الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونستهديه، ونتوب إليه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
"إذا أنت فقهت حديث الله عن نفسه تكون قد عرفت الله بالله، وكنت على السداد والصواب، وسرت على الصراط المستقيم، وخلصت من الجهل والشرك، وانحزت إلى زمرة الإيمان، وكنت بالله عارفًا، ولدينه متابعًا، ولم يك حاجة إلا مقولات الفلاسفة، ولا إلى الدين المحرف الذي عليه المغضوب عليهم والضالون، ولا إلى النظريات التي يرددها علماء الغرب، ولو كان فيما يعلمه هؤلاء كفاية لما أرسل الله رسله، ولا أنزل الكتب، وفي يوم القيامة لا يسألنا ربُّنا عما قرره أصحاب العقول في القديم والحديث، بل يسألنا ربُّنا عما جاءت به نذر ربُّنا".
هذا الاقتباس السابق هو جزء من كلام الوالد الشيخ الأستاذ الدكتور عمر سليمان الأشقر رحمه الله في كتاب آخر له. وقد رغبت أن أتقدم به في
سياق هذا التمهيد والتوطئة، فما كان لي أن أتقدم عليه بعد وفاته رحمه الله، حيث إن الله قدر وفاته أن يسطر كلمات مقدمة هذا المصنف.
في هذا المصنف يختتم الوالد رحمه الله حياته كما بدأها في شبابه وطوال سني عمره مهمومًا بتحقيق غاية جلَّيلة لطالما شغلته وملأت عليه تفكيره، تلك الغاية التي تهتم بتقرير معاني الإيمان بالله في نفوس الناس، وربطهم بالخالق عز وجل، لقد أخذت هذه الغاية حيزًا كبيرًا من عقل الشيخ رحمه الله وتبدى ذلك جلَّيًا في خطبه ومواعظه ودروسه، أيضًا تجد هذا الاهتمام أكبر عند الشيخ رحمه الله عند استقرائك لمؤلفاته التي اعتنت بأصول الإيمان والاعتقاد، والتي بحمد الله بها طلبة العلم من مختلف الأقطار.
يرى الشيخ رحمه الله أن العناية بتعريف الناس بخالقهم عز وجل من أعظم الغايات، بل هي الأساس الذي قامت عليه دعوات المرسلين، وعليه كانت أعظم النصوص القرآنية والنبوية هي التي تتحدث عن الله رب العالمين، وكانت أعظم النعم أن الله هدانا إليه وعرَّفنا به عليه، فعرَّفناه بنور وحيه، وهذا معنى قول من قال من أهل العلم:"عرفت ربي بربي، لولا ربي ما عرفت ربي"، أي أن الله عرَّفنا بنفسه من خلال حديثه عن نفسه في كتابه، ولولا هذا الوحي ما رعفنا الله سبحانه وتعالى.
لقد انتهج الشيخ رحمه الله طريقة واضحة ومرسومة في جميع مؤلفاته، فكان يدور مع القرآن والسنة حيثما دارا. وكان يقدمهما على سائر أقوال البشر، ويمكنك أن ترى هذا المنهج جلَّيًّا في بيانه لمعاني الإيمان بالله والتعريف به. وفي
هذا السياق يأتي هذا المصنف الذي يهدف من خلال الشيخ رحمه الله إلى عرض النصوص القرآنية التي تحدث الله بها عن نفسه، ومن ثم بيان معاني هذه النصوص تفسيرًا وشرحًا، وبيان كيف عرَّفنا الله بنفسه من خلال هذه النصوص، كل ذلك بأسلوب مبسط وميسر لا تعقيد فيه، وهو ذات الأسلوب الذي تعرف به الرعيل الأول من الصحابة على الله عز وجل فمجدوه وحمدوه وقدسوه من خلال حديث الله عن نفسه، فأنعم وأكرم به من حديث عن "ملكًا له الملك كله، وله الحمد كله، أزمة الأمور كلها بيده، ومصدرها منه ومردها إليه، مستويًا على سرير ملكه، لا تخفي عليها خافية في أقطار مملكته، عالمًا بما في نفوس عبيده. . يسمع ويرى، ويعطي ويمنع، ويثيب ويعاقب، ويكرم ويهين، ويخلق ويرزق. . . ويقضي ويدبر، الأمور نازلة من عنده دقيقها وجلَّيلها، وصاعدة إليه، لا تتحرك ذرة إلا بإذنه"(الفوائد: ص36).
رحمك الله يا والدنا الحبيب، لقد أحببت القرآن فأسأل الله أن يكون شفيعك يوم القيامة، ونصرت السنة فأسأله أن تحشر مع الحبيب المصطفى. لقد تركت من وراءك وأمامك علمًا نافعًا، سيظل ينتفع به إلى أمد بعيد تلاميذ من الدعاة والعلماء يدعون لك، فرحمة الله عليك رحمة واسعة، وجعل قبرك روضة من رياض الجنة، وفسح لك في قبرك مد البصر، وملأه عليك خيرًا ونورًا، وتقبل الله علمك وعملك.
د. أسامة عمر الأشقر