بها، لو قلت:(زيدٌ يوم الجمعة) لم تكن مُخبِرًا بشيء.

يُنظر: الأصول 1/63، والتّبصرة 1/102، وكشف المشكِل 1/320، وشرح المفصّل 1/89.

4 في ب: الأمير.

ص: 302

وقد يقع ظرف المكان خبرًا عَنْ حَدَثٍ، كقولك:(الصّلاةُ وراء الإمام)1.

ويقع الخبر جارًّا ومجرورًا، كقولك:(زَيْدٌ في دَاْرِهِ) 2، ولا يجوز:(في داره زيد) ؛ لأنّه لو قُدِّمَ عادَ الضّميرُ منه3 إلى مُتأخِّرٍ في اللَّفظِ والرُّتبة؛ والضّابط لتقدير هذين الخبرين: ما يقدَّر4لهما من مُفْرَدٍ5 أَوْ جُمْلَةٍ، نحو:(مُسْتَقِرّ) أو (اسْتَقَرَّ) .

ويكون الخبر جُمْلَةً اسميّةً، كقولك:(زيدٌ أبوه عَالِمٌ) ، وفعليَّةً، كقولك6:(زَيْدٌ قَامَ أبوه) ، أو أَنْ7تكون الجملة شرطيّة، كقولك:(زَيْدٌ إنْ تُكْرِمْهُ يُكْرِمْك) ؛ ولا بُدَّ أَنْ يكون8لهذه الجمل ضمير [44/أ] يعود على المبتدأ كالهاء الرّابطة في الثّلاثة9.ويكون الخبر فعلاً ماضيًا، كقولك: (زيد قام) ؛ ففي هذا الفعل

1 يُنظر: الأصول 1/63، والتّبصرة 1/103، وكشف المشكِل 1/320، وشرح المفصّل 1/89.

2 في ب: الدّار.

3 في كلتا النسختين: معه، وهو تحريف.

4 في أ: ما تقدّر، وهو تصحيف.

5 في ب: بمفرد.

6 في ب: لقولك.

7 في ب: أو بأن تكون.

8 في أ: ولا بدّ لهذه الجمل أن تكون ضميرًا.

9 هُناك روابِطُ أُخرى غير الضّمير، أوصلها النّحاة إلى عشرة، لكن الشّارح رحمه الله اقتصر على الضّمير؛ لأنّه الأصل، ولهذا يربط به مذكورًا ومحذوفًا.

يُنظر: المقرّب 1/82، والارتشاف 2/50، والمغني 647، والهمع 2/18.

ص: 303

ضميرٌ [يعود على المبتدأ مُسْتترٌ]1.

وكذلك يكون مضارِعًا على حكم ما تَقدَّم، كقولك:(خالدٌ يقومُ) فإن ثُنِّي المبتدأ أو جُمِعَ ظهر الضّميرُ، كقولك:(الزّيدان قاما) و (الرّجال قاموا) و (الزّيدون يقومون) .

وبالجملة: لا يخلو2 الخبر من أنْ يكون مُفردًا، أو جُمْلَة، أو ظرفًا3.

ويلزم حذف الخبر إذا كان بعد قَسَمٍ مستغنًى عَنْهُ بجواب القسم4، كقولك:(لعمرك إنَّ زيدًا صادقٌ)، والتّقدير: قَسمي.

وبعد (لولا)، كقولك:(لولا زيدٌ لزرتُك)، والتّقدير: حاضِرٌ.

وفي المُثُل: (أخطبُ ما يكون الأمير قائمًا) أي: إذا كان قائمًا5.

1 ما بين المعقوفين ساقطٌ من ب.

2 في ب: فلا يخلو.

3 وكذلك يكون الخبر جارًّا ومجرورًا، ويُطلق على الظّرف والجارّ والمجرور شبه الجملة.

4 وذلك بأنْ يكون المبتدأ صريحًا في القسَم.

يُنظر: ابن النّاظم 123، وأوضح المسالك 1/158.

5 أو يكون المبتدأ مصدرًا، وبعده حال سدّت مسدّ الخبر، وهي لا تصلح أنْ تكون خبرًا، فيُحذف الخبر وُجوبًا لسدّ الحال مسدّه، نحو (ضربي العبد مسيئًا) . أو أفعل تفضيل مضافًا إلى المصدر المذكور؛ وقد مثّل له الشّارح.

يُنظر: شرح عمدة الحافظ 1/177، وابن النّاظم 123، وابن عقيل 1/235.

ص: 304

ويُحذف في غير هذه الثّلاثة1 توسّعًا إذا دَلَّ عليه الكلام، وأكثر ما يقع في الاستخبار2، كقولك:(أين زَيْدٌ؟)، فيُقال:(في المسجد) ؛ فالمبتدأ محذوفٌ، والتّقدير: زيد؛ وإذا قيل لك: (مَنْ عندك؟) فقلت: (زيد) ؛ فالخبر محذوف، والتّقدير: زَيْدٌ عِنْدي.

وَإِنْ تَقُلْ: أَيْنَ الأَمِيْرُ جَالِسُ

وَفِي فِنَاءِ الدَّارِ بِشْرٌ مَائِسُ

فَجَالِسٌ وَمَائِسٌ قَدْ رُفِعَا

وَقَدْ أُجِيزَ الرَّفْعُ3 وَالنَّصْبُ مَعَا

[44/ب]

هذه المسألة يُعْلَمُ منها: أنَّ الجملة الابتدائيّة إذا تَقَدَّمَ خَبَرُها وجُوبًا، أو اختيارًا لكونُه4 اسم استفهام أو جارًّا ومجرورًا، وأتيت بعد تمام الكلام بنكرة متعلّقة بالجُملة، كقولك:(أَيْنَ الأمير جَالِسٌ؟) ؛ جاز رفع (جالس) ونصبه؛ فإنْ رفعتَ جعلته خبر المبتدأ بإلغاء الظّرف أو الجارّ؛ وإِنْ نَصَبْتَ فعلى الحال؛ والعامِل فيه معنى الاستفهام، ومع الجارّ ما يُقدَّر5 مِن الاستقرار.

1 بقي موضعٌ رابعٌ لم يذكره الشّارح؛ وهو: أن يكون المبتدأ معطوفًا عليه اسمٌ بواوٍ هي نصّ في المعيّة، نحو:(كلّ رجل وضيعته)، والتّقدير: كلّ رجل وضيعته مقترنان.

يُنظر: شرح عمدة الحافظ 1/176، وابن النّاظم 123، وأوضح المسالك 1/158، وابن عقيل 1/235.

2 في أ: الأخبار.

3 في شرح الملحة 151: وَقَدْ أُجِيزَ النَّصْبُ وَالرَّفْعُ مَعَا.

4 في كلتا النسختين: كونه وما أثبته هو الأولى.

5 في ب: ما تقدّر.

ص: 305

وَهَكَذَا إِنْ قُلْتَ: زَيْدٌ لُمْتُهُ

وَخَالِدٌ ضَرَبْتُهُ وَضِمْتُهُ1

فَالرَّفْعُ فِيهِ جَائِزٌ وَالنَّصْبُ

كِلَاهُمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْكُتْبُ

هذه المسألة تُعرف باشتغال العامِل عن المعمول؛ فقولك2: (زَيْدٌ لُمْتُهُ) فـ (زيدٌ) مبتدأ - وما بعده فِعْلٌ، [و] 3 ضميرُ فَاعلٍ، وضمير مفعول -، والجملة خبرٌ عنه.

فإنْ نصبت (زيدًا) نصبته على أنّه مفعولٌ، وليس العاملُ فيه الفعل4الّذي بعده لاشتغاله بالضّمير المنصوب؛ بل بفعلٍ مُقدَّرٍ من جنس الفعل المُتأخّر عنه، كقولك:(أكرمتُ زيدًا أكرمته)، والرَّفعُ أجودُ من النّصب؛ لاستغنائه عن التّقدير5 [45/أ] ؛ ومن ذلك قولُ الرّبيع6:

وَالذِّئْبُ أَخْشَاهُ إِنْ مَرَرْتُ بِهِ

وَحْدِي وَأَخْشَى الرِّيَاحَ وَالْمَطَرَا7

1 ضِمْتُهُ: ظلمته؛ والضّيم: الظّلم. اللّسان (ضمم) 12/358.

2 في ب: فتقول.

3 العاطف ساقطٌ من ب.

4 في أ: الضّمير.

5 ذكر الشّارح رحمه الله موضعًا واحدًا من مواضِع الاشتغال؛ وهو ترجيح الرّفع على النّصب، وبقيَ بعد ذلك أربعة مواضع. يُنظر: التّبصرة 1/326، والمقتصد 1/235، وابن النّاظم 237، وشرح ألفيّة ابن معطٍ 2/849، وابن عقيل 1/471.

6 هو: الرَّبِيعُ بن ضَبُع بن عديّ الفَزَاريّ، شاعرٌ جاهليّ معمَّر، من فُرسان العرب، وخطبائهم، وحُكمائهم. قيل: إنّه عاش أربعين وثلاثمائة سنة.

يُنظر: المعمّرين من العرب 15، والمؤتلف والمختلف 182، والإصابة 2/424، والخزانة 7/383، والأعلام 3/15.

7 هذا بيتٌ من المنسرح، وقبله بيتٌ هو: =

ص: 306

...........................................................................

=

أَصْبَحْتُ لَا أَحْمِلُ السِّلَاحَ وَلَا

أَمْلِكُ رَأْسَ الْبَعِيرِ إِنْ نَفَرَا

والمعنى: أنّه وصف في البيتين انتهاء شبيبته وذهاب قوّته، فلا يُطيق حمل السّلاح لحربٍ، ولا يملك رأس البعير إنْ نفر من شيء؛ وإذا خلا بالذّئب خشيه على نفسه، وأنّه لا يحتمل برد الرّيح، وأذى المطر؛ لِهَرمِه وضعفه.

والشّاهد فيه: (والذّئبُ أخشاه) على أنّ الرّفع أجودُ من النّصب؛ لاستغنائه عن التّقدير.

وجميعُ النُّحاة استشهدوا بهذا البيت على أنّ النّصب أجود من الرّفع؛ حيث وقع الاسم المشغل عنه بعد عاطف تقدّمه جملة فعليّة (لا أملك) ، ولم يفصل بين العاطف والاسم.

يُنظر هذا البيت في: الكتاب 1/89، ونوادر أبي زيد 159، وأمالي القالي 2/185، والمقتصد 1/237، والتّبصرة 1/330، وتحصيل عين الذّهب 106، والمقاصد النّحويّة 3/397، والتّصريح 2/36.

ص: 307

‌بَابُ الفَاعِلِ:

وَكُلُّ مَا جَاءَ مِنَ الأَسْمَاءِ

عَقِيْبَ1 فِعْلٍ سَالِمِ الْبِنَاءِ

فَارْفَعْهُ إِذْ تُعْرِبُ فَهْوَ الْفَاعِلُ

نَحْوُ: جَرَى الْمَاءُ وَجَارَ الْعَامِلُ2

الفَاعِلُ: كُلُّ اسم ذكرته بعد فِعْلٍ، وأسندتّ ذلك الفعل إليه إسنادًا صحيحًا، وجُعِلَ الفِعْلُ حَدِيثًا عنه، وكان في الإيجاب والنَّفي سواء.

فالفاعل مرفوع؛ وفي ذلك أقوالٌ:

قال الخليلُ: "الأصل فيما إعرابه الرّفع3؛ الفاعل، وباقي المرفوعات محمولات عليه، ومشبَّهاتٌ به"4.

وقال سيبويه5: "الأصل هو المبتدأ،

1 في أ: من بعد.

2 في متن الملحة 19، وشرح الملحة 155: وَجَارَ العَاذِلُ.

3 في أ: بالرّفع.

4قال ابن يعيش في شرح المفصّل 1/73: "وعليه حُذّاق أصحابنا"، وذكر الزّمخشريّ في المفصّل الفاعل أوّلاً، وحمل عليه المبتدأ والخبر؛ وذهب إليه - كذلك - ابن الحاجب، واختاره ابن هشام في شرح الشّذور 152.

يُنظر: المفصّل 18، والكافية 68، وشرحها 1/23، 71، والبسيط 1/259، والهمع 2/3

5 قال سيبويه في الكتاب 1/23: "واعلم أنّ الاسم أوّلُ [أحواله] الابتداء" وفسّره ابن يعيش في شرح المفصّل 1/73: "يريد أوّله المبتدأ؛ لأن المبتدأ هو الاسم المرفوع، والابتداء هو العامِل".

وقال سيبويه - أيضًا - 1/24: "فالمبتدأ أوّل جزء، كما كان الواحدُ أوّل العدد، والنّكرة قبل المعرفة" وعزي إلى ابن السّرّاج؛ لأنّه قدّم المبتدأ على الفاعل، ونقل عنه الرّضيّ غير هذا - كما سيأتي -، وابن مالكٍ قدّم المبتدأ على الفاعل أيضًا.

وقال السّيوطيّ - بعد أنْ ذكر هذا الخلاف -: "وقال أبو حيّان: وهذا الخلاف لا يجدي فائدة". الهمع 2/4.

يُنظر: الأصول 1/58، وشرح عمدة الحافظ 1/156، وشرح الرّضيّ 1/23، وحاشية يس على شرح الفاكهيّ لقطر النّدى 1/233، وحاشية يس على التّصريح 1/154، والصّبّان 1/188.

ص: 309

والبواقي1 مشبّهة به".

وقال الأخفش2: "كُلُّ واحِدٍ منهما أَصل بنفسه".

واحتجَّ الخليل عن مَذْهَبِهِ، وقال: "الفاعل بالرّفع أولى؛ لأنّك إذا قُلْت: (ضرب زَيدْ [بَكرْ] 3- بإسكان الكلمتين - لم يُعرف الضّارب من المضروب، وإذا قُلْتَ: (زَيدْ قَائِمْ) - بإسكانهما - عُلِمَ من نفس اللّفظتين4 أيّهما المبتدأ؛ فثبت أنَّ افتقار الفاعل إلى الإعراب أشدُّ؛ فوجب [45/ب]

1 في أ: والباقي مشبّهاتٌ به.

2 واختارُه الرّضيّ، ونقله عن الأخفش وابن السّرّاج، ونقل ابن يعيش عن ابن السّرّاج غير هذا. انظر ما سبق الإشارة إليه من أصول ابن السّرّاج.

يُنظر: شرح المفصّل 1/73، وشرح الرّضيّ 1/23، 71، والهمع 2/4، وحاشية يس على التّصريح 1/154.

(بكر) ساقطٌ من ب.

4 في أ: اللّفظين.

ص: 310

أنْ يكون هو الأصل"1.

واحتجَّ سيبويه أنْ قال: "قد ثبت أنّ الجملة الاسميّة مُقَدَّمَةٌ على [الجملة] 2 الفعليّة؛ فإعراب الجملة الاسميّة يجب أن يكون مُقَدَّمًا على إعراب الجملة الفعليّة"3.

وقوله: (سالمُ البناء) 4 احترازًا من مفعول ما لم يُسَمَّ فَاعِله.

وقيل: أُختير للفاعل الرّفع، وللمفعول النّصب؛ لثقل الضّمّة وخِفّة الفتحة؛ والفعلُ لا يُرْفَعُ به إلَاّ فاعلٌ واحدٌ، ويُنصب به عِدَّةٌ من المفاعيل، كالمصدر، والمفعول به، والظّرفين، والمفعول له، والمفعول مَعَه، والحال؛ فَجُعِل المُسْتَثْقَلُ إعرابًا لَما قَلَّ، والمُسْتَخَفُّ إعرابًا لَما كَثُرَ5.

وَوَحِّدِ الْفِعْلَ مَعَ الْجَمَاعَهْ

كَقَوْلِهِمْ: سَارَ الرِّجَالُ السَّاعَهْ

فِعْلُ الفاعل يُوحَّدُ6 إنْ كان لمفردٍ،7 أو مثنّى، أو مجموع؛ فتقول:(جَاءَ زَيْدُ) و (جاءَ الزّيدان)[و (جاء الزّيدون) ] 8 و (ذهب القوم)

1 يُنظر: شرح المفصّل 1/73.

وهناك حُجج أخرى غير ما ذكر الشّارح. يُنظر: شرح الشّذور 152، والهمع 2/3، وحاشية يس على شرح الفاكهيّ لقطر النّدى 1/233.

2 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.

3 هُناك حجج أخرى. يُنظر: الهمع 2/3، وحاشية يس على شرح الفاكهيّ لقطر النّدى 1/233.

4 يقصد بالفعل السّالم: الفعل المبنيّ للمعلوم؛ لأنّ المبنيّ للمجهول لم يسلَم من التّغيير.

5 يُنظر: شرح عيون الإعراب 80، وشرح المفصّل 1/75.

6 يُنظر: أوضح المسالك 1/345، والتّصريح 1/275.

7 في ب: لفردٍ.

8 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.

ص: 311

ولا يقال: (ذَهَبَا الزّيدان) 1 ولا (ذهبوا القوم)[46/أ] لامتناع عَوْد الضّمير على غير ذي ضميرٍ، ولا يقع ذلك إلَاّ إذا تَأخَّر الفعل عن الاسم، كقولك:(زَيْدٌ ذَهَبَ) و (الزَّيدان3 ذَهَبَا) و (الرّجال ذهبوا) ؛ فضمير الفاعل مُسْتَتِرٌ في هذه الأفعال؛ لأنَّ الفعل لا يخلو من فَاعلٍ إمَّا ظاهرًا، و4 إمّا مُضْمَرًا.

وَإِنْ تَشَأْ فَزِدْ عَلَيْهِ5التَّاءَ

نَحْوُ: اشْتَكَتْ عُرَاتُنَا الشِّتَاءَ

وَُتلْحَقُ التَّاءُ عَلَى التَّحْقِيقِ

بِكُلِّ مَا تَأْنِيْثُهُ حَقِيقِي

كَقَوْلِهِمْ: جَاءَتْ سُعَادُ ضَاحِكَهْ

وَانْطَلَقَتْ نَاقَةُ هِنْدٍ رَاتِكَهْ6

وَتُكْسَرُ التَّاءُ بِلَا مَحَالَهْ

فِي مِثْلِ: قَدْ أَقْبَلَتِ الْغَزَالَهْ

هذه التّاءُ تَلْتَحِقُ بفعلٍ لفاعلٍ7 جُمِعَ جَمْعَ تكسيرٍ؛ فيجوز أن

1 في ب: الرّجلان.

2 هذه اللّغة يسمّيها النّحاة لغة (أكلوني البراغيث) وتُنسب إلى طيّء، وأزد شنوءة، وبلحارث بن كعب.

يُنظر: ابن النّاظم 220، وابن عقيل 1/425 ـ 429، والأشمونيّ 2/47.

3 في ب: الرّجلان.

4 في أ: أو، وهو تحريف.

5 في ب: على.

6 الرّاتِكةُ من النّوق: الّتي تمشي وكأنّ برجليْها قَيْدًا وتضرب بيديها.

ورَتَكانُ البعير: مقاربة خطوِه في رَمَلانِهِ؛ لا يُقال إلاّ للبعير.

ورَتَكَت الإبل تَرْتِك رَتْكًا ورَتَكًا وَرَتَكَانًا: وهي مشية فيها اهتزازٌ؛ وقد يُستعمل في غير الإبل، وهي في الإبل أكثر. اللّسان (رتك) 10/431.

7 في ب: الفاعل.

ص: 312

تقول: (قَالَ الرِّجال) و (قَالتِ الرِّجال) بتأنيث الفعل وتذكيره.

وكذلك إذا كان جَمْعًا لمؤنّثٍ حقيقيًّا1 كان أو غير حقيقيٍّ؛ كقولك: (قال النِّساء) و (قالت النّساء)[46/ب] و (اتّسع الدُّور) و (اتَّسَعَتِ الدُّور) 2، فَيُقدَّر فيها في التَّذكير حَذْفُ مُضافٍ مُذكَّرٍ، كقولك:(قام جَمعُ3 الرِّجال)4.

1 المؤنّث الحقيقيّ هو: ما كان من الحيوان بإزائه ذكر، كـ (امرأة) و (نعجة) و (أتان) ، ومجازيّ التّأنيث هو ما سوى الحقيقي، كـ (دار) و (نار) و (شمس) .

ابن النّاظم 224.

2 يجوز تأنيث الفعل للفاعل في أربع مسائل:

الأولى: أنْ يكون الفاعل اسمًا ظاهرًا حقيقيّ التّأنيث، مفصولاً عن الفعل بفاصل غير (إلاّ)، نحو:(حضر القاضي اليوم امرأةٌ) . و (حضرت القاضي اليوم امرأةٌ) .

الثّانية: أنْ يكون الفاعل اسمًا ظاهرًا مجازيّ التّأنيث، نحو:(طلع الشّمس) و (طلعت الشّمس) .

الثّالثة: أنْ يكون الفاعل جمعَ تكسير لمذكّر أو مؤنّث؛ وقد ذكر ذلك الشّارح رحمه الله، أو يكون جمع مؤنّث سالم، نحو:(جاء المسلمات) و (جاءت المسلمات) .

الرّابعة: فاعلُ (نعم) و (بئس) وأخواتهما، إذا كان مؤنّثًا جاز في فعله التّأنيث والتّذكير، نحو:(نعم المرأة هند) و (نعمت المرأة هند) .

يُنظر: شرح ملحة الإعراب 160، 161، وابن النّاظم 224، وأوضح المسالك 1/356، وابن عقيل 1/437، والتّصريح 1/279.

3 في ب: جميع.

4 التّذكير على تأويلهم بالجمع، والتّأنيث على تأويلهم بالجماعة؛ فإذا قلت:(قام الرّجال) أردتّ: قام جميع الرّجال، وإذا قلتَ:(قامتِ الرّجال) أردّت: قامت جماعة الرّجال؛ وكذلك المؤنّث.

يُنظر: التّبصرة 2/623، وابن النّاظم 226، وابن عقيل 1/438.

ص: 313

ويجب إثباتُها في فعل المؤنّث الحقيقيّ1، كقولك:(قامت المرأة) و (بركت النّاقة) ؛ وفي الفعل المتأخّر كَمَا تَقَدَّم ذِكْرُه، كقولك:(الشّجرة حَمَلتْ) و (النّساء قامت) و (الدُّورُ عُمِرَتْ) .

وهذه التّاء إذا وليها أَلِفٌ وَلَامٌ كُسِرَت؛ لالتقاء السّاكنَيْن2.

1 يجب تأنيث الفعل للفاعل في مسألتين:

الأولى: أنْ يكون الفاعل المؤنّث ضميرًا متّصلاً؛ ولا فرق في ذلك بين المؤنّث الحقيقيّ والمجازيّ، نحو:(هند قامت) و (الشّمس طلعت) .

الثّانية: أنْ يكون الفاعل اسمًا ظاهرًا، حقيقيّ التّأنيث، نحو:(قامت هند) .

يُنظر: ابن النّاظم 224، وشرح شذور الذّهب 163، وابن عقيل 1/432، والتّصريح 1/277.

2 نحو: قَالَتِ النِّساء.

ص: 314

‌بَابُ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ:

وَاقْضِ قَضَاءً لَا يُرَدُّ قَائِلُهْ

بِالرَّفْعِ فِيمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهْ

مِنْ بَعْدِ ضَمِّ أَوَّلِ1الأَفْعَالِ

كَقَوْلِهِمْ: يُكْتَبُ عَهْدُ الْوَالِي

وَإِنْ يَكُنْ ثَانِي الثُّلَاثِيِّ أَلِفْ

فَاكْسِرْهُ حِينَ تَبْتَدِي وَلَا تَقِفْ

تَقُولُ: بِيعَ الثَّوْبُ2وَالْغُلَامُ

وَكِيْلَ زَيْتُ الشَّامِ وَالطَّعَامُ

المفعول الّذي لم يُسَمَّ فَاعِلُهُ يقوم مقامَ الفاعل المحذوف؛ وذلك للعلم به، أو الجهل به، أو لتَعْظِيْمِهِ، أو لتحقيره3؛ فينوب عنه فيما له من الرّفع، ولزوم الفِعل، ووجوب تأخيرِهِ عنه4.

وغُيِّرت له صيغةُ الفعل المسند إليه؛ [47/أ] ليعلم أنّه ليس بفعل الفاعل؛

1 في أ: أخِر.

2 في ب: الزّيت.

3 يحذف الفاعل، ويحلّ محلّه نائبه؛ لأسبابٍ وأغراضٍ كثيرة - غير ما ذكر الشّارح - منها: الخوف منه أو عليه، أو الإبهام، أو إيثارًا لغرض السّامع، أو لإقامة الوزن، أو لتوافق القوافي، أو لتقارُب الأسجاع، وغير ذلك.

يُنظر: شرح المفصّل 7/69، والمقرّب 1/80، والارتشاف 2/184، والتّصريح 1/286، والأشمونيّ 2/61.

4 وينوب عنه - كذلك - في وجوب ذكره، واستحقاقه الاتّصال بالعامل، وكونه كالجزء منه، وتأنيث الفعل لتأنيثه.

يُنظر: ابن النّاظم 231، وأوضح المسالك 1/373، والتّصريح 1/286، 287، والأشمونيّ 2/61، والصّبّان 2/61.

ص: 315

وذلك بضمِّ أوّله؛ [فإنْ] 1 كان ماضيًا كُسِرَ ما قبل آخره، فتقول: ضُرِب الرَّجُلُ؛ وإنْ كان مضارِعًا فُتِحَ ما قبل آخره، فتقول:(يُضْرَبُ) .

فإنْ كان ثُلاثيًّا مُعْتَلّ العين، وبُنِيَ لِمَا لَم يُسَمَّ فاعله، وَجَبَ تخفيفُهُ من استثقال الكسرة بعد الضّمّة، فألقيت حركة الفاء، ونقلت حركة العين إليها، فتقول في (قال) و (باع) : قِيلَ، وبِيعَ؛ وكان الأصل:(بُيِعَ) 2 و (قُوِلَ) ، فاستثقلت كَسْرةٌ على حرف علَّةٍ بعد ضمَّةٍ، فَأُلْقِيَت الضّمّةُ، ونُقِلَت الكسرة إلى مكانها، فَسَلِمت الياءُ من (بِيعَ) ؛ لسكونها بعد حركةٍ تُجانِسُهَا، وانقلبت3 الواو ياءً من (قِيلَ) ؛ لسكونها بعد كسرة، فصار اللّفظ4 بما أصله الياء، كاللّفظ بما أصله الواو5.

وبعض العرب6 ينقل7، ويشير8 إلى الضّمّ مع التّلفّظ بالكسر،

(فإنْ) ساقطة من ب.

2 في كلتا النّسختين: بوع، والتّصويب من ابن النّاظم 232.

3 في ب: وانقلب.

4 في ب: بها، وهو تحريف.

5 وهذه أفصح اللّغات. المقاصد النّحويّة 2/24.

6 إشمام الكسر الضّمّ لغة كثيرٍ من قَيْس، وأكثر بني أسد.

يُنظر: التّصريح 1/294.

7 في كلتا النّسختين: تنقل، والتّصويب من ابن النّاظم 232.

8 في أ: وتشير.

ص: 316

ولا يغيّرُ الياء، وَيُسمَّى1ذلك إشمامًا2.

ومن العرب3من يخفِّف هذا النّوع بحذف حركة عَيْنِهِ، فإنْ كانت واوًا سَلِمَتْ، كقول الرّاجِز4:

حُوكَتْ عَلَى نَوْلَيْنِ إِذْ تُحَاكُ

تَخْتَبِطُ الشَّوْكَ وَلَا تُشَاكُ5

1 في أ: وسُمَّا.

2 الإشمام هو: شوْب الكسرة شيئًا من صوت الضّمّة.

وكيفيّة اللّفظ بهذا الإشمام:

أن يلفظ على فاء الكلمة بحركة تامّة مركّبة من حركتين إفرازًا لا شيوعًا.

جزء الضّمّة مقدّم؛ وهو الأقلّ، يليه جزء الكسرة، وهو الأكثر؛ ومن ثمّ تمحّضت الياء؛ وهذه اللّغة تلي لغة الكسر في الفصاحة.

يُنظر: توضيح المقاصد 2/25، والتّصريح 1/294، والأشمونيّ 2/63.

3 إخلاص الضّمّ لغة قليلة موجودة في كلام هُذَيل، وتعزى لفَقْعَس ودُبَير - وهما من فصحاء بني أسد -، وحُكيت عن بني ضَبّة، وعن بعض تميم.

يُنظر: أوضح المسالك 1/387، والتّصريح 1/295.

4 في ب: الشّاعر.

5 هذا بيتٌ من الرّجز، ولم أقف على قائله.

و (حوكت) : نسجت، والضّمير يرجع إلى بردة إما أنْ تكون تقدّم ذكرها، أو عُلِمت ذهنًا. و (نولين) تثنية (نَوْل) وهو الخشب الّذي يَلفّ عليه الحائك الثّوب، ويروى (نيرين) وهو تثنية نير، و (النّير) : علَمُ الثّوب ولُحْمته، وثوبٌ ذو نيرين: مُحْكَم نسج على لحمتين. و (تختبط الشّوك ولا تُشاك) : أي لا تتأثّر بضربه.

والمعنى: هذه البُردة في غاية الإحكام والقوّة، فهي تضرب الشّوك فلا يعلق بها، ولا يؤذيها.

والشّاهد فيه: (حوكت) فإنّ القياس فيه: (حيكت) ، لكنْ من العرب مَن يخفِّف هذا النّوع بحذف حركة عينه، فإنْ كانت واوًا سلِمَتْ كما في (حوكت) .

يُنظر هذا البيتُ في: ابن النّاظم 233، وتخليص الشّواهد 495، وأوضح المسالك 1/386، والمقاصد النّحويّة 2/526، والتّصريح 1/295، والهمع 6/37، والأشمونيّ2/63، والدّرر 6/261.

ص: 317

[47/ب] فإنْ كانتْ ياءً قُلِبت واوًا؛ لسكونها وانضمام ما قبلها، كقول1 الآخر:

لَيْتَ وَهَلْ يَنْفَعُ شَيْئًا لَيْتُ

لَيْتَ شَبَابًا بُوعَ فَاشْتَرَيْتُ2

وقد يعرض3 بالكسر أو بالضّمّ التباس فِعل المفعول به بفعل الفاعل؛ فيجب - حينئذ - الإشمام وإخلاص الضّمّة، في نحو قولك:(خُفْتُ) مقصودًا به خشِيتُ؛ والإشمام وإخلاص الكسرة4، في نحو قولك:

1 في ب: وقال.

2 هذا بيتٌ من الرّجز، وهو لرؤبة.

والمعنى: أتمنّى أنْ يُباعَ الشّباب فأشتريه، ولكنّ التمنّي لا ينفع؛ فإنّ الشّباب إذا ولّى لا يرجع.

والشّاهد فيه: (بوع) فإنّ القياس فيه: (بيع) لكن من العرب مَنْ يخفِّف هذا النّوع بحذف حركة عينه؛ فإنْ كانتْ ياءً قُلبت واوًا؛ لسكونها وانضمام ما قبلها.

يُنظر هذا البيت في: أسرار العربيّة 92، وابن النّاظم 233، وأوضح المسالك 1/385، وتخليص الشّواهد 495، وابن عقيل 1/457، والمقاصد النّحويّة 2/524، والهمع 6/37، والأشمونيّ 2/63، وملحق الدّيوان 171 وفيه (بيع) بدل (بوع) ولا شاهد فيه على هذه الرّواية.

3 في أ: يعوّض، وهو تحريف.

4 في ب: الكسر.

ص: 318

(طُلْتُ) 1 مقصودًا به غُلِبْتُ في المطاولة2.

والثّلاثيّ المُضاعَف يجوز في فائه من الضّمّ، والإشمام، والكسر ما جاز في فاء الثّلاثيّ المعتلّ العين، نحو:(حُبَّ الشّيء) و (حِبَّ)3.

والأشياء الّتي يجوز [أن تقوم] 4 مقام الفاعل أربعةٌ؛ وهي:

المفعول به، سواءً كان من جُملةِ الأفعال المتعدِّية إلى واحدٍ أو إلى اثنين أو إلى ثلاثةٍ.

والمفعول بحرف الجرِّ.

و5الظّرف من الزّمان والمكان إذا كانا متمكّنين.

والمصدر إذا كان مُعرّفًا أو منعوتًا مُخْتصًّا6؛ ومثال ذلك:

1 في أ: ظلت، وفي ب: طللت.

2 في أ: المطاوعة.

3 يُنظر: ابن النّاظم 233، وابن عقيل 1/459.

4 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.

5 في أ: أو.

6 إذا وجد بعد الفعل المبنيّ للمجهول مفعولٌ به، ومصدر، وظرف، وجارّ ومجرور، فأيّها ينوب؟، وهل يجوز نيابة غير المفعول به مع وجوده؟

مذهب البصريّين أنّه لا يجوز نيابة غير المفعول مع وجوده.

ومذهب الكوفيّين أنّه يجوز نيابة غيره وهو موجود؛ تقدّم أو تأخّر.

ومذهب الأخفش أنّه إذا تقدّم غير المفعول به عليه جازَ نيابة كلّ واحدٍ منهما، وإذا تقدّم المفعول به على غيره تعيّن نيابته.

تُنظر هذه المسألة في: التّبيين، المسألة الثّامنة والثّلاثون، 268، وشرح المفصّل 7/74، وابن النّاظم 235، وابن عقيل 1/462، وائتلاف النُّصرة، فصل الاسم، المسألة الثّامنة والسّبعون، 77، والتّصريح 1/290، والهمع 2/265.

ص: 319

(ضُرِبَ زَيْدٌ) و (أُعْطِيَ عَمْرٌو دِرْهَمًا) و (ظُنَّ زيدٌ قائمًا) و (أُعْلِمَ زَيْدٌ عَمْرًا مُنْطَلِقًا) و (مُرَّ بزيدٍ) و (سِيرَ بِهِ يومان) و (مُشِيَ [عليه] 1 فَرْسَخان) و (قيلَ في خَالدٍ قَوْلٌ حَسَنٌ) .

(عليه) ساقطةٌ من ب.

ص: 320

‌بَابُ المَفْعُولِ بِهِ:

[48/أ]

وَالنَّصْبُ لِلْمَفْعُولِ حُكْمٌ أُوجِبَا1

كَقَوْلِهِمْ: صَادَ الأَمِيرُ أَرْنَبَا

وَرُبَّمَا أُخِّرَ عَنْهُ الْفَاعِلُ

نَحْوُ: قَدِ اسْتَوْفَى الْخَرَاجَ2 الْعَامِلُ

المفعول به: كلّ اسم اتّصل به تعدّي الفعل فَنَصَبَهُ؛ فهو ما انتصب بعد تَمامِ الكلام إيجابًا أو نفيًا، مثل (ضَرَبْتُ زَيْدًا) و (مَا ضَرَبْتُ عَمْرًا) و (هَلْ رَأَيْتَ خَالِدًا؟) ، وكلّ ما جاء من باب المفاعَلة، كقولك:(ضَارَبَ زَيْدٌ عَمْرًا)، فالمنصوب مرفوعٌ في المعنى؛ لأنّك تقول:(تَضَارَبَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو) ؛ فإن اختصَّ أحدهما بمعنى الفاعليّة، كان الآخَرُ منصوبًا بالمفعوليّة، كقولك:(عاقبت اللِّصَّ) .

وشرط المفعول: أَنْ يكون آخِرًا؛ لأنَّهُ فضلةٌ في الكلام، ومرتبة الفاعل أنْ تكون3 وسطًا4، فإنْ توسَّط المفعول، أو قُدِّم على الفعل؛ فذلك للاهتمام5 [به]6.

1 في متن الملحة 20: حُكْمٌ وَجَبَا.

2 في أ: نحو جرى الماء وجار العامل، وهو تحريف لا يتّفقُ مع التّمثيل المطلوب.

3 في ب: أنْ يكون.

4 "الفاعل كالجزء من الفعل؛ فلذلك كان حقّه أنْ يتّصل بالفعل، وحقّ المفعول الانفصال عنه، نحو: (ضربَ زيدٌ عمرًا) ". ابن النّاظم 227.

5 في أ: الإهتمام.

6 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.

ص: 321

قال سيبويه - عقيب ذكر المفعول -: "يقدِّمون في كلامهم ما هم ببيانه أهمّ وأَعْنَى"1 على هذا الحكم تَقَدَّمُه2 على الفاعل، كقولك:(ركب الفرسَ الأميرُ) اهتمامًا3 بذكره.

وكذلك تَقَدُّمُهُ، كقولك:(عَمْرًا ضَرَبَ زيدٌ) ومرتبة مجيئه بعد الفاعل الأصيل4.

وَإِنْ تَقُلْ: كَلَّمَ مُوسَى يَعْلَى

فَقَدِّمِ الْفَاعِلَ فَهْوَ أَوْلَى5

[48/ب]

قد تقدّم ذكر جواز تقديم6 المفعول على وجه الاهتمام به، والتوسّع7 في الكلام، بشرط الأمن من اللَّبس؛ فمتى وقع اللّبس لعدَم8 الإعراب9، كالمقصورين [في قولك:(أَكرم موسى عيسى) ] 10؛

1 يُنظر: الكتاب 1/34.

2 في ب: تقديمه.

3 في ب: أو اهتمامًا.

4 في ب: الأصل.

5 في شرح الملحة 168: فَهْوَ الأَوْلَى.

6 في أ: تقدّم.

7 في ب: أو التوسّع.

8 في أ: بعدم. والمقصود: عدم الإعراب الظّاهر.

9 قال الرّضيّ - في شرحه على الكافية 1/72 -: ((إذا انتفى الإعراب اللّفظيّ في الفاعل والمفعول معًا، مع انتفاء القرينة الدّالّة على تمييز أحدهما عن الآخر، وجب تقديم الفاعل؛ لأنّه إذا انتفت العلامة الموضوعة للتّمييز بينهما - أي: الإعراب - لمانع، والقرائن اللّفظيّة والمعنويّة الّتي قد توجَد في بعض المواضع دالّة على تعيين أحدهما من الآخر كما يجيء فليلزم كلّ واحد مركزه ليعرفا بالمكان الأصليّ)) . ويُنظر: البسيط 1/280.

10 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.

ص: 322

فموسى واجب تقدّمه1 إنْ كان فاعلاً، وتأخّره إنْ كان مفعولاً.

فإن أُمِنَ اللّبس جَازَ التَّقديم والتّأخير، كقولك:(أكلتْ الكُمَّثْرى الحبلى) و (أخذت ليلى الحُمَّى) 2 وما أشبه ذلك.

1 في ب: تقديمه.

2 المميّز فيهما القرينة المعنويّة؛ فتقدَّمَ المفعول فيهما. يُنظر: شرح الرّضيّ 1/72، وشرح الكافية الشّافية 2/589، وابن النّاظم 228.

ص: 323

[بَابُ] 1 أَقْسَامِ الأَفْعَالِ فِي التَّعَدِّي:

وَكُلُّ فِعْلٍ مُتَعَدٍّ يَنْصِبُ

مَفْعُولَهُ مِثْلُ: سَقَى وَيَشْرَبُ

الأفعال في التّعدّي أَنْواعٌ2:

فيُقال: الفعل منه لازِمٌ وهو: كُلّ ما لا يقتضي معناه تعدِّيًا إلى مفعولٍ؛ كأفعال الألوان، والخِلَق، والمطاوعة، كـ (اسْوَدَّ) و (حَوِلَ) و (تَدَحْرَجَ) و (ظَرُفَ) .

والمتعدِّي على ضربين:

ما يتعدّى بحرف جرٍّ3.

وما يتعدّى بنفسه.

والّذي يتعدَّى بحرف الجرِّ على ضربين4:

أَحَدُهما: لا يجوز إسقاط حرف الجرِّ منه إلَاّ في الشّعر؛ وذلك نحو: (مررت بزيدٍ) ، فلا يجوز إسقاط هذه الباء؛ لأنَّها كالجزء من الاسم

1 ما بين المعقوفين زيادة يقتضيه صنيعه في الأبواب السّابقة.

2 الأفعال تنقسم بحسب اللّزوم والتّعدّي سبعة أقسام. يُنظر: شرح ألفيّة ابن معطٍ 1/475.

3 لو قال الشّارح رحمه الله: (ما يتعدّى بغيره) لكان أفضل؛ ليشمل التّعدِّي بحرف الجرّ، وبالهمزة، وبالتّضعيف.

يُنظر: أسرار العربيّة 86، وشرح ألفيّة ابن معطٍ 1/520.

4 أي: ما يتعدّى إلى المفعول مطلَقًا بحرف الجرّ ونحوه، ممّا يصل به الفعل اللاّزم إلى المفعول ضربان.

يُنظر: شرح ألفيّة ابن معطٍ 1/486.

ص: 325

لاتّصالها بِهِ، وكالجزء من الفعل لكونها [49/أ] معدّية1 له، وموصِّلة2 إلىالاسم؛ فكلّ واحدٍ من هذين - الاسم والفعل - مفتقرٌ إلى هذا الحرف؛ فخُلُوّهُما منه إجحافٌ بهما؛ وقد ورد حذفه في الشّعر، كقول الشّاعر:

تَمُرُّونَ الدِّيَارَ وَلَمْ تَعُوجُوا

كَلَامُكُمُ عَلَيَّ إِذَنْ حَرَامُ3

الثّاني: الّذي يتعدّى بحرف الجرّ، والمتكّلم مُخيّرٌ في إثباتِهِ وحَذْفِهِ، كـ (شكرتُ) و (أَمَرْتُ) و (نَصَحْتُ) و (وَزَنْتُ) و (كِلْتُ) و (اخْتَرْتُ) 4؛ تقول: شكرتُ زيدًا، وشكرتُ له، ونصحتُه، ونصحتُ له، ووَزَنْتُه،

1 في أ: متعدّية له.

2 في أ: موصولة، وهو تحريف.

3 هذا بيتٌ من الوافر، وهو لجرير.

و (لم تعوجوا) : لم تقيموا، مِن عاج بالمكان: أقام به.

والشّاهد فيه: (تمرّون الدّيار) حيث إنّ الفعل (تمرّون) قد تعدّى إلى المفعول (الدّيار) بحرف الجرّ الّذي حُذِف للضّرورة؛ وأصله: تمرّون بالدّيار.

يُنظر هذا البيت في: شرح المفصّل 8/8، 9/103، والمقرّب 1/115، وشرح ألفيّة ابن معطٍ 1/486، وتخليص الشّواهد 503، وابن عقيل 1/488، والمقاصد النّحويّة 2/560، والهمع 5/20، والخزانة 9/118، والدّيوان 1/278- والرّواية فيه (أَتُمْضُونَ الرُّسُومَ وَلَا تُحَيَّى) -.

(اخترتُ) من الأفعال الّتي تتعدّى إلى مفعولين؛ أحدهما بنفسها، والآخر بحرف الجرّ، نحو:(اخترت الرّجالَ زيدًا) أي: من الرّجال، ومثل الآية الكريمة الّتي استشهد بها الشّارح.

يُنظر: شرح ألفيّة ابن معطٍ 1/500.

ص: 326

ووزنت له؛ قال1 اللهُ تعالى: {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} 2، وقال تعالى3:{وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً} 4 أي: من قومه، وأمرته كذا، وأمرته بِهِ، ومنهُ5 قولُ الشّاعر:

أَمَرْتُكَ الْخَيْرَ فَافْعَلْ مَا أُمِرْتَ بِهِ

فَقَدْ تَرَكْتُكَ ذَا مَالٍ وَذَا نَشَبِ6

1 في ب: وقال.

2 سورة المطفّفين، الآية:3.

3 في ب: وقال سبحانه.

4 من الآية: 155 من سورة الأعراف.

5 في ب: وقال الشّاعر.

6 في ب: وذا بشره.

وهذا البيتُ من البسيط، ويُنسب إلى عمرو بن معدي كرب، وإلى العبّاس بن مرداس، وإلى زُرعة بن السّائب، وإلى خفاف بن ندبة، وإلى أعشى طرود - واسمه: إياس بن عامر -.

و (النّشب) : المال الثّابت كالضّياع ونَحْوِها، وهو من نشب الشّيء إذا ثبت في موضع ولزمه. و (المال) : الإبل، أو هو عامّ.

والشّاهد فيه: (أمرتك الخير) ، و (أمرت به) فإنّ العبارة الأولى قد تعدّى فيها الفعل الّذي هو (أمر) إلى مفعولين بنفسه؛ وفي العبارة الثّانية قد تعدّى إلى الأوّل منهما بنفسه، وهو النّائب عن الفاعل، وإلى الثّاني بحرف الجرّ.

والّذي في كلام سيبويه والأعلم - رحمهما الله - يدلّ على أنّهما يعتبران الأصل في هذا الفعل أنّه يتعدّى إلى ثاني مفعوليه بحرف الجرّ؛ ثمّ قد يحذف حرف الجرّ فيصل الفعل إلى المفعول الثّاني بنفسه؛ ويدلّ ذلك على أنّ النّصب عندهما على نزع الخافض، وأنّه يقتصر فيهما على المسموع.

يُنظر هذا البيتُ في: الكتاب 1/37، والمقتضب 2/36، 86، 321، والمؤتلف والمختلف 17، والمحتسب 1/51، 272، وتحصيل عين الذّهب 72، 73، وأمالي ابن الشّجريّ 2/133، 558، وشرح المفصّل 8/50، وشرح ألفيّة ابن معطٍ 1/501، وشرح شذور الذّهب 346، والهمع 5/18، والخزانة 1/339، وديوان عمرو بن معدي كرب 63، وديوان خفاف بن ندبة 126، وديوان العبّاس بن مرداس 46، والصّبح المنير 284.

ص: 327

وقوله: (مِثْلُ: سَقَى وَيَشْرَبُ) يشير إلى الرّابع؛ وهو1 أقوى ممّا تقدّمه2 وهو (يشرب) 3 فإنّه متعدٍّ بنفسه إلى مفعولٍ واحدٍ؛ تقول: (شَرِبْتُ ماءً) ؛ وإلى الخامس وهو (سَقَى) ؛ لأنّه متعدٍّ بنفسه إلى مفعولين ثانيهما غير الأوّل4، تقول:(سقيتُ زيدًا ماءً) ، وهذا يجوزُ فيه ذكر المفعولين، كقوله تعالى:{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوثَرَ} 5، والاقتصار على أَحدِهما، [49/ب]

1 في أ: وهذا.

2 في ب: أقوى ممّا تقدم.

3 في أ: شرب.

4 وهو ضربان:

أحدهما: ما يتعدّى بنفسه مطلَقًا، نحو:(كسوت زيدًا حُلَّةً) .

والثّاني: ما كان متعدّيًا إلى مفعول، فَعُدِّي بالنّقل إلى آخَرَ، نحو:(أعطيتُ زيدًا درهمًا) ؛ لأنّ أصله (عطوت الدرهم) أي: تناولته، ثمّ يُعدّى إلى الآخر بالهمزة.

يُنظر: شرح ألفيّة ابن معطٍ 1/502.

5 سورة الكوثر، الآية:1.

ص: 328

كقولك: (أعطيتُ زيدًا) ، ولا تذكر ما أَعطيت، [و] 1 كقوله تعالى:{وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} 2؛ و (أعطيت درهمًا) ولا تذكر مَنْ أَعطيت؛ ولك أن تقول: (أعطيت) بحذفهما، كقوله تعالى:{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} 3؛ وهذا القسم أقوى من القسم الرّابع.

والسّادس: هي4 أفعال القلوب - ويأتي ذكرها -، وهو أقوى من الخامس.

والسّابع: لم يذكره الشّيخ5؛ وهو أقواها بتعديته إلى ثلاثة مفعولين6؛ وذلك إمّا بحرف جرٍّ، وإمّا بتضعيف عين الفعل، وإمّا بهمزة النّقل؛

1 العاطف ساقطٌ من أ.

2 سورة الضّحى، الآية:5.

3 سورة اللّيل، الآية:5.

4 في أ: من أفعال القلوب.

5 يريد: الشّيخ أبا القاسم الحريريّ صاحب الملحة.

6 قوله: (ثلاثة مفعولين) قال ابن أبي الرّبيع في البسيط 1/449: "رأيتُ بعض المتأخِّرين أَبْطَل هذا اللّفظ، وقال: إنّ العدد لا يُضاف إلى الصّفة، وإنّما يُضاف العدد إلى الأسماء، وإضافة العدد إلى الصّفات شيءٌ لا يُقاس عليه؛ لأنّه جاء على غير قياس، والمفعول صفة فقوله:(ثلاثة مفعولين) خَطَأ، إنما كان ينبغي أن يقال: ثلاثة أسماء مفعولين.

وهذا الّذي أنكره قد ورد في كلام سيبويه رحمه الله 1/41: "هذا بابُ الفاعل الّذي يتعدَّاه فعله إلى ثلاثة مفعولين)) ، والّذي ينبغي أنْ يقال: إنّ المفعول قد جرى مجرى الأسماء؛ فإذا كان كذلك فتصحّ إضافة أسماء الأعداد إليه، كما يُضاف إلى الأسماء؛ ألا ترى أنّك تقول: (ثلاثة أصحابٍ) ، وإنْ كان صاحب صفة في الأصل، لكنّه اسْتُعمِلَ استعمال الأسماء، فجرى مجراها في كلّ شيء".

ص: 329

وأنشد الفرّاءُ:

تَعْدِيَةُ اللَاّزِمِ يَا حَمْزَهْ

بِالْحَرْفِ وَالتَّضْعِيْفِ وَالهَمْزَهْ1

والأفعال2 هي: (أَعْلَمَ) و (أَرَى) و (أَنْبَأَ) و (نَبَّأَ) و (خَبَّرَ) و (أَخْبَرَ) و (حَدَّثَ) ؛

كقولك3: (أَعْلَمَ اللهُ النَّاسَ مُحَمَّدًا صَادِقًا) و (نَبَّأْتُ عَمْرًا زَيْدًا كَرِيمًا) و (أَخْبَرْتُ عَنْ عَمْرٍو زَيْدًا خَبَرًا) والتّقدير: أَعْلمَ اللهُ النّاسَ أنَّ محمدًا صَادِقٌ.

وذوات التّعديَةِ4 أَتمّها الحرف5؛ لأنّه يتعدّى به جميع الأفعال

1 هذا بيتٌ من السّريع، ولم أقف على قائله، ولم أجد مَنْ ذكره.

2 الأفعال المتعدّية إلى ثلاثة؛ سبعة: أربعة معها همزة النّقل، وثلاثة جاءت بتضعيف العين.

يُنظر: كشف المُشْكِل 1/406، والبسيط 1/449، وشرح ألفيّة ابن معطٍ 1/519.

3 في أ: كقولهم.

4 ذوات التّعدية تنقل الفعل اللاّزم من اللّزوم إلى التّعدّي، وكذلك إذا دخلت على الفعل المتعدّي فإنما تزيده مفعولاً، وإنْ كان يتعدّى إلى مفعولٍ واحدٍ، صار يتعدّى إلى مفعولين، كقولك في:(ضرب زيد عمرًا) أضربتُ زيدًا عمرًا، وما أشبه ذلك، وإنْ كان متعدّيًا إلى مفعولين صار متعدّيًا إلى ثلاثة مفعولين.

يُنظر: أسرار العربيّة 86، 87، وكشف المُشْكِل 1/386، وشرح ألفيّة ابن معطٍ 1/520.

5 في أ: الحروف.

ص: 330

الثّلاثيّة وما زاد عليها.

وأمَّا الهمزةُ [50/أ] فلا يتعدّى بها إلَاّ الثّلاثيّ؛ وكذلك التّضعيف، تقول من ذلك:(فَرّحتُ زيدًا) و (أخرجته من السّجن) و (ذهبتُ به) 1 و (ما اختفيتُ منه)2.

1 هذا مثالٌ للتّعدية بالحرف، وكذلك ما بعده.

2 في ب: وما اخفيت منه.

ص: 331

‌بَابُ أَفْعَالِ القُلُوبِ:

لَكِنَّ فِعْلَ الشَّكِّ وَالْيَقِينِ

يَنْصِبُ مَفْعُولَيْنِ فِي التَّلْقِينِ

تَقُولُ: قَدْ خِلْتُ الْهِلَالَ لَائِحَا

وَقَدْ وَجَدْتُ المُسْتَشَارَ نَاصِحَا

وَمَا أَظُنُّ عَامِرًا رَفِيقَا

وَلَا أَرَى لِي خَالِدًا صَدِيقَا

وَهَكَذَا تَفْعَلُ1 فِي عَلِمْتُ

وَفِي حَسِبْتُ ثُمَّ فِي زَعَمْتُ

هذه أفعال القلوب2؛ وهي تدخل على المبتدأ والخبر فتَنْصِبُهُمَا جميعًا؛ وهي: (ظَنَنْتُ) و (رَأَيْتُ) و (وَجَدْتُ) و (عَلِمْتُ) و (حَسِبْتُ) و (خِلْتُ) و (زَعَمْتُ) .

فـ (خال) 3 لا بمعنى تكبَّر، كقولك:(خِلْتُ زيْدًا صديقًا) .

1 في ب: تصنع.

2 أفعال القلوب تنقسم إلى أربعة أقسام:

أحدها: ما يُفيد في الخبر يقينًا؛ وهو أربعة: وَجَد، وألْفَى، وتَعَلَّمْ - بمعنى أعلم - ودرى.

والثّاني: ما يُفيد في الخبر رجحانًا؛ وهو خمسة: جَعَلَ، وحَجَا، وَعَدَّ، وهَبْ، وزَعَمَ.

والثّالث: ما يرد بالوجهين، والغالب كونه لليقين؛ وهو اثنان: رأى، وعلم.

والرّابع: ما يرد بهما، والغالب كونه للرّجحان؛ وهو ثلاثة: ظنَّ، وحَسِبَ، وخَال. يُنظر: أوضح المسالك 1/294، 297، 304، وشرح التّسهيل2/77، وابن النّاظم 195، والتّصريح 1/247، والأشمونيّ 2/24.

(خال) إنْ كانت بمعنى تكبّر، أو ظَلَعَ في قولهم: خال الفرس؛ أي: ظلع، فهي لازمة.

يُنظر: شرح التّسهيل 2/81، وابن النّاظم 197، والأشمونيّ 2/20.

ص: 333

و (ظنّ) لا بمعنى اتّهم1، نحو (ظننت عمرًا صادقًا) .

و (حَسِبَ) 2 لا من صار أَحْسَبَ، أي: ذا شُقْرةٍ، أو حُمْرَةٍ وبياضٍ كالبَرص3، بل كقول الشّاعر:

وَكُنَّا حَسِبْنَا كُلَّ بَيْضَاءَ شَحْمَةً

عَشِيَّةَ لَاقَيْنَا جُذَامَ وَحِمْيَرَا4

[50/ب]

1 إنْ أُريد بظنّ معنى اتّهم تعدَّت إلى واحد، نحو قوله تعالى:{وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} [التّكوير: 24] .

يُنظر: شرح التّسهيل 2/81، وابن النّاظم 197.

2 في كلتا النسختين: حَسِبْتُ، والتصويب من ابن الناظم 197.

(حسبت) إنْ كانت بهذا المعنى الّذي ذكره الشّارح فهي لازِمة، يقال: حَسِبَ الرجل إذا احمرّ لونه، وابيضّ كالبرص، وكذا إذا كان ذا شقرة.

يُنظر: شرح التّسهيل2/81، وابن النّاظم 197، والمساعد 2/360، والأشمونيّ 2/21.

4 هذا بيتٌ من الطّويل، وهو لزُفَرِ بن الحارث الكلابيّ.

و (كنّا حسبنا كلّ بيضاء شحمة) أي: كنّا نطمع في أمرٍ فوجدناه على خلاف ما كنّا نظنّ.

والمعنى: إنّا كنّا نظنّ أنّ النّاس سواء في الخوَر والجبن، وأنّهم متى لقوا من لا قِبَل لهم بحربه مثل قومنا فرُّوا عنهم؛ ولكنّ هذا الظّنّ لم يلبث أنْ زال حين لقينا هاتين القبيلتين؛ فلقينا بلقائهم البأس والشّدّة.

والشَّاهد فيه: (حسبنا كلّ بيضاء شحمة) حيث استعمل (حسب) بمعنى الرّجحان، فنصب به مفعولين؛ أوّلهما قوله:(كلّ بيضاء)، وثانيهما قوله:(شحمة) .

يُنظر هذا البيت في: شرح ديوان الحماسة للتّبريزيّ 1/41، وابن النّاظم 197، وأوضح المسالك 1/305، وتخليص الشّواهد 435، والمغني 833، والمقاصد النّحويّة 2/382، والتّصريح 1/249.

ص: 334

و (زعم) لا بمعنى كَفَل أو سَمِنَ أو هَزُل1، كقولك:(زَعَمْتُ بَكْرًا مقيمًا) .

و (عَلِمْتُ) لا لإدراك المفرد وهو العِرفَان2، نحو:(علمت خالدًا مُحْسِنًا) . و (وَجَدْتُ) لا من وجدَان الضَّالّة3، كقولك:(وجدت محمَّدًا عالمًا) . و (رأيت) لا من قولهم: (رأيته) إذا رماه فأصاب رئته4،

(زعم) إنْ كانت بمعنى كفل، أو بمعنى رأس؛ تعدّت لواحد، تارةً بنفسها، وتارةً بالحرف؛ وإنْ كانت بمعنى سَمِنَ، أو هَزُلَ فهي لازمة، يقال: زعمت الشاة، بمعنى سمنت، وبمعنى: هزلت.

يُنظر: شرح التّسهيل 2/78، وابن النّاظم 198 والمساعِد 2/356، والأشموني2/22.

2 نحو قوله تعالى: {وَاللهُ أَخْرَجَكُم مِّنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} [النّحل: 78] أي: لا تعرفون، ويتعدّى حينئذ إلى واحد.

يُنظر: شرح التّسهيل 2/78، وابن النّاظم 196، والمساعِد 2/356، والأشمونيّ 2/33.

(وجد) إنْ كانت بمعنى أصاب؛ تعدّت إلى واحد، ومصدرها الوجدان، نحو:(وجد فلانٌ ضالّته) ؛ وإنْ كانت بمعنى (استغنى) ، أو (حزن) ، أو (حقد) ؛ فهي لازمة.

يُنظر: شرح التّسهيل2/78، وابن النّاظم 196، والمساعِد 2/357، والأشمونيّ 1/21.

(رأى) إنْ كانت بصريّة، أو من الرّأي، أو بمعنى أصاب رئته؛ تعدّت إلى واحد.

يُنظر: شرح التّسهيل 2/81، والمساعِد 2/361، والأشمونيّ 2/19.

ص: 335

كـ (رأيت الأميرَ عادلاً) . وقيل: (عَدّ) و (أَلْفَى) يجريان مجرى هذه الأفعال؛ فـ (عَدَّ) لا بمعنى (حَسَبَ) 1، كقول الشّاعر:

لَا أَعُدُّ الإِقْتَارَ2 عُدْمًا وَلَكِنْ

فَقْدُ مَنْ قَدْ فَقَدْتُهُ الإِعْدَامُ3

و (ألفى) بمعنى وَجَدَ4.

ومنه (حَجَا) لا بمعنى (غَلَب) في المحاجَاة، أو قَصَدَ5، كقوله:

(عدّ) إنْ كانت بمعنى (حَسَبَ) تعدّت لواحد.

يُنظر: المساعِد 1/355، والأشمونيّ 2/23.

2 في أ: الافتقار.

3 هذا بيتٌ من الخفيف، وهو لأبي دُؤاد الإياديّ.

و (أعدّ) : أظن. و (الإقتار) : قِلّة المال وضيق العيش. و (العدم) والإعدام: الفقر.

والشّاهد فيه: (لا أعدُّ الإقتارَ عُدْمًا) حيث استعمل (عدّ) استعمال (ظنّ) فنصب بها مفعولين؛ هما (الإقتار) و (عدمًا) .

يُنظر هذا البيت في: الأصمعيّات 187، وشرح التّسهيل 2/77، وابن النّاظم 198، وتخليص الشّواهد 431، والمقاصد النّحويّة 2/391، والهمع 2/211، والخزانة 8/125، 9/590، والدّرر 2/238، والدّيوان 338.

4 يقصد الشّارح (ألفى) الّتي ترادِف (وجد) المتعدّية إلى اثنين؛ أمّا الّتي بمعنى (أصاب) فإنّها تتعدّى لواحد، نحو قوله تعالى:{وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَا الْبَابِ} [يوسف: 25] .

يُنظر: شرح التّسهيل 2/79، والمساعِد 1/358.

5 فإنْ كانت بمعنى غلب في المحاجات، أو قصد، أو ردّ؛ تعدّت إلى واحدٍ.

وإنْ كانت بمعنى أقام، أو بخل؛ فهي لازمة.

يُنظر: شرح التّسهيل 2/77، والمساعِد 1/355، والأشمونيّ 2/23.

ص: 336

وَكُنْتُ أَحْجُو أَبَا عَمْرٍو أَخَا ثِقَةٍ

حَتَّى أَلَمَّتْ بِنَا يَوْمًا مُلِمَّاتُ1

ومنه (هَبْ)، كقول الشّاعر:

فَقُلْتُ أَجِرْنِي أَبَا خَالِدٍ

وَإِلَاّ فَهَبْنِي امْرَأً هَالِكًا2

1 هذا بيتٌ من البسيط، ويُنسب إلى تميم بن أبي مقبل، وإلى أبي شنبل الأعرابيّ.

و (أحجو) : أظنّ. و (ألمّت) : نزلت. و (الملمّات) : جمع ملمّة؛ وهي: النّازلة من نوازِل الدّهر.

والشّاهد فيه: (أحجو أبا عمرو أخا) حيث ورد الفعل (حجا) بمعنى (ظنّ) فنصب مفعولين؛ هما (أبا عمرو) و (أخا ثقة) .

يُنظر هذا البيت في: شرح التّسهيل 2/77، وابن النّاظم 199، وأوضح المسالك1/298، وتخليص الشّواهد 440، وابن عقيل 1/388، والمساعد 1/355، والمقاصد النّحويّة 2/376، والتّصريح 1/248، والهمع 2/210، والأشمونيّ 2/23.

2 هذا بيتٌ من المتقارِب، وهو لعبد الله بن همّام السّلوليّ.

و (أجرني) : اتّخذني جارًا لك، ثم أُريد لازم المعنى؛ وهو الحماية والدّفاع.

و (هبني) أي: اعددني واحسبني.

والشّاهد فيه: (فهبني امرأً) فإن (هَبْ) فيه بمعنى الظّنّ، وقد نصب به مفعولين؛ أحدهما: ياء المتكلِّم، وثانيهما قوله:(امرأ) .

يُنظر هذا البيت في: شرح التّسهيل 2/78، وابن النّاظم 199، وأوضح المسالك 1/300، وتخليص الشّواهد 442، وابن عقيل 1/389، والمساعد 1/357، والمقاصد النّحويّة 2/378، والتّصريح 1/248، والهمع 2/213، والخزانة 9/36، والدّيوان 85.

ص: 337

ومنه (جَعَل)، كقولك:(جَعَل زَيْدٌ عَمْرًا صَدِيقًا) .

فهذه الأفعال معانيها قائمة بالقلب1؛ وكُلُّ ما جاز أنْ يكون خبرًا لمبتدأ يجوز أنْ يكون المفعول الثّاني لهذه الأفعال. [51/أ]

وتختصّ هذه الأفعالُ - سِوَى (هَبْ) و (تَعَلَّم) - بالإلغاء والتّعليق2.

فالإلغاءُ3 هو: ترك إعمال4 الفعل؛ لضعفه بالتّأخير، أو التّوسّط بين المفعولين، كقولك مع التّأخير:(زَيْدٌ عَالِمٌ ظننت)، ومع التّوسّط:(زَيْدٌ ظننت عَالِمٌ) .

فالمثال الأوّل: يجوز فيهما5 الرّفع والنّصب6، والرّفعُ7 أجود؛ لتأخير الفعل عنهما، فعودُهما إلى الابتداء8 أَوْلى.

1 ولذلك سمّيت (أفعال القلوب) .

2 إنّما لم يدخل التّعليق والإلغاء (هب) و (تعلم) وإنْ كانا قلبيّين؛ لضعف شبههما بأفعال القلوب من حيث لزوم صيغة الأمر.

يُنظر: أوضح المسالك 1/318، والتّصريح 1/256، والأشمونيّ 2/27.

3 وقيل في تعريفه: إبطال العمل لفظًا ومحلاًّ؛ لضعف العامل بتوسُّطِهِ أو تأخّره.

يُنظر: أوضح المسالك 1/313، وابن عقيل 1/395.

4 في أ: الإعمال.

5 في ب: فيه.

6 الرّفع على الإلغاء، والنّصب على الإعمال.

7 في أ: والنّصب.

8 في ب: المبتدأ.

ص: 338

والمثال الثّاني: يجوز فيهما الرَّفعُ والنّصب، والنّصب أجود1؛ لعمل الفعل في بعض الجملة2.

والتّعليق3 هو: ترك [إعمال] 4 الفعل؛ لفصل ماله صدر الكلام بينه وبين معمولِه، كقولك:(علمت لزيدٌ ذاهبٌ) و (علمتُ أزيدٌ أخوك أم عمرٌو؟) ، فقد تعلَّق (عمله) 5 بلام الابتداء وهمزة الاستفهام، أو بـ (ما) النّافية، كقولك:(علمت [ما] 6 زيدٌ ذاهبٌ) ، أو بالقسم، كقولك:(علمت واللهِ الْعِلْمُ نَافِعٌ) .

1 وقيل: الإعمال والإلغاء سِيَّان.

يُنظر: أوضح المسالك 1/316، وابن عقيل 1/396، والأشمونيّ 2/28.

2 بقي صورة؛ وهي: إذا تقدّم الفعل، نحو:(ظننت زيدًا قائمًا) ، فعند البصريّين يمتنع الإلغاء، فلا تقول:(ظننت زيدٌ قائم) بل يجب الإعمال.

فإنْ جاء من لسان العرب ما يوهم إلغائها مُتقدّمةً أوّلَ على إضمار ضمير الشّأن؛ ليكون هو المفعول الأوّل؛ والجزءان جملة في موضع المفعول الثّاني، أو على تقدير لام الابتداء.

وذهب الكوفيّون إلى جواز إلغاء التّقدّم، فلا يحتاجون إلى تأويل. تُنظر هذه المسألة في: أوضح المسالك 1/320، وابن عقيل 1/396، والتّصريح 1/258، والأشمونيّ 2/28.

3 وقيل في تعريفه هو: إبطال العمل لفظًا لا محلاًّ؛ لمجيء ماله صدر الكلام بعده، وهو لام الابتداء، ولام القسم، وما النّافية، والاستفهام.

يُنظر: أوضح المسالك 1/316، وابن عقيل 1/394.

(إعمال) ساقطةٌ من ب.

5 في ب: علمت.

(ما) ساقطة من أ.

ص: 339

‌بَابُ اسْمِ الفَاعِلِ:

وَإِنْ ذَكَرْتَ فَاعِلاً مُنَوَّنَا

فَهْوَ كَمَا لَوْ كَانَِ فِعْلاً بَيِّنَا

فَارْفَعْ بِهِ فِي لَازِمِ الأَفْعَالِ

وَانْصِبْ إِذَا عُدِّي بِكُلِّ حَالِ

تَقُولُ: زَيْدٌ مُشْتَرٍ1 أَبُوهُ

بِالرَّفْعِ مِثْلُ: يَشْتَرِي2 أَخُوهُ

وَقُلْ: سَعِيدٌ مُكْرِمٌ عُثْمَانَا

بِالنَّصْبِ مِثْلُ: يُكْرِمُ الضِّيفَانَا

[51/ب]

يُشير إلى اسم الفاعل؛ وهو: ما يشتقّ3 من فعل الفاعل؛ فإنْ كان اشتقاقه من لازمٍ كان ما بعده مرفوعًا، كقولك:(زيدٌ شريفٌ4 أبوه) ؛ وإنْ كان من متعدٍّ عَمِلَ عَمَل الفعل المضارع؛ لشبهه به في عِدَّة5الحروف، وهيئة الحركة والسّكون، فـ (ضارب) يُضَاهي (يَضْرِبْ) في كون كلٍّ منهما رُباعيّ الحروف، ثانيهما ساكن، وما عداه متحرّك؛ فلمَّا اشتبها6من هذا الوجه أُعْرِبَ الفعل المضارع من بين الأفعال، وعمل هذا الاسم عمله في الحال والاستقبال؛ وهو لا يعمل

1 في أ: مُجْتَرٍ.

2 في أ: يَجْتَرِي.

3 في ب: اشتقّ.

4 إذا كان الفعل على وزن (فَعُلَ) كثُر مجيء اسم الفاعل منه على وزن (فعيل)، نحو:(شَرُفَ) فهو (شريف) . يظر: ابن عقيل 2/127.

5 في ب: عدد.

6 في أ: اشتبه.

ص: 341

إلَاّ إذا كان معتمدًا على ما قبله من مبتدأ1، كقولك:(هذا ضارب زيدًا) .

أو يكون على2 موصوف، كقولك:(مَرَرت3 برجلٍ ضاربٍ زَيْدًا) ؛ [أو] 4 [على صاحب الحال، كقولك: (هذا عمرٌ ضاربًا زيدًا) ؛ أو5 على همزة الاستفهام، كقولك: (أضاربٌ صاحبك زيدًا؟) 6؛ أو على7 (ما) النّافية، كقولك: (ما ضاربٌ زيدٌ عمرًا] .

ولا يعمل إذا كان بمعنى8 الماضي عَمَل الفعل، بل يجرّ ما بعده، فتقول:(هذا ضاربُ زيدٍ أَمْسِ) ؛ خلافًا للكسائيّ9، والآية الكريمة

1 هذه شروط إعمال اسم الفاعل إذا لم يكن صلة لـ (أل) ؛ وبقي شرطان آخران؛ وهما: ألاّ يكون مصغّرًا، وألاّ يكون موصوفًا؛ وخالف الكسائيّ فيهما جميعًا.

وإذا وقع اسم الفاعل صلة لـ (أل) عمل مطلقًا، سواء كان ماضيًا، أو مستقبَلاً، أو حالاً؛ لوقوعه حينئذ موقع الفعل؛ إذْ حَقُّ الصّلة أنْ تكون جملة؛ فتقول:(هذا الضّارب زَيْدًا الآنَ، أو غدًا، أو أمس) .

يُنظر: ابن النّاظم 1/423، 426، 430، وأوضح المسالك 2/248، وابن عقيل 1/100- 104، والتّصريح 2/65، 66، والأشمونيّ 2/293، 294.

2 في ب: أو يكون موصوفًا.

3 في ب: مرّتْ

4 ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السّياق.

5 في ب: وعلى.

6 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.

7 في أ: وعلى.

8 في أ: إلاّ إذا كان لما مضى.

9 يُنظر رأي الكسائيّ في: شرح عمدة الحافظ 2/673، وأوضح المسالك 2/248، والتّصريح 2/66، والهمع 5/81، والأشمونيّ 2/293.

ص: 342

الّتي احتجّ بها من قوله تعالى: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ} 1 فحكاية حَالٍ ماضية2بمنزلة قوله تعالى: {هَذَا مِنْ شِيْعَتَهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ} 3، وليس بحاضرٍ بل هو علىالحكاية4. [52/أ]

وإنْ جرى على غير من هو له برز الضّمير، كقولك:(زيد هند ضاربها هو) 5، فإنْ نصبت هندًا، [فقلت:(زَيْدٌ هِنْدًا] 6ضاربها) جاز7 ولم تحتج إلى إبراز الضّمير.

ولا يتعرَّف بما يضاف إليه من المعارف إذا كان للحال والاستقبال؛

1 من الآية: 18 من سورة الكهف.

2 لا حجّة له؛ لأنّ المعنى يبسط ذراعيه؛ فيصحّ وقوع المضارِع موقعه بدليل أنّ الواو في {وَكَلْبُهُمْ} واو الحال؛ إذْ يحسُن أنْ يقال: (جاء زيد وأبوه يضحك)، ولا يحسُن (وأبوه ضحك) ؛ ولذا قال سبحانه وتعالى:{وَنُقَلِّبُهُمْ} بالمضارع الدّالّ على الحال، ولم يقل:(وقلبناهم) بالماضي.

يُنظر: شرح المفصّل 6/77، وأوضح المسالك 2/248، وابن عقيل 2/101، والتّصريح 2/66.

3 من الآية: 15 من سورة الْقَصَص.

4 "الإشارة (بهذا) إنّما يقع إلى حاضر، ولم يكن ذلك حاضرًا وقت الخبر عنه". شرح المفصّل 6/77.

5 "فـ (زيد) مبتدأ، و (هند) مبتدأ ثان، و (ضاربها) خبر هند، والفعل لزيد؛ فقد جرى على غير من هو له، فلذلك برز ضميره، وخلا اسم الفاعل من الضّمير". شرح المفصّل 6/80، ويُنظر: التّبصرة 1/220.

6 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.

7 في ب: جا (بدون زاي) .

ص: 343

لأنّه يعمل عمل الفعل، والفعل نكرة؛ فكذلك ما وَقَعَ موقعه، وكذلك1 وَقَعَ صِفَةً للنّكرة2، وحالاً للمعرفة3، كقولك4:(مررتُ برجلٍ ضاربٍ عمرٍو غَدًا) ؛ ولا يجوز ذلك وأنت تريد الماضي؛ لأنّه لا يتعرّف بما أُضيف إليه، والمعارِف لا تكون أحوالاً ولا صفات النّكرات.

ومن شواهد إعماله [قوله] 5:

إِنِّي بِحَبْلِكِ وَاصِلٌ حَبْلِي

وَبِرِيْشِ نَبْلِكِ رَائِشٌ نَبْلِي6

1 في ب: ولذلك.

2 في ب: النّكرة.

3 نحو: (جاء زيدٌ طالبًا أَدَبًا) .

4 في ب: كقولهم.

(قوله) ساقط من ب.

6 هذا بيتٌ من الكامل، وهو لامرئ القيس، ويروى للنَّمِر بن تَوْلَب.

و (راش السّهم) يريشه: ركّب فيه الرّيش. و (النّبل) : السّهام، لا واحد له من لفظه.

والمعنى: يخاطِب محبوبته فيقول لها: أمري من أمرك ما لم تتشبّثي بغيري وتميلي بهواك إليه؛ وضَرَب وصل الحبل مثلاً للمودّة والتّواصُل، وريش النّبل مثلاً للمخالَطة والتّداخُلِ.

والشّاهد فيه: (واصلٌ حبلي) و (رائشٌ نبلي) حيث عمل اسم الفاعل - وهو (واصل) ، و (رائش) - النّصب في المفعول به.

يُنظر هذا البيت في: الكتاب 1/164، وشرح أبيات سيبويه للنّحَّاس 131، والجُمل 86، وتحصيل عين الذّهب 135، ورصف المباني 509، واللّسان (حبل) 11/135، والدّيوان 239، وملحق ديوان النَّمِر بن تَوْلَب 135.

ص: 344

وكقول الآخر:

وَكَمْ مَالِىءٍ عَيْنَيْهِ مِنْ شَيْءِ غَيْرهِ

إِذَا رَاحَ1 نَحْوَ الْجَمْرَةِ الْبِيضُ كَالدُّمَى2

ومنه مجموع، كقوله:

مِمَّنْ حَمَلْنَ بِهِ وَهُنَّ عَوَاقِدٌ

حُبُكَ النِّطَاقِ فَشَبَّ غَيْرَ مُهَبَّلِ3

[52/ب]

1 في ب: لاح.

2 هذا بيتٌ من الطّويل، وهو لعمر بن أبي ربيعة.

و (الجمرة) : مجتمع الحصى بمنى. و (البيض) النِّساء. و (الدُّمى) : صور الرُّخام؛ شبّه بها النّساء؛ لأنّ الصّانع لها لا يبقي غاية في تحسينها، وتلطيف شكلها، وتخطيطها؛ ويُراد مع ذلك السّكينة والوَقار.

والمعنى: كثيرٌ من النّاس يتطلّعون إلى النّساء الجميلات المشبهات للدّمى في بياضهنّ وحسنهنّ وقت ذهابهنّ إلى الجمرات بمنى، ولكنّ النّاظر إليهنّ لا يستفيد شيئًا. والشّاهد فيه:(مالِىءٍ عينيه) حيث عمل اسم الفاعل ـ وهو (مالىءٍ) ـ النّصب في المفعول به؛ بسبب الاعتماد على موصوف محذوف تقديره: شخص مالىءٍ.

يُنظر هذا البيت في: الكتاب 1/165، وشرح أبيات سيبويه للنّحّاس 132، والجمل 87، وتحصيل عين الذّهب 135، وابن النّاظم 425، وابن عقيل 2/102، والمقاصد النّحويّة 3/531، والدّيوان 459.

3 هذا بيتٌ من الكامل، وهو لأبي كبير الهذليّ، من قصيدة يمدح بها تأبّط شرًّا، وكان زوج أمّه.

(ممّن حملن به) أي: هو ممّن حملت به النّساء. و (حُبُكَ النّطاق) : أطرافه، جمع: حِباك. و (المهبّل) من أهبله اللّحم وهبّله: إذا كَثُرَ عليه ورَكَب بعضه بعضًا؛ ويقال هو: المعتوه الّذي لا يتماسك. =

ص: 345

..................................................................

= والمعنى: إنّ هذا الفتى من الفتيان الّذين حملت أمّهاتهم بهم وهُنّ غضاب غير متهيّأت لأزواجهنّ فشبّ محمودًا؛ وهذا من مزاعِم العرب الباطلة.

والشّاهد فيه: (عواقد حبك النّطاق) حيث نصب (عواقدُ) ، (حبكَ النّطاق) ؛ وفيه دليلٌ على إعمال اسم الفاعل مجموعًا جمع تكسير.

يُنظر هذا البيت في: الكتاب 1/109، وديوان الهذليّين 2/92، وشرح أشعار الهذليّين 3/1072، وتحصيل عين الذّهب 110، والإنصاف 2/489، وشرح المفصّل 6/74، وابن النّاظم 430، والمقاصد النّحويّة 3/558، والأشمونيّ 2/299، والخزانة 8/192، 193.

ص: 346

‌بَابُ الْمَصْدَرِ:

وَالْمَصْدَرُ الأَصْلُ وَأَيُّ أَصْلِ

وَمِنْهُ يَا صَاحِ اشْتِقَاقُ الْفِعْلِ

وَأَوْجَبَتْ لَهُ النُّحَاةُ النَّصْبَا

فِي قَوْلِهِمْ1:ضَرَبْتُ زَيْدًا ضَرْبَا

المصدر: اسمٌ يقع على الأحداث، كـ (الضّرب) و (القتل) و (الإكرام) ؛ وهو أصل الأفعال، وسُمِّيَ مصدرًا؛ لصدورها عنه، وهو المفعول المطلَق2.

والمفاعيل خمسةٌ؛ لأنَّ الفاعل لا بُدَّ له من فِعْلٍ به صار فاعلاً؛ وذلك أصله المصدر، كقولك:(ضربت زيدًا ضربًا) ولا بُدَّ لذلك من الوقوع بغيره؛ وهو المفعول به، وهو مقيّدٌ بالباء - كما تقدَّم -، ولا بُدَّ لوقوع ذلك من وَقْتٍ وَمَكَانٍ؛ وهو المفعول فيه، ولا بُدَّ3 لذلك الفاعل من غَرَض فَعَلَ الفِعْلَ لأجله؛ وهو المفعول له، ويحتمل مصاحبًا لِمَا يقتضيه الحال؛ وهو المفعول مَعَه؛ فكلٌّ منها4مُقَيَّدٌ بشيء

وقد جُمِعَتْ هذه المفاعيل على التّرتيب في بيت - وهو ممّا [53/أ]

1 في أ: كقولهم.

2 "والمصدر أعمّ مطلَقًا من المفعول المطلَق؛ لأنّ المصدر يكون مفعولاً مطلَقًا، وفاعلاً، ومفعولاً به، وغير ذلك؛ والمفعول المطلَق لا يكون إلَاّ مصدرًا؛ نظرًا إلى أنّ ما يقوم مقامه ممّا يدلّ عليه خلف عنه في ذلك، وأنّه الأصل". الأشمونيّ 2/109.

3 في أ: فلا بُدَّ.

4 في ب: منهما.

ص: 347

نظم المؤلِّف1- وهو الثّاني منقوله:

يَا جِيْرةً قَدْ أَوْحَشُوا لَمَّا نَأَوا

بَصَرِي وَنَفْسِي دَائِمًا وَالمِسْمَعَا

كَرّرْتُ تَكْرَارًا هَوَاكُمْ سَحْرَةً

وَسَطَ الدِّيَارِ مَحَبَّةً وَالأَدْمُعَا2

فالمصدر أصل الفعل3؛ لأنّه يدلّ على العموم، والفعل يدلّ على الخصوص، والعُموم قبل الخصوص؛ ومذهب الكوفيّين عكسُ هذا؛ وحجّتُهُم: أنَّ الفعل عاملٌ في المصدر، والعامل قبل المعمول؛ وليس هذا بدليل؛ لأنَّ الحرف يعمل في الاسم والفعل وليس بأصلٍ لهما4.

والمصدر: اسمٌ مبهَم يقع على القليل والكثير، ولا يثنَّى، ولا يجمع؛ لأنَّه بمنزلة اسم الجنس، والجنس لا يثنَّى ولا يُجمع5؛ فإنْ كان المصدر

1 المؤلِّف هو: أبو القاسم الحريريّ رحمه الله ناظم الملحة.

2 هذان بيتان من الكامل، وهما للحريريّ.

والتّمثيل فيهما: البيت الثّاني؛ حيث ذكر فيه المفاعيل بالتّمثيل، فـ (تكرارًا) مفعول مطلَق، و (هواكم) مفعولٌ به، و (سحرة) مفعول فيه اسم زمان، و (وسط) مفعولٌ فيه اسم مكان، و (محبّة) مفعول له، و (الأدمعا) مفعول معه.

ولم أجد مَن ذكر هذين البيتين.

3 هذا مذهب البصريّين؛ وقد رجّحه الشّارح عندما تعرّض لهذا الخلاف في باب الفعل ص 115 فقال: "والاعتماد على القول الأوّل؛ لدلالة الفرع على ما في أصله مع الزّيادة عليه".

4 قد تعرّضنا لهذا الخلاف عند أوّل ذكره في باب الفعل، وذكرنا المذاهب في المسألة مفصّلة. فلتُنظر هناك ص 115.

5 يُنظر: كتاب الجمل 32، واللّمع 102، والملخّص 1/356.

ص: 348

لعدد المرّات جاز تثنيته وجمعه، كقولك:(ضربت ضَرْبَتَيْنِ) و (ضَرَبَاتٍ) بدخول تاء التّأنيث في واحده فأشبه أسماء الأجناس المحدودة، كـ (القَمْحَةِ) و (التّمرة)1.

والمصدر يأتي لتأكيد الفعل، كـ (ضربت ضربًا)، ومنه قولُه تعالى:{وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} 2. ولبيان النّوع، مثل: (ضربته ضرب الأمير) .

ولعدد المرَّات، كقولك:(ضربته ضربتين) .

وللحال، كقولك:(أتيتُه رَكْضًَا)3.

وأنواع المصادر يجوز تعريفها بالألف واللاّم، [53/ب] وبالإضافة، إلاّ مصدر الحال غالبًا، فإنّه لا يتعرّف كالحال.

وَقَدْ أُقِيْمَ الْوَصْفُ وَالآلَاتُ

مَقَامَهُ وَالْعَدَدُ الإِثْبَاتُ4

نَحْوُ: ضَرَبْتُ الْعَبْدَ سَوْطًا5 فَهَرَبْ

وَاضْرِبْ أَشَدَّ الضَّرْبِ مَنْ يَغْشَى6 الرِّيَبْ

وَاجْلِدْهُ فِي الخَمْرِ ارْبَعِيْنَ جَلْدَهْ

وَاحْبِسْهُ مِثلَ حَبْس7 مَوْلًى8 عَبْدَهْ

1 يُنظر: كتاب الجمل 32، والملخّص 1/357.

2 من الآية: 164 من سورة النِّساء.

3 هُناك خلافٌ بين العلماء في المصدر الواقع موقع الحال؟ تعرّض له الشّارح في هذا الباب. فليُنظر هُناك في ص 354.

4 في أ: المرّات.

5 في ب: صوتًا، وهو تحريف.

6 في أ: يخشى.

7 في كلتا النسختين: واحبسه حبس؛ وعليها ينكسر البيت، والتصويب من متن الملحة 23.

8 في متن الملحة 23: زيد بدلاً من (مولى) .

ص: 349

يجوز حَذْفُ المصدر إذا قَامَ مقامُه صِفَتهُ1، كقولك:(قُلْتُ لك جميلاً) و (ضربته وجيعًا) 2 أي: قُلْتُ لك قولاً جميلاً؛ فحذف المصدر الموصوفَ، وأُقيمت الصّفة مقامه.

وقد تقع الصّفة مُضافةً3، كقولك:(ضربتُه أشدّ الضّرب) .

وقد تقوم الآلة مقام المصدر، كقولك:(ضَرَبْتُه مِقْرعَةً4 وَسَوْطًا) ، فتنصبهما5 نصب المصادر6؛ وكذلك العدد، فتقول:(ضربته عشرين ضربةً) ، وقد يُقدّر المصدر ويفسّره ما يأتي بعده

1 ينوب عن المصدر في الانتصاب على المفعول المطلَق ستّة عشر شيئًا؛ فينوب عن المصدر المبيّن للنّوع ثلاثة عشر شيئًا؛ وعن المصدر المؤكّد ثلاثة أشياء.

يُنظر: ابن النّاظم 263، وأوضح المسالك 2/33، والتّصريح 1/325، والأشمونيّ 2/112 - 114.

2 التّقدير: ضربته ضربًا وجيعًا؛ فحذف المصدر الموصوف، وأُقيمت الصّفة مقامه.

3 يُشير إلى أنّها قد تقع غير مضافة، نحو:(سرت طويلاً) على إعراب الظّرفيّة، أي: زمانًا طويلاً؛ والحاليّة، أي: سرته أي السّير حال كونه طويلاً.

يُنظر: الصّبّان 2/113.

4 المِقْرعةُ: خشبة تُضْرَبُ بها البغالُ والحميرُ.

وقيل: كُلُّ ما قُرِعَ به فهو مِقْرَعةٌ.

اللّسان (قرع) 8/264.

5 في ب: فنصبتها.

6 في ب: المصدر.

ص: 350

من النّعت المضاف، كقوله تعالى:{وَتَرَى الجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} 1 أي: تَمرُّ مُرُورًا مثل مرِّ السّحاب

وَرُبَّمَا أُضْمِرَ فِعْلُ الْمَصْدَرِ

كَقَوْلِهِمْ: سَمْعًَا وَطَوْعًَا فَاخْبُرِ

وَمِثْلُهُ: سَقْيًا لَهُ وَرَعْيَا

وَإِنْ تَشَأْ جَدْعًا لَهُ وَكَيَّا

[54/ أ]

المصدر يُنْصَبُ بفعلهِ المشتقّ منه2؛ وقد جاء في كلام العرب ما يُنْصَبُ بفعلٍ محذوفٍ، كدعاءٍ لإنسانٍ، أو دعاء عليه3، كقولهم:(سَقْيًا [له] 4 ورَعْيًَا) أي: سقاه اللهُ سقيًا، وكذلك: جَدْعًا5.

وممّا نُصِبَ على المصدر ولم ينطق بفعله؛ قولهم: (سُبْحَان الله)

1 من الآية 88 من سورة النَّمل.

2 المصدر المنصوب على المفعوليّة المطلَقة، عامله إمّا مصدرٌ مثله، لفظًا ومعنى، نحو:{فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا} [الإسراء: 63] .

أو معنىً لا لفظًا، نحو:(يعجبني إيمانُك تصديقًا) ؛ أو ما اشتقّ منه من فعل، نحو:{وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النّساء: 164] ، أو وصفٍ، نحو:{وَالصَّافَّاتِ صَفًّا} [الصّافّات: 1] .

يُنظر: أوضح المسالك 2/33، والتّصريح 1/325.

3 هذه المصادر منصوبة بأفعال محذوفة وُجوبًا؛ لكونهم جعلوا المصدر بدلاً من اللّفظ بذلك الفعل؛ استغناءً بالمصدر عنها.

يُنظر: الكتاب 1/311، 312، والتّبصرة 1/261، وشرح المفصّل 1/114، وابن النّاظم 267، والارتشاف 2/206، وأوضح المسالك 2/37، والتّصريح 1/330.

(له) ساقطة من أ.

5 الجَدْعُ: القطع؛ وقيل: هو القطع البائن في الأنف والأذن والشَّفَةِ واليد ونحوها. اللّسان (جدع) 8/40.

6 يُنظر: الكتاب 1/322.

ص: 351

و (جاء زيد وَحْدَهُ) ، وبعضهم1 جعل انتصاب وحده على الحال، كقولك:(جاء منفردًا) ؛ ومن ذلك: (سَمْعًا) و (طَاعةً) و (كرامةً) و (مَسَرَّةً) التّقدير: أَسْمَعُ لك، وأَطِيْعُ، وأُكْرِمُكَ، وأَسُرُّكَ2.

ومنه: (ويلَ زَيْدٍ) و (ويحَ عَمْرٍو) ، تنصبهما عند الإضافة على المصدر3.

ومنه: قولك لمن تأهّب للحجّ: (حَجًّا مبرورًا)، ولِمَنْ قَدِمَ من سَفَره4:(قدومًا مُبَارَكًا)5.

ومنه: ما يأتي بعد أمرٍ، أو نهي، كقولك:(قيامًا لا قُعُودًا) .

1 يُنظر: أوضح المسالك 2/81، والتّصريح 1/373.

2 وهذه المصادر منصوبة بأفعالٍ محذوفة وُجوبًا؛ لكونهم جعلوا المصدر بدلاً من اللّفظ بذلك الفعل؛ استغناءً بالمصدر عنها؛ وهذا الفعل واقعٌ في الخبر، في مصادر مسموعة كَثُرَ استعمالها، ودلّت القرائن على عاملها.

يُنظر: الكتاب 1/419، وابن النّاظم 269، وشرح المفصّل 1/114، وأوضح المسالك 2/41، والتّصريح 1/331، 332، والأشمونيّ 2/118.

3 هذه المصادر منصوبة بأفعال محذوفة وُجوبًا ولا فعل لها؛ فيقدّر لها عامل من معناها؛ فيقدَّر في (ويل زيد) : أحزن الله زيدًا ويله، أو أهلكه، أو عذّبه، وفي (ويح عمرٍو) : أحزن الله عمرًا ويحه، أو رحمه.

يُنظر: الكتاب 1/318، وابن النّاظم 270، وأوضح المسالك 2/36، والتّصريح 1/330.

4 في ب: سفر.

5 جاز حذف عامل المصدر لقرينة معنويّة.

يُنظر: ابن النّاظم 267، والارتشاف 2/206، وأوضح المسالك 2/36، والتّصريح 1/329، والهمع 3/105.

ص: 352

ومنه: الاستفهام لقصد التّوبيخ، كقولك للمتواني:( [أَ] 1 تَوَانِيًا وَقَدْ جَدّ قُرَنَاؤُكَ2؟) 3، ومنه قولُ الشَّاعر:

أَعَبْدًا حَلَّ فِي شُعَبَى غَرِيْبًا

أَلُؤْمًا لَا أَبَا لَكَ وَاغْتِرَابَا؟ 4

وأمّا قولهم عند تذكُّرِ نعمةٍ: (اللَّهُمَّ حَمْدًا وَشُكْرًا لَا كُفْرًا)، وعند [54/ب] تذكُّر شدّةٍ:(صَبْرًا لَا جَزَعًا) تقديره: أحمده حمدًا، وأشكر [هـ شُكرًا] 5، ولا أكفر.

1 الهمزة ساقطةٌ من أ.

2 في ب: في بارك، وهو تحريف.

3 هذه المصادر منصوبة بأفعال محذوفة وجوبًا؛ لكونهم جعلوا المصدر بدلاً من اللّفظ بذلك الفعل؛ استغناءً بالمصدر عنها؛ وهذا الفعل واقعٌ في الطّلب.

يُنظر: الكتاب 1/339، وابن النّاظم 267، 268، وأوضح المسالك 2/37، والتّصريح 1/331، والأشمونيّ 2/116، 117.

4 هذا بيتٌ من الوافر، وهو لجرير، من قصيدة قالها في هجاء خالد بن يزيد الكِنديّ.

و (شُعَبَى) : اسم موضع؛ أو المراد: جبال متشعّبة. و (ألؤمًا) : اللؤم: الخِسّة والدَّناءة. و (اغترابًا) : بُعْدًا عن الوطن.

والمعنى: يهجو جريرُ خالدَ بن يزيد الكِنديّ قائلاً له: "يا عبدًا نزل شُعَبى بعيدًا عن وطنه أتفخر وقد جمعت - لا أبا لك - بين الدّناءة والخِسّة، والاغتراب عن الأهل والأوطان؟ ".

والشّاهد فيه: (ألؤمًا، واغترابًا) حيث جاء المصدران بدلاً من اللّفظ بالفعل، بمعنى: أتلؤم لومًا، وتغترب اغترابًا؟؛ وهو من قبيل الطّلب الّذي هو استفهامٌ على قصد التّوبيخ.

يُنظر هذا البيت في: الكتاب 1/339، وتحصيل عين الذّهب 216، وابن النّاظم 268، وأوضح المسالك 2/40، والمقاصد النّحويّة 3/49، 4/506، والتّصريح 1/331، والأشمونيّ 2/118، والخزانة 2/183، والدّيوان 2/650.

5 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.

ص: 353

و [منه: قولهم] 1 عند ظهور ما يُعْجِبُ: (عَجَبًا)، وعند خطاب مغضوبٍ عليه:(لا أفعل ذلك ولا كَيْدًا ولا كَراَمَةً ولَا هَمًَّا)2.

وَمِنْهُ3: قَدْ جَاءَ الأَمِيرُ رَكْضَا

وَاشْتَمَلَ الصَّمَّاءَ إِذْ تَوَضَّا

وقد اُخْتُلِفَ في المصدر الواقع موقع الحال، كقولك:(أَقْبَلَ الأَمِيرُ رَكْضًا) و (جَاءَ زَيْدٌ مَشْيًا) .

فمنهم4 مَنْ قال: الوجه نصبهما ونظائرهما5 على الحال، والتّقدير: أقبل الأمير راكضًا.

1 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.

2 هذه المصادر منصوبة بأفعال محذوفة وُجوبًا؛ لكونهم جعلوا المصدر بدلاً من اللّفظ بذلك الفعل، استغناءً بالمصدر عنها؛ وهذا الفعل واقعٌ في الخبر، في مصادر مسموعة كَثُرَ استعمالها ودلّت القرائنُ على عاملها.

يُنظر: الكتاب 1/318، 319، وابن النّاظم 269، وشرح المفصّل1/114، وأوضح المسالك 2/41، والتّصريح 1/331، 332.

3 في شرح الملحة 181: وَمِثْلُهُ: قَدْ جَاءَ الأَمِيرُ.

4 هذا رأي سيبويه، حيث قال في الكتاب ما نصّه 1/370، 371:"هذا باب ما ينتصب من المصادر؛ لأنّه حالٌ وقع فيه الأمرُ، فانتصب؛ لأنّه موقوعٌ فيه الأمر، وذلك قولُك: قَتلتُهَ صَبْرًا، ولقيتُه فجاءة ومُفاجأةً، وكفاحًا ومكافحةً، ولقيتُه عيانًا، وكلّمته مشافهةً، وأتيتُه ركضًا وعَدْوًا ومشيًا، وأخذت ذلك عنه سَمْعًا وسَماعًا. وليس كلُّ مصدر وإنْ كان في القياس مثل ما مضى من هذا الباب يوضع هذا الموضع؛ لأنّ المصدر ههنا في موضع فاعلٍ إذا كان حالاً. ألا ترى أنّه لا يحسُن: أتانا سُرْعة ولا أتانا رُجْلةً، كما أنّه ليس كلُّ مصدر يستعمل في باب سَقْيًا وحَمْدًا. واطّرد في هذا الباب الّذي قبله؛ لأنّ المصادر هُناك ليس في موضع فَاعِلٍ". وإليه ذهب الجمهور.

5 في ب: نظائرها.

ص: 354

وقال بعضُهم1: بل ينتصبان2انتصاب المصدر المحذوف فِعله، والتّقدير: يركض ركضًا.

وقولهم لمن يجلّل جسده بثوبٍ: (اشتمل الصَّمَّاء) 3، وللقاعد المحتبي بيديه:(قَعَد القُرْفُصَاء) 4، وللسّائر مُسْرعًا:(سار الجَمَزَى)

1 هذا رأي الأخفش والمبرّد.

والعامِل فيه محذوف، والتّقدير في نحو:(طلع زيد بغتة) طلع زيدٌ يبغت بغتةً؛ فـ (يبغُت) عندهما هو الحال، لا (بغتة) .

وذهب الكوفيّون إلى أنّه منصوبٌ على المصدريّة، كما ذَهَبا إليه؛ ولكنّ النّاصب له عندهم الفعل المذكور (طَلَعَ) لتأويله بفعل من لفظ المصدر؛ والتّقدير في قولك:(زيدٌ طلع بغتةً) زيدٌ بغت بغتةً؛ فيؤوّلون (طلع) بـ (بغت) ، وينصبون به (بغتة) .

وفي المسألة أقوالٌ أخرى؛ يُنظر: المقتضب 3/236، والتّبصرة 1/299، 300، والمقتصد 1/677، وشرح المفصّل 2/62، وأوضح المسالك 2/81، والمساعِد 2/13، وابن عقيل 1/574، والتّصريح 1/374، والهمع 4/15، والأشمونيّ 2/172، 173.

2 في ب: بنصبان.

3 هذا تفسيرٌ للاشتمال عامّة، وهو أن يدير ثوبه على جسده كلّه حتى لا تَخرج منه يده. واشتمال الصّمّاء: أنْ يجلّل جسده بثوبه، نحو شِمْلةِ الأعراب بأَكْسيَتِهم، وهو أنْ يُردّ الكِساء من قِبَلِ يمينه على يده اليُسرى وعاتقه الأيسر، ثم يَرُدّه ثانيةً من خلفه على يده اليمنى وعاتقه الأيمن فيُغَطِّيَهما جميعًا. اللّسان (صمّم) 12/346، (شمل) 11/368.

4 القُرْفُصَاء: وهو أنْ يجلس على أَلْيَتَيْه ويُلْصِقَ فخذيه ببطنه، ويَحْتَبي بيديه، يضعهُما على ساقيه. أو: يجلس على ركبتيه مُنكبًّا، ويُلْصِقَ بطنه بفخذيه، ويتأبّط كَفّيه. اللّسان (قرفص) 7/71، 72.

5 الجَمْزُ: ضَرْبٌ من السَّيْر أَشَدُّ من العَنَقِ.

وقد جَمَزَ الإنسانُ والبعيرُ والدّابّة يَجْمِزُ جَمْزًا.

يُنظر: الصّحاح (جمز) 3/869، واللّسان (جمز) 5/323.

ص: 355

وللرّاجع مُكْرَهًا: (رجع القَهْقَرَى) 1؛ فانتصاب هذا وما أشبهه على المصدر الّذي تدلّ عليه هيئة الفاعل، وتقديره: اشتمل الاشتمال المعروف بالصَّمَّاء2.

1 القَهْقَرَى: ضرْبٌ من الرُّجوع إلى الخلف؛ وهو: المشي إلى خَلْف من غير أنْ يعيد وجهه إلى جهة مشيه. اللّسان (قهر) 5/121.

2 كأنّه يُشير إلى ما يراه المبرّد من كونها صفات وُصفت بها المصادر، ثم حذفت موصوفاتها.

يُنظر: الكتاب 1/35، والأصول 1/160، وشرح المفصّل 1/112.

ص: 356

فَصْلٌ:

المصدر يعمل عمل فعله1؛ فيرفع الفاعل، وينصب المفعول، بشرط أن يُقْصَد به قصد فعله من الحدوث والنّسبة2. [55/أ] فَيُقَدَّرُ بـ (أن) والفعل إنْ كان ماضيًا أو مستقبَلاً؛ وبـ (ما) والفعل إنْ كان حالاً3.

وأكثر ما يعمل مضافًا4، كقولك:(أعجَبني ضَرْبُ زَيْدٍ عَمْرًا) ؛

1 لأنّه أصلٌ والفعل فرعه، فلم يتقيّد عمله بزمان دون زمان بل يعمل عمل الماضي والحاضر والمستقبل؛ لأنّه أصل لكلّ واحد منها. شرح التّسهيل 3/106.

2 يُنظر: ابن النّاظم 416.

3 يعمل المصدر عمل الفعل في موضعين؛ ذكر الشّارح رحمه الله أحدهما، والآخَر: أنْ يكون بدلاً من اللّفظ بفعله، نحو:(ضربًا زيدًا) ؛ فـ (زيدًا) نُصِبَ بالمصدر لا بالفعل المحذوف على الأصحّ؛ والمصدر بدلٌ من الفعل.

وهذه شروطٌ وُجوديّة، وبقي من شروط إعمال المصدر شروطه العدميّة؛ ومنها:

1-

أن لا يكون مصغّرًا؛ فلا يجوز: (أعجبني ضريبك زيدًا) .

2-

ولا مضمَرا؛ فلا يجوز: (ضربي زيدًا حسن وهو عمرو قبيح) خلافًا للكوفيّين.

3-

ولا محدودًا؛ فلا يجوز: (أعجبني ضربتك زيدًا) .

4-

ولا موصوفًا قبل العمل؛ فلا يجوز: (أعجبني ضربك الشّديد زيدًا) .

5-

ولا مثنّى ولا مجموعًا؛ فلا يجوز: (عجبت من ضَرْبَيْك زيدًا) .

يُنظر: شرح التّسهيل 3/106، 107، وابن النّاظم 416، وابن عقيل 2/88، والتّصريح 2/62، والهمع 5/67، والأشمونيّ 2/285، 286.

4 إعماله مضافًا أكثر من إعماله منوّنًا؛ لأنّ الإضافة تجعل المضاف إليه كجزء من المضاف، كما يجعل الإسنادُ الفاعلَ كجزء من الفعل، ويجعل المضاف كالفعل في عدم قبول التّنوين والألف واللاّم؛ فقويت بها مناسبة المصدر للفعل.

يُنظر: شرح التّسهيل 3/115.

ص: 357

ومنوّنًا، كقولك:(عجبتُ من ضَرْبٍ زيدٌ عمرًا) تريد من أن ضَرَبَ زيدٌ عَمْرًا؛ ومنه قولُه تعالى: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيْمًا} 1، ومنه قولُ الشّاعر:

بِضَرْبٍ2 بِالسّيُوفِ رُؤُوسَ قَوْمٍ

أَزَلْنَا هَامَهُنَّ عَنِ الْمَقِيْلِ3

وقد يعمل مع الألِف واللاّم4، كقول الشّاعر:

1 الآية: 14؛ ومن الآية: 15 من سورة البلد.

2 في أ: فضرب، وهو تحريف.

3 هذا بيتٌ من الوافر، وهو للمَرَّار بن مُنْقذ التّميميّ.

و (الهام) : جمع هامة، وهي الرّأس كلها. و (المقيل) : موضع القيلولة، وهي نوم نصف النّهار - هذا في الأصل -، وهو مستعارٌ هنا للأعناق؛ لأنّها مكان استقرار الرّؤوس وسكونها.

والمعنى: أزلنا رؤوس أعدائنا عن مواضع استقرارها، فضربنا بالسّيوف رؤوسهم.

والشّاهد فيه: (بِضَربٍ.. رؤوسَ) حيث أعمل المصدر المنوّن (ضربٍ) عمل فعله، فنصب به مفعولاً به - وهو (رؤوس) -.

يُنظر هذا البيت في: الكتاب 1/116، 190، والمحتسب 1/219، وتحصيل عين الذّهب 158، وشرح المفصّل 6/61، وشرح التّسهيل 3/129، وابن النّاظم417، وابن عقيل 2/89، والمقاصد النّحويّة 3/499، والأشمونيّ 2/284.

4 وهو أقلّ من إعماله منوّنًا؛ لأن فيه شبهاً بالفعل المؤكّد بالنّون الخفيفة، وإعماله منوّناً أقيس.

ينظر: شرح التّسهيل 3/115، وابن الناظم 417، وأوضح المسالك 2/241.

ص: 358

ضَعِيفُ النِّكَايَةِ أَعْدَاءَهُ

يَخَالُ الْفِرَارَ1 يُرَاخِي2 الأَجَلْ3

وإذا كان مضافًا4 جاز أنْ يضاف إلى الفاعل، فيجرّه، ثم ينصب المفعول، نحو:(بَلَغني تَطْليقُ زَيْدٍ هِنْدًا) .

1 في أ: بحال الفوار، وفي ب: يحال الفرار وكلتاهما محرّفة، والصّواب ما هو مثبت.

2 في أ: تراخي، وهو تصحيف.

3 هذا بيتٌ من المتقارِب، ولم أقف على قائله.

و (النِّكاية) : التأثير في العدوّ. و (يخال) : يظنّ. و (يراخي) : يؤجّل.

والمعنى: إنّ هذا الرّجل ضعيف الكيد، ولا يستطيع التّأثير في عدوّه، وجبان عن الثّبات في مواطن القتال، ولكنّه يلجأ إلى الهروب، ويظنّه مُؤخِّرًا لأجله.

والشّاهد فيه: (ضعيف النّكاية أعداءه) حيث عمل المصدر المحلّى بـ (أل) - وهو (النّكاية) - عمل الفعل، فنصب (أعداءه) مفعولاً به.

يُنظر هذا البيت في: الكتاب 1/192، والمنصف 3/71، وشرح المفصّل 6/59، 64، والمقرّب 1/131، وابن النّاظم 417، وأوضح المسالك 2/241، وابن عقيل 2/90، والتّصريح 2/63، والخزانة 8/127.

4 للمصدر المضاف خمسة أحوال؛ ذكر الشّارح منها حالتين؛

والثّالثة: أنْ يضاف إلى الفاعل ثم لا يذكر المفعول، نحو:{وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيم} [التّوبة: 114] ؛

والرّابعة: أنْ يُضاف إلى المفعول ثم لا يذكر الفاعل، نحو {لَا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ} [فصّلت: 49] ؛

والخامسة: أنْ يضاف إلى الظّرف ثمّ يرفع الفاعل، وينصب المفعول، نحو:(عجبتُ من ضرب اليومِ زيدٌ عمرًا) .

يُنظر: شرح التّسهيل 3/118، وابن النّاظم 419، وأوضح المسالك 2/244، وابن عقيل 2/96، والتّصريح 2/64، والأشمونيّ 2/289.

ص: 359

ويجوز إضافة المصدر إلى المفعول1، كقول الشّاعر:

تَنْفِي يَدَاهَا الْحَصَى فِي كُلِّ هَاجِرَةٍ

نَفْيَ الدَّرَاهِمِ تَنْقَادُ2 الصَّيَارِيفِ3

1 في كلتا النّسختين: ويجوز إضافة المفعول إلى المصدر، وهو سهوٌ من النُّسّاخ، والصّواب ما هو مثبَت.

2 في أ: نقَّاد.

3 هذا بيتٌ من البسيط، وهو للفرزدق، يصف ناقة بسرعة السّير في الهواجِر.

والهاجرة: نصف النّهار عند اشتداد الحرّ.

والمعنى: إنّ هذه النّاقة تدفع يداها الحصى عن الأرض في وقت الظّهيرة واشتداد الحرّ؛ كما يدفع الصّيرفيّ النّاقد الدّراهم؛ وكنّى بذلك كلّه عن صلابتها، وسرعة سيرها.

والشّاهد فيه: (نفي الدّراهم تنقاد) حيث أضيف المصدر (نفي) إلى مفعوله (الدّراهم) فجرّه ثم رفع الفاعل (تنقادُ) .

يُنظر هذا البيتُ في: الكتاب 1/28، والمقتضب 2/258، والخصائص 2/315، وتحصيل عين الذّهب 62، وشرح المفصّل 6/106، وتخليص الشّواهد 169، وابن عقيل 2/96، والمقاصد النّحويّة 3/521، والتّصريح 2/371، والخزانة 4/424، 426، والدّيوان 570 - والرّواية في جميع هذه الكتب (الدّراهيم) بدل (الدّراهم) -.

ص: 360

بَابُ الْمَفْعُولِ لَهُ - وَيُقَالُ: الْمَفْعُولُ مِنْ أَجْلِهِ:

وَإِنْ جَرَى نُطْقُكَ بِا1 لْمَفْعُولِ لَهْ

فَانْصِبْهُ بِالْفِعْلِ الَّذِي [قَدْ] 2 فَعَلَهْ

وَهْوَ لَعَمْرِي مَصْدَرٌ فِي نَفْسِهِ

لَكِنَّ جِنْسَ الْفِعْلِ غَيْرُ جِنْسِهِ

وَغَالِبُ الأَحْوَالِ أَنْ تَرَاهُ

جَوَابَ: لِمْ فَعَلْتَ مَا تَهْوَاهُ

تَقُولُ: قَدْ زُرْتُكَ خَوْفَ الشَّرِّ

وَغُصْتُ فِي الْبَحْرِ ابْتِغَاءَ الدُّرِّ

[55/ب]

المفعول له: يُنْصَبُ3؛ وهو: المصدر المذكور عِلّةً لحدَثٍ شاركه في الزّمان، والفاعل.

وشَرائِطُهُ: أنْ يكون مصدرًا4، من غير جنس فعله، جواب

1 في متن الملحة 23: فِي الْمَفْعُولِ لَهُ.

(قد) ساقطة من ب.

3 اختلف العلماء في ناصب المفعول له.

فذهب جمهور البصريّين إلى أنّ ناصبه الفعل على تقدير لام العلّة.

وخالفهم الزّجّاج والكوفيّون فزعموا أنّه مفعولٌ مطلَق؛ ثم اختلفوا، فقال الزّجّاج:"ناصبه فعل مقدَّر من لفظه"، ففي نحو:(جئتك إكرامًا)، تقدير الفعل: جئتك أكرمك إكرامًا.

وقال الكوفيّون: ناصبه الفعل المتقدِّم عليه؛ لأنّه ملاقٍ له في المعنى، وإنْ خالفه في الاشتقاق، مثل:(قعدت جلوسًا) .

تُنظر هذه المسألة في: الكتاب 1/369، وأسرار العربيّة 186، وشرح المفصّل 2/52، وشرح الرّضيّ 1/192، وشرح ألفيّة ابن معطٍ 1/582، والارتشاف 2/221، والتّصريح 1/337، والهمع 3/133، والصّبّان 2/122.

4 هذا رأي الجمهور؛ وأجاز يونس: (أمّا العبيدَ فذو عبيد) بالنّصب، بمعنى: مهما يذكر شخص لأجل العبيد فالمذكور ذو عبيد؛ واقتضى كلامه: أنّ العبيد مفعول له، مع كونه غير مصدر.

وقد أنكره سيبويه وقبّحه، وقال:"وزعم يونس أنّ قومًا من العرب يقولون: أمّا العبيدَ فذو عبيدٍ، وأمّا العبدَ فذو عبدٍ، يُجرونه مجرى المصدر سواءً. وهو قليلٌ خبيث". الكتاب 1/389.

وأوّله الزّجّاج بتقدير: التّملّك؛ ليصير إلى معنى المصدر، كأنّه قيل: أمّا تملّك العبيد، أي: مهما تذكره من أجل تملّك العبيد.

يُنظر: الكتاب 1/389، والارتشاف 2/221، وأوضح المسالك 2/44، والتّصريح 1/334، والهمع 3/131، والأشمونيّ 2/122.

ص: 361

(لِمَ1 فَعَلْتَ)، كقولك:(جِئْتُ رَغْبَةً فِيكَ) ، فـ (رَغْبَةً) مفعولٌ له؛ لأنّه مصدر مُعَلَّلٌ به المجيء، وزمانهما، وفاعلهما واحد2.

فإن لم يستوف3 الشّروط فلا بُدَّ من جرّه4بلام التّعليل5،

1 في أ: لمه.

2 هُناك شروطٌ أُخرى ذكرها العلماء؛ منها:

1-

أنْ يكون فعله محذوفًا.

2-

أنْ يكون معه فعل قد حذف مصدره.

3-

أنْ يكون قلبيًّا؛ فلا يجوز (جئتك قراءةً للعلم) ، ولا (قَتْلاً للكافر) .

4-

أنْ يكون مُقدّرًا بلام الغرض، أو تكون معه ظاهرة.

يُنظر: كشف المشكِل 1/441، وشرح المفصّل 2/53، وشرح ألفيّة ابن معطٍ 1/583، وشرح الكافية الشّافية 2/671، وأوضح المسالك 2/43، وابن عقيل 1/520، والهمع 3/131، والأشمونيّ 2/122.

3 في ب: تستوف، وهو تصحيف.

4 في أ: جَزْمٍ، وهو تحريف.

5 يُنظر: شرح الكافية الشّافية 2/671، وابن النّاظم 271، وأوضح المسالك 2/44، وابن عقيل 1/521، والأشمونيّ 2/124.

ص: 362

أو1 ما يقوم مقامها2؛ وذلك ما كان غير مصدرٍ، كقولك:(جِئْتُ للعشب3 والماءِ) ، أو مصدرًا مُخالفًا للمعلَّل4 في الزّمان، نحو:(تأهّبتُ5 أمس للسّفر اليوم) ، أو في الفاعل، نحو:(جِئْتُ لأَمْرِكَ إِيَّاي) .

ويأتي مُعَرّفًا باللاّم، أو مضافًا، [أو] 6 مجرّدًا من التّعريف باللاّم والإضافة7.

1 في كلتا النّسختين: وما يقوم، والتصويب من ابن النّاظم.

2 في ب: مقامهما. والّذي يقوم مقام اللاّم هو: (من) و (في) و (الباء) و (الكاف) .

يُنظر: شرح الكافية الشّافية 2/672، وشرح عمدة الحافظ 1/396، وابن النّاظم 271، وابن عقيل 1/521، والهمع 3/134، والصّبّان 2/124.

3 في أ: للغيث.

4 في ب: للتّعليل.

5 في أ: تأهّب.

(أو) ساقطة من أ.

7 في أ: وبالإضافة.

وهذا مذهب سيبويه والجمهور.

وذهب الجرميّ، والرّياشيّ، والمبرّد إلى أنّ شرطه أنْ يكون نكرة، وأنّ (أَلْ) فيه زائدة، وإضافته غير محضة.

يُنظر: الكتاب 1/370، وشرح المفصّل 2/54، والارتشاف 2/224، والأشمونيّ 2/125.

ص: 363

وقد جمع العجّاج بين المعرّفين والمجرّد في رجزه حيث قال1:

يَرْكَبُ كُلَّ عَاقِرٍ2 جُمْهُورِ

مَخَافَةً وَزَعَلَ3 الْمَحْبُورِ

وَالْهَوْلَ مِنْ تَهَوُّلِ4 الهُبُورِ5

1 في ب: يقول.

2 في أ: عاقل، وهو تحريف.

3 في ب: وزغل، وهو تصحيف.

4 في أ: تَهَوّر، وهو تحريف.

5 في أ: الهيور، وهو تصحيف.

وهذه الأبيات يصف الشاعر فيها ثورًا وحشيًّا، فيقول: يركب لِنشاطه وقوّته كُلّ عاقرٍ من الرّمل - وهو الّذي لا يُنْبِتُ.

و (الجمهور) : المُتراكِبُ؛ لخوفه من صائدٍ أو سَبُعٍ، أو لزَعَله وسُروره؛ و (الزّعل) : النّشاط. و (المحبور) : المسرور. و (التّهوُّل) : أن يعظم الشيء في نفسك حتى يهُولك أمره. و (الهبور) : جمع هَبْر؛ وهو ما اطمأنّ من الأرض وما حوله مرتفع؛ فلأنّها مكمن للصّائد فهو يخافها فيعدل عنها إلى كلّ عاقر.

والشّاهد فيه: (مخافةً، وزعل، والهول) حيث جمع بين النّكرة - مخافة -، والمعرّف بالإضافة - زعل المحبور -، والمعرّف باللاّم - الهول - ونصبها على المفعول له.

يُنظر هذا البيتُ في: الكتاب 1/369، وتحصيل عين الذّهب 229، وأسرار العربيّة 178، وشرح المفصّل 2/54، وشرح الرّضيّ 1/193، وشرح ألفيّة ابن معطٍ 1/585، والخزانة 3/114، 116، والدّيوان 233، 234.

ص: 365

‌باب المفعول له ويقال: المفعول من أجله

فالمجرَّد الأكثر فيه النّصب، [نحو:(ضَربته تأديبًا) ] 1؛ وقد يجرّ فيُقال: (ضربته لتّأديب) .

والمعرّف باللاّم الأكثر فيه الجرّ، كقولك:(جئت للطَّمع في برّك) 2؛ وقد يُنصب فيقال: (جئتك الطَّمَع)، ومنه قولُ الشّاعر:

لَا أَقْعُدُ الْجُبْنَ عَنِ الْهَيْجَاءِ

وَلَوْ تَوَالَتْ زُمَرُ الأَعْدَاءِ3

[56/أ] ويجوز تقديم المفعول له على العامل4 فيه، كقولك:(مخافة الشّرّ [جئتك5) .

والمضاف جائز جرّه، كقولك: (فعلته لمخافة الشّرّ] 6؛ والنّصب أشهر7.

1 ما بين المعقوفين ساقط من أ.

2 في ب: ترك، وهو تصحيف.

3 هذا بيتٌ من الرّجز، ولم أقف على قائله.

و (لا أقعد الجبن) : لا أقعد لأجله، و (الجبن) : الخوف. و (الهيجاء) : الحَرْب. (ولو توالت) أي: تتابَعتْ. و (زمر الأعداء) : جماعاتهم.

والشّاهد فيه: (لا أقعد الجبن) حيث جاء المفعول له (الجبن) مقترنًا بـ (أل) ونصب؛ وهذا قليل.

يُنظر هذا البيتُ في: شرح عمدة الحافظ 1/398، وشرح التّسهيل 2/198، وضمّنه ابن مالك في الخُلاصة وفي الكافية الشّافية 2/672، وأوضح المسالك 2/46، وابن عقيل 1/522، والمقاصد النّحويّة 3/67، والتّصريح 1/336، والهمع 3/134، والأشمونيّ 2/125، والدّرر 3/79.

4 في ب: الفاعل، وهو تحريف.

5 ومنعَ ذلك قومٌ ـ منهم ثعلب ـ؛ والسَّماع يردّ عليهم.

يُنظر: الارتشاف 2/ 224، والهمع 3/135.

6 ما بين المعقوفين ساقط من ب.

7 الّذي عليه الجمهور أنّ المضاف يجوز فيه الأمران على السّواء.

يُنظر: شرح عمدة الحافظ 1/399، وابن النّاظم 272، والارتشاف 2/224، وابن عقيل 1/524، والهمع 3/135، والأشمونيّ 2/125.

ص: 264