الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رابعًا: شرح آيات هذا الموضع
عرَّفنا ربُّنا عز وجل بنفسه في هذه الآيات الثلاث ببيان ما يأتي:
1 -
الله - تعالى - له الأسماء الحسنى:
عرَّفنا ربُّنا عز وجل أنَّ له الأسماء الحسنى {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الأعراف: 180]. والحسنى: تأنيث الأحسن، وهي صيغة تفضيلٍ، وأسماء الله تعالى أحسن شيءٍ، وهي أفضل من كلِّ شيءٍ في الحسن والجمال، وأسماء الله تدلُّ على صفات كماله وجلاله تبارك وتعالى.
وأسماء الله التي أنزلها ربُّنا في كتابه وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم تسعةٌ وتسعون اسماً، فعن أبي هريرة رضي الله عنه ، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إنَّ لله تسعةً وتسعين اسماً، مائةً إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنَّة» [البخاري: 2736. مسلم: 2677].
وفي رواية: «لله تسعةٌ وتسعون اسماً من حفظها دخل الجنَّة، وإن الله وترٌ يحبُّ الوتر» [البخاري: 6410. مسلم: 2677، واللفظ لمسلم].
وأسماء الله - تعالى - التي علَّمها بعض خلقه، أو استأثر بها في علم الغيب عنده أكثر من ذلك، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما أصاب أحداً قطُّ همٌّ ولا حزنٌ فقال: اللهمَّ، إنِّي عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك، عدلٌ فيَّ قضاؤك، أسألك بكلِّ اسمٍ سمَّيت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علَّمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همِّي - إلا أذهب الله همَّه وحزنه، وأبدله مكانه
فرحاً، فقيل: يا رسول الله، أفلا نتعلَّمها؟ فقال:«بلي، ينبغي لمن سمعها أن يتعلَّمها» [قال محقق تفسير ابن كثير: جيد. أخرجه أحمد (2/ 391 و452) وأبو يعلى (5297) والحاكم (1/ 509) وابن حبان (972) من طرق عن فضيل بن مرزوق به، وإسناده صحيح].
وقوله تعالى: {فادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180] أي: فادعوه بهذه الأسماء، فيدعو المرء بالأسماء التي تناسب حاله، فيقول: يا الله، يا رحمن، يا رحيم، يا أحد، يا فرد، يا صمد، يا قويُّ، ولا يدعو الله بغير أسمائه، فلا يقول: يا سخيُّ، يا شيء، يا فاهم، يا جلد.
وقوله تعالى: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 180]، وقوله {وَذَرُوا} معناه: اتركوا، وصيغة الأمر هنا للتهديد، وأصل اللَّحد: الميل عن القصد والجور عنه.
والذين يلحدون في أسماء تعالى الذين يميلون فيها عن الحقِّ، فمن أسماء الله تعالى: الواحد، {إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ} [الصافات: 4]. وقد ألحد المشركون في هذا الاسم: فقالوا: {أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص: 5].
ومن إلحادهم اشتقاقهم اسم اللات لصنم من أصنامهم من اسم: الله، واشتقاقهم العُزَّى من اسم العزيز، واشتقاقهم مناة من المنان.
وقوله: {سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي: سيجزيهم ربُّ العزة تبارك وتعالى يوم القيامة جزاء ما كانوا يعملونه في الدنيا، ويدخل في ذلك إلحادهم في أسمائه.
2 -
لا يعلم وقت وقوع الساعة إلا الله تعالى:
سأل كفار قريشٍ رسولنا صلى الله عليه وسلم عن الوقت الذي تقع فيه الساعة، فأمر الله تعالى رسوله أن يخبر النَّاس أنَّه لا يعلم وقت وقوعها إلا الله سبحانه:
والساعة التي سأل كفار قريشٍ الرسول عن وقت وقوعها هي يوم القيامة، والساعة في الأصل تطلق على كلِّ وقتٍ من الزَّمن، وغلب إطلاقها على يوم القيامة، وكان كفار قريشٍ يسألون عنها إنكاراً لها، كما قال تعالى:{يَسْتَعْجلَّ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا} [الشورى: 18]، وقال:{وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الملك: 25] وقوله: {أَيَّانَ مُرْسَاهَا} أي: متى يكون وقوعها.
وقد أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول للسائلين {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجلَّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} [الأعراف: 187]. أي: قل لهم: إنَّما علمها عند الله، و {إِنَّمَا} أداة حصرٍ، أي: علمها عند الله، فلا يعلمها لا ملكٌ مقربٌ، ولا نبيٌّ مرسلٌ، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم لجبريل عندما جاءه وهو في جمع من الصحابة، فسأله عن الإيمان والإسلام والإحسان، ثم سأله عن الساعة، قال في الجواب:«ما المسئول عنها بأعلم من السائل» فالمسئول وهو أفضل الأنبياء والرسل لا
يعلم متى تقع والسائل وهو جبريل وهو أفضل الملائكة لا يعلم أيضًا متى تكون، وقوله:{لَا يُجلَّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} أي: لا يوجدها ويظهرها في وقتها أحدٌ غيره وقوله تعالى: {ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف: 187]. أي: عظمت على أهل السموات والأرض، لأنَّ ما فيها من الأهوال لا تطيقه السموات والأرض، ولا أحد ممن فيهما، فمن ذلك انشقاق السماء ، وانتشار النجوم، وتكوير الشمس، وتسيير الجبال.
وقوله تعالي: {لَا تَاتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً} [الأعراف: 187] أي: لا تقوم الساعة على الناس إلا فجأةً، وقد أخبرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم أنَّ الساعة تقوم والناس في أعمالهم وأشغالهم، فتأخذهم من غير إمهال، فعن أبي هريرة رضي الله عنه ، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«لا تقوم الساعة حتَّى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت فرآها الناس آمنوا أجمعون، فذلك حين {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام: 158] ولتقومنَّ الساعة وقد نشر الرَّجلان ثوبهما بينهما، فلا يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقومنَّ الساعة وقد انصرف الرَّجل بلبن لقحته فلا يطعمه، ولتقومنَّ الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه، ولتقومنَّ الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها» [البخاري: 6506. مسلم: 2954. واللفظ للبخاري].
وقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا} [الأعراف: 187] أي: يسألونك عن الساعة، كأنَّك استحفيت عنها، أي: علمت وقتها، أو كأنَّك عالم بها، قد عرفت بها، واستقصيت أخبارها.
وقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 187] ، أمر الله تعالى عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم أن يقول للنَّاس السائلين عن وقت الساعة مؤكِّداً ما سبق أن أخبرهم به أنَّ علم وقت الساعة استأثر الله بعلمه، كما قال ربُّ العزَّة:{يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ} [الأحزاب: 63].
ولذا فإنَّ الذين حدَّدوا وقتاً لوقوعها من أهل العلم خالفوا الآيات والأحاديث الصحيحة المبيِّنة أنَّ وقت الساعة أمره إلى الله عز وجل، لا يعلمه غيره.
3 -
خلق الله تعالى الناس جميعاً من آدم، وخلق من آدم زوجه حواء:
أعلمنا ربُّنا تبارك وتعالى أنَّه خلقنا من نفس واحدة، وجعل من هذه النفس الواحدة زوجها، ليسكن إليها {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الأعراف: 189]. والنفس الواحدة التي خلق الناس جميعا منها آدم عليه السلام، والزوج الذي جعله الله من آدم حواء، ومعنى:{وَجَعَلَ} خلق. وقوله: {لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} أي: ليسكن الرجل إلى زوجته، ويطمئنَّ إليها، كما قال تعالى:{وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21].
وقد جعل الله - تعالى - من هذين الزوجين: آدم وحواء الرجال والنساء جميعاً {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} [النساء: 1].