الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
همسًا: الصوت الخفيُّ الصادر عن الفم.
عنت الوجوه للحيِّ القيوم: خضعت.
القيوم: القائم بنفسه المقيم لغيره.
رابعًا: شرح هذه الآيات
عرَّفنا ربُّنا تبارك وتعالى بما يفعله يوم القيامة في عباده، وفي كونه على النحو الأتي:
1 -
إذا شاء الله تبارك وتعالى أن يبعث العباد يوم القيامة أمر إسرافيل عليه السلام أن ينفخ في الصور، والصور بوقٌ عظيمٌ، ينفخ فيه إسرافيل في المرة الأولى، فيدمر الكون، ويموت الأحياء، ثم ينفخ فيه أخرى، فيقوم الناس لربِّ العالمين {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} [طه: 102].
2 -
يحشر الله تعالى المجرمين يوم الدين زرق العيون، وزرقة العين تتشاءم العرب بها ، والمجرمون: الكفرة المشركون، {وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا} [طه: 102].
3 -
أخبر الله تعالى أن بعض الناس سألوا عما يُفعل بالجبال يوم القيامة {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا} [طه: 105 - 107]. وقد أمر الله تبارك وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يجيبهم ويخبرهم عما سيفعله بها، وأخبر سبحانه أنه سينسفها نسفًا، فيزيلها من مواضعها، ويذر مكانها قاعًا صفصفًا،
والقاع: المستوي من الأرض، فلا ترى في أرض المحشر جبلاً ولا رابيةً، ولا ترى فيها منخفضًا ولا مرتفعًا، والصفصف: الأرض الملساء التي لا نبات فيها. وقوله تعالى: {لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا} أي: لا ترى فيها منخفضًا ولا مرتفعًا.
4 -
أخبرنا ربُّنا تبارك وتعالى أنَّ الناس يوم القيامة عندما يقومون من قبورهم يتبعون الداعي {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا} [طه: 108]. والداعي الذي يتبعونه هو إسرافيل الذي يناديهم، فيسمعهم، ويسيرون وفق ما يأمرهم به، لا تسكن في ذلك اليوم، فلا تسمع إلا همسًا، والهمس: الصوت الخفيُّ الصادر عن الفم، أو الناتج عن سير الأقدام.
5 -
أخبرنا ربُّنا تبارك وتعالى أنَّ الشفاعة في يوم القيامة لا تقبل إلا ممن أذن له الرحمن ورضي له قولًا {يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا} [طه: 109] فلا يشفع أحدٌ يوم القيامة إلا من أذن الله تعالى له في الشفاعة، ورضي قوله، ولا بدَّ مع رضا الله عن الشافع أن يرضى أيضًا عن الشفاعة للمشفوع عنه، فلا يشفع عنده كافرٌ أو مشرك، ولا يُشفع في كافر أو مشرك، وإذا أذن الله في الشفاعة شفع الأنبياء والمرسلون، وشفع الصديقون والشهداء والصالحون، وهذه الآية كقوله تعالى {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ
يَاذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} [النجم: 26]، وقوله:{وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28].
6 -
أخبرنا ربُّنا تبارك وتعالى أنَّ الله تعالى يعلم ما بين أيدي عباده من الملائكة والإنس والجن، وهو ما أمامهم إلى قيام الساعة، ويعلم ما خلفهم، أي: من أمر الدنيا، ولا يحيط علمهم بالله تعالى، فهم يعلمون عن الله ما علمهم الله تعالى إيَّاه، ولكنَّ علمهم بالله قليل {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: 110].
7 -
أخبرنا العليم الحكيم سبحانه أن الوجوه يوم القيامة تعنو للحيِّ القيوم {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا} [طه: 111]. وعنوُّ الوجوه يوم القيامة للحيِّ القيوم سبحانه يعني خضوعها له، وذلَّها واستسلامها للجبَّار القهار تبارك وتعالى، والحيُّ القيوم هو الله تعالى، فحياته دائمةٌ أبديةٌ سرمديَّةٌ، ولكمال حياته سبحانه لا تأخذه سنةٌ ولا نوم، وقيُّوم: قائمٌ بنفسه، لا يحتاج إلى أحد من خلقه، وهو مقيم لغيره، وقوله تعالى:{وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا} أي: خسر وذلَّ من جاء يوم القيامة حاملاً للظلم، والمراد بالظلم هنا الشرك، كما قال لقمان لابنه:{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13].
8 -
أخبرنا الله تبارك وتعالى بالناجين يوم الدين، فقال:{وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا} [طه: 112] أخبرنا ربُّنا
- عز وجل أنَّ الذي يعمل الأعمال الصالحة في حال كونه مؤمناً فإنَّه لا يخاف يوم القيامة ظلماً ولا هضماً، والظلم أن تكثر سيئاته وتعظم من غير سبب منه، والهضم أن تنقض حسناته وتبخس.
9 -
أنزل الله آخر كتبه وهو القرآن الكريم بلسان العرب، وصرَّف فيه أنواع الوعيد لعلَّ العباد ينزحون عن الكفر والشرك والذنوب والمعاصي، ليحدث القرآن للعباد في قلوبهم ذكراً لربِّهم تبارك وتعالى {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا} [طه: 113]. امتنَّ الله تبارك وتعالى على عباده المؤمنين بإنزاله عليهم القرآن الكريم، بلسان عربيٍّ مبين، وصرَّف فيه أنواع الوعيد، فإذا لامس الوعيد قلوب العباد خافت ربَّها، واتقته، فاجتنبت المآثم والفواحش والمحارم، وأوقع في قلوبها الذكر، فاعتبرت واتعظت.
10 -
نزَّه الله تعالى نفسه عن مماثلة المخلوقات في شيءٍ من الأشياء في قوله تعالى: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} [طه: 114] وقد وصف ربُّنا عز وجل نفسه بأنَّه الملك الحقُّ سبحانه. ونهى الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم عن العجلة بقراءة القرآن عندما كان يوحى به إليه قبل أن يتم جبريل قراءته عليه {وَلَا تَعْجلَّ بِالْقُرْآَنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114]، وهذه الآية كقوله تعالى:{لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجلَّ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ * فَإِذَا قَرَانَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 16 - 19].