الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْكِتَابَةِ، وَلَا فِي السَّائِمَةِ الْمَوْقُوفَةِ، وَلَا فِي حِصَّةِ الْمُضَارِبِ، وَمِنَ الرِّبْحِ قَبْلَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فَلَا زَكَاةَ فِي وَقْصِهَا، لِمَا رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ فِي غَرِيبِهِ مَرْفُوعًا أَنَّهُ قَالَ:«لَيْسَ فِي الْأَوْقَاصِ صَدَقَةٌ» ، وَقَالَ: الْوَقْصُ: مَا بَيْنَ النِّصَابَيْنِ، وَفِي حَدِيثِ مُعَاذٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ:«أُمِرْتَ فِي الْأَوْقَاصِ بِشَيْءٍ؟ قَالَ: لَا، وَسَأَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ فَقَالَ: لَا» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرٍ، وَعَدَمِ التَّشْقِيصِ، وَقِيلَ: يَجِبُ، اخْتَارَهُ الشِّيرَازِيُّ، فَعَلَيْهِ لَوْ تَلِفَ بَعِيرٌ مِنْ تِسْعٍ، أَوْ مَلَكَهُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ إِنِ اعْتَبَرْنَاهُ، سَقَطَ تُسْعُ شَاةٍ، وَلَوْ تَلِفَ مِنْهَا سِتَّةٌ، زَكَّى الْبَاقِيَ ثُلُثَ شَاةٍ، وَلَوْ كَانَتْ مَغْصُوبَةً، فَأَخَذَ مِنْهَا بَعِيرًا بَعْدَ الْحَوْلِ، زَكَّاهُ بِتُسْعِ شَاةٍ.
[تَمَامُ الْمِلْكِ]
(الرَّابِعُ: تَمَامُ الْمِلْكِ) ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ النَّاقِصَ لَيْسَ نِعْمَةً كَامِلَةً؛ وَهِيَ إِنَّمَا تَجِبُ فِي مُقَابَلَتِهَا؛ إِذِ الْمِلْكُ التَّامُّ عِبَارَةٌ عَمَّا كَانَ بِيَدِهِ لَمْ يَتَعَلَّقْ فِيهِ حق غَيْرُهُ، يَتَصَرَّفُ فِيهِ عَلَى حَسَبِ اخْتِيَارِهِ، وَفَوَائِدُهُ حَاصِلَةٌ لَهُ، قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي (فَلَا زَكَاةَ فِي دَيْنِ الْكِتَابَةِ) وِفَاقًا، لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِهِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ تَعْجِيزَ نَفْسِهِ، وَيَمْتَنِعُ مِنَ الْأَدَاءِ، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ ضَمَانُهَا، وَفِيهِ رِوَايَةٌ، فَدَلَّ عَلَى الْخِلَافِ هُنَا (وَلَا فِي السَّائِمَةِ الْمَوْقُوفَةِ) عَلَى مُعَيَّنٍ.
قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ ": الْأَشْبَهُ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْكَافِي " لِنَقْصِهِ.
وَالثَّانِي: يَجِبُ؛ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لِلْعُمُومِ، وَكَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ، وَبَنَى بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْخِلَافَ عَلَى الْمِلْكِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، وَعَلَى الْوُجُوبِ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ لَا يَجُوزُ نَقْلُ الْمِلْكِ فِيهِ، وَأَمَّا الْوُقُفُ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْمَسَاكِينِ وَالْمَسَاجِدِ وَنَحْوِهَا فَلَا زَكَاةَ فِيهِ قَوْلًا وَاحِدًا.
تَنْبِيهٌ: إِذَا وُقِفَ عَلَى مُعْتِقٍ أَرْضًا أَوْ شَجَرًا فَحَصَلَ لَهُ مِنْ غَلَّتِهِ نِصَابٌ وَجَبَتِ
الْقِسْمَةِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِيهِمَا، وَمَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى مَلِيءٍ مِنْ صَدَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ، زَكَّاهُ إِذَا قَبَضَهُ لِمَا مَضَى، وَفِي الدَّيْنِ عَلَى غَيْرِ الْمَلِيءِ وَالْمُؤَجَّلِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الزَّكَاةُ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ وَالثمْرَ لَيْسَ وَقْفًا، بِدَلِيلِ بَيْعِهِ.
وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ: لَا عُشْرَ فِيهَا إِنْ كَانَ فَقِيرًا، وَجَزَمَ بِهِ الْحُلْوَانِيُّ، وَإِنْ حَصَلَ لِأَهْلِ الْوَقْفِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ، خَرَجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي تَأَثُّرِ الْخُلْطَةِ فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ (وَلَا فِي حِصَّةِ الْمُضَارِبِ، وَمِنَ الرِّبْحِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) هذا ظاهر المذهب، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَالْمُؤَلِّفُ، إِمَّا لِعَدَمِ الْمِلْكِ أَوْ لِنُقْصَانِهِ؛ لِأَنَّهُ وِقَايَةٌ كَرَأْسِ الْمَالِ، وَلَا يَنْعَقِدُ الْحَوْلُ إِلَّا بِاسْتِقْرَارِ مِلْكِهُ، نَصَّ عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي: الْوُجُوبُ، وَيَنْعَقِدُ حَوْلَهُ بِظُهُورِ الرِّبْحِ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ "، وَ " الرِّعَايَةِ "؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، فَيَجِبُ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ، فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ مِنَ الْمُضَارَبَةِ بِدُونِ إِذْنِ رَبِّ الْمَالِ فِي الْأَصَحِّ، وَالثَّانِي: يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُمَا دَخَلَا عَلَى حُكْمِ الْإِسْلَامِ، وَمِنْ حُكْمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَإِخْرَاجِهَا مِنَ الْمَالِ، وَعَلَى قَوْلِنَا: لَا يَمْلِكُ الْعَامِلُ الرِّبْحَ بِظُهُورِهِ، فَلَا يَلْزَمُ رَبَّ الْمَالِ زَكَاةُ حِصَّةِ الْعَامِلِ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ كَانَ حَقُّ الْعَامِلِ دُونَ نِصَابٍ، انْبَنَى عَلَى الْخُلْطَةِ فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ، وَظَاهِرُهُ وُجُوبُهَا عَلَى رَبِّ الْمَالِ، فَيُزَكِّي حَقَّهُ مِنَ الرِّبْحِ مَعَ الْأَصْلِ عِنْدَ حَوْلِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، أَمَانَةً أَوْ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ حَقَّهُ مِنَ الرِّبْحِ بِظُهُورِهِ فِي الْأَظْهَرِ، فَإِنْ أَخْرَجَ شَيْئًا مِنَ الْمَالِ جُعِلَ مِنَ الرِّبْحِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " لِأَنَّهُ وِقَايَةٌ لِرَأْسِ الْمَالِ، وَفِي " الْكَافِي " يُجْعَلُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ كَدِيَتِهِ.
وَقَالَ الْقَاضِي: يُجْعَلُ مِنْهُمَا بِالْحِصَصِ، فَيَنْقُصُ رُبْعُ عُشْرِ رَأْسِ الْمَالِ، وَقِيلَ: إِنْ قُلْنَا: الزَّكَاةُ فِي الذِّمَّةِ، فَمِنْهُمَا، وَإِنْ قُلْنَا: فِي الْعَيْنِ، فَمِنَ الرِّبْحِ (فِيهِمَا) أَيْ: فِي الصُّورَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ (وَمَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى مَلِيءٍ) بَاذِلٍ أَوْ غَيْرِهِ (مِنْ صَدَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ، زَكَّاهُ إِذَا قَبَضَهُ لِمَا مَضَى) رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَقَالَهُ أَبُو ثَوْرٍ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى قَبْضِهِ
وَالْمَجْحُودِ وَالْمَغْصُوبِ وَالضَّائِعِ رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهُمَا: كَالدَّيْنِ عَلَى الْمَلِيءِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا زَكَاةَ فِيهِ. قَالَ الْخِرَقِيُّ: وَاللُّقَطَةُ إِذَا جَاءَ رَبُّهَا، زَكَّاهَا لِلْحَوْلِ الَّذِي
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَالِانْتِفَاعِ بِهِ، أَشْبَهَ سَائِرَ مَالِهِ، وَلِلْعُمُومِ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْمُوَاسَاةِ إِخْرَاجُ زَكَاةِ مَالٍ لَمْ يَقْبِضْهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَ بِبَقَائِهِ عَلَيْهِ الْفِرَارَ مِنَ الزَّكَاةِ أَمْ لَا، وَعَنْهُ: يَجِبُ إِخْرَاجُهَا فِي الْحَالِ قَبْلَ قَبْضِهِ، كَالْوَدِيعَةِ، وَعَنْهُ: لِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ، وَقَالَهُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٌ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ لِوُجُوبِهَا إِمْكَانُ الْأَدَاءِ، وَلَمْ يُوجَدْ فِيمَا مَضَى، وَعَنْهُ: لَا زَكَاةَ فِي دَيْنٍ بِحَالٍ، رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، لِأَنَّهُ غَيْرُ نَامٍ، وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ لِمَا رَوَى أَحْمَدُ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ: لَا زَكَاةَ فِي الدَّيْنِ حَتَّى يُقْبَضَ. ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ بِإِسْنَادِهِ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ.
فَرْعٌ: لَوْ قَبَضَ دُونَ نِصَابٍ، زَكَّاهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، خِلَافًا لِلْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ، وَكَذَا لَوْ كَانَ بِيَدِهِ دُونَ نِصَابٍ، وَبَاقِيه دَيْنٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ ضَالٍّ، وَالْحَوَالَةُ بِهِ، وَالْإِبْرَاءُ كَالْقَبْضِ (وَفِي الدَّيْنِ عَلَى غَيْرِ الْمَلِيءِ) وَهُوَ: الْمُعْسِرُ (وَالْمُؤَجَّلِ وَالْمَجْحُودِ) الَّذِي لَا بَيِّنَةَ بِهِ (وَالْمَغْصُوبِ، وَالضَّائِعِ) إِذَا عَادَ إِلَيْهِ (رِوَايَتَانِ) وَكَذَا أَطْلَقَهَما فِي " الْمُحَرَّرِ "(إِحْدَاهُمَا) هُوَ (كَالدَّيْنِ عَلَى الْمَلِيءِ) اخْتَارَهَا الْأَكْثَرُ، وَذَكَرَهَا جَمَاعَةٌ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِصِحَّةِ الْحَوَالَةِ بِهِ وَالْإِبْرَاءِ، فَيُزَكِّي ذَلِكَ إِذَا قَبَضَهُ لِمَا مَضَى مِنَ السِّنِينِ، رَوَاهُ أَبُو عَبِيدٍ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ لِلْعُمُومِ، وَكَسَائِرِ مَالِهِ.
وَقَالَ الشِّيرَازِيُّ: إِذَا قُلْنَا يَجِبُ فِي الدَّيْنِ وَقَبَضَهُ، فَهَلْ يُزَكِّيهِ لِمَا مَضَى؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَيَتَوَجَّهُ ذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ الصُّوَرِ، وَقَيَّدَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " الْمَجْحُودَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا.
وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: ظَاهِرًا، وَقَالَ غَيْرُهُمَا: ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا، أَوْ هُمَا، وَإِنْ كَانَ بِهِ بَيِّنَةٌ، فَوَجْهَانِ.
فَرْعٌ: حُكْمُ مَسْرُوقٍ وَمَدْفُونٍ وَمَنْسِيٍّ وَمَوْرُوثٍ جَهِلَهُ، أَوْ جُهِلَ عِنْدَ مَنْ هُوَ كَذَلِكَ.
(وَالثَّانِيَةُ: لَا زَكَاةَ فِيهِ) صَحَّحَهَا فِي " التَّلْخِيصِ " وَغَيْرِهِ، وَرَجَّحَهَا جَمَاعَةٌ وَاخْتَارَهَا ابْنُ شِهَابٍ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ، وَابْنِ عُمَرَ، لِأَنَّهُ غَيْرُ نَامٍ؛
كَانَ الْمُلْتَقِطُ مَمْنُوعًا مِنْهَا، وَلَا زَكَاةَ فِي مَالِ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُنْقِصُ النِّصَابَ إِلَّا فِي
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ يَدِهِ وَتَصَرُّفِهِ، أَشْبَهَ الْحُلِيَّ وَدَيْنِ الْكِتَابَةِ؛ وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ فِي مُقَابَلَةِ الِانْتِفَاعِ بِالنَّمَاءِ حَقِيقَةً أَوْ مَظِنَّةً؛ وَهُوَ مَفْقُودٌ هُنَا، وَفِي ثَالِثَةٍ: إِنْ كَانَ لَا يُؤَمَّلُ رجوعه كَالْمَسْرُوقِ وَالْمَغْصُوبِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، وَمَا يُؤَمَّلُ رجوعه، كَالدَّيْنِ عَلَى الْمُفْلِسِ، وَالْغَائِبِ الْمُنْقَطِعِ خَبَرُهُ، فِيهِ الزَّكَاةُ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَهَذَا أَقْرَبُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَفِي رَابِعَةٍ: إِنْ كَانَ الذي عَلَيْهِ الدَّيْنُ يُؤَدِّي زَكَاتَهُ، فَلَا شَيْءَ عَلَى رَبِّهِ، وَإِلَّا وَجَبَتْ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَجْحُودِ حَذَارًا مِنْ وُجُوبِ زَكَاتَيْنِ فِي مَالٍ وَاحِدٍ (قَالَ الْخِرَقِيُّ: وَاللُّقَطَةُ إِذَا جَاءَ رَبُّهَا، زَكَّاهَا لِلْحَوْلِ الَّذِي كَانَ الْمُلْتَقِطُ مَمْنُوعًا مِنْهَا) هَذَا مِنْ صُوَرِ الْمَالِ الضَّائِعِ، ذَكَرَهَا لِتَأْكِيدِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ؛ وَهُوَ " الْمَذْهَبُ "، وَلِذَلِكَ ذَكَرَهَا بِغَيْرِ وَاوٍ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ أَنَّ الْمُلْتَقِطَ يَمْلِكُهَا بَعْدَ حَوْلِ التَّعْرِيفِ، إِذْ لَوْ لَمْ يَمْلِكْهَا لَوَجَبَ عَلَى مَالِكِهَا زَكَاتُهَا لِجَمِيعِ الْأَحْوَالِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَحِينَئِذٍ إِذَا مَلَكَهَا الْمُلْتَقِطِ اسْتَقْبَلَ بِهَا حَوْلًا وَزَكَّى، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا مِلْكًا تَامًّا، فَوَجَبَتْ كَسَائِرِ مَالِهِ، وَكَوْنُ الْمَالِكِ لَهُ انْتِزَاعُهَا إِذَا عَرَفَهَا، كَمَالٍ وَهَبَهُ لِابْنِهِ، وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ مَدِينٌ بِهَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا زَكَاةَ عَلَى رَبِّهَا إِذَا زَكَّاهَا الْمُلْتَقِطُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنْ أَخْرَجَ الْمُلْتَقِطُ زَكَاتَهَا عَلَيْهِ مِنْهَا، ثُمَّ أَخَذَهَا رَبُّهَا رَجَعَ عليه بِمَا أَخْرَجَ فِي الْأَشْهَرِ.
1 -
مَسَائِلُ: يُجْزِئُ الصَّدَاقُ وَعِوَضُ الْخُلْعِ، وَالْأُجْرَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْفِ الْمَنْفَعَةَ فِي حَوْلِ الزَّكَاةِ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ جَمِيعَهُ مُسْتَقِرٌّ، وَتَعْرِيضُهُ لِلزَّوَالِ لَا تَأْثِيرَ لَهُ؛ وَهُوَ ظَاهِرُ إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، وَعَنْهُ: حَتَّى يُقْبَضَ ذَلِكَ، وَعَنْهُ: لَا زَكَاةَ فِي صَدَاقٍ قَبْلَ الدُّخُولِ حَتَّى يُقْبَضَ، فَيَثْبُتُ الِانْعِقَادُ وَالْوُجُوبُ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَحَكَاهُ الْمَجْدُ إِجْمَاعًا مَعَ احْتِمَالِ الِانْفِسَاخِ، وَعَنْهُ: يَمْلِكُ نِصْفَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ.
قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَكَذَا في الْخِلَافُ فِي اعْتِبَارِ الْقَبْضِ فِي كُلِّ دَيْنٍ، لَا فِي مُقَابَلَةِ مَالٍ أَوْ مَالٍ غَيْرِ زَكَوِيٍّ عِنْدَ الْكُلِّ، كَمُوصًى بِهِ وَمَوْرُوثٍ، وَعَنْ مَسْكَنٍ، وَعَنْهُ: لَا حَوْلَ لِأُجْرَةٍ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ كَالْمَعْدِنِ، وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِأُجْرَةِ الْعَقَارِ، وَإِنْ سَقَطَ قَبْلَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْقَبْضِ لِانْفِسَاخِ النِّكَاحِ مِنْ جِهَتِهَا، فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهَا فِي الْأَشْهَرِ، وَإِنْ زَكَّتْ صَدَاقَهَا، ثُمَّ تَنَصَّفَ بِطَلَاقِهِ، رَجَعَ الزَّوْجُ فِيمَا بَقِيَ بِجَمِيعِ حَقِّهِ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، وإِنْ لَمْ تَكُنْ زَكَّتْهُ قَبْلَ الطَّلَاقِ، فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُخْرِجَ بَعْدَهُ، فَإِنْ فَعَلَتْ لَمْ يُجْزِئْهَا؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُشْتَرِكًا، وَإِنْ زَكَّتْهُ مِنْ غَيْرِهِ رَجَعَ بِنِصْفِهِ كَامِلًا، وَلَا زَكَاةَ فِي الْفَيْءِ وَالْخُمُسِ، وَلَوْ عَزَلَهَا الْإِمَامُ مِنْهَما، وَلَا فِي الْغَنِيمَةِ وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ، وَلَا فِي الذِّمَّةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ قَبْلَ الْحَوْلِ، وَيَجِبُ فِي مَبِيعٍ قَبْلَ الْقَبْضِ، جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ، فَيُزَكِّيهِ الْمُشْتَرِي مُطْلَقًا، وَكَذَا مَبِيعٌ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، أَوْ خِيَارِ الْمَجْلِسِ، فَيُزَكِّيهِ مَنْ حُكِمَ لَهُ بِمِلْكِهِ، وَلَوْ فُسِخَ الْعَقْدُ، وَدَيْنُ السَّلَمِ إِنْ كَانَ لِلتِّجَارَةِ وَلَمْ يَكُنْ أَثْمَانًا، وَعَنِ الْمَبِيعِ، وَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ قَبْلَ عِوَضِهِمَا وَلَوِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ، وَيَجِبُ فِي مَالِ الِابْنِ، وَإِنْ كَانَ مُعَرَّضًا لِتَمَلُّكِ الْأَبِ وَرُجُوعِهِ، وَيَجِبُ فِي وَدِيعَةٍ وَمَرْهُونٍ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يَجِبُ فِي مَالٍ حَجَرَ عَلَيْهِ الْقَاضِي لِلْغُرَمَاءِ، كَالْمَغْصُوبِ تَشْبِيهًا لِلْمَنْعِ الشَّرْعِيِّ بِالْمَنْعِ الْحِسِّيِّ، فَإِنْ حُجِرَ عَلَيْهِ بَعْدَ وُجُوبِهَا، لَمْ يَسْقُطْ، وَقِيلَ: بَلْ إِنْ كَانَ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنَ الْإِخْرَاجِ، وَلَهُ إِخْرَاجُهَا مِنْهُ فِي وَجْهٍ، وَلَا يُقْبَلُ إِقْرَارُهُ بِهَا، وَعَنْهُ: بَلْ كَمَا لَوْ صَدَّقَهُ الْغَرِيمُ (وَلَا زَكَاةَ فِي مَالِ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُنْقِصُ النِّصَابَ) ؛ أَيْ: يَمْنَعُ الدَّيْنُ - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ الْمَالِ - وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي قَدْرِهِ مِنَ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنِةِ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ لِقَوْلِ عُثْمَانَ: هَذَا شَهْرُ زَكَاتِكُمْ، فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيَقْضِهِ، وَلْيُزَكِّ مَا بَقِيَ. رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَأَبُو عَبِيدٍ، وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ، وَالْأَمْوَالُ الْبَاطِنِةُ هِيَ الْأَثْمَانُ، وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ، ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ، وَالسَّامِرِيُّ، وَفِي الْمَعْدِنِ وَجْهَانِ، وَجَزَمَ الشِّيرَازِيُّ بِأَنَّهَا الْأَثْمَانُ فَقَطْ، وَعَنْهُ: لَا يُمْنَعُ لِمَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَالِّ وَالْمُؤَجَّلِ، ذَكَرَهُ السَّامِرِيُّ.
قَالَ: وَلَمْ يُفَرِّقْ أَصْحَابُنَا، وَجَزَمَ فِي " الْإِرْشَادِ " وَغَيْرُهُ بِأَنَّ مَانِعَهَا الدَّيْنُ الْحَالُّ خَاصَّةً؛ وَهُوَ رِوَايَةٌ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِهِ إِلَّا دَيْنًا بِسَبَبِ ضَمَانٍ أَوْ مَئُونَةِ حَصَادٍ وَدِيَاسٍ، وَلَا يَمْنَعُ الدَّيْنُ خُمُسَ الرِّكَازِ وَيَمْنَعُ الْخَرَاجَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَكَذَا دَيْنُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ لَا الضَّامِنِ، خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي، كَنِصَابٍ غَصْبِ مَنْ غَاصَبَهُ وَأَتْلَفَهُ، فَإِنَّ
الْمَوَاشِي وَالْحُبُوبِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْكَفَّارَةِ كَالدَّيْنِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْمَنْعَ يَخْتَصُّ بِالثَّانِي، مَعَ أَنَّ لِلْمَالِكِ طَلَبَ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَلَوِ اسْتَأْجَرَ لِرَعْيِ غَنَمِهِ بِشَاةٍ مَوْصُوفَةٍ، صَحَّ؛ وَهِيَ كَالدَّيْنِ فِي مَنْعِهَا الزَّكَاةَ.
1 -
فَرْعٌ: إِذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَلَهُ دَيْنٌ مِثْلُهُ، جَعَلَ الدَّيْنَ فِي مُقَابَلَةِ مَا فِي يَدِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَفِيهِ وَجْهٌ فِي مُقَابَلَةِ دَيْنِهِ إِنْ كَانَ عَلَى مَلِيءٍ (إِلَّا فِي الْمَوَاشِي وَالْحُبُوبِ) وَالثِّمَارِ، وَتُسَمَّى الْأَمْوَالَ الظَّاهِرَةَ (فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ؛ «لِأَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَبْعَثُ سُعَاتَهُ فَيَأْخُذُونَ الزَّكَاةَ مِمَّا وَجَدُوا مِنَ الْمَالِ الظَّاهِرِ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ عَنْ دَيْنِ صَاحِبِهِ، بِخِلَافِ الْبَاطِنَةِ» ، وَكَذَا الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ؛ وَلِأَنَّ تَعَلُّقَ الْأَطْمَاعِ مِنَ الْفُقَرَاءِ بِهَا أَكْثَرُ، وَالْحَاجَةَ إِلَى حِفْظِهَا أَوْفَرُ بِخِلَافِ الْبَاطِنَةِ، وَالثَّانِيَةُ: يَمْنَعُ، اخْتَارَهَا الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَجَمْعٌ؛ وَهِيَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ تَوَجُّهَ الْمُطَالَبَةِ أَظْهَرُ وَإِلْزَامَ الْحَاكِمِ بِالْأَدَاءِ مِنْهَا آكَدُ وَأَشَدُّ، وَفِي مَالِهِ يَمْنَعُ مَا اسْتَدَانَهُ لِلنَّفَقَةِ عَلَى ذَلِكَ دُونَ مَا اسْتَدَانَهُ لِلنَّفَقَةِ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ مِنْ مَصَالِحِ الزَّرْعِ، فَهُوَ كَالْخَرَاجِ، بِخِلَافِ الثَّانِي، وَرَدَّهُ بَعْضُهُمْ، لِكَوْنِهَا لَا تَخْرُجُ عَنِ الْأُولَتَيْنِ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ مِنْ مَصَالِحِ الزَّرْعِ فَلَهُ إِخْرَاجُهُ مِنْهُ عَلَى كِلْتَا الرِّوَايَتَيْنِ، فَإِذَا لَمْ يُخْرِجْهُ أَوَّلًا أَخْرَجْنَاهُ ثَانِيَةً؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ إِنَّمَا تَجِبُ فِيمَا بَقِيَ بعده، وَفِي رَابِعَةٍ: يَمْنَعُ مَا اسْتَدَانَهُ لِلنَّفَقَةِ عَلَى زَرْعِهِ وَثَمَرِهِ، أَوْ كَانَ مِنْ ثَمَنِهِ خَاصَّةً خَلَا الْمَاشِيَةَ وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ.
قَالَ أَحْمَدُ: اخْتَلَفَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: يُخْرِجُ مَا اسْتَدَانَهُ وَأَنْفَقَ عَلَى ثَمَرَتِهِ وَأَهْلِهِ، ويزكي ما بقي.
وَقَالَ ابْنَ عَبَّاسٍ: يُخْرِجُ مَا اسْتَدَانَهُ عَلَى ثَمَرَتِهِ، وَيُزَكِّي مَا بَقِيَ، وَإِلَيْهِ أَذْهَبُ؛ لِأَنَّ الْمُصَدِّقَ إِذَا جَاءَ فَوَجَدَ إِبِلًا أَوْ بَقَرًا أَوْ غَنَمًا لَمْ يَسْأَلْ أَيَّ شَيْءٍ عَلَى صَاحِبِهَا؛ وَلَيْسَ الْمَالُ هَكَذَا (وَالْكَفَّارَةُ كَالدَّيْنِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) وَهَذَا رِوَايَةٌ، وَصَحَّحَهَا صَاحِبُ " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الرِّعَايَةِ "، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْبَنَّا فِي " خِلَافِهِ " فِي الْكَفَّارَةِ وَالْخَرَاجِ؛ وَلِأَنَّ ذَلِكَ يَجِبُ قَضَاؤُهُ، أَشْبَهَ دَيْنَ الْآدَمِيِّ، وَلِقَوْلِهِ عليه السلام:«دَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ» ، وَكَذَا حُكْمُ نَذْرٍ مُطْلَقٍ،