الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الْمَفْعُولِ فِيهِ وَهُوَ الظَّرْفُ
-: [69/أ]
وَالظَّرْفُ نَوْعَانِ فَظَرْفُ أَزْمِنَهْ
…
يَجْرِي مَعَ الدَّهْرِ وَظَرْفُ أَمْكِنَهْ
وَالْكُلُّ مَنْصُوبٌ عَلَى إِضْمَارِ فِي
…
فَاعْتَبِرِ الظَّرْفَ بِهَذَا وَاكْتَفِي
تَقُولُ: صَامَ خَالِدٌ أَيَّامَا
…
وَغَابَ شَهْرًا وَأَقَامَ عَامَا
وَبَاتَ زَيْدٌ فَوْقَ سَطْحِ المَسْجِدِ
…
وَالْفَرَسُ الأَبْلَقُ1 تَحْتَ مَعْبَدِ
وَالرِّيحُ هَبَّتْ يَمْنَةَ المُصَلِّي
…
وَالزَّرْعُ تِلْقَاءَ الحَيَا المُنْهَلِّ
وَقِيمَةُ الفِضَّةِ دُونَ الذَّهَبِ
…
وَثَمَّ عَمْرٌو فَادْنُ مِنْهُ وَاقْرُبِ
وَدَارُهُ غَرْبِيَّ فَيْضِ2البَصْرَهْ
…
وَنَخْلُهُ شَرْقِيَّ نَهْرِ مُرَّهْ
فَصْلٌ:
الظّرْفُ3 هو: المفعول فيه. وينقسم4 إلى: ظرف زمان، وظرف مكان؛
1 البَلَق: سوادٌ وبياضٌ، وكذلك البُلْقة وهي مصدر الأبلق؛ وهو: ارتفاع التّحجيل إلى الفخذين. اللّسان (بلق) 10/25.
2 الفيض: النّهر، والجمع: أفياض، وفُيوض؛ وجمعهم له يدلّ على أنّه لم يسمّ بالمصدر. وفيض البصرة: نهرها، غلّب ذلك عليه لعظمه. اللّسان (فيض) 7/211.
3 الظَّرف لغة: الوِعاء، واصطلاحًا: هو ما نُصِبَ من اسم زمان، أو مكان مقارن لمعنى (في) دون لفظها.
يُنظر: شرح الكافية الشّافية 2/675، واللّسان (ظرف) 9/229.
4 في أ: وهو ينقسم.
وكلاهُما ينقسم إلى: مبهم [و] 1 مختصّ.
و2 أسماء الزّمان كلّها صالحة للظّرفيّة [69/ب] لا فرق3 في ذلك بين المبهَم4 منها والمختصّ5؛تقول6: (انتظرته حينًا ومُدَّةً) و (لقيتُه يوم الخميس) . و [أَمّا] 7 أسماء المكان فالصّالح منها للظّرفيّة نوعان:
الأوّل: الاسم المبهَم؛ كأسماء الجِهات، نحو:(فوق) و (تحت) و (أمام) و (وراء) و (يمين) و (شمال) ، وشبهها في الشّياع ممّا يفتقر إلى غيره
1 العاطف ساقط من أ.
2 في ب: فأسماء.
3 في أ: ولا فرق.
4 ظرف الزّمان المبهم هو: ما يدلّ على زمنٍ غير محدود ولا مقدّر، ولا يقع جوابًا لـ (متى) و (كم)، نحو:(حين) و (مدّة) و (وقت) ؛ تقول: (سِرْتُ حينًا، ومدّة ووقتًا) .
يُنظر: التّصريح 1/341، والأشمونيّ 2/128.
5 ظرف الزّمان المختصّ هو: ما يدلّ على زمنٍ مقدّر، ويقع جوابًا لـ (متى) ؛ نحو:(يوم الخميس) جوابًا لمن قال: (متى جئتَ؟) ؛ وهو المعرّف بالعلميّة كـ (صمت رمضان) ، أو بـ (أل) كـ (سِرْتُ اليومَ) ، أو بالإضافة كـ (جئتُ زمن الشّتاء) و (يوم قُدوم زيد)، أو غير معلوم - وهو النّكرة - نحو:(سرتُ يومًا أو يومين أو أسبوعًا أو وقتًا طويلاً) . يُنظر: التّصريح 1/341، والأشمونيّ 2/128.
6 في أ: فتقول.
7 ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السّياق؛ بدليل مجيء الفاء، وهو كذلك عند شيخه ابن النّاظم 274.
في بيان صورة مسمّاه، كـ (جانب) و (ناحية) ، وكأسماء المقادير1 كـ (مِيْلٍ) 2 و (فَرْسَخٍ) 3و (بَرِيد)4.
[و] 5 الثّاني: ما اشتقّ من اسم الحدَث6، كـ (مَذْهَبٍ) و (مَرْمى)7.
والمختصّ منه: (ذَهَبْتُ مَذْهَبَ زَيْدٍ) و (رَمَيْتُ مَرْمَى عَمْرٍو) .
والمختصّ: كلّ ما اشتملّ عليه8ما يحوطُه، كـ (الشّام) و (العِرَاق) و (المسجد) و (الدّار) .
1 ذهب الجمهور إلى أنّ المقادير من الظّروف المبهمة.
وذهب الشّلوبين إلى أنّها ليست من الظّروف المبهمة؛ لأنّها معلومة المقدار.
يُنظر: التّوطئة 210، وتوضيح المقاصد 2/93، والارتشاف 2/250، وابن عقيل 1/531، والأشمونيّ 2/130.
2 المِيْلُ من الأرض: منتهى مدّ البصر؛ ومقداره: أربعة آلاف ذراع.
يُنظر: الصّحاح (ميل) 5/1823، والقاموس المحيط (مال)1369.
3 الفَرْسَخُ: ثلاثة أميال هاشميّة؛ وهي: اثنا عشر ألف ذراع.
يُنظر: الصّحاح (ميل) 5/1823، والقاموس المحيط (فرسخ)329.
4 البَرِيْدُ: اثنا عشر ميلاً.
يُنظر: تهذيب اللّغة (برد) 14/106، والصّحاح (برد) 2/447.
5 العاطف ساقط من أ.
6 أي: الّذي اشتقّ منه العامل واتّحدت مادّته ومادّة عامله - كما مثّل الشّارح رحمه الله؛ فلو اختلفت مادّته ومادّة عامله نحو: (رميت مذهب زيد وذهبتُ مرمى عمرو) لم يجز في القياس أن يُجعل ظرفًا، بل يجب التّصريح معه بـ (في) .
يُنظر: شرح الكافية الشّافية 2/677، وابن النّاظم 275، وأوضح المسالك 2/52، والتّصريح 1/341.
7 في ب: مرى.
8 في أ: كلّ ما يشتمل على ما يحوط.
وهذا النّوع يتصّرف بوجوه الإعراب، ولا يسمّى ظرف مكان1؛ فإن وُجِدَ منه شيءٌ منصوبًا كان انتصابُه انتصاب المفعول به لا انتصاب الظّرفيّة2.
ومن أسماء ظروف الزّمان ما يعبَّر به عن جميعه، كـ (الدّهر) و (قَطّ) و (عَوْض) و (الأبَد) .
فـ (قَطُّ) : اسم لِمَا مضى من الزّمان، و (الأبد) : لجميع الآتي منه؛ فتقول من ذلك: (ما فعلتُه قطّ) 3 و (لا أفعله أبدًا)، و (إذْ) 4: لِمَا مضى من الزّمان، و (إذا) : ظرفٌ لِمَا يُستقبَلُ من الزّمان، يتضمّن معنى الشّرط غالبًا.
ويُضْمَر عاملُ الظّرف على [70/أ] شريطة5 التّفسير؛ تقول: (اليوم سِرت فيه)
1 قال ابن السّرّاج في الأصول 1/197: "وأمّا مكّة، والمدينة، والمسجد، والدّار، والبيت؛ فلا يجوز أنْ يكن ظروفًا؛ لأنّ لها أقطارًا محدودة معلومَة؛ تقول: قُمْتُ أمامك، وصلّيتُ ورائك؛ ولا يجوز أنْ تقول: قمتُ المسجد، ولا قعدتّ المدينة، ولا ما أشبه ذلك".
2 نحو قولك: (عمرت الدّار) و (هدمت الحائط) .
3 قال ابن هشام في المغني 233: "قط: تكون ظرف زمانٍ لاستغراق ما مضى، وتختصّ بالنّفي؛ يُقال: ما فعلته قط؛ والعامّة يقولون: لا أفعله قط؛ وهو لحن. واشتقاقُه من (قَطَطْتُه) أي: قطعتُه، فمعنى ما فعلتُه قط: ما فعلتُه فيما انقطع من عمري؛ لأنّ الماضي مستَقطَعٌ عن الحال والاستقبال".
4 في أ: وإذا، وهو سهو.
5 في ب: شرطه، وهو تحريف.
وانتصاب الظّرف بعاملٍ مضمَر إمّا أنْ يكون بعاملٍ جائز الإظهار أو بممتنعه؛ وقد أفرد الشّارح رحمه الله فصلاً لِنَاصِبِ الظّرف في ص 453 من هذا الباب.
تقديره: سرت اليوم1.
وجميع أسماء الزّمان تكون ظروفًا إذا وردت متضمّنة (في) ولم ينطق بـ (في)، كقولك2:
(قدمت يوم الجمعة) و (صُمْتُ يَوْمَ الخميس) 3؛ فلوقوع الأفعال فيها سُمّيت ظروفًا4.
ومنها: ما يقع الفعل في جميعه، كقولك:(صمت يوم الخميس)5.
ومنها: ما يقع في بعضه، كقولك:(لقيتُه يوم الجمعة) ؛ لأنّ اللّقاء قع في بعضه6.
1 أي: سرت اليوم سرتُ فيه.
2 في أ: تقول.
3 نصبت هذه الأسماء نصب الظّروف لتضمّنها معنى (في) ؛ إذْ تقدير الكلام: (قدمت في يوم الجمعة) و (صمت في يوم الخميس) .
4 قال ابن يعيش 2/41: "وقيل للأزمنة والأمكِنَة ظروف؛ لأنّ الأفعال توجَد فيها، فصارت كالأوعية لها".
5 لأنَّ الصّوم يستغرق اليوم. وقال السّيوطيّ في الهمع 3/148: "وكون ما يكون العمل في جميعه هو ظرف وانتُصب انتصاب الظّروف هو مذهب البصريّين.
وزعم الكوفيّون: أنّه ليس بظرف، وأنّه ينتصب انتصاب المشبّه بالمفعول؛ لأنّ الظّرف عندهم ما انتصب على تقدير (في) ، وإذا عَمّ الظّرف لم يتقدّر عندهم فيه (في) ؛ لأنّ (في) يقتضي عندهم التّبعيض، وإنّما جعلوه مشبّهًا بالمفعول لا مفعولاً به؛ لأنّهم رأوه ينتصب بعد الأفعال اللاّزمة".
ويُنظر: الكتاب 1/216، والبسيط 1/488 - 490.
6 قال ابن أبي الرّبيع في البسيط 1/488: "ألا ترى أنّ اللِّقاء لا يمكن في اليوم كلِّه، وإنّما يكونُ اللِّقاء في بعضه".
وكلُّ اسم صلح أن يكون1جواب2 (أين) في الاستفهام فهو مكان، تقول من ذلك:(جلست خلفك) و (سرتُ أمامك) و (قعدتّ دونك) و (داري غربي دارك) و (وجهي تلقاء وجهك) و (سرت يَمْنَةَ الأمير) و (لي قبلك حقّ) و (توجّهتُ نحو المدينة) 3؛ فإن لم تتضمّن4هذه الأسماء معنى (في) لم تكن ظروفًا، وجاز أن تعتقب عليها العوامل بوُجوه الإعراب؛ فإذا قلتَ:(دخلتُ البيت) فإنه منتصب نصب المفعول به لوُقوع الفِعل عليه، لا بوقوعه فيه5؛
1 في أ: أن يقع في.
2 في كلتا النّسختين: جوابه، والصّواب ما هو مثبَت.
3 ساق الشّارح رحمه الله هذه الأمثلة ليبيّن أنّ هذه الأسماء إذا وردت متضمّنة معنى (في) ولم يُنطق بها نصبت نصب ظروف المكان.
4 في أ: يتضمّن، وهو تصحيف.
5 النّصب فيه ليس على الظّرفيّة، بل على التّوسّع بإسقاط الخافض، وإجراء القاصر مجرى المتعدِّي؛ فهو مشبّه بالمفعول لا ظرف؛ وهذا مذهب الفارسيّ - الإيضاح 161 -، واختاره ابن مالكٍ في التّسهيل 98، وشرحه 2/200، 201، ونسبه لسيبويه؛ قال سيبويه 1/159:"أجازوا قولهم: دخلتُ البيت، وإنّما معناه: دخلتُ في البيت، والعامِل فيه الفعل، وليس المنتصب ههنا بمنزلة الظّرف".
وقيل: إنّه منصوبٌ على الظّرفيّة تشبيهًا بالمبهَم، ونسبه الشّلوبين إلى سيبويه، وإلى الجمهور.
يُنظر: توضيح المقاصد 2/90، والأشمونيّ 2/126.
وقال سيبويه 1/35: "وقد قال بعضُهم: ذهبتُ الشّام يشبّهه بالمبهَم، إذا كان مكانًا يقع عليه المكان والمذهبُ. وهذا شاذٌّ؛ لأنّه ليس في ذهب دليلٌ على الشّام، وفيه دليل على المذهب والمكان، ومثل ذهبت الشّام: دخلتُ البيتَ".
وقيل: إنّه مفعولٌ به، و (دخل) مثلاً تارةً يتعدّى بنفسه، وتارة بحرف؛ وهو مذهب الأخفش.
يُنظر: توضيح المقاصد 2/91، والارتشاف 2/253، والهمع 3/153.
فليس متضمّنًا1 معنى (في) .
وأمّا قولهم: (هو مِنِّي مَقْعَدَ القَابِلَة) 2 و (عمرو مَزْجَر الكلب) و (عبد اللهِ مَنَاطَ الثُّرَيَّا) على الظّرفيّة، فشاذٌّ3.
1 في ب: مضمّنًا.
2 في ب: المقابلة، وهو تحريف.
3 شذّ نصبه لمخالفة مادّته لمادّة عامله؛ إذ التّقدير: هو مِنِّي مستقرٌّ في مقعد القابلة، وفي مزجر الكلب، وفي مناط الثّريّا؛ فعامله الاستقرار المتعلّق به (منّي) ، الواقع خبرًا عن (هو) ، ومادّة الاستقرار مخالفة لمادّة مقعد، ومزجر، ومناط.
والمعنى: هو منّي في القُرب مقعد القابلة من النّفساء، وفي البُعد مناط الثّريّا من الدّبران، وفي التّوسُّط مزجر الكلب من الزّاجر؛ فـ (من) الأولى متعلّقة بالاستقرار - كما مرَّ -، و (من) الثّانية الدّاخلة على النّفساء والدّبران والزّاجر متعلّقة باسم المكان نفسه؛ لأنّه مشتقّ.
ولو أعمل في المقعد قعد، وفي المزجر زجر، وفي المناط ناط؛ لم يكن شاذًّا لاتّحاد المادّة، ويصير المعنى هو مستقرّ منّي قعد مقعَد القابلة، وزجر مزجر الكلب، وناط مناط الثّريّا.
يُنظر: الكتاب 1/412 - 416، وشرح الكافية الشّافية 2/676، 677، وابن النّاظم 275، وأوضح المسالك 2/52، والتّصريح 1/341، 342.
فإنْ قيل: لِمَ استأثرتْ أسماء الزّمان بصلاحيّة المبهم منها، والمختصّ للظّرفيّة عن أسماء المكان؟ [70/ب]
فالجواب: أنَّ أصلَ العوامل الفِعْلُ، ودلالته على الزّمان أقوى من دلالته على المكان؛ لأنّه يدلّ على الزّمان بصيغته والالتزام1، ويدلّ على المكان بالالتزام فقط؛ فلمّا2 كانت دلالة الفعل على الزّمان قويّة تعدّى إلى المبهم منها والمختصّ، ولَمَّا كانت دلالته على المكان ضعيفة لم يتعدَّ إلى كلّ أسمائه، بل يتعدّى إلى المبهم منها3.
وقد تُقام صفة الظّرف مقامه بعد حذفه، كقولك:(أقمتُ عنده قليلاً من النّهار) و (سامرْتُه كثيرًا من اللّيل) وتقديره: زمانًا قليلاً، وزمانًا كثيرًا.
وقد نُصِبَ بعضُ المصادر نَصْبَ4 الظّروف في قولهم: [ (أتيتُه غروب الشّمس) و (انتبهت طلوعَ الفجر5) ]6.
1 أي: لأنّه يدلّ على الحدث بمادّته الموضوعة له مطابقة، والحدث يستلزم الزّمان، فقد دلّ على الزّمان ثانيًا بواسطة دلالته على الحدَث بخلاف المكان؛ فإنّه يدلّ عليه التزامًا بواسطة دلالته على الحدَث فقط. الصّبّان 2/130.
2 في أ: فكلّما، وهو تحريف.
3 لأنّ في الفعل دلالة عليه بالجملة، وإلى المختصّ الّذي اشتقّ من اسم ما اشتقّ منه العامل لقوّة الدّلالة عليه حينئذ. يُنظر: ابن النّاظم 275، والأشمونيّ 2/130.
4 في أ: ونصب.
5 في ب: الشّمس.
6 ما بين المعقوفين لم يَرِد في النّسختين بهذا اللّفظ؛ والّذي ورد فيهما هو: ((أتيته وقت غروب الشّمس، وانتبهت وقت طلوع الفجر)) . والتّمثيل يستقيم بدون كلمة (وقت) حيث إنّ (غروب) و (طلوع) مصدران منصوبان نصب الظّروف.
وَقَدْ أَكَلْتُ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ
…
وَإِثْرَهُ وَخَلْفَهُ وَعِنْدَهُ
الأسماء منها ما إذا أُضيف إلى شيء صار من جنسه وأُلحِق بنوعه.
فمن ذلك: (قبلُ) و (بَعْدُ) فهما إنْ أُضيفا إلى ظرف زمانٍ صارا من جنسه، وانتصبا انتصاب [71/أ] ظرف الزّمان؛ كقولك:(قدمتُ البلد قبل زيدٍ، وسافرت بعده) ، وإنْ أُضيفا إلى ظرف مكانٍ صارا من جنسه، كقولك:(نزلنا قبل المنزلة، وقيلنا بعد المنهل) .
وكذلك أسماء العدد1، و (كُلّ) و (بعض) و (نصف) و (ثُلث) ، وما أشبهه، وكذلك (بين) ؛ تقول: غاب زيدٌ خمسة أيّام، وأقمتُ عنده كلّ النّهار وبعض اللّيل، وصلَّيْتُ بين الظّهر والعصر2؛ وتقول: قطعتُ خمسة فراسِخ، وكلّ المرحلة، وسار زيدٌ بعض فرسخٍ، وركب ثلث الطّريق، وأقام بين البلدين3.
وَعِنْدَ فِيهَا النَّصْبُ يَسْتَمِرُّ
…
لَكِنَّهَا بِمِنْ فَقَطْ تُجَرُّ
عِنْدَ: ظرفٌ4 لازمُ الظّرفيّة، ولا يدخله5 الرّفع بحال، ولا يُجرُّ6
1 في أ: العدم، وهو تحريف.
2 انتصب (خمسة) و (كلّ) و (بعض) و (بين) انتصاب ظرف الزّمان؛ لإضافتها إليه وجعلها كالجزء منه.
3 انتصب (خمسة) و (كلّ) و (بعض) و (ثلث) و (بين) انتصاب ظرف المكان؛ لإضافتها إليه.
4 أكثرُ ما يقع (عند) ظرف مكان، وقد يقع ظرف زمان كما مثّل الشّارح رحمه الله.
5 في أ: ولا يدخلها.
6 في أ: ولا تجرّ.
إلَاّ بـ (من) دون سائر الظّروف لعدم تصرُّفه؛ لأنَّ الظّرف المتصرّف1 يفارقُ الظّرفيّة، ويُستعمل مخبرًا2عنه، ومضافًا إليه، ومفعولاً به3.
ثمّ الظّرف المتصّرف: منه منصرف4، نحو:(يومٍ) و (شهرٍ) و (حوْلٍ)، ومنه غير منصرف5 نحو:(غُدْوَةَ) و (بُكْرَةَ) مقصودًا بهما تعريف الجنس أو العهد.
1 الظّرف على ضربين: متصرّف، وغير متصرّف.
وقد عرّف الشّارح رحمه الله الظّرف المتصرّف؛ وبقي غير المتصرّف؛ ((وهو: ما لازم الظّرفيّة، أو شبهها.
فمنه ما لا ينفكّ عن الظّرفيّة أصلاً، كـ (قَطّ) و (عَوْض) ؛ ومنه ما لا يخرُج عن الظّرفيّة إلَاّ بدخول حرف الجرّ عليه، نحو:(قبل) و (بعد) و (لَدُنْ) و (عند) حال دخول (من) عليهنّ؛ فيُحكم عليه بأنّه غير متصرّف؛ لأنّه لم يخرج عن الظّرفيّة إلاّ إلى حال شبيهة بها؛ لأنّ الجارّ والمجرور والظّرف سيّان في التّعليق بالاستقرار، والوقوع خبرًا، وحالاً، ونعتًا، وصلة)) . ابن الناظم 275، 276.
وينظر: أوضح المسالك 2/53، والتّصريح 1/342، والأشمونيّ 2/131، 132.
2 في أ: مجبرًا، وهو تصحيف.
3 نحو قولك: (اليومُ مبارَكٌ) و (سِرْتُ نصفَ اليوم) و (أحببتُ يومَ قدومك) .
4 في أ: متصرّف؛ وفي ب: متصرّفة، وكلتاهُما مصحّفة.
5 في كلتا النّسختين: غير متصرّف، وهو تصحيف.
والظّرف غير المتصّرف - أيضًا - منه منصرف نحو: (ضُحا) و (بُكْرةٍ) و (سَحَرٍ) و (لَيْلٍ) و (نَهَارٍ) و (عِشَاءٍ) و (عُتْمةٍ) و (مَسَاءٍ) غير مقصود بها التّعريف.
ومنه غير منصرف نحو: (سَحَر) المعرفة. يُنظر: شرح الكافية الشّافية 2/679، وابن النّاظم 276.
و (عند)[71/ب] يكون1ظرف زمان2، كقولك:(وصلت البلدَ عند غروب الشّمس) .
[وَأَيْنَمَا صَادَفْتَ فِي لَا تُضْمَرُ
…
فَارْفَعْ وَقُلْ: يَومُ الْخَمِيسِ نَيِّرُ] 3
فَصْلٌ:
واعلم4 أنَّ النّاصب5للظّرف هو الفعل الموجود معه؛
1 في ب: تكون.
2 كونها ظرف زمان قليلٌ جدًّا. يُنظر: الهمع 3/164، والصّبّان 2/264.
3 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
4 في ب: اعلم.
5 ناصبُ الظّرف هو اللّفظ الدّالّ على المعنى الواقع فيه، سواءٌ كان اللّفظ الدّال فعلاً، أم اسم فعلٍ، أم وصفًا، أم مصدَرًا؛ ولهذا اللّفظ ثلاث حالات:
إحداها: أن يكون مذكورًا، نحو:(جلستُ أمام زيْدٍ) ؛ وهذا هو الأصل.
والثّانية: أن يكون محذوفًا جوازًا؛ وذلك كقولك: (فرسخين) أو (يوم الجمعة) جوابًا لمن قال: (كم سِرْتَ؟) أو (متى صُمْتَ؟) .
والثّالثة: أن يكون محذوفًا وُجوبًا؛ وذلك في سِتٍّ مسائل:
وهي أن يقع صفة كـ (مررت بطائرٍ فَوْقَ غُصْن) ، أو صلة كـ (رأيت الّذي عندك) ، أو حالاً كـ (رأيت الهلالَ بين السّحاب) ، أو خبرًا كـ (زيدٌ عندك) .
والنّاصبُ في الجميع محذوف وُجوبًا، تقديره:(استقرّ) أو (مستقرّ) ؛ إلاّ في الصّلة فيتعيّن استقرّ.
أو مشتغلاً عنه كـ (يوم الخميس صُمْت فيه) فـ (يوم الخميس) منصوب بفعل محذوف وُجوبًا يفسّره (صمت) المذكور، والتّقدير: صمت يوم صمت فيه.
وهذا ما قصده الشّارحُ بقوله ص 283: "ويُضمر عامل الظّرف على شريطة التّفسير".
أو مسموعًا بالحذف لا غير، كقولهم:(حينئذ الآن) أي: كان ذلك حينئذ واسمع الآن؛ فـ (حين) منصوبة لفظًا بفعل محذوف، وهي مضافة إلى (إذْ) ، و (الآن) مبنيّ على الفتح في محلّ نصب، وناصبُه فعلٌ محذوف - كما قدّر الشّارح-.
يُنظر: شرح المفصّل 2/47، وشرح الكافية الشّافية 2/684، وابن النّاظم 274، وشرح الرّضيّ 1/191، وأوضح المسالك 2/52، والتّصريح 1/340، والهمع 3/137، والأشمونيّ 2/128.
فإنْ وُجِدَ منصوبًا في كلامٍ لا فعل فيه، كقولك:(الرّحيل غدًا) ففي الكلام محذوف؛ وهو النّاصب للظّرف وتقديرُه: (استقرّ غدًا)، وعند بعضهم:(مستقرّ)1.
1 اختلف النُّحاة في عامل النّصب في الظّرف الواقع خبرًا:
فذهب الكوفيّون إلى أنّ الظّرف ينتصب على الخلاف إذا وقع خبرًا للمبتدأ، نحو:(زيدٌ أمامك) وما أشبه ذلك.
وذهب ثعلب من الكوفيّين إلى أنّه ينتصب؛ لأنّ الأصل في قولك: (أمامك زيد) : حلَّ أمامك؛ فحذف الفعل وهو غير مطلوب، واكتفى بالظّرف منه، فبقي منصوبًا على ما كان عليه مع الفعل.
وذهب البصريّون إلى أنّه ينتصب بفعل مقدّر؛ ثم اختلفوا في هذا المقدّر هل هو اسمٌ أو فعل؟
فذهب الفارسيّ، والزّمخشريّ، وابن الحاجب إلى أنّه فعل، وأنّه من حيّز الجملة، وتقديره: زيدٌ استقرّ في الدّار، أو حلّ في الدّار؛ ويدلّ على ذلك أمران:
أحدهما: جوازُ وُقوعه صلةً، نحو قولك:(الّذي في الدّار زيدٌ) والصّلة لا تكون إلاّ جملة.
والثّاني: أنّ الظّرف والجارّ والمجرور لا بدّ لهما من متعلّق به، والأصل أن يتعلّق بالفعل، وإنما يتعلّق بالاسم إذا كان في معنى الفعل ومِن لفظه؛ ولا شكّ أنّ تقدير الأصل الّذي هو الفعل أولى.
وذهب ابن السّرّاج، وابن جنّي - واختاره ابن مالك - إلى أنّ المحذوف المقدّر اسم، وأنّ الإخبار بالظّرف من قبيل المفردات، إذْ كان يتعلّق بمفرَد؛ فتقديرُه: مستقرّ، أو كائن ونحوهما.
والحُجّة في ذلك: أنّ أصل الخبر أن يكون مفردًا، والجملة واقعة موقعه، ولا شكّ أنّ إضمار الأصل أولى.
ووجهٌ ثانٍ: أنّك إذا قدّرت فعلاً كان جملة، وإذا قدّرت اسمًا كان مفرَدًا؛ وكلّما قلّ الإضمار والتّقدير كان أولى.
تُنظر هذه المسألة في: الأصول 1/63، واللّمع 75، والمقتصد 1/275، والإنصاف، المسألة التّاسعة والعشرون، 1/245، والتّبيين، المسألة الثّالثة والثّلاثون، 249، وشرح المفصّل 1/90، وشرح الكافية الشّافية 1/349، وشرح الرّضيّ 1/93، والتّصريح 1/166، والهمع 2/21، 22، والأشمونيّ 1/200.
فمتى خلَت أسماء الظّروف ممّا تقدّم1 كانت مبتدأةً، كقولك:(يومُ الجمعةِ مُبَاركٌ) و (وسطُ المسجدِ رَحْبٌ) و (الفرسخُ2 أربعةُ أميالٍ) .
1 في أ: ما.
2 في ب: القراسخ.