المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌رابعا: شرح آيات هذا الموضع - الله يحدث عباده عن نفسه

[عمر سليمان الأشقر]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الموضع القرآني [1]

- ‌أولًا: تقديم

- ‌ثانيًا: الآيات التي يحدَّثنا فيها ربُّنا عن نفسه

- ‌ثالثًا: تفسير مفردات هذا الموضع

- ‌رابعًا: شرح هذا الموضع

- ‌خامساً: كيف عرَّفنا ربُّنا على نفسه في هذه الآيات

- ‌الموضع القرآني [2]الله تعالى خالقنا وخالق من قبلنا

- ‌أولًا: تقديم

- ‌ثانيًا: الآيات التي عرَّفنا فيه بنفسه في سورة البقرة

- ‌ثالثًا: تفسير المفردات في هذه الآيات

- ‌رابعًا: شرح هذه الآيات

- ‌خامساً: كيف عرَّفنا ربُّنا بنفسه في هذه الآيات

- ‌الموضع القرآني [3]تعجيبُ الله من الكفار الذين يكفرون بالله

- ‌أولًا: تقديم

- ‌ثانيًا: الآيات التي عرَّفنا الله بنفسه في سورة البقرة

- ‌ثالثًا: تفسير مفردات هذه الآيات

- ‌رابعًا: شرح الآيات التي عرَّفنا الله فيها بنفسه

- ‌خامساً: كيف عرف ربُّنا تبارك وتعالى بنفسه في هذه الآيات

- ‌الموضع القرآني [4]وقالوا اتخذ الله ولدًا سبحانه

- ‌الموضع القرآني [5]الآيات الدالة على رب العباد

- ‌أولًا: تقديم

- ‌ثانيًا: الآيات التي عرَّفنا فيها بنفسه في سورة البقرة

- ‌ثالثًا: تفسير المفردات في هذه الآيات

- ‌رابعًا: شرح الآيات التي عرَّفنا الله فيها بنفسه

- ‌خامساً: كيف عرَّفنا الله تعالى بنفسه في هذه الآيات

- ‌الموضع القرآني [6]الله تعالى قريب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه

- ‌أولًا: تقديم

- ‌ثانيًا: آيات هذا الموضع من سورة البقرة

- ‌ثالثًا: شرح الآية التي حدَّثنا الله تعالى فيه عن نفسه

- ‌رابعًا: كيف عرَّفنا ربُّنا تبارك وتعالى بنفسه في هذه الآية

- ‌الموضع القرآني [7]ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض

- ‌الموضع القرآني [8]تعريف الله تعالى بنفسه في آية الكرسي

- ‌أولًا: تقديم

- ‌ثانيًا: آية هذا الموضع الذي حدَّثنا الله عن نفسه في سورة البقرة

- ‌ثالثًا: تفسير مفردات الآية التي حدثنا فيها ربنا عن نفسه

- ‌رابعًا: شرح الآية التي عرَّفنا فيها ربُّنا بنفسه

- ‌خامساً: كيف عرَّفنا ربُّنا بنفسه في هذه الآية الكريمة

- ‌الموضع القرآني [9]الله وليُّ الذين آمنوا

- ‌الموضع القرآني [10]{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى}

- ‌أولًا: تقديم

- ‌ثانيًا: آيات هذا الموضع من سورة البقرة

- ‌ثالثًا: غريب الآيات

- ‌رابعًا: تفسير هذه الآيات

- ‌خامساً: كيف عرَّفنا ربُّنا تبارك وتعالى بنفسه في هذه الآيات

- ‌الموضع القرآني [11]حكمة الله تعالى في التشريع

- ‌أولًا: تقديم

- ‌ثانيًا: آية هذا الموضع من سورة البقرة

- ‌ثالثًا: تفسير مفردات هذه الآية

- ‌رابعًا: شرح هذه الآية التي عرَّفنا فيها ربُّنا بنفسه

- ‌خامساً: كيف عرَّفنا ربُّنا بنفسه في هذه الآية الكريمة

- ‌الموضع القرآني [12]الله تبارك وتعالى لا يخفى عليه شيءٌ في الأرض ولا في السماء

- ‌الموضع القرآني [13]شهد الله أنه لا إله إلا هو

- ‌الموضع القرآني [14]الله تعالى مالك الملك يؤتي الملك من يشاء

- ‌أولًا: تقديم

- ‌ثانيًا: آيات هذا الموضع من القرآن من سورة آل عمران

- ‌ثالثًا: تفسير آيات هذا الموضع من القرآن

- ‌رابعًا: شرح آيات هذا الموضوع من كتاب الله تعالى

- ‌خامساً: كيف عرَّفنا ربُّنا تبارك وتعالى بنفسه

- ‌الموضع القرآني [15]نصرُ الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في غزوة بدر

- ‌أولًا: تقديم

- ‌ثانيًا: أيات هذا الموضع من سورة آل عمران

- ‌ثالثًا: تفسير مفردات هذا الموضع من الآيات

- ‌رابعًا: شرح الآيات التي عرَّفنا فيها ربُّنا بنفسه

- ‌خامساً: كيف عرَّفنا ربُّنا بنفسه في هذا الموضع من الآيات

- ‌الموضع القرآني [16]لله ملك السموات والأرض

- ‌أولًا: تقديم

- ‌ثانيًا: الموضع القرآني الذي عرَّفنا فيه ربُّنا بنفسه

- ‌ثالثًا: تفسير المفردات في هذا الموضع من الآيات

- ‌رابعًا: شرح آيات هذا الموضع

- ‌خامساً: كيف عرَّفنا ربُّنا بنفسه في هذه الآيات

- ‌الموضع القرآني [17]اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة

- ‌الموضع القرآني [18]الله تعالى لا يغفر أن يشرك به

- ‌الموضع القرآني [19]جعل الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس

- ‌أولًا: تقديم

- ‌ثانيًا: آيات هذا الموضع من سورة المائدة

- ‌ثالثًا: تفسير مفردات هذا الموضع من الآيات

- ‌رابعًا: شرح هذا الموضع من الآيات

- ‌خامساً: كيف عرَّفنا ربُّنا عز وجل بنفسه في هذه الآيات

- ‌الموضع القرآني [20]الحمد لله الذي خلق السموات والأرض

- ‌أولًا: تقديم

- ‌ثانيًا: آيات هذا الموضع من سورة الأنعام

- ‌ثالثًا: تفسير مفردات هذه الآيات في هذا الموضع

- ‌رابعًا: شرح آيات هذا الموضع من سورة الأنعام

- ‌خامساً: كيف عرَّفنا ربُّنا عز وجل بنفسه

- ‌الموضع القرآني [21]الله تعالى له ما سكن في الليل والنهار

- ‌أولًا: تقديم

- ‌ثانيًا: آيات هذا النص من سورة الأنعام

- ‌ثالثًا: تفسير مفردات هذا الموضع من الآيات

- ‌رابعًا: شرح آيات هذا الموضع

- ‌خامساً: كيف عرَّفنا رب العزَّة تبارك وتعالى بنفسه

- ‌الموضع القرآني [22]الله الذي يتوفانا بالليل ويعلم ما جرحنا بالنهار

- ‌أولًا: تقديم

- ‌ثانياً: آيات هذا الموضع من سورة الأنعام

- ‌ثالثًا: تفسير مفردات هذا الموضع من الآيات

- ‌رابعًا: شرح آيات هذا الموضع

- ‌خامساً: كيف عرَّفنا ربُّنا تبارك وتعالى بنفسه في هذه الآيات

- ‌الموضع القرآني [23]إن الله فالق الحب والنوى

- ‌أولًا: تقديم

- ‌ثانيًا: آيات هذا الموضع من سورة الأنعام

- ‌ثالثًا: تفسير مفردات هذه الآيات

- ‌رابعًا: شرح آيات هذا الموضع

- ‌خامساً: كيف عرَّفنا ربُّنا تبارك وتعالى بنفسه في هذه الآيات:

- ‌الموضع القرآني [24]الله تعالى الذي أنشأ جنات وعروشات وغير معروشات

- ‌أولًا: تقديم

- ‌ثانيًا: آيات هذا الموضع من سورة الأنعام

- ‌ثالثًا: تفسير مفردات هذه الآيات

- ‌رابعًا: شرح آيات هذا الموضع

- ‌خامساً: كيف عرَّفنا ربُّنا العلي الأعلى سبحانه بنفسه

- ‌الموضع القرآني [25]تمكين الله تعالى لنا في الأرض

- ‌الموضع القرآني [26]الله تعالى الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام

- ‌أولًا: تقديم

- ‌ثانيًا: آيات هذه الموضع من سورة الأعراف

- ‌ثالثًا: تفسير مفردات هذه الآيات

- ‌رابعًا: شرح آيات هذا الموضع

- ‌خامساً: كيف عرَّفنا ربُّنا بنفسه في هذه الآيات

- ‌الموضع القرآني [27]ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها

- ‌أولًا: تقديم

- ‌ثانيًا: آيات هذا الموضع من سورة الاعراف

- ‌ثالثًا: تفسير مفردات هذه الآيات

- ‌رابعًا: شرح آيات هذا الموضع

- ‌خامساً: كيف عرَّفنا ربُّنا بنفسه في هذه الآيات:

- ‌الموضع القرآني [28]الله الذي يحيي ويميت

- ‌الموضع القرآني [29]الله الذي خلق السموات والأرض

- ‌أولًا: التقديم

- ‌ثانيًا: آيات هذا الموضع من سورة يونس

- ‌ثالثًا: تفسير مفردات هذا الموضع

- ‌رابعًا: شرح آيات هذا الموضع

- ‌خامساً: كيف عرَّفنا ربُّنا بنفسه

- ‌الموضع القرآني [30]الله تبارك وتعالى الذي يرزقنا من السماء والأرض

- ‌الموضع القرآني [31]الله تعالى الذي جعل لنا الليل لنسكن فيه

- ‌الموضع القرآني [32]أرزاق الدواب على الله تعالى

- ‌الموضع القرآني [33]الله تبارك وتعالى رفع السموات والأرض بغير عمد

- ‌أولًا: التقديم

- ‌ثانيًا: آيات هذا الموضع من سورة الرعد

- ‌ثالثًا: تفسير مفردات هذه الآيات

- ‌رابعًا: شرح آيات هذا الموضع

- ‌خامساً: كيف عرَّفنا ربُّنا بنفسه تبارك وتعالى

- ‌الموضع القرآني [34]الله يعلم ما تحمل كلَّ أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد

- ‌أولًا: تقديم

- ‌ثانيًا آيات هذا النص من سورة الرعد

- ‌ثالثًا: تفسير مفردات هذه الآيات

- ‌رابعًا: شرح هذا الموضع من الآيات

- ‌خامساً: كيف عرَّفنا ربُّنا تعالى بنفسه في هذه الآيات

- ‌الموضع القرآني [35]بعض ما سخره الله للإنسان

- ‌الموضع القرآني [36]خلق الله الإنسان من نطفة

- ‌أولًا: تقديم

- ‌ثانيًا: آيات هذا الموضع من سورة النحل

- ‌ثالثًا: تفسير مفردات هذه الآيات

- ‌رابعًا: شرح هذه الآيات

- ‌خامساً: كيف عرَّفنا ربُّنا على نفسه في هذه الآيات

- ‌الموضع القرآني [37]{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}

- ‌الموضع القرآني [38]لله يسجد ما في السموات وما في الأرض

- ‌أولًا: تقديم

- ‌ثانيًا: آيات هذا الموضع

- ‌ثالثًا: غريب الآيات

- ‌رابعًا: تفسير هذه الآيات الكريمات

- ‌خامساً: كيف عرَّفنا ربُّنا بنفسه في هذه الآيات الكريمات

- ‌الموضع القرآني [39]إيحاءُ الله تعالى إلى النحل

- ‌أولًا: تقديم

- ‌ثانيًا: آيات هذا الموضع

- ‌ثالثًا: تفسير مفردات هذه الآيات

- ‌رابعًا: تفسير آيات هذا الموضع من سورة النحل

- ‌خامساً: كيف عرَّفنا ربُّنا بنفسه في هذه الآيات:

- ‌الموضع القرآني [40]الله تبارك وتعالى أخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئاً

- ‌أولًا: تقديم

- ‌ثانيًا: آيات هذا النص من سورة النحل

- ‌ثالثًا: تفسير مفردات آيات هذا الموضع

- ‌رابعًا: شرح الآيات

- ‌خامساً: كيف عرَّفنا ربُّنا بنفسه في هذه الآيات

- ‌الموضع القرآني [41]{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى}

- ‌أولًا: تقديم

- ‌ثانيًا: آيات هذا النص من سورة الإسراء

- ‌ثالثًا: تفسير مفردات هذه الآيات

- ‌رابعًا: شرح آيات هذا الموضع

- ‌خامساً كيف عرَّفنا ربُّنا تبارك وتعالى بنفسه في هذه الآيات:

- ‌الموضع القرآني [42]قل ادعو الله أو ادعو الرحمن

- ‌الموضع القرآني [43]القرآن تنزيل من عند الله الذي خلق الأرض والسموات العلا

- ‌أولًا: تقديم

- ‌ثانياً: آيات هذا النص من سورة طه

- ‌ثالثاً: تفسير آيات هذا الموضع من سورة طه

- ‌رابعاً: شرح هذه الآيات

- ‌خامساً: كيف عرَّفنا ربُّنا عز وجل بنفسه:

- ‌الموضع القرآني [44]موسى عليه السلام يعرِّف بربِّه

- ‌أولًا: تقديم

- ‌ثانيًا: آيات هذا الموضع من سورة طه

- ‌ثالثًا: تفسير مفردات الآيات

- ‌رابعًا: شرح هذه الآيات

- ‌خامساً: كيف عرَّفنا ربُّنا - عزَّل وجلَّ - في هذه الآيات بنفسه:

- ‌الموضع القرآني [45]مشهد القيامة في القرآن

- ‌أولًا: تقديم

- ‌ثانيًا: آيات هذه الموضع من سورة طه

- ‌ثالثًا: تفسير مفردات هذه الآيات

- ‌رابعًا: شرح هذه الآيات

- ‌خامساً: كيف عرَّفنا ربُّنا عز وجل بنفسه:

- ‌الموضع القرآني [46]لم يخلق الله السموات والأرض لعبًا وباطلًا

- ‌أولًا: تقديم

- ‌ثانيًا: آيات هذا النص من سورة الأنبياء

- ‌ثالثًا: تفسير مفردات هذه الآيات

- ‌رابعًا: شرح آيات هذا الموضع

- ‌خامساً: كيف عرف ربُّنا تبارك وتعالى بنفسه في هذه الآيات

- ‌الموضع القرآني [47]كانت السموات والأرض رتقًا ففتقهما ربُّ العزَّة

- ‌أولًا: تقديم

- ‌ثانيًا: آيات هذا الموضع من سورة الأنبياء

- ‌ثالثًا: تفسير مفردات هذه الآيات

- ‌رابعًا: شرح هذه الآيات

- ‌خامساً: كيف عرَّف الله تعالى بنفسه في هذه الآيات

- ‌الموضع القرآني [48]إنا خلقناكم من تراب

- ‌الموضع القرآني [49]سجود من في السموات والأرض لله تعالى

- ‌الموضع القرآني [50]والبدن جعلناها لكم من شعائر الله

- ‌الموضع القرآني [51]الله تبارك وتعالى يولج الليل في النهار والنهار في الليل

- ‌أولًا: تقديم

- ‌ثانيًا: آيات هذا الموضع من سورة الحج

- ‌ثالثًا: تفسير مفردات هذه الآيات

- ‌رابعًا: شرح آيات هذا الموضع

- ‌خامساً: كيف عرَّفنا ربُّنا تبارك وتعالى بنفسه في هذه الآيات

الفصل: ‌رابعا: شرح آيات هذا الموضع

‌رابعًا: شرح آيات هذا الموضع

عرَّفنا ربُّنا عز وجل بنفسه في آيات هذا النص عبر النقاط التالية:

1 -

سعة علم الله تعالى وما اختصَّ الله بعلمه سبحانه:

عرَّفنا ربُّنا تبارك وتعالى ما اختصَّ بعمله دون سائر خلقه، فقال:{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} [الأنعام: 59].

ومفاتح الغيب خمسةٌ تضمَّنتها آية سورة لقمان، ففي الحديث عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مفاتح الغيب خمسٌ، ثم قرأ {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان: 34]» [البخاري: 4778]. وسيأتي بيانها بحول الله وقوَّته في سورة لقمان.

والمفاتح: جمع مفتح، وهو المفتاح، أو مخازن الغيب. والله سبحانه علمه واسعٌ لا يخفى عليه شيءٌ {وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الأنعام: 59] أي: علمه محيطٌ بجميع الكائنات برِّيِّها وبحريِّها.

فلا يخفى عليه الذَّرُّ إما. . . تَراءَى للنَّواظِرِ أو تَوَارَى

وأعلمنا ربُّنا بأنَّه لا يخفى عليه شيءٌ، ولا يغيب عنه شيءٌ فقال:{وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام: 59] أي ما تسقط من ورقةٍ في الصحاري والبراري والأمصار والقرى إلا ويعلمها الله، وانظر إلى الأرض كم فيها من أشجارٍ،

ص: 99

وكم على كلِّ شجرةٍ من أوراقٍ، وما من ورقةٍ في البراري والقفار، والحقول والحدائق والجبال تسقط إلا وعلم الله تعالى محيطٌ بها، وما ممن حبَّةٍ تندثر في تراب الأرض فتنبتُ، أو نبتةٌ تصفرُّ وتذوي وتموت إلا وعلم الله محيطٌ بها، وكلُّ ذلك مدوَّنٌ في كتابٍ مبينٍ، وهو اللوح المحفوظ.

2 -

الله تعالى يتوفانا بالليل ويعلم ما جرحنا في النهار:

أخبرنا ربُّنا تبارك وتعالى أنَّه يتوفانا بالليل، ويعلم ما جرحنا بالنَّهار، قال سبحانه:{وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَار} [الأنعام: 60] وتوفِّيه لنا في الليل، أي: بالنوم، لأنَّه يقبض سبحانه أرواحنا عن التصرف بالنوم، وهذا التوفي هو التوفي الأصغر، قال تعالى:{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجلَّ مُسَمًّى} [الزمر: 42].

وقوله تعالى: {وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَار} أي: ما كسبتموه بجوارحكم من الخير والشر. وقوله تعالى: {ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ} أي: يوقظكم في النهار من منامكم. وقوله: {لِيُقْضَى أَجلَّ مُسَمًّى} أي: ليقضي الله الأجل الذي سمَّاه لحياتكم، وذلك بالموت. وقوله:{ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ} أي: إلى الله مصيركم ومعادكم، {ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي: يخبركم في يوم الدين بما عملتموه في الحياة الدنيا، ثم يحاسبكم، ويجزيكم عمَّا عملتموه.

ص: 100

وهذا الذي تضمنته الآية وإن كان خبرًا من الله عن قدرته وعلمه إلا أنَّ فيه احتجاجًا على المشركين الذين كانوا ينكروه قدرته على إحيائهم بعد مماتهم وبعثهم بعد فنائهم، فالذي يقبض أرواحهم بالليل، ويبعثهم في النار، ليبلغوا أجلاً مسمَّى، قادرٌ على إحيائهم بعد الموت [الطبري: 4/ 3202].

3 -

الله هو القاهر فوق عباده:

أعلمنا ربُّنا عز وجل أنَّه القاهر فوق عباده {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام: 61] أي: هو الغالب خلقه، العالي عليهم بذاته وقدرته، {وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً} [الأنعام: 61]. والحفظة الذين يرسلهم الله علينا الملائكة الذين يحفظون أجسادنا وأعمالنا، قال السُّدي في الحفظة:«هي المعقِّبات من الملائكة، يحفظونه، ويحفظون عمله» [الطبري: 4/ 3204].

وقد ذكر الله تعالى الملائكة الذين يحفظون العباد في قوله: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد: 11]. وفي قوله: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ} [الانفطار: 10 - 11] وفي قوله: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 17 - 18].

«وقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [الأنعام: 61] أي: إذا احتضر وَحانَ أجلُهُ {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} أي: ملائكةٌ موكلون بذلك، قال ابن عباس وغير واحدٍ: لملك الموت أعوانٌ من الملائكة، يخرجون الروح من الجسد، فيقبضها ملك الموت إذا انتهت إلى الحلقوم {وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ} أي: في حفظ روح

ص: 101

الموتى، بل يحفظونها، وينزلونها حيث شاء الله عز وجل إن كان من الأبرار ففي عليين، وإن كان من الفجَّار ففي سجِّين عياذًا بالله من ذلك» [ابن كثير: 3/ 29].

وقوله تعالى: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام: 62]. أي: ردَّ الله الخلائق من الملائكة والجنِّ والإنس بالموت إليه، فالله مولاهم الذي يملكهم ويتولى أمورهم سبحانه، وهو أسرع الحاسبين، فيحكم فيهم - سبحانه - بعدله.

4 -

الله - تعالى - الذي ينجي عباده من ظلمات البر والبحر:

أمر الله - تعالى - رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين سائلًا إياهم عن الذي ينجيهم من ظلمات البرِّ والبحر إذا أحاطت بهم {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الأنعام: 63].

والمراد بالظلمات في الآية الشدائد والأهوال والكربات التي تحيق بالإنسان في البرِّ والبحر، والعرب تقول: عامٌ أسود، ويومٌ مظلمٌ، وقد اعتاد الإنسان حتى لو كان مشركًا إذا أحاطت به ظلمات البرِّ والبحر أن يدعو ربَّه تضرُّعًا وخفية، أي: يدعوه مظهرًا الضَّراعة، وهي شدَّة الفقر والحاجة إلى ربِّه، ويدعوه خفيةً، أي: سرّاً، وأعلمنا ربُّنا أنَّه يقول في مناجاته ربَّه {لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} .

ص: 102

والإنسان عندما تحيط به المصائب العظام والكوارث التي لا يستطيع لها دفعًا يتوجَّه إلى ربه مخلصًا له الدين، لأنَّه في حالة الاضطرار يعلم أنه لا ملجأ من الله إلا إليه، وأنَّه لا ينجيه مما حلَّ به إلا الحيُّ القيوم، {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [يونس: 22 - 23].

وقد تحدَّث بعض ركَّاب الطائرات عن حال الركاب عندما وقع خللٌ في طائرتهم، وهي تطير بهم في الفضاء، وتكاد تسقط بهم، وبيَّن كيف تضرَّعوا إلى ربِّهم مخلصين له الدين، لا فرق بين الفاسق والعالم بالله.

وأخبرنا ربُّنا - سبحانه - أنه وحده القادر على إنجاء عباده من الكوارث والكروب التي تحيط بهم، ولكنَّ هؤلاء بعد أن ينجيهم ربُّهم مما أصابهم يعودون إلى شركهم وكفرهم {قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ} [الأنعام: 64].

5 -

الله تعالى قادر على أن يأخذ عباده بعذابٍ يحيط بهم:

أمر الله - تعالى - رسوله صلى الله عليه وسلم أن يخوِّف الناس عذابه وانتقامه {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجلَّكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَاسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} [الأنعام: 65].

ص: 103

والعذاب الذي تهدَّد الله به عباده قد يكون آتيًا من فوقهم كعذاب قوم لوط، وعذاب أصحاب الفيل، وقد يكون بالصيحة أو الغرق أو الريح أو الحجارة، وقد يكون من تحتهم كالخسف والزلازل، وقد يكون بتسليط بعضهم على بعضٍ.

قال الربيع بن أنسٍ: «{أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا} يعني: يبث فيكم الأهواء المختلفة، فتصيرون فرقاً، يقاتل بعضكم بعضاً، ويخالف بعضكم بعضاً» [التفسير البسيط: 8/ 204].

ومن يقرأ التاريخ بعد عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى اليوم يجد سجلاً حافلاً بما أصاب البشرية من خسفٍ وزلازل وبراكين وصواعق، وما ثار بين الناس من حروبٍ ذاق فيها بعضهم بأس بعضٍ، وقد وقع في هذه الأيام التي أكتب فيها تفسير هذه الآية [يوم الجمعة، الثامن من ربيع الأول عام 1432 هـ الذي يوافقه الحادي عشر من شباط (مارس) 2011] زلزالٌ عظيم في اليابان، لم تصب بمثله تلك الديار منذ مائة وخمسين عاماً، وقد امتدَّت آثاره إلى دول كثيرة مجاورةٍ، وارتفعت أمواج البحر في بعض مدن اليابان إلى عشرة أمتار، ودخلت مياه البحر إلى العمران، وسقط ألوف القتلى، وانهارت العمارات، وخربت الأسواق، وثارت الحرائق، وأصبحت بعض المحطات الكهربائية النووية في خطر.

وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته أن لا يصيبها بالعذاب، فأعطاه اثنتين، ومنعه واحدة، ففي صحيح مسلم عن عامر بن سعد، عن أبيه، أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم أقبل ذات يومٍ من العالية، حتى إذا مرَّ بمسجد بني معاوية، دخل فركع فيه

ص: 104

ركعتين، وصلَّينا معه، ودعا ربَّه طويلًا، ثم انصرف إلينا، فقال:«سألت ربي ثلاثًا، فأعطاني ثنتين، ومنعني واحدةً، سألت ربِّي أن لا يهلك أمَّتي بالسَّنة، فأعطانيها، وسألته أن لا يهلك أمَّتي بالغرق فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم، فمنعنيها» [مسلم: 2890].

والذي أعطاه الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أن لا يهلك أمَّته بعذاب عامٍّ أو بغرقٍ عامٍّ، أما أن يعذب طائفةً منهم بالعذاب، أو يهلك بعضهم بالغرق، فهذا قد وقع، ولا يزال مستمراً.

وعن ثوبان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإنَّ أمَّتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض، وإنِّي سألت ربِّي لأمَّتي أن لا يهلكها بسنةٍ عامَّةٍ، وأن لا يسلط عليهم عدوًا من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم، وإنَّ ربِّي قال: يا محمد! إنِّي إذا قضيت قضاءً فإنَّه لا يردُّ، وإنِّي أعطيتك لأمَّتك أن لا أهلكهم بسنةٍ عامَّةٍ، وأن لا أسلِّط عليهم عدوًا من سوى أنفسهم، يستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها - أو قال: من بين أقطارها - حتى يكون بعضهم يهلك بعضًا، ويسبي بعضهم بعضًا» [مسلم: 2889].

وعن جابر بن عبد الله قال: لما نزلت هذه الآية: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} [الأنعام: 65] قال النبي صلى الله عليه وسلم «أعوذ بوجهك» . فقال: {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجلَّكُمْ} فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أعوذ بوجهك» قال: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا} قال النبي صلى الله عليه وسلم: «هذا أيسر» [البخاري: 7406. وانظر الحديث رقم 4628].

ص: 105