الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الْمُبْتَدَأ [وَخَبَرِهِ]
1:
وَإِنْ فَتَحْتَ النُّطْقَ باسْمِ
…
مُبْتَدَا فَارْفَعْهُ وَالإِخْبَارَ عَنْهُ أَبَدَا2
تَقُولُ مِنْ ذَلِكَ: زَيْدٌ عَاقِلُ
…
وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَالأَمِيرُ عَادِلُ
المبتدأ: كُلُّ اسمٍ ابتدأت به، وعرّيته من العوامِل [اللّفظيّة3 لتسند إليه خبرًا يكون به جملةً تحصُل به الفائدة.
وهو وخبره - إذا لم يكن ظرفًا ولا جارًّا ومجرورًا - مرفوعان، كـ (الصُّلْحُ خَيْرٌ) فالمبتدأ مُعْتمد السّؤال، والخبر - من ذي (خير) - معتمد الفائدة4.
وهو مرفوعٌ بالابتداء5؛ والابتداءُ مَعْنىً لا لفظ، وهو وَصْفٌ؛
1 ما بين المعقوفين ساقط من أ.
2 ورد في شرح الملحة 143بعد هذا البيت بيتٌ آخَر؛ وهو قولُه:
وَلَا يَكُونُ المُبْتَدَأ فِي الغَالِبِ
…
إِلَاّ وَقَدْ عَرَّفْتَهُ كَالكَاتِبِ
3 أي: غير المزيدة؛ ليدخل نحو: (بحسبك زيد)، {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَاّ الله} [المائدة: 73] ممّا جاء مبتدأً مجرورًا بحرف جرّ زائد. يُنظر: ابن النّاظم 105.
4 يُنظر: شرح ألفيّة ابن معطٍ 2/818.
5 اختلف العلماء في رافع المبتدأ:
فذهب سيبويه وجمهور البصريّين إلى أنّه مرفوعٌ بالابتداء.
وذهب الجرميّ والسّيرافيّ وكثيرٌ من البصريّين إلى أنّ عامله التّعرِّي من العوامِل اللّفظيّة. =
........................................................................................
= وذهب الزّجّاج إلى أنّ المبتدأ يرتفع بما في النّفس من معنى الإخبار.
وذهب آخرون إلى أنّ المبتدأ يرتفع بإسناد الخبر إليه.
وذهب الكوفيّون إلى أنّ المبتدأ يرفع الخبر، واختاره ابن جِنّي، وأبو حيّان، والسّيوطيّ.
وقيل: إنّه يرتفع بالعائد من الخبر؛ وهو مذهبٌ آخرٌ للكوفيّين.
وقال ابن عقيل بعد ذكر الخلاف: "وهذا الخلاف ممّا لا طائل فيه".
واختلفوا في الابتداء:
فقيل: هو التعرية من العوامِل اللّفظيّة.
وقيل: هو جعل الاسم أوّلاً ليُخبر عنه.
وقيل: هو عبارة عن مجموع وصفين هما التّجرّد والإسناد.
وقيل: هو علّة ذاتُ أوصاف ثلاثة: التّجرّد من العوامل اللّفظيّة لفظًا أو تقديرًا، والتّعرَّض لدخولها، والإسناد.
واختلفوا في رافع الخبر:
فذهب سيبويه وأكثرُ البصريّين إلى أنّه مرفوعٌ بالمبتدأ؛ وهو أحدُ قولي المبرّد في المقتضب 4/12، ونُسب إلى أبي عليّ الفارسيّ وابن جِنّي؛ واختاره ابن مالكٍ في التّسهيل 44.
وذهب الأخفش وابن السّرّاج، والزّمخشريّ والسّيوطيّ، إلى أنّه مرفوع بالابتداء.
وقيل: إنّ الخبر يرتفع بالابتداء والمبتدأ معًا؛ وهو أحدُ قولي المبرّد في المقتضب 2/49، 4/126؛ وهو مذهب ابن السّرّاج الذي قرره في كتابه الأصول 1/58، وكذلك ابن جنّي الّذي قرّره في كتابه الخصائص 2/385؛ وقال عنه ابن يعيش 1/85:"وهذا القولُ عليه كثيرٌ من البصريّين".
وذهب الكوفيّون إلى أنّ الخبر يرتفع بالمبتدأ؛ وهو اختيار ابن جنّي، وأبي حيّان، والسيوطي.
وقال ابن عقيل - بعد ذكر الخلاف -: "وهذا الخلاف ممّا لا طائل فيه".
تُنظر هذه المسائل في: الكتاب 2/127، والمقتضب 4/126، والتّبصرة 1/99، والمفصّل 24، وأسرار العربيّة 67، 76، والإنصاف، المسألة الخامسة، 1/44، والتّبيين، المسألة السّابعة والعشرون، 224، والمسألة الثّامنة والعشرون، 229، وشرح المفصّل 1/84، 85، وابن النّاظم 107، 108، وشرح ألفيّة ابن معطٍ 2/814، 816، والارتشاف 2/28، وابن عقيل 1/188، 189، والهمع 2/8، 9، والأشمونيّ 1/193، والصّبّان 1/193.
وذلك الوصفُ اهتمامُك بالمبتدأ وجعلك إيّاهُ أوّلاً لثانٍ، يكون الثّاني خبرًا عنه.
والخبر مرفوع بالمبتدأ فهو العامِل فيه.
ومن شرط الخبر أنْ يكون نكرة1] 2، [فإنْ كان معرفةً فأنتَ مخيَّرٌ في جعلك أيّهما شئتَ المبتدأ] 3، كقولك:(اللهُ رَبُّنَا)، [42/أ] وكقول الرّاجز:
أَنَا أَبُو النَّجْمِ وَشِعْرِي شِعْرِي4
1 أصل المبتدأ: أن يكون معرفة، وأصل الخبر: أن يكون نكرة؛ وذلك "لأنّ الفائدة في الخبر، وإنما يذكر الاسم لتسند إليه الفائدة؛ ألا ترى أنّك إذا قلتَ: (زيدٌ قائم) ؛ فالمخاطَب لم يستفد بقولك: (زيدٌ) شيئًا لأنّه كان يعرفه، وإنما فائدته في قولك: (قائمٌ) لأنّه قد كان يجوز أن يجهل قيامه؛ فإذا أخبره به فقد أوصلت إليه فائدة". التّبصرة 1/101.
ويُنظر: الكتاب 1/328، والأصول 1/59، وشرح عيون الإعراب 94، وشرح المفصّل 1/85.
2 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
3 ما بين المعقوفين ساقطٌ من ب.
4 هذا بيتٌ من الرّجز، وهو لأبي النّجم العجليّ.
والمعنى: شعري الآن هو شعري المشهور المعروف بنفسه لا شيء آخر.
والشّاهد فيه: (وشعري شعري) حيث وقع المبتدأ والخبر معرفتين؛ فأنت مخيّرٌ في جعلك أيّهما شئت المبتدأ.
يُنظر هذا البيتُ في: إيضاح الشّعر 353، والخصائص 3/337، والمقتصد 1/307، وأمالي ابن الشّجريّ 1/373، والمرتجل 377، وشرح المفصّل 1/98، 9/83، والإرشاد إلى علم الإعراب 123، والمغني 434، والخزانة 1/439، والدّيوان 99.
والمبتدأ يُشْبِهُ الفاعل مِنْ وَجْهٍ، ويخالفه مِنْ وَجْهٍ:
فالمشابهةُ: أَنَّهُمَا أَبَدًا مرفوعان لفظًا أو تقديرًا؛ و1 أنَّهُمَا مُحَدّث عنهما2.
والمخالَفةُ: أنَّ حديث المبتدأ بعده، وحديث الفاعل قبله؛ وأنَّ عامل الفاعل لفظيٌّ، وعامل المبتدأ معنويٌّ.
ويشترط في المبتدأ أَنْ يكون اسمًا، أو مُنَزَّلاً منزلةَ الاسم مُخْبَرًا عنه؛ والمنزّل منزلة الاسم قولهم:(تَسْمَعُ بِالمُعَيْدِيِّ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَرَاهُ) 3 تقديره: سَمَاعك بالمعيديّ.
1 في ب: أو.
2 يُنظر: الأصول 1/58، وكشف المُشْكِل 1/313.
3 هذا مثَلٌ يُضرب لمن يكون خبره والحديث عنه أفضل من مَرْآه؛ وأوّل مَن قاله هو: المنذر بن ماء السّماء.
و (تسمع) مبتدأ؛ وهو في تأويل سماعك. وقبله (أَنْ) مقدّرة، ويروى:(لأَنْ تَسْمَعَ بالمُعَيْدِيّ خيرٌ) ، و (أَنْ تَسْمَعَ) .
يُنظر هذا المِثل في: كتاب الأمثال لأبي عُبيد 97، وجمهرة الأمثال 1/266، ومجمع الأمثال 1/227، والمستقصى 1/370.
وأنْ يكون معرفةً إذْ لا طريق إلى [معرفة] 1 الفائدة إلَاّ به، فإذا لم يُعْرَف في نفسه فأحرى2 ألاّ يعرف خَبَرَهُ؛ أو مقارنًا للمعرفة بتخصيصٍ أو فائدة؛ وذلك في سِتّة مواضع3:
أوَّلها: أنْ يكون نكرة موصوفةً4، كقوله تعالى:{وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ} 5.
أو أَنْ يتقدَّم6 خَبَرُه عليه في الجارّ والمجرور أو الظّرف7، كقولك:(لكَ مالٌ) و (عنده عِلْمٌ) ؛ لأنَّ تقدّمه هُنا قَدْ أبطل كونُهُ صِفَةً.
1 ما بين المعقوفين ساقط من أ.
2 في أ: فأحرى.
3 لم يشترط سيبويه والمتقدِّمون لجواز الابتداء بالنّكرة إلَاّ حصول الفائدة، وقال جمعٌ من المحقّقين كابن هشام والمراديّ: أنّ مرجع المسوّغات إلى التّعميم والتّخصيص.
ورأى المتأخّرون أنّه ليس كلّ واحدٍ يهتدي إلى مواطن الفائدة فتتبّعوها فمن مُقلّ مخلّ، ومِن مُكثِر مورِدٍ ما لا يصلُح، أو معدّد لأمور متداخِلة.
وقد أنهى بعض المتأخّرين ذلك إلى نيِّفٍ وثلاثين مسوّغًا؛ والمرجع في كلّ هذه المسوّغات هو حصول الفائدة.
يُنظر: المقرّب 1/82، وتوضيح المقاصد 1/281، والمغني 608، وشرح شذور الذّهب 175، وابن عقيل 1/203، والأشمونيّ 1/204.
4 في ب: موصوفا.
5 من الآية: 221 من سورة البقرة.
6 في أ: يقدّم.
7 في أ: الطّرف. ولا بدّ مع تقديم الخبر وكونه ظرفًا أو جارًّا ومجرورًا من أنْ يكون مختصًّا؛ فلو قلتَ: (عند رجل رجل) و (في دارٍ رجل رجل) لم يصح.
أو يقع1 دُعاءً2، كقوله تعالى:[42/ب]{سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} 3 و {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} 4 فأفاد لتضمّنه
معنى الفعل.
أو معتمداً5 على نفيٍ، كقولك:(ما أَحدٌ أفضل منك) .
أو على استفهام6، كـ (هل فتًى فأقصده؟) .
أو اختصاص بعملٍ، كقولك:(أَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ)7.
وإذا كانت النّكرة في معنى الفعل وقد ارتفع بها الاسم، كقولك:(أقائمٌ الزّيدان) و (ما ذاهِبٌ العمران) أفادت8 لاعتماده على الاستفهام،
1 في ب: أو تقع.
2 والدّعاء: إمّا بخير أو بشرّ.
3 من الآية: 24 من سورة الرّعد.
4 سورة المطفّفين، الآية:1.
5 في أ: أو يعتمد.
6 في ب: الاستفهام.
7 هذا جزءٌ من حديث طويل رواه أبو ذرّ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، قاله لقومٍ قالوا: يا رسول الله ذهب أهلُ الدُّثور بالأُجور: يصلّون كما نصلّي، ويصومون كما نصوم
وقد أخرجه بهذا اللّفظ: أحمد في مسنده 5/167.
وأخرجه مسلمٌ في صحيحه، كتاب الزّكاة، باب بيان أنّ اسم الصّدقة يقع على كلّ نوعٍ من المعروف، 2/697 بلفظ:" وَأَمْرٌ بِالمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ ".
8 في أ: يفيد، وفي ب: تفيد، وما أثبَتّه هو الأولى.
أو1 النّفي، وَمِنْهُ قولُ الشّاعر:
أَقَاطِنٌ قَوْمُ سَلْمَى أَمْ نَوَوْا ظَعَنَا؟
…
إِنْ يَظْعَنُوا فَعَجِيبٌ عَيْشُ مَنْ قَطَنَا2
وكقول3 الآخر:
خَلِيلَيَّ مَا وَافٍ بِعَهْدِيَ أَنْتُمَا
…
إِذَا لَمْ تَكُونَا لِي عَلَى مَنْ أُقَاطِعُ4
1 في أ: والنّفي.
2 هذا بيتٌ من البسيط، لمْ أقفْ على قائله.
و (قاطن) : مقيم. و (ظعنًا) : رحيلاً.
والمعنى: أمقيم قومُ سلمى في مكانهم الّذي أعهده؟، أمْ عزموا على الرّحيل؟؛ فإنْ كانوا قد عزموا على الرّحيل فعيش من يقيم ويتخلّف عنهم يكون عجيبًا.
والشّاهد فيه: (أقاطنٌ قوم سلمى) حيث سوّغ الابتداء بهذه النّكرة - قاطن - كونها في معنى الفعل، مع اعتمادها على الاستفهام.
وجميعُ النُّحاة استشهدوا بهذا البيت على اعتماد الوصف (قاطن) على الاستفهام بالهمزة، وهو اسم فاعل مبتدأ، فاستغنى بمرفوعه عن الخبر.
يُنظر هذا البيت في: شرح التّسهيل 1/269، وابن النّاظم 106، وأوضح المسالك 1/134، وتخليص الشّواهد 181، والمساعِد 1/204، والمقاصد النّحويّة 1/512، والتّصريح 1/157، والأشمونيّ 1/190.
3 في ب: وقول.
4 هذا بيتٌ من الطّويل، ولم أقف على قائله.
والمعنى: يقول لصديقَيْهِ: إنّكما إذا لم تكونا لي على مَنْ أُعاديه، وإذا لم تقاطِعا مَن أُقاطع من النّاس من أجلي، فإنّكما لم تَفِيَا بما بيننا من الصّداقة والوِداد.
والشّاهد فيه: (ما وافٍ بعهديَ أنتما) حيث سوّغ الابتداء بهذه النّكرة (وافٍ) كونها في معنى الفعل، مع اعتمادها على النّفي.
وجميعُ النّحاة استشهدوا بهذا البيت على اعتماد الوصف (وافٍ) على النّفي (ما) ، وهو اسم فاعل، فرفع فاعلاً سدّ مسدّ الخبر.
يُنظر هذا البيت في: شرح التّسهيل 1/269، وابن النّاظم 106، وأوضح المسالك 1/133، وتخليص الشّواهد 181، والمساعِد 1/204، والمقاصد النّحويّة 1/516، والتّصريح 1/157، والهمع 2/6، والأشمونيّ 1/191.
أو يكون جوابًا1، كقول2 قائلٍ:(مَنْ جاءك؟)، فتقول:(رجلٌ) أي: رَجُلٌ جاءني؛ لأنَّهُ داخِلٌ تحتَ (مَنْ) .
فهذه جُمْلَة ما يُبْتَدأُ فيها بالنّكرة.
1 يُنظر: كشف المشكِل 1/314.
2 في ب: لقول.
[فَصْلٌ] 1:
[وَلَا يَحُوْلُ حُكْمُهُ مَتَى دَخَلْ
…
لَكِنْ عَلَى جُمْلَتِهِ وَهَلْ وَبَلْ] 2
الّذي يُغَيِّرُ المبتدأ عن حاله ثلاثة؛ وهي:
العوامِل اللفظيّة؛ فَمِنْهَا: ما ينصب المبتدأ؛ وهي: (إنّ) وأخواتهَا؛ ومنها: ما ينصبُ الخبر؛ وهي/: (كان) وأخواتها؛ ومنها: ما ينصبهما مَعًا؛ وهي: (ظننت) وأخواتها؛ ويأتي ذِكرُ الجميع إنْ شاء الله تعالى.
وممَّا يَدْخُلُ على المبتدأ ولا يغيّرهُ عن حُكم الابتداء، ولا يؤثّر فيه بِوَجْهٍ3:(هَلْ) و (بَلْ) و (لَكِنْ) و (حَيْثُ) و (همزة الاستفهام) و (إذ) و (لام الابتداء) و (أَمَا) و (أَلَا) المخفّفان اللّذان لاستفتاح4 الكلام، و (أَمّا) - بفتح الهمزة وتشديد الميم - الّتي لتفصيل الجملة، و (لولا)[43/ أ] الّتي معناها امتناع الشّيء لوجود غَيْرِهِ.
وَقَدِّمِ الأَخْبَارَ إِذْ تَسْتَفْهِمُ
…
كَقَوْلِهِمْ: أَيْنَ الْكَرِيمُ المُنْعِمُ؟
وَمِثْلُهُ: كَيْفَ الْمَرِيضُ المُدْنَفُ؟
…
وأَيُّهَا الْغَادِي مَتَى المُنْصَرَفُ؟
خَبَرُ المبتدأ يجوز تقديمه إذا كان غَيْرَ مُسْتَفْهَمٍ به، كقولك:(عَالِمٌ زَيْدٌ بالأمر) .
1 ما بين المعقوفين ساقطٌ من ب.
2 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
3 يُنظر: الكتاب 3/116، والأصول 1/61، والجُمل 302.
4 في أ: لافتتاح.
فإنْ كان اسم استفهام وَجَبَ تَقْدِيمُهُ، كقولك:(أَيْنَ زَيْدٌ؟) و (مَتَى الصّيامُ؟) و (كيف أَنْتَ؟) ؛ لأنَّ أسماء الاستفهام لها صدرُ الكلام1.
وقد يقع اسمُ الاستفهام مبتدأً؛ وذلك إذا وقع بعده فِعْلٌ أَوْ جارٌّ ومجرورٌ، كقولك:[43/ب]
(أين تسكُن؟) و (كم معك دِرْهَمًا؟) .
وَإِنْ يَكُنْ بَعْضُ الظُّروفِ الْخَبَرَا
…
فَأَوْلِهِ النَّصْبَ وَدَعْ عَنْكَ الْمِرَا
تَقُولُ: زَيْدٌ خَلْفَ عَمْرٍو قَعَدَا
…
وَالصَّوْمُ يَوْمَ السَّبْتِ وَالسَّيْرُ غَدَا
خبر المبتدأ أنواع:
منها: الظَّرْفُ2؛ وَهُوَ نَوْعان:
ظَرْفُ زَمَانٍ وهو يختصُّ بالأحدَاث3، كقولك:(الصِّيام يوم الخميس) .
وظرف مَكَانٍ وهو يختصّ بالأجسام، كقولك:(الإمام4 أَمَامَ القوم) ؛
1 يُنظر: المقتصد 1/224، وشرح عيون الإعراب 96، وكشف المشكِل 1/316، والارتشاف 2/43.
2 في أ: الطرف.
3 ظروف الزّمان لا يجوز أن تقع أخبارًا عن الأشخاص؛ لأنّ الفائدة لا تتمّ إلَاّ بها، لو قلت:(زيدٌ يوم الجمعة) لم تكن مُخبِرًا بشيء.
يُنظر: الأصول 1/63، والتّبصرة 1/102، وكشف المشكِل 1/320، وشرح المفصّل 1/89.
4 في ب: الأمير.
وقد يقع ظرف المكان خبرًا عَنْ حَدَثٍ، كقولك:(الصّلاةُ وراء الإمام)1.
ويقع الخبر جارًّا ومجرورًا، كقولك:(زَيْدٌ في دَاْرِهِ) 2، ولا يجوز:(في داره زيد) ؛ لأنّه لو قُدِّمَ عادَ الضّميرُ منه3 إلى مُتأخِّرٍ في اللَّفظِ والرُّتبة؛ والضّابط لتقدير هذين الخبرين: ما يقدَّر4لهما من مُفْرَدٍ5 أَوْ جُمْلَةٍ، نحو:(مُسْتَقِرّ) أو (اسْتَقَرَّ) .
ويكون الخبر جُمْلَةً اسميّةً، كقولك:(زيدٌ أبوه عَالِمٌ) ، وفعليَّةً، كقولك6:(زَيْدٌ قَامَ أبوه) ، أو أَنْ7تكون الجملة شرطيّة، كقولك:(زَيْدٌ إنْ تُكْرِمْهُ يُكْرِمْك) ؛ ولا بُدَّ أَنْ يكون8لهذه الجمل ضمير [44/أ] يعود على المبتدأ كالهاء الرّابطة في الثّلاثة9.ويكون الخبر فعلاً ماضيًا، كقولك: (زيد قام) ؛ ففي هذا الفعل
1 يُنظر: الأصول 1/63، والتّبصرة 1/103، وكشف المشكِل 1/320، وشرح المفصّل 1/89.
2 في ب: الدّار.
3 في كلتا النسختين: معه، وهو تحريف.
4 في أ: ما تقدّر، وهو تصحيف.
5 في ب: بمفرد.
6 في ب: لقولك.
7 في ب: أو بأن تكون.
8 في أ: ولا بدّ لهذه الجمل أن تكون ضميرًا.
9 هُناك روابِطُ أُخرى غير الضّمير، أوصلها النّحاة إلى عشرة، لكن الشّارح رحمه الله اقتصر على الضّمير؛ لأنّه الأصل، ولهذا يربط به مذكورًا ومحذوفًا.
يُنظر: المقرّب 1/82، والارتشاف 2/50، والمغني 647، والهمع 2/18.
ضميرٌ [يعود على المبتدأ مُسْتترٌ]1.
وكذلك يكون مضارِعًا على حكم ما تَقدَّم، كقولك:(خالدٌ يقومُ) فإن ثُنِّي المبتدأ أو جُمِعَ ظهر الضّميرُ، كقولك:(الزّيدان قاما) و (الرّجال قاموا) و (الزّيدون يقومون) .
وبالجملة: لا يخلو2 الخبر من أنْ يكون مُفردًا، أو جُمْلَة، أو ظرفًا3.
ويلزم حذف الخبر إذا كان بعد قَسَمٍ مستغنًى عَنْهُ بجواب القسم4، كقولك:(لعمرك إنَّ زيدًا صادقٌ)، والتّقدير: قَسمي.
وبعد (لولا)، كقولك:(لولا زيدٌ لزرتُك)، والتّقدير: حاضِرٌ.
وفي المُثُل: (أخطبُ ما يكون الأمير قائمًا) أي: إذا كان قائمًا5.
1 ما بين المعقوفين ساقطٌ من ب.
2 في ب: فلا يخلو.
3 وكذلك يكون الخبر جارًّا ومجرورًا، ويُطلق على الظّرف والجارّ والمجرور شبه الجملة.
4 وذلك بأنْ يكون المبتدأ صريحًا في القسَم.
يُنظر: ابن النّاظم 123، وأوضح المسالك 1/158.
5 أو يكون المبتدأ مصدرًا، وبعده حال سدّت مسدّ الخبر، وهي لا تصلح أنْ تكون خبرًا، فيُحذف الخبر وُجوبًا لسدّ الحال مسدّه، نحو (ضربي العبد مسيئًا) . أو أفعل تفضيل مضافًا إلى المصدر المذكور؛ وقد مثّل له الشّارح.
يُنظر: شرح عمدة الحافظ 1/177، وابن النّاظم 123، وابن عقيل 1/235.
ويُحذف في غير هذه الثّلاثة1 توسّعًا إذا دَلَّ عليه الكلام، وأكثر ما يقع في الاستخبار2، كقولك:(أين زَيْدٌ؟)، فيُقال:(في المسجد) ؛ فالمبتدأ محذوفٌ، والتّقدير: زيد؛ وإذا قيل لك: (مَنْ عندك؟) فقلت: (زيد) ؛ فالخبر محذوف، والتّقدير: زَيْدٌ عِنْدي.
وَإِنْ تَقُلْ: أَيْنَ الأَمِيْرُ جَالِسُ
…
وَفِي فِنَاءِ الدَّارِ بِشْرٌ مَائِسُ
فَجَالِسٌ وَمَائِسٌ قَدْ رُفِعَا
…
وَقَدْ أُجِيزَ الرَّفْعُ3 وَالنَّصْبُ مَعَا
[44/ب]
هذه المسألة يُعْلَمُ منها: أنَّ الجملة الابتدائيّة إذا تَقَدَّمَ خَبَرُها وجُوبًا، أو اختيارًا لكونُه4 اسم استفهام أو جارًّا ومجرورًا، وأتيت بعد تمام الكلام بنكرة متعلّقة بالجُملة، كقولك:(أَيْنَ الأمير جَالِسٌ؟) ؛ جاز رفع (جالس) ونصبه؛ فإنْ رفعتَ جعلته خبر المبتدأ بإلغاء الظّرف أو الجارّ؛ وإِنْ نَصَبْتَ فعلى الحال؛ والعامِل فيه معنى الاستفهام، ومع الجارّ ما يُقدَّر5 مِن الاستقرار.
1 بقي موضعٌ رابعٌ لم يذكره الشّارح؛ وهو: أن يكون المبتدأ معطوفًا عليه اسمٌ بواوٍ هي نصّ في المعيّة، نحو:(كلّ رجل وضيعته)، والتّقدير: كلّ رجل وضيعته مقترنان.
يُنظر: شرح عمدة الحافظ 1/176، وابن النّاظم 123، وأوضح المسالك 1/158، وابن عقيل 1/235.
2 في أ: الأخبار.
3 في شرح الملحة 151: وَقَدْ أُجِيزَ النَّصْبُ وَالرَّفْعُ مَعَا.
4 في كلتا النسختين: كونه وما أثبته هو الأولى.
5 في ب: ما تقدّر.
وَهَكَذَا إِنْ قُلْتَ: زَيْدٌ لُمْتُهُ
…
وَخَالِدٌ ضَرَبْتُهُ وَضِمْتُهُ1
فَالرَّفْعُ فِيهِ جَائِزٌ وَالنَّصْبُ
…
كِلَاهُمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْكُتْبُ
هذه المسألة تُعرف باشتغال العامِل عن المعمول؛ فقولك2: (زَيْدٌ لُمْتُهُ) فـ (زيدٌ) مبتدأ - وما بعده فِعْلٌ، [و] 3 ضميرُ فَاعلٍ، وضمير مفعول -، والجملة خبرٌ عنه.
فإنْ نصبت (زيدًا) نصبته على أنّه مفعولٌ، وليس العاملُ فيه الفعل4الّذي بعده لاشتغاله بالضّمير المنصوب؛ بل بفعلٍ مُقدَّرٍ من جنس الفعل المُتأخّر عنه، كقولك:(أكرمتُ زيدًا أكرمته)، والرَّفعُ أجودُ من النّصب؛ لاستغنائه عن التّقدير5 [45/أ] ؛ ومن ذلك قولُ الرّبيع6:
وَالذِّئْبُ أَخْشَاهُ إِنْ مَرَرْتُ بِهِ
…
وَحْدِي وَأَخْشَى الرِّيَاحَ وَالْمَطَرَا7
1 ضِمْتُهُ: ظلمته؛ والضّيم: الظّلم. اللّسان (ضمم) 12/358.
2 في ب: فتقول.
3 العاطف ساقطٌ من ب.
4 في أ: الضّمير.
5 ذكر الشّارح رحمه الله موضعًا واحدًا من مواضِع الاشتغال؛ وهو ترجيح الرّفع على النّصب، وبقيَ بعد ذلك أربعة مواضع. يُنظر: التّبصرة 1/326، والمقتصد 1/235، وابن النّاظم 237، وشرح ألفيّة ابن معطٍ 2/849، وابن عقيل 1/471.
6 هو: الرَّبِيعُ بن ضَبُع بن عديّ الفَزَاريّ، شاعرٌ جاهليّ معمَّر، من فُرسان العرب، وخطبائهم، وحُكمائهم. قيل: إنّه عاش أربعين وثلاثمائة سنة.
يُنظر: المعمّرين من العرب 15، والمؤتلف والمختلف 182، والإصابة 2/424، والخزانة 7/383، والأعلام 3/15.
7 هذا بيتٌ من المنسرح، وقبله بيتٌ هو: =
...........................................................................
=
أَصْبَحْتُ لَا أَحْمِلُ السِّلَاحَ وَلَا
…
أَمْلِكُ رَأْسَ الْبَعِيرِ إِنْ نَفَرَا
والمعنى: أنّه وصف في البيتين انتهاء شبيبته وذهاب قوّته، فلا يُطيق حمل السّلاح لحربٍ، ولا يملك رأس البعير إنْ نفر من شيء؛ وإذا خلا بالذّئب خشيه على نفسه، وأنّه لا يحتمل برد الرّيح، وأذى المطر؛ لِهَرمِه وضعفه.
والشّاهد فيه: (والذّئبُ أخشاه) على أنّ الرّفع أجودُ من النّصب؛ لاستغنائه عن التّقدير.
وجميعُ النُّحاة استشهدوا بهذا البيت على أنّ النّصب أجود من الرّفع؛ حيث وقع الاسم المشغل عنه بعد عاطف تقدّمه جملة فعليّة (لا أملك) ، ولم يفصل بين العاطف والاسم.
يُنظر هذا البيت في: الكتاب 1/89، ونوادر أبي زيد 159، وأمالي القالي 2/185، والمقتصد 1/237، والتّبصرة 1/330، وتحصيل عين الذّهب 106، والمقاصد النّحويّة 3/397، والتّصريح 2/36.