الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثالثًا: تفسير مفردات الآيات
كل شيءٍ خلقه، أي: ما يناسب خلقه.
القرون الأولى: الأمم السابقة.
سبلاً: طرقاً.
أزواجاً: الأزواج الأصناف المختلفة.
شتى: متنوعة.
أولو النهى: أصحاب العقول.
رابعًا: شرح هذه الآيات
سأل فرعون موسى عليه السلام أن يعرِّف له ربَّه، وهذا الموضوع يعرفه الرسلُ والأنبياء خير معرفةٍ، ولذلك انطلق لسانُ نبيِّ الله موسى في تعريفه لربِّه تبارك وتعالى.
وهكذا ينبغي أن يكون الدعاة إلى الله تعالى وأهل العلم، فلا يجوز لهم أن يتقنوا الأحكام الشرعية، فإذا أرادوا الحديث عن ربِّهم انقطعت بهم الحبال.
1 -
فرعون يسأل موسى وهارون عن ربِّهما:
بلَّغ موسى وهارون فرعون الرسالة التي أرسلهما ربُّهما بها، فسألهما فرعون قائلًا:{قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى} [طه: 49] وفرعون كان منكرًا لوجود الخالق، وكان يدَّعي أنَّه ربُّ الناس الأعلى، فقال له موسى مجيبًا:{ربُّنا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه: 50].
أي: أعطى الله كلَّ شيءٍ وجوده الذي خلقه عليه، فالله تعالى أعطى الرجل هذا الخلق الذي نشاهده، خلقه منتصب القامة، وجعل له رأسًا، وصدرًا وبطنًا، وأعطاه العينين اللتين يبصر بهما، واليدين اللتين يبطش بهما، والأذنين اللتين يسمع بهما، والقلب الذي يضخُّ الدم، وأعطاه المعدة والأمعاء والرئتين، وغير ذلك.
وخلق المرأة كذلك مع بعض الاختلاف، لتستطيع أن تقوم بالدور المناط بها، وهكذا خلق الجِمال والأبقار والأغنام والأسود والنمور والكلا ب وغيرها، كلُّ واحد خلقه وأعطاه الخلق الذي يناسبه، وأعطاه ما يحتاج إليه من الخصائص.
فعاد فرعون يسأل مرةً ثانيةً، {فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى} [طه: 51]، سأل فرعون عن حال القرون التي مضت من الخلق، {قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى} [طه: 52]، أي: أنَّ الله عالمٌ بتلك القرون، وأمرها مرصودٌ عند الله في كتاب أحصى أمرها وأخبارها؛ مع أنَّ الله لا يحتاج إلى كتابٍ، فهو لا يضلُّ، ولا ينسى، أي: لا يشذُّ عنه شيءٌ، ولا يفوته صغيرٌ ولا كبيرٌ، ولا ينسى شيئًا، هو عالم بكلِّ شيءٍ.
2 -
موسى عليه السلام يفيضُ في التعريف بالله تعالى:
سأل فرعون موسى وهارون عن ربِّهما، فأجاب موسى بأنَّ ربَّه الذي أعطى كلَّ شيء خلقه، ثمَّ هدى، ثم عاد فرعون ليسأل عن القرون الأولى، فأجاب موسى أنَّ علمها عند الله في كتاب لا يضلُّ ربُّه، ولا ينسى، ثمَّ عاد
موسى ليفيض في الحديث عن ربِّه، وهو الموضوع الرئيس الذي يتقنه موسى، ويتقنه جميع الأنبياء المرسلين، فقال:{الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى * كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى * مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه: 53 - 55].
قال موسى معرِّفاً بربه: هو الذي جعل لكم الأرض مهدًا، أي: خلقها كالمهد، وهو الفراش، وهذا كقوله تعالى:{وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ} [الذاريات: 48]. وجعل الله في الأرض سبلاً، أي: طرقاً يمرُّ بها الناس في أسفارهم، ويتنقلون عبرها في جنبات الأرض، كما قال تعالى:{وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} [الأنبياء: 31] وربنا هو الذي أنزل المطر من السماء، فأخرج به أزواجًا من نبات كلِّ شيءٍ، والأزواج: جمع زوجٍ، وهي الأصناف المختلفة في الأشكال والمقادير والمنافع والألوان والروائح والطعوم.
وقد خلق الله هذه الأزواج ليأكل الناس من ثمارها وحبوبها ونباتها، وترعى منها أنعامهم، كما قال تعالى:{فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَاكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ} [السجدة: 27].
وأخبر موسى في عرضه لهذه الآيات، أنَّ فيها آياتٍ لأصحاب العقول:{إنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى} ، وأُولو النُهى: أصحابُ العقول، وفيها تعريضٌ بفرعون أنه إن لم يهتد بها، فليس من أصحاب العقول.