الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طِيبًا
وَ
الشَّهِيدُ لَا يُغَسَّلُ
إِلَّا أَنْ يَكُونَ جُنُبًا، بَلْ يُنْزَعُ عَنْهُ السِّلَاحُ والجلود،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
بَعْدَهَا، وَفِي الثَّانِيَةِ وَجْهٌ: أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنَ الطِّيبِ وَلُبْسِ الْمَخِيطِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ حِلٌّ بِهَا، هَذَا كُلُّهُ إِذَا كَانَ رَجُلًا، فَإِنْ كَانَتِ امْرَأَةً فَحُكْمُهَا بَعْدَ الْمَوْتِ حُكْمُهَا فِي الْحَيَاةِ، لَا تُمْنَعُ مِنْ لُبْسِ الْمَخِيطِ، وَيُغَطَّى رَأْسُهَا لَا وَجْهُهَا.
فَرْعٌ: لَا تُمْنَعُ الْمُعْتَدَّةُ لِلْوَفَاةِ مِنَ الطِّيبِ فِي الْأَصَحِّ.
[الشَّهِيدُ لَا يُغَسَّلُ]
(وَالشَّهِيدُ) وَهُوَ مَنْ قُتِلَ بِأَيْدِي الْكُفَّارِ فِي مَعْرَكَتِهِمْ (لَا يُغَسَّلُ) لِمَا رَوَى جَابِرٌ «أَنَّ النَّبِيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ أَمَرَ بِدَفْنِ قَتْلَى أُحُدٍ فِي دِمَائِهِمْ، وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلِأَحْمَدَ مَعْنَاهُ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْفُرُوعِ "، وَجَزَمَ أَبُو الْمَعَالِي بِتَحْرِيمِهِ، وَحُكِيَ رِوَايَةً؛ لِأَنَّهُ أَثَرُ الشَّهَادَةِ وَالْعِبَادَةِ وَهُوَ حَيٌّ. (إِلَّا أَنْ يَكُونَ جُنُبًا) فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ «أَنَّ النَّبِيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قَالَ: إِنَّ صَاحِبَكُمْ لَتُغَسِّلَهُ الْمَلَائِكَةُ، يَعْنِي حَنْظَلَةَ، قَالُوا لِأَهْلِهِ: مَا شَأْنُهُ؟ فَقَالَتْ: خَرَجَ وَهُوَ جُنُبٌ حِينَ سَمِعَ الْهَائِعَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ: لِذَلِكَ غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ» وَفِي " الْكَافِي " أَنَّهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَلِأَنَّهُ غُسْلٌ وَاجِبٌ لِغَيْرِ الْمَوْتِ، فَلَمْ يَسْقُطْ كَغُسْلِ النَّجَاسَةِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يَجِبُ لِلْعُمُومِ، وَمِثْلُهُ حَائِضٌ وَنُفَسَاءُ طَهُرَتَا أَوَّ لًا، وَعَلَى الْوُجُوبِ: لَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ حَدَثٌ أَصْغَرُ، فَهَلْ يَوَضَّأُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا أَسْلَمَ ثُمَّ اسْتُشْهِدَ أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ لِلْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ أَصْرَمَ بْنَ عَبْدِ الْأَشْهَلَ أَسْلَمَ يَوْمَ أُحُدٍ ثُمَّ قُتِلَ فَلَمْ يَأْمُرْ بِغُسْلِهِ، وَقِيلَ: يَجِبُ، قَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ "؛ وَهُوَ ظَاهِرُ " الْوَجِيزِ " لِقَوْلِهِ: وَلَا يُغَسَّلُ شَهِيدٌ إِلَّا لِمُوجِبِهِ (بَلْ يُنْزَعُ عَنْهُ) أَيْ: عَنِ الشَّهِيدِ لَأْمَةُ الْحَرْبِ مِنْ (السِّلَاحِ وَالْجُلُودِ) لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ أَمَرَ يَوْمَ أُحُدٍ بِالشُّهَدَاءِ أَنْ يُنْزَعَ عَنْهُمُ الْحَدِيدُ وَالْجُلُودُ، وَقَالَ: ادْفِنُوهُمْ بِدِمَائِهِمْ وثيابهم» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَفِيهِ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، وَفِيهِ ضَعْفٌ، وَكَذَا يُنْزَعُ عَنْهُ خُفٌّ وَفَرْوٌ، نَصَّ
وَيُزَمَّلُ فِي ثِيَابِهِ. وَإِنْ أَحَبَّ كَفَّنَهُ بِغَيْرِهَا، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَإِنْ سَقَطَ مِنْ دَابَّتِهِ أَوْ وُجِدَ مَيِّتًا، وَلَا أَثَرَ بِهِ أَوْ حُمِلَ، فَأَكَلَ أَوْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
عَلَيْهِ، وَتُغْسَلُ نَجَاسَةٌ عَلَيْهِ، وَيَجِبُ بَقَاءُ دَمٍ لَا تُخَالِطُهُ نَجَاسَةٌ، فَإِنْ خَالَطَتْهُ، غُسِلَا فِي الْأَصَحِّ (وَيُزَمَّلُ) أَيْ: يُلَفُّ (فِي ثِيَابِهِ) وَيُدْفَنُ فِيهَا، لِمَا رَوَى أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ: زَمِّلُوهُمْ فِي ثِيَابِهِمْ» وَالْمَنْصُوصُ عَنْهُ؛ وَهُوَ الْمَذْهَبُ: أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّهُ أَثَرُ الْعِبَادَةِ، فَعَلَيْهِ لَا يُزَادُ وَلَا يُنْقَصُ بِحَسَبِ الْمَسْنُونِ، وَيُرَدُّ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ لَابِسًا الْحَرِيرَ، وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي تَخْرِيجِهِ: لَا بَأْسَ بِهِمَا (وَإِنْ أَحَبَّ كَفَّنَهُ) الْوَلِي (بِغَيْرِهَا) تَبِعَ الْقَاضِيَ فِي " الْمُجَرَّدِ "، وَحَكَاهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " قَوْلًا، وَنَسَبَهُ الزَّرْكَشِيُّ إِلَى الشُّذُوذِ، لِمَا رُوِيَ «أَنَّ صَفِيَّةَ أَرْسَلَتْ إِلَى النَّبِيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثَوْبَيْنِ لِيُكَفِّنَ فِيهِمَا حَمْزَةَ، فَكَفَّنَهُ فِي أَحَدِهِمَا، وَكَفَّنَ فِي الْآخَرِ رَجُلًا آخَرَ» رَوَاهُ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ، وَقَالَ: هُوَ صَالِحُ الْإِسْنَادِ، وَأَجَابَ فِي " الْخِلَافِ " بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ ثِيَابَهُ سُلِبَتْ، أَوْ أَنَّهُمَا ضُمَّا إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَقَدْ رَوَي فِي الْمُعْتَمَدِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ (وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِلْأَخْبَارِ، وَهَلْ ذَلِكَ لِكَوْنِهِمْ أَحْيَاءً عِنْدَ رَبِّهِمْ، أَوْ لِغِنَاهُمْ عَنِ الشَّفَاعَةِ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ، وَالثَّانِيَةُ: يُصَلَّى عَلَيْهِ، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَأَبُو بَكْرٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ «لِصَلَاتِهِ ـ عليه السلام ـ عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِشُهَدَاءِ أُحُدٍ بِدَلِيلِ «أَنَّهُ صَلَّى عَلَيْهِمْ بَعْدَ ثَمَانِ سِنِينَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. تَوْدِيعًا لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ، وَالثَّالِثَةُ: يُخَيَّرُ لِتَعَارُضِ الْأَخْبَارِ، فَيُخَيَّرُ، كَرَفْعِ الْيَدَيْنِ إِلَى الْأُذُنَيْنِ أَوْ إِلَى الْمِنْكَبَيْنِ، وَحُكِيَ عَنْهُ التَّحْرِيمُ.
(وَإِنْ سَقَطَ مِنْ دَابَّتِهِ أَوْ وُجِدَ مَيِّتًا وَلَا أَثَرَ بِهِ، أَوْ حُمِلَ) بَعْدَ جُرْحِهِ (فَأَكَلَ، أَوْ طَالَ بَقَاؤُهُ، غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ) وَفِيهِ أُمُورٌ.
طَالَ بَقَاؤُهُ، غُسِّلَ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ. وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَهَلْ يُلْحَقُ بِالشَّهِيدِ؟ عَلَى
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
أَحَدُهَا: أَنَّهُ إِذَا سَقَطَ فِي الْمَعْرَكَةِ مِنْ دَابَّةٍ أَوْ شَاهِقٍ أَوْ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ فَمَاتَ فِيهَا أَنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ، أَشْبَهَ مَا لَوْ مَاتَ بِغَيْرِ قَتْلِ الْمُشْرِكِينَ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ فِعْلِ الْعَدُوِّ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ بِفِعْلِهِمْ فَلَا.
الثَّانِي: إِذَا وُجِدَ مَيِّتًا، وَلَا أَثَرَ به، فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ، فَلَا يَسْقُطُ بِالِاحْتِمَالِ، وَعَنْهُ: لَا؛ لِأَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْقِتَالِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ بِهِ أَثَرٌ فَإِنَّهُ لَا يُغَسَّلُ، زَادَ أَبُو الْمَعَالِي: لَا دَمَ مِنْ أَنْفِهِ أَوْ دُبُرِهِ أَوْ ذَكَرِهِ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ.
قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: اعْتَبَرْنَا الْأَثَرَ هُنَا احْتِيَاطًا لِلْغُسْلِ، وَلَمْ نَعْتَبِرْهُ فِي الْقَسَامَةِ احْتِيَاطًا، لِوُجُوبِ الدَّمِ، فَإِنْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ غُسِّلَ، كَمَنْ رُدَّ عَلَيْهِ سَهْمُهُ فَقَتَلَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَنَصَرَ الْمُؤَلِّفُ أَنَّهُ كَقَتْلِ الْكُفَّارِ؛ لِأَنَّ عَامِرَ بْنَ الْأَكْوَعِ بَارَزَ رَجُلًا يَوْمَ خَيْبَرَ فَعَادَ عَلَيْهِ سَيْفُهُ فَقَتَلَهُ، فَلَمْ يُفْرَدْ عَنِ الشُّهَدَاءِ بِحُكْمٍ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ إِذَا حُمِلَ بَعْدَ جُرْحِهِ فَأَكَلَ، أَنَّهُ يُغَسَّلُ «لِتَغْسِيلِهِ ـ عليه السلام ـ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ» ، وَلِأَنَّ الْأَكْلَ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ ذِي حَيَاةٍ مُسْتَقِرَّةٍ، وَظَاهِرُهُ: إِذَا شَرِبَ أَوْ تَكَلَّمَ أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، صَحَّحَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَابْنُ تَمِيمٍ؛ لِأَنَّهُ ـ عليه السلام ـ لَمْ يُغَسِّلْ سَعْدَ بْنَ الرَّبِيعِ، وَأَصْرَمَ بْنَ عَبْدِ الْأَشْهَلِ، وَقَدْ تَكَلَّمَا وَمَاتَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ، وَلَكِنْ قَدَّمَ السَّامِرِيُّ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْمَجْدُ وَالْجَدُّ أَنَّ مَنْ شَرِبَ أَوْ نَامَ أَوْ بَالَ كَمَنْ أَكَلَ، زَادَ جَمَاعَةٌ: أَوْ عَطَسَ.
الرَّابِعُ: أَنَّهُ إِذَا طَالَ بَقَاؤُهُ عُرْفًا لَا وَقْتَ صَلَاةٍ، أَوْ يَوْمًا وَلَيْلَةً؛ وَهُوَ يَعْقِلُ، لِأَنَّهَا تَقْتَضِي حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً، وَظَاهِرُ " الْخِرَقِيِّ " أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِغُسْلِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ طُولُ الْفَصْلِ، بَلْ لَوْ مَاتَ عَقِبَ الْحَمْلِ وَفِيهِ رَمَقٌ، فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَأَوْرَدَهُ الْمَجْدُ مَذْهَبًا، وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ: إِنَّمَا يُتْرَكُ غُسْلُ مَنْ قُتِلَ فِي الْمَعْرَكَةِ.
(وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَهَلْ يُلْحَقُ بِالشَّهِيدِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا: يُلْحَقُ بِهِ، قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَصَحَّحَهُ فِي " الْفُرُوعِ " فَعَلَيْهَا لَا يُغَسَّلُ، وَلَا يُصَلَّى