الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ * أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُور} [الحج: 61 - 66].
ثالثًا: تفسير مفردات هذه الآيات
يولج الليل في النهار ويول النهار في الليل: ينقص من طول هذا ويزيد في هذا.
العلي: ذو العلو على كلِّ شيء.
لطيف: الذي يصل إلى مراده بلطف.
كفور، أي: كثير الكفر.
رابعًا: شرح آيات هذا الموضع
عرَّفنا ربُّنا في هذه الآيات بنفسه الكريمة سبحانه، وقد بيَّن لنا سبحانه وتعالى أنَّه:
1 -
{يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِير} [الحج: 61] فالله تبارك وتعالى هو الذي يولج الليل في النهار،
وهو الذي يولج النهار في الليل، ومعناه يدخل ما انتقص من ساعات الليل في ساعات النهار، وما انتقص من ساعات النهار في ساعات الليل، فما نقص من طول هذا زاد في طول هذا، والله سبحانه وهو السميع لأقوال عباده، عليمٌ بأفعالهم.
وهذه الآية كقوله تعالى: {تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} [آل عمران: 27].
2 -
الله - سبحانه - هو الحقُّ، أي: هو المعبود الحقُّ، الذي خلق السموات والأرض بالحقِّ، وكلُّ الآلهة غيره آلهةٌ باطلة، لا تستحقُّ أن تُعبد وتدعى، والله سبحانه وتعالى هو العليُّ الكبير، أي: هو ذو العلو على كلِّ شيءٍ، وكلُّ شيءٍ دونه، وهو - سبحانه - الكبير، العظيم الذي لا أعظم منه.
3 -
{اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِير} [الحج: 63].
وعرَّفنا ربُّنا سبحانه وتعالى أنَّه وحده الذي أنزل المطر من السماء، فتصبح الأرض مخضرَّةً، وخصَّ ذكر الصباح في قوله:{فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً} لأن رؤية الخضرة بالنهار أوضح منها بالليل.
وإذا أنت مررت بأرضٍ مجدبةٍ، فأنزل الله تعالى عليها الغيث، ثمَّ مررت بها أخرى، ترى أن الله تعالى كساها ثوباً أخضر من العشب، وترى أزهارها قد
تفتقت، وثمارها قد عُقِدت، وأشجارها اخضرَّت، وعناقيدها قد تدلَّت، فيسرك مرآها، ويطيب لك المقام فيها.
وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} أي: باستخراجه النبات من الأرض بالماء الذي ينزله من السماء.
وهذه الآية كقوله تعالى: {فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [الحج: 5].
4 -
{لهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيد} [الحج: 64].
أعلمنا ربُّنا عز وجل أنَّ له السموات والأرض وما فيهما وما بينهما، فله في الأرض جبالها وسهولها، وأنهارها وعيونها، ونباتها، ودوابُّها، وترابها، وصخورها، ومعادنها، وله في السماء نجومها، وشموسها، وأقمارها، وما لا نعلمه فيها، وهو سبحانه الغنيُّ عن عباده، فلا يحتاج إلى أحدٍ من خلقه سبحانه. .
5 -
وعرَّفنا ربُّنا تبارك وتعالى أنَّه هو الذي سخَّر لنا الأنهار في جريانها، والدوابَّ في خضوعها وتذليلها، فترانا نركب الإبل، ونشرب ألبانها، ونمتطي الخيول، ونحوز الأغنام، وترى الصغير منَّا يقود الإبل والبقر والغنم والخيول والحمير، ولو لم يُسخِّرها لنا ربُّنا لما أمكننا الانتفاع بها.
وسخَّر لنا ربُّنا تبارك وتعالى البحار، نخوض غمارها بالسفن، تحملنا وتحمل أثقالنا إلى بلادٍ بعيدة، وهو سبحانه الذي وحده يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، ولو أذن الله بسقوطها على الأرض، لهلكت الحياة فوق ظهر هذه الأرض، وختم ربُّ العزَّة الآية بقوله:{إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} أي: كثير الرأفة والرحمة، لما خلق لهم في الأرض والسماء على النحو الذي ذكره سبحانه، وهذه الآية كقوله تعالى:{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: 13].
6 -
{وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ} [الحج: 66].
عرَّفنا ربُّنا عز وجل أنه أحيانا بعد موتنا، ثم يميتا عندما تنقضي آجالنا في هذه الحياة الدنيا، ثم يحيينا مرَّة أخرى يوم القيامة، وهذه الآية كقوله تعالى:{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة: 28]، وقوله:{قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ} [الجاثية: 26].