الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْأَوَّلِ، عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَيَتَخَرَّجْ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إِذَا لَمْ يَعْلَمْ.
بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ
وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ نَاسِهِ، إِذَا فَضَلَ عِنْدَهُ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
أَوْ لَمْ يَعْلَمْ) ؛ لِأَنَّ الْعَزْلَ الْحُكْمِيَّ لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ، كَمَا لَوْ مَاتَ الْمَالِكُ (وَيَتَخَرَّجُ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إِذَا لَمْ يَعْلَمْ) بِإِخْرَاجِ صَاحِبِهِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَنْعَزِلُ قَبْلَ الْعِلْمِ، وَقِيلَ: لَا يُضْمَنُ، وَإِنْ قُلْنَا: يَنْعَزِلُ، اخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ، وَكَمَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي قَضَاءِ دَيْنِهِ، فَقَضَاهُ الْمَالِكُ، ثُمَّ الْوَكِيلُ، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمَالِكِ، بِخِلَافِ الْفَقِيرِ؛ لِأَنَّهَا تَنْقَلِبُ تَطَوُّعًا، كَمَنْ دَفَعَ زَكَاةً يَعْتَقِدُهَا عَلَيْهِ، فَلَمْ تَكُنْ، فَأَمَّا إِنْ كَانَ الْقَابِضُ مِنْهُمَا السَّاعِي، ثُمَّ عَلِمَ الْحَالَ، فَلَا ضَمَانَ؛ لِإِمْكَانِ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ، وَالْمُرَادُ مَعَ بَقَائِهَا بِيَدِ السَّاعِي.
فَرْعٌ: إِذَا وَكَّلَهُ فِي إِخْرَاجِ زَكَاتِهِ فَأَخْرَجَهَا الْمُوَكِّلُ، ثُمَّ الْوَكِيلُ، فَالْخِلَافُ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ أنَّهُ أَخْرَجَهَا قَبْلَ وَكِيلِهِ، وَلَهُ الصَّدَقَةُ قَبْلَ إِخْرَاجِ زَكَاتِهِ.
مَسْأَلَةٌ: إِذَا اشْتَرَى مَا يَصْبُغُ بِهِ، وَيَبْقَى كَزَعْفَرَانٍ وَنِيلٍ، وَنَحْوِهِ فَهُوَ عَرَضُ تِجَارَةٍ يُقَوِّمُهُ عِنْدَ حَوْلِهِ لِاعْتِيَاضِهِ عَنْ صَبْغٍ قَائِمٍ بِالثَّوْبِ، فَفِيهِ مَعْنَى التِّجَارَةِ، وَكَذَا يَجِبُ فِيمَا يَشْتَرِيهِ دَبَّاغٌ لِيَدْبُغَ بِهِ، كَعَفْصٍ، وَمَا يَدْهُنُهُ بِهِ، كَسَمْنٍ وَمِلْحٍ، وَقِيلَ: لَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ، كَمَا يَشْتَرِيهِ قَصَّارٌ مِنْ قَلْيٍ وَصَابُّونٍ وَنَحْوِهِمَا، وَلَا شَيْءَ فِي آلَاتِ الصَّبَّاغِ، وَأَمْتِعَةِ التِّجَارَةِ، وَقَوَارِيرِ الْعَطَّارِ، إِلَّا أَنْ يُرِيدَ بَيْعَهَا مَعَ مَا فِيهَا، وَلَا زَكَاةَ فِي غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ، وَلَا فِي قِيمَةِ مَا أُعِدَّ لِلْكِرَاءِ مِنْ عَقَارٍ وَحَيَوَانٍ، لَكِنْ مَنْ أَكْثَرَ مِنْ شِرَاءِ عَقَارٍ فَارًّا مِنَ الزَّكَاةِ، فَقِيلَ: يُزَكِّي قِيمَتَهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ: لَا.
[بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ]
[حُكْمُ زَكَاةِ الْفِطْرِ]
بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ هُوَ اسْمُ مَصْدَرٍ مِنْ قَوْلِكَ: أَفْطَرَ الصَّائِمُ إِفْطَارًا، وَأُضِيفَتْ إِلَى الْفِطْرِ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِهِ، فَهُوَ مِنْ إِضَافَةِ الشَّيْءِ إِلَى سَبَبِهِ، وَالْفِطْرَةُ: الْخِلْقَةُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30] ، وَهَذِهِ يُرَادُ بِهَا الصَّدَقَةُ عَنِ الْبَدَنِ وَالنَّفْسِ، وَبِضَمِّ الْفَاءِ كَلِمَةٌ مُوَلَّدَةٌ، وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مِمَّا يَلْحَنُ فِيها الْعَامَّةُ، وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ، لِاسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ لَهَا (وَهِيَ وَاجِبَةٌ) قَالَ إِسْحَاقُ: هُوَ كَالإِجْمَاعٍ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى: 14]{وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 15]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: إِنَّهَا زَكَاةُ الْفِطْرِ. وَرُدَّ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا تُطَهِّرُ مِنَ الشِّرْكِ، وَالسُّورَةُ مَكِّيَّةٌ، وَلَمْ يَكُنْ بِهَا زَكَاةٌ وَلَا عِيدٌ، وَالْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ:«فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى الْعَبْدِ، وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ، وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ، وَالْكَبِيرِ، مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ، وَدَعْوَى أَنَّ فَرَضَ بِمَعْنَى: قَدَّرَ، مَرْدُودٌ بِأَنَّ كَلَامَ الرَّاوِي لَا يُحْمَلُ إِلَّا عَلَى الْمَوْضُوعِ الشَّرْعِيِّ، بِدَلِيلِ الْأَمْرِ بِهَا فِي " الصَّحِيحِ " - أَيْضًا - مِنْ حَدِيثِهِ، وَيُسَمَّى فَرْضًا عَلَى الْأَصَحِّ لِقَوْلِ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ، وَعَنْهُ: لَا، وَفِيهِ رِوَايَةُ الْمَضْمَضَةِ. وَذَهَبَ الْأَصَمُّ وَابْنُ عُلَيَّةَ وَجَمَاعَةٌ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِمَا رَوَى أَحْمَدُ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ:«أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الزَّكَاةُ، فَلَمَّا نَزَلَتِ الزَّكَاةُ فَلَمْ يَأْمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَنَا، وَنَحْنُ نَفْعَلُهُ» إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ اسْتِصْحَابُ الْأَمْرِ السَّابِقِ مَعَ عَدَمِ الْمَانِعِ وَالْمُعَارِضِ، وَقَدْ فَرَضَهَا الشَّارِعُ وَأَمَرَ بِهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ فَرْضَهَا مَعَ رَمَضَانَ مِنَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ (عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) وَهُوَ شَامِلٌ لِلْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ؛ لِأَنَّ لَفْظَةَ كُلٍّ إِذَا أُضِيفَتْ إِلَى نَكِرَةٍ، فَيَقْتضِي عُمُومَ الْأَفْرَادِ، فَعَلَى هَذَا تَجِبُ فِي مَالِ الْيَتِيمِ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَخَرَجَ الْكَافِرُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهَا النِّيَّةُ، وَلَا تَصِحُّ مِنْهُ، لَكِنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إِذَا هَلَّ شَوَّالٌ عَلَى عَبْدٍ مُسْلِمٍ لِكَافِرٍ، فَالْأَظْهَرُ
عِيَالِهِ يَوْمَ الْعِيدِ وَلَيْلَتِهِ صَاعٌ وَإِنْ كَانَ مُكَاتَبًا، وَإِنْ فَضَلَ بَعْضُ صَاعٍ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ إِخْرَاجُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
وَيَلْزَمُهُ فِطْرَةُ مَنْ يُمَوِّنُهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَجُوبُهَا عَلَى الْكَافِرِ، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ عَلَى غَيْرِ مُخَاطَبٍ بِالصَّوْمِ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ مُخَرَّجَةٌ: تَجِبُ عَلَى مُرْتَدٍّ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَهْلِ الْبَوَادِي وَغَيْرِهِمْ (يَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ نَفْسِهِ) لِقَوْلِهِ عليه السلام:«أَدُّوا الْفِطْرَةَ عَمَّنْ تَمُونُونَ» وَهُوَ دَالٌّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا عَلَى مَنْ لَا يَمُونُ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّهُ خَاطَبَ بِالْوُجُوبِ غَيْرَهُ، وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ لَخَاطَبَهُ بِهِ كَسَائِرِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ (إِذَا فَضَلَ عِنْدَهُ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ يَوْمَ الْعِيدِ وَلَيْلَتِهِ صَاعٌ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَهَمُّ، فَيَجِبُ تَقْدِيمُهُ؛ لِقَوْلِهِ عليه السلام:«ابْدَأْ بِنَفْسِكَ ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ» وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ لِوُجُوبِهَا مِلْكُ نِصَابٍ، وَقَالَهُ الْأَكْثَرُ (وَإِنْ كَانَ مُكَاتَبًا) فَيَجِبُ عَلَيْهِ لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ النَّصِّ؛ وَلِأَنَّهُ مُسْلِمٌ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، فَلَزِمَهُ فِطْرَتُهُ كَالْحُرِّ، لَا عَلَى سَيِّدِهِ (وَإِنْ فَضَلَ بَعْضَ صَاعٍ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ إِخْرَاجُهُ) عَنْ نَفْسِهِ؛ (عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَكَذَا أَطْلَقَهُمَا فِي " الْفُرُوعِ ".
وَقَالَ: التَّرْجِيحُ مُخْتَلِفٌ، إِحْدَاهُمَا: يَجِبُ، قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "؛ لِقَوْلِهِ عليه السلام:«إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» وَلِأَنَّهَا طُهْرَةٌ، فَهِيَ كَالطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يَلْزَمُهُ، اخْتَارَهَا ابْنُ عَقِيلٍ، وَهِيَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَ " الْوَجِيزِ " كَالْكَفَّارَةِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَهَا بَدَلٌ، وَيُعْتَبَرُ كَوْنُ ذَلِكَ كُلِّهِ بَعْدَمَا يَحْتَاجُهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِمَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ مِنْ سَكَنٍ وَعَبْدٍ وَدَابَّةٍ وَثِيَابٍ بِذْلَةٍ.