الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيًا: آيات هذا الموضع من سورة الأنعام
ثالثًا: تفسير مفردات هذه الآيات في هذا الموضع
جعل الظلمات والنور: ظلمات الليل ونور النهار.
يعدلون: أي يسوُّون آلهتهم الباطلة المفتراة بالله ربِّ العالمين.
من طين: خلقنا من طينٍ بخلق أبينا آدم عليه السلام.
قضى أجلاً وأجلٌ مسمَّى عنده: الأجل الأولُ يتحقق بموت الواحد منَّا في هذه الحياة الدنيا، والأجل الثاني يتحقق عندما يبعثنا الله تعالى يوم القيامة.
تمترون: تشكّون.
تكسبون، أي: ما تعملون من خير أو شرٍّ.
رابعًا: شرح آيات هذا الموضع من سورة الأنعام
عرَّفنا ربُّنا تبارك وتعالى في هذه الآيات البينات بنفسه عبر ثلاث نقاط:
1 -
الحمد لله خالق السموات والأرض وجاعل الظلمات والنور:
حمد العليُّ الأعلى تبارك وتعالى نفسه على خلقه السموات والأرض، وجعله الظلمات والنور، والسموات والأرض مخلوقان عظيمان، والأرض
موطننا الذي نعيش فيه، وقد جعل الله تعالى فيها الآيات البينات والحجج الظاهرات، ففيها الجبال والسهول والأنهار والبحار، وجعل الله فيها الحيوان والطيور والنبات، والسماء مخلوقٌ أعظم من الأرض، ونحن نشاهد شمسها وقمرها ونجومها، وحدَّثنا ربُّنا أنها سبعٌ، وهي مسكن الملائكة، {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام: 1].
وذهب أكثر المفسرين إلى أن المراد بالظلمات ظلمات الليل، والمراد بالنور نور النهار.
وقد ذمَّ الله تبارك وتعالى في خاتمة الآية الأولى الكفار بكونهم يعدلون أصنامهم وأوثانهم وآلهتهم بالله ربِّ العالمين، {الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} . وهؤلاء الكفرة ضالُّون جاهلون إذ يسوُّون آلهتهم المخلوقة المربوبة الآفلة الضعيفة بالله ربِّ العالمين الذي خلق السموات والأرضين، وجعل الظلمات والنور، ومعنى {يَعْدِلُونَ} أي: يسوُّون آلهتهم بالله تعالى.
وقد نبهنا الإمام مجاهدٌ رحمه الله تعالى إلى أنَّ الآية الأولى من سورة الأنعام تردٌّ على ثلاثة أديانٍ، فقد أخرج أبو الشيخ من طرق عن مجاهد، قال:«في هذه الآية ردٌّ على ثلاثة أديان: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} فيها ردٌّ على الدهرية، {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّور} ردٌّ على المجوس الذين زعموا أنَّ النور والظلمة هما المدبِّران {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} فيه ردٌّ على مشركي العرب ومن دعا من دون الله إلهًا» [الإكليل، للسيوطي: ص 117].
2 -
خلقنا ربُّنا تبارك وتعالى من طين:
بعد أن أخبرنا تبارك وتعالى بأنَّه وحده الذي خلق السموات والأرض، وجعل الظلمات والنور، أتبع ذلك بإخبارنا بالأصل الذي منه خلقنا، فالله خلقنا بخلق أبينا آدم عليه السلام من طينٍ {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ} [الأنعام: 2].
وقد أخبرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه عنه أبو موسى الأشعريُّ قال: «إنَّ الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فجاء منهم الأحمر، والأبيض، والأسود، وبين ذلك، والسَّهل، والحزن، والخبيث، والطيب» [صحيح سنن الترمذي: 2355. وأخرجه الألباني في المشكاة: 100، وسلسلة الصحيحة: 1630].
وإذا علمنا أنَّ الله خلقنا من طينٍ، فإنَّه يجب علينا أن نعبد الله ونوحده ونثني عليه، ونمجِّده سبحانه على ما أنعم به علينا في خلقه السموات والأرض، وخلقنا من طينٍ، وقوله تعالى:{ثُمَّ قَضَى أَجلَّا وَأَجلَّ مُسَمًّى عِنْدَهُ} [الأنعام: 2] فالأجلُ الأول يتحقق بموت الواحد منا في الحياة الدنيا، أو يكون بموت الجميع عندما تقوم السَّاعة، والأجلُ الثاني يتحقق بالبعث والنشور، وقيام النَّاس لله ربِّ العالمين.
وقوله: {وَأَجلَّ مُسَمًّى عِنْدَهُ} أي: مخفيٌّ عنده، لا يطلع عليه نبيًا مرسلًا، ولا ملكاً مُقرَّباً، فإنَّ الله تعالى قال في السَّاعة:{إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجلَّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} [الأعراف: 187] وقال سبحانه: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا} [النازعات: 42 - 44].