الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ وَإِذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ، صَلَّوْا رِجَالًا وَرُكْبَانًا إِلَى الْقِبْلَةِ وَغَيْرِهَا، وَيُومِئُونَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ مَحْظُورٌ، فَالْأَمْرُ بِهِ هُنَا أَمْرٌ بَعْدَ حَظْرٍ؛ وَهُوَ لِلْإِبَاحَةِ مَعَ قَوْلِهِمْ: يُسْتَحَبُّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ حَمْلُ مَا يُثْقِلُهُ كَالْجَوْشَنِ وَمَا يَمْنَعُ مِنْ إِكْمَالِهَا كَالْمِغْفَرِ، وَمَا يَضُرُّ غَيْرَهُ كَالرُّمْحِ، هَذَا إِذَا كَانَ مُتَوَسِّطًا، فَإِنْ كَانَ فِي حَاشِيَةٍ لَمْ يُكْرَهْ، قَالَهُ جَمَاعَةٌ، وَإِنِ احْتَاجَ إِلَى ذَلِكَ فَلَا كَرَاهَةَ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجِبَ ذَلِكَ) أَيْ: حَمْلُ الْخِفِّ مِنْ سِلَاحٍ يَقِيهِ، وَاخْتَارَهُ، وَقَالَهُ جَمَاعَةٌ، وَقَالَهُ دَاوُدُ، وَفِي " الشَّرْحِ "؛ وَهُوَ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ، وَلَيْسَ بِشَرْطٍ وِفَاقًا.
قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ، لَكِنْ إِنْ كَانَ بِهِمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ مَرَضٍ، فَلَا يَجِبُ بِغَيْرِ خِلَافٍ.
فَرْعٌ: يَجُوزُ حَمْلُ سِلَاحٍ نَجِسٍ فِي هَذِهِ الْحَالِ لِلْحَاجَةِ بِلَا إِعَادَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ.
[فَصْلٌ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ اشْتِدَادِ الْخَوْفِ]
فَصْلٌ (وَإِذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ) الْمُرَادُ بِهِ حَالَ الْمُسَايَفَةِ؛ وَهُوَ أَنْ يَتَوَاصَلَ الطَّعْنُ وَالْكَرُّ وَالْفَرُّ، وَلَمْ يُمْكِنْ تَفْرِيقُ الْقَوْمِ، وَلَا صَلَاتُهُمْ عَلَى مَا سَبَقَ (صَلَّوْا) أَيْ: يَلْزَمُهُمْ فِعْلُ الصَّلَاةِ (رِجَالًا وَرُكْبَانًا إِلَى الْقِبْلَةِ وَغَيْرِهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] قَالَ ابْنُ عُمَرَ: «فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ صَلَّوْا رِجَالًا قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ، وَرُكْبَانًا مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ، وَغَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. زَادَ الْبُخَارِيُّ قَالَ نَافِعٌ: لَا أَرَى ابْنَ عُمَرَ ذَكَرَ ذَلِكَ إِلَّا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مَرْفُوعًا،
إِيمَاءً عَلَى قَدْرِ الطَّاقَةِ. فَإِنْ أَمْكَنَهُمُ افْتِتَاحُ الصَّلَاةِ إِلَى الْقِبْلَةِ، فَهَلْ يَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَمَنْ هَرَبَ مِنْ عَدُوٍّ هَرَبًا مُبَاحًا أَوْ مِنْ سَيْلٍ أَوْ سَبُعٍ وَنَحْوِهِ، فَلَهُ أَنْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَلِأَنَّهُ عليه السلام صَلَّى بِأَصْحَابِهِ فِي غَيْرِ شِدَّةِ الْخَوْفِ، وَأَمَرَهُمْ بِالْمَشْيِ إِلَى وُجَاهِ الْعَدُوِّ، وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ، ثُمَّ يَعُودُونَ لِقَضَاءِ مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِمْ؛ وَهُوَ مَشْيٌ كَثِيرٌ، وَعَمَلٌ طَوِيلٌ، وَاسْتِدْبَارُ الْقِبْلَةِ، فَمَعَ شِدَّتِهِ أَوْلَى.
(وَيُومِئُونَ إِيمَاءً عَلَى قَدْرِ الطَّاقَةِ) لِأَنَّهُمْ لَوْ تَمَّمُوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ لَكَانُوا هَدَفًا لِأَسْلِحَةِ الْكُفَّارِ، مُعَرِّضِينَ لِأَنْفُسِهِمْ بِالْهَلَاكِ، وَيُومِئُ بِالسُّجُودِ أَخْفَضَ مِنَ الرُّكُوعِ، وَلَا يَجِبُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى ظَهْرِ دَابَّتِهِ، وَلَهُ الْكَرُّ وَالْفَرُّ وَنَحْوُهُ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مُبْطِلًا لَجَازَ إِخْلَاءُ الْوَقْتِ عَنِ الصَّلَاةِ، وَلِأَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ تَصِحُّ طَهَارَتُهُمْ، كَالْمَرِيضِ، بِخِلَافِ الصِّيَاحِ، فَإِنَّهُ لَا حَاجَةَ بِهِمْ إِلَيْهِ، وَلَا يَزُولُ الْخَوْفُ إِلَّا بِانْهِزَامِ الْكُلِّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ لَهُمْ فِعْلَ ذَلِكَ، سَوَاءٌ وُجِدَ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَوْ فِيهَا، وَتَنْعَقِدُ الْجَمَاعَةُ حِينَئِذٍ، نَصَّ عَلَيْهِ لِلنُّصُوصِ، فَظَاهِرُهُ أَنَّهَا تَجِبُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا احْتَجُّوا بِهِ، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ، وَعِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ، وَالْمُؤَلِّفِ: لَا يَنْعَقِدُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: يُعْفَى عَنْ تَقْدِيمِ الْإِمَامِ، كَعَمَلٍ كَثِيرٍ، لَكِنْ يُعْتَبَرُ إِمْكَانُ الْمُتَابَعَةِ، وَأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُؤَخَّرُ عَنْ وَقْتِهَا؛ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ، وَعَنْهُ: يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا حَالَ شِدَّةِ الْحَرْبِ وَالْتِحَامِ الْقِتَالِ وَالْمُطَارَدَةِ، ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَلَا يَجِبُ. وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى الرُّجُوعِ عَنْهَا، قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ ": وَهُوَ الصَّحِيحُ.
وَتَأْخِيرُهُ عليه السلام يَوْمَ الْخَنْدَقِ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ صَلَاةِ الْخَوْفِ، رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَنَّهُ لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِمْ.
(فَإِنْ أَمْكَنَهُمُ افْتِتَاحُ الصَّلَاةِ إِلَى الْقِبْلَةِ، فَهَلْ يَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ)" الْمَذْهَبُ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ " لَا يَلْزَمُهُ كَبَقِيَّةِ أَجْزَائِهَا، وَالثَّانِيَةُ: بَلَى؛ وَهِيَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ " كَمَا لَوْ أَمْكَنَهُمْ ذَلِكَ فِي رَكْعَةٍ كَامِلَةٍ، وَظَاهِرُهُ: لَا تَجِبُ مَعَ الْعَجْزِ، حَكَاهُ بَعْضُهُمْ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَقَدْ ذَكَرَ
يُصَلِّيَ كَذَلِكَ. وَهَلْ لِطَالِبِ الْعَدُوِّ الْخَائِفِ فَوَاتَهُ الصَّلَاةُ كَذَلِكَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَمَنْ أَمِنَ فِي الصَّلَاةِ أَتَمَّ صَلَاةَ آمِنٍ، وَمَنِ ابْتَدَأَهَا آمِنًا فَخَافَ، أَتَمَّ صَلَاةَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
أَبُو بَكْرٍ فِي " الشَّافِي "، وَابْنُ عَقِيلٍ: أَنَّهُ يَجِبُ مَعَ الْقُدْرَةِ، وَمَعَ الْعَجْزِ رِوَايَتَانِ.
(وَمَنْ هَرَبَ مِنْ عَدُوٍّ هَرَبًا مُبَاحًا) كَخَوْفِ قَتْلٍ مُحَرَّمٍ أَوْ أَسْرٍ (أَوْ مِنْ سَيْلٍ أَوْ سَبُعٍ) وَهُوَ الْحَيَوَانُ الْمَعْرُوفُ - بِضَمِّ الْبَاءِ وَسُكُونِهَا -، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ مُفْتَرِسٍ (أَوْ نَحْوِهِ) كَنَارٍ (فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ كَذَلِكَ) أَيْ: كَمَا تَقَدَّمَ لِوُجُودِ شَرْطِهِ، سَوَاءٌ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ أَهْلِهِ أَوْ ذَبَّهُ عَنْهُ، وَعَلَى الْأَصَحِّ: أَوْ عَنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ صَلَاةُ أَمْنٍ كَدُخُولِهِ حِصْنًا، أَوْ صُعُودِهِ رَبْوَةً، فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ لِذَلِكَ، وَفِي تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ لِمُحْرِمٍ خَوْفَ فَوْتِ الْحَجِّ خِلَافٌ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْعَاصِيَ بِهَرَبِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ الْخَوْفِ لِأَنَّهَا رُخْصَةٌ، فَلَا تَثْبُتُ بِالْمَعْصِيَةِ كَرُخَصِ السَّفَرِ (وَهَلْ لِطَالِبِ الْعَدُوِّ الْخَائِفِ فَوَاتَهُ الصَّلَاةُ كَذَلِكَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا، وَاخْتَارَهَا الْأَكْثَرُ: أَنَّ لَهُ ذَلِكَ، رُوِيَ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ حَسَنَةَ، وَقَالَهُ الْأَوْزَاعِيُّ؛ لِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ «بَعَثَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى خَالِدِ بْنِ سُفْيَانَ الْهُذَلِيِّ، قَالَ: اذْهَبْ فَاقْتُلْهُ، فَرَأَيْتُهُ وَقَدْ حَضَرَتْهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ، فَقُلْتُ: إِنِّي لَأَخَافُ أَنْ يَكُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مَا يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا أُصَلِّي أُومِئُ إِيمَاءً نَحْوَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَظَاهِرُ حَالِهِ أَنَّهُ أَخْبَرَ بِذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، أَوْ كَانَ قَدْ عَلِمَ جَوَازَهُ، فَإِنَّهُ لَا يُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ مُخْطِئًا، وَلِأَنَّ فَوَاتَ الْكُفَّارِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ، فَأُبِيحَتْ صَلَاةُ الْخَوْفِ عِنْدَ فَوْتِهِ، كَالْحَالَةِ الْأُخْرَى، وَالثَّانِيَةُ: لَا يُصَلِّي إِلَّا صَلَاةَ أَمْنٍ، صَحَّحَهَا ابْنُ عَقِيلٍ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، لِأَنَّهَا مَشْرُوطَةٌ بِالْخَوْفِ؛ وَهُوَ مَعْدُومٌ هُنَا، وَكَذَا التَّيَمُّمُ لَهُ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: إِنْ خَافَ الطَّالِبُ رُجُوعَ الْعَدُوِّ صَلَّى صَلَاةَ خَائِفٍ؛ وَهُوَ الَّذِي فِي " الشَّرْحِ ".
(وَمَنْ أَمِنَ فِي الصَّلَاةِ أَتَمَّ صَلَاةَ آمِنٍ، وَإِنِ ابْتَدَأَهَا آمِنًا فَخَافَ، أَتَمَّ صَلَاةَ خَائِفٍ) عَلَى حَسَبِ حَالِهِ؛ لِأَنَّهُ يَبْنِي عَلَى صَلَاةٍ صَحِيحَةٍ، وَكَمَا لَوْ صَلَّى قَائِمًا ثُمَّ عَجَزَ، أَوْ