الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الموضع القرآني [31]
الله تعالى الذي جعل لنا الليل لنسكن فيه
عرَّفنا ربُّنا تبارك وتعالى بنفسه في آيات هذا النصِّ، فقال سبحانه:{أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (66) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (67) قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [يونس: 66 - 68].
قرَّر ربُّ العزَّة تبارك وتعالى أنَّ {لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا
الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} [يونس: 66] أي: له السموات والأرض ومن فيهما، ومن ذلك ما يزعم الكفار أنَّهم يعبدونه، من الشمس والقمر والنجوم والأصنام والأوثان، فكلُّها مخلوقةٌ مربوبةٌ لله رب العالمين، ولذلك فإنَّ المشركين لا يدعون على الحقيقة آلهةً من دون الله تعالى {وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ} وإنَّما يتبعون الظنَّ، فالشمس ليست في الحقيقة إلهاً، واللات ليست في الحقيقة إلهاً، والعزَّى ليست إلهاً، ومناة ليست إلهاً، ولكنَّها في الحقيقة حجارةٌ أو أشجارٌ، أو صورةٌ لمخلوقاتٍ، لا تضرُّ ولا تنفع، وقوله تعالى:{وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} أي: يكذبون.
وعرَّفنا ربُّنا عز وجل أنه {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} [يونس: 67].
جعل الله الليل لعباده ليسكنوا فيه، أي: يستريحون فيه مما عانوه في النهار من تعبٍ ونصبٍ وإعياء، قال القرطبي:«{وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا} أي: مضيئاً، لتهتدوا به في حوائجكم، والمُبصر الذي يُبصر، والنهار يُبصر فيه، وقال قطرب: يقال: أظلم الليل، أي: صار ذا ظلمة، وأضاء النهار وأبصر، أي: صار ذا ضياءٍ وبصرٍ، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ} أي: علاماتٍ ودلالاتٍ، {لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} أي: سماع اعتبارٍ» [تفسير القرطبي: 4/ 659].
أكذب الله - تعالى - المشركين في نسبتهم الولد إلى ربِّ العزَّة سبحانه، فقال: {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا
فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [يونس: 68].
أخبرنا ربُّنا تبارك وتعالى أنَّ الكفرة المشركين زعموا كاذبين أنَّ الله تعالى اتخذ ولداً، فاليهود قالوا: عزيرٌ ابن الله، والنصارى قالوا: المسيح ابن الله، وعرب الجاهلية، قالوا: الملائكة بنات الله، وقد نزَّه ربُّ العزة نفسه عن الولد بقوله:{سُبْحَانَهُ} وقوله تعالى: {هُوَ الْغَنِيّ} أي: هو الغنيُّ عن الولد، {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} أي: له كلُّ ما في السموات والأرض فإنَّه مملوكٌ، خاضعٌ له، يسبِّح له، ويدعوه وحده، فأنَّى يكون له ولدٌ سبحانه.
وقوله تعالى: {إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا} أي: هل عندكم من دليلٍ وحجَّةٍ وبرهانٍ يدلُّ على أنَّ العزير أو عيسى أو الملائكة أولاد الله تعالى، إنَّ دعواهم دعوى باطلةٌ، لا تقوم على دليلٍ، ولا حجَّةٍ ولا برهانٍ، ولذلك فإنَّ قولهم قولٌ قائمٌ على الجهل {أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} .
وهؤلاء الجهلة الضالُّون الذين يفترون على الله الكذب بنسبتهم الولد إلى الله تعالى لا يفلحون، ولا يفوزون {قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} [يونس: 69]. وقد أعلمنا ربُّنا سبحانه وتعالى أنَّه سيمتِّع هؤلاء الذين افتروا عليه الكذب متاعاً قليلاً في هذه الحياة، ثم يقبض أرواحهم، ويصيرون إليه، ثم يذيقهم العذاب الشديد بسبب كفرهم وضلالهم {مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ} [يونس: 70].
* * *