الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَقْدِرَ عَلَيْهِ إِلَّا بِجَمَاعَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَتكُونُ غَنِيمَةً، وَالرِّكَازُ: مَا وُجِدَ مِنْ دِفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ عَلَيْهِ عَلَامَتُهُمْ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ عَلَامَةُ الْمُسْلِمِينَ أَوْ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ عَلَامَةٌ، فَهُوَ لُقَطَةٌ.
بَابُ زَكَاةِ الْأَثْمَانِ
وَهِيَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَلَا زَكَاةَ فِي الذَّهَبِ حَتَّى يَبْلُغَ عِشْرِينَ مِثْقَالَا،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
إِذَا قَدَرَ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَا حُرْمَةَ لَهُ، كَمَا لَوْ وَجَدَهُ فِي مَوَاتٍ، وَقِيلَ: غَنِيمَةٌ، خَرَّجَهُ فِي " مُنْتَهَى الْغَايَةِ " كَمَا لَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ بِمَنْعِهِ (إِلَّا أَنْ لا يَقْدِرَ عَلَيْهِ إِلَّا بِجَمَاعَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَتَكُونُ غَنِيمَةً) ؛ لِأَنَّ قُوَّتَهُمْ أَوْصَلَتْهُ إِلَيْهِ، فَكَانَ غَنِيمَةً كَالْمَأْخُوذِ بِالْحَرْبِ (وَالرِّكَازُ) اشْتِقَاقُهُ مِنْ رَكَزَ يَرْكِزُ كَغَرَزَ يَغْرِزُ: إِذَا خَفِيَ؛ وَمِنْهُ غَرَزْتُ الرُّمْحَ إِذَا أَخْفَيْتُ أَسْفَلَهُ، فَهُوَ فِي اللُّغَةِ الْمَالُ الْمَدْفُونُ فِي الْأَرْضِ، وَفِي الِاصْطِلَاحِ (مَا وُجِدَ مِنْ دِفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ) ؛ لِأَنَّ دِفْنَهُمْ تَقَادَمَ عَهْدُهُ وَخَفِيَ مَكَانَهُ (عَلَيْهِ عَلَامَتُهُمْ) كَأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ مُلُوكِهِمْ؛ وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِهِمْ: هُوَ الْمَالُ الْجَاهِلِيُّ الْمَدْفُونُ، وَحُكْمُ مَنْ تَقَدَّمَ مِنَ الْكُفَّارِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَحُكْمِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى بَعْضِهِ عَلَامَتُهُمْ، فَذَكَرَ فِي " الشَّرْحِ "(أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ رِكَازًا، نَصَّ عَلَيْهِ؛ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ، فَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى بَعْضِهِ (عَلَامَةُ الْمُسْلِمِينَ) كَاسْمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ أَحَدٍ مِنْ خُلَفَاءِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ أَنَّهُ مِنَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ (أَوْ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ عَلَامَةٌ) كَالْحُلِيِّ وَالسَّبَائِكِ وَالْآنِيَةِ (فَهُوَ لُقَطَةٌ) أَيْ: لَا مِلْكَ إِلَّا بَعْدَ التَّعْرِيفِ؛ لِأَنَّهُ مَالُ مُسْلِمٍ لَمْ يُعْلَمْ زَوَالُهُ عَنْهُ، وَتَغْلِيبًا لِحُكْمِ دَارِ الْإِسْلَامِ، إِلَّا أَنْ يَجِدَهُ فِي مِلْكٍ انْتَقَلَ إِلَيْهِ، فَيَدَّعِيهِ الْمَالِكُ قَبْلَهُ بِلَا بَيِّنَةٍ وَلَا صِفَةٍ، فَهَلْ يُدْفَعُ إِلَيْهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ حَكَاهُمَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَنَقَلَهُ فِي " الشَّرْحِ " عَنْهُ إِحْدَاهُمَا: لَا يُدْفَعُ إِلَيْهِ كَاللُّقَطَةِ، وَالثَّانِيَةُ: بَلَى؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْمِلْكِ.
[بَابُ زَكَاةِ الْأَثْمَانِ]
[نِصَابُ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ]
بَابُ زَكَاةِ الْأَثْمَانِ (وَهِيَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ) فَدَلَّ أَنَّ الْفُلُوسَ الرَّائِجَةَ لَا تُسَمَّى بِهِ، وَنَصَّ لَهُمَا خَاصَّةً،
فَيَجِبُ فِيهِ نِصْفُ مِثْقَالٍ، وَلَا فِي الْفِضَّةِ حَتَّى تَبْلُغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَيَجِبُ فِيهِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهَا الْإِجْمَاعُ، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: 34] الْآيَةَ. وَالسُّنَّةُ مُسْتَفِيضَةٌ بِذَلِكَ (وَلَا زَكَاةَ فِي الذَّهَبِ حَتَّى يَبْلُغَ عِشْرِينَ مِثْقَالًا فَيَجِبُ نِصْفُ مِثْقَالٍ) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ وَعَائِشَةُ مَرْفُوعًا: «أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ مِثْقَالًا نِصْفَ مِثْقَالٍ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَلِيٍّ نَحْوَهُ، فَالْمِثْقَالُ: دِرْهَمٌ وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ؛ وَهُوَ ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ حَبَّةَ شَعِيرٍ مُتَوَسِّطَةً؛ وَهُوَ لَمْ يَتَغَيَّرْ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ (وَلَا فِي الْفِضَّةِ حَتَّى تَبْلُغَ) وَزْنَ (مِائَتَيْ دِرْهَمٍ) لِمَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ» (فَيَجِبُ فِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ) لِمَا رَوَى أَنَسٌ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «وَفِي الرِّقَّةِ رُبْعُ الْعُشْرِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا كَانَتْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ» ، وَالِاعْتِبَارُ بِالدِّرْهَمِ الْإِسْلَامِيِّ الَّذِي وَزَنُهُ سِتَّةُ دَوَانِيقَ، وَالْعَشَرَةُ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ سَوْدَاءَ، وَزْنُ الدِّرْهَمِ مِنْهَا ثَمَانِيَةُ دَوَانِيقَ، وَطَبَرِيَّةً، الدِّرْهَمُ مِنْهَا أَرْبَعَةُ دَوَانِيقَ، فَجَمَعَتْهَا بَنُو أُمَيَّةَ، وَقَسَّمَتْهَا عَلَى اثْنَيْنِ، فَصَارَ الدِّرْهَمُ مِنْهَا سِتَّةَ دَوَانِيقَ، وَذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ إِجْمَاعَ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ، وَقَدْ سُئِلَ فِي رِوَايَةِ الْمَرْوَذِيِّ عَنْ دَرَاهِمَ صِغَارٍ فَقَالَ: تُرَدُّ إِلَى الْمَثَاقِيلِ، فَالدِّرْهَمُ نِصْفُ مِثْقَالٍ، وَخُمُسُهُ؛ وَهُوَ خَمْسُونَ حَبَّةٍ وَخُمُسَا حَبَّةٍ، فَنِصَابُ الذَّهَبِ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ، وَقَدْرُهُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ دِينَارًا وَسُبْعَا دِينَارٍ، وَتُسْعُهُ عَلَى التَّحْدِيدِ الَّذِي زِنَتُهُ دِرْهَمٌ وَثُمُنُ دِرْهَمٍ.
خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَلَا زَكَاةَ فِي مَغْشُوشِهِمَا حَتَّى يَبْلُغَ قَدْرُ مَا فِيهِ نِصَابًا، فَإِنْ شَكَّ فِيهِ خُيِّرَ بَيْنَ سَبْكِهِ وَبَيْنَ الْإِخْرَاجِ، وَيُخْرِجُ عَنِ الْجَيِّدِ الصَّحِيحِ مِنْ جِنْسِهِ، فَإِنْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
لَكِنْ قَالَ الْأَثْرَمُ: قَدِ اصْطَلَحَ النَّاسُ عَلَى دَرَاهِمِنَا، فَيُزَكِّي الْمِائَتَيْ دِرْهَمٍ مِنْ دَرَاهِمِنَا هَذِهِ، فَيُعْطِي مِنْهَا خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: لَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الْأُوقِيَّةُ وَالدَّرَاهِمُ مَجْهُولَةً زَمَنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ وَهُوَ مُوجِبٌ الزَّكَاةَ فِي أَعْدَادٍ مِنْهَا، وَيَقَعُ مِنْهَا الْبِيَاعَاتِ وَالْأَنْكِحَةِ كَمَا فِي الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ؛ وَهُوَ يُبَيِّنُ أَنَّ قَوْلَ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ الدَّرَاهِمَ لَمْ تَكُنْ مَعْلُومَةً إِلَى زَمَنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَأَنَّهُ جَمَعَهَا بِرَأْيِ الْعُلَمَاءِ، وَجَعَلَ وَزْنَ الدِّرْهَمِ مِنْهَا سِتَّةَ دَوَانِيقَ، قَوْلٌ بَاطِلٌ، وَإِنَّمَا مَعْنَى مَا نُقِلَ مِنْ ذَلِكَ: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا شَيْءٌ مِنْ ضَرْبِ الْإِسْلَامِ، وَعَلَى صِفَةٍ لَا تَخْتَلِفُ، فَرَأَوْا صَرْفَهَا إِلَى ضَرْبِ الْإِسْلَامِ وَنَقْشِهِ، فَجَمَعُوا أَكْبَرَهَا وَأَصْغَرَهَا، وَضَرَبُوهُ عَلَى وَزْنِهِمْ (وَلَا زَكَاةَ فِي مَغْشُوشِهِمَا حَتَّى يَبْلُغَ قَدْرُ مَا فِيهِ) مِنَ النَّقْدِ الْخَالِصِ (نِصَابًا) لِلنُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى اعْتِبَارِ النِّصَابِ.
وَذَكَرَ ابْنُ حَامِدٍ وَجْهًا: إِنْ بَلَغَ مَضْرُوبُهُ نِصَابًا زَكَّاهُ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ كَانَ الْغِشُّ أَكْثَرَ.
وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ: يَقُومُ مَضْرُوبُهُ كَالْعُرُوضِ (فَإِنَّ شَكَّ فِيهِ) أَيْ فِي بُلُوغِ قَدْرِ مَا فِي الْمَغْشُوشِ مِنَ النَّقْدِ نِصَابًا (خُيِّرَ بَيْنَ سَبْكِهِ) لِيُعْلَمَ قَدْرُ مَا فِيهِ (وَبَيْنَ الْإِخْرَاجِ) أَيْ: يَسْتَظْهِرُ وَيُخْرِجُ لِيُسْقِطَ الْفَرْضَ بِيَقِينٍ. فَعَلَى هَذَا إِذَا سَبَكَهُ، فَظَهَرَ نِصَابًا فَأَكْثَرَ، أَخْرَجَ رُبُعَ عُشْرِهِ؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ، وَإِنْ كَانَ دُونَهُ، فَلَا، وَإِنِ اسْتَظْهَرَ فَيُخْرِجُ مَا يُجْزِئُهُ بِيَقِينٍ، وَقِيلَ: لَا زَكَاةَ، وَإِنْ وَجَبَتِ الزَّكَاةُ، وَشَكَّ فِي زِيَادَةٍ اسْتَظْهَرَ، فَأَلْفٌ ذَهَبٌ، وَفِضَّةٌ، سِتُّمِائَةٍ مِنْ أَحَدِهِمَا يُزَكِّي سِتَّمِائَةٍ ذَهَبًا، وَأَرْبَعَمِائَةٍ فِضَّةً، وَإِنْ لَمْ يُجْزِ ذَهَبٌ عَنْ فِضَّةٍ، زَكَّى سِتَّمِائَةٍ ذَهَبًا، وَسِتَّمِائَةٍ فِضَّةً، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا عَلِمَ قَدْرَ الْعُشْرِ بِأَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ دِينَارٍ سُدُسُهُ، جَازَ أَنْ يُخْرِجَ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُخْرِجًا لِرُبْعِ الْعُشْرِ، وَإِنِ اخْتَلَفَ قَدْرُ الْعُشْرِ أَوْ لَمْ يُعْلَمْ، لَمْ يُجْزِئْهُ إِلَّا أَنْ يَسْتَظْهِرَ، فَيُخْرِجُ قَدْرَ الزَّكَاةَ بِيَقِينٍ، وَإِنْ أَخْرَجَ عَنْهَا مَا لَا غَشَّ فِيهِ، فَهُوَ أَفْضَلُ، وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ: إِنْ زَادَتْ قِيمَةُ الْمَغْشُوشِ بِصَنْعَةِ الْغِشِّ، أَخْرَجَ رُبْعَ عُشْرِهِ، كَحُلِيِّ الْكِرَاءِ إِذَا زَادَتْ قِيمَتُهُ بِصِنَاعَةٍ.
فَائِدَةٌ: يُعْرَفُ قَدْرُ غِشِّهِ بِوَضْعِ ذَهَبٍ خَالِصٍ زِنَةَ مَغْشُوشٍ فِي مَاءٍ، ثُمَّ فِضَّةٍ كَذَلِكَ؛