الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الموضع القرآني [50]
والبدن جعلناها لكم من شعائر الله
أعلمنا ربُّنا عز وجل في الآية التالية أنَّه جعل لنا البدن من شعائر الله تعالى، فقال:{وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} [الحج: 36 - 37].
امتنَّ الله - تعالى - على عباده بالبُدن، وهي الجمال التي جعلها لهم من شعائر الله، أي: جعلها من المعالم العظيمة التي يتقربون بها إلى ربِّهم تبارك وتعالى في الأضاحي والهدي، {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [الحج: 36].
والبُدن: جمع بدنةٍ، سميت بدنةً لعظمها وضخامتها، يريد العظام الصحاح الأجسام من الإبل، ومن شعائر الله من أعلام دينه، سمِّيت شعائر، لأنه تشعر، أي: تطعن بحديدةٍ في سنامها، فيعلم أنها هدي.
وقوله: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36] أمرنا ربُّنا أن نذكر الله عليها صوافَّ، أي: ننحرها وهي صوافُّ والصوافُّ: التي علقت رجلها اليسرى، وقامت على ثلاث قوائمٍ، وقد وردت هذه الصفة عن ابن عمر رضي الله عنهما، وأخبر أنَّ النحر على هذا النحو سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فعن زياد بن جبيرٍ، قال: رأيت ابن عمر رضي الله عنهما: أتى على رجلٍ قد أناخ بدنته ينحرها، قال: ابعثها قياماً مقيَّدةً، سنَّة محمد صلى الله عليه وسلم[البخاري 1713. ومسلم: 1320].
وقد نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده في حجَّة الوداع ثلاثاً وستين ناقة، ثم أعطى عليَّاً فنحر ما غبر، وأشركه في هديه [مسلم: 1218].
وقوله: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرّ} [الحج: 36] ووجوب جنوبها موتها بعد نحرها، ووجوب جنوبها سقوطها على الأرض بعد أن كانت قائمةً، وقد أمرنا أن نأكل منها بعد سقوطها على الأرض بعد النحر، ونُطعم القانع، وهو السائل المحتاج، ونُطعم المعترَّ وهو الذي يتعرض لك من غير سؤال، وقيل: القانع المتعفف، والمعتر هو المحتاج الذي يسأل. وقوله تعالى:{لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الحج: 36]: أي: تشكروه وتثنوا عليه بما أنعم عليكم من البدن.
أخبرنا ربُّنا تبارك وتعالى أنه لا ينتفع بلحوم ودماء ما نتقرب به إليه من الأضاحي والهدي {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} [الحج: 37].
فالله سبحانه غنيٌّ عن لحوم وشحوم ما نتقرب به إليه من الإبل والبقر والغنم، والذي يريده تعالى منَّا التقوى، وذلك بتوقيره تعالى، وتعظيمه، والالتزام بشرعه كما قال عز وجل:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 56 - 58].
وقد بيَّن لنا ربُّنا سبحانه وتعالى أنه سخَّر لنا هذه البُدن بتذليله لها لنركبها ونحلبها وننحرها ذاكرين اسم الله عليها حين ننحرها، وأمر الله تعالى رسوله أن يبشر المحسنين، الذين التزموا بشرع الله تعالى، المخبتين لله، الطالبين لرضاه سبحانه.
* * *