الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
" سَبِّحْ "، وَفِي الثَّانِيَةِ:" قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ "، وَفِي الثَّالِثَةِ:" قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ "
وَيَقْنُتُ فِيهَا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَلِأَنَّ الْوَاحِدَةَ الْمُفْرَدَةَ اخْتُلِفَ فِي كَرَاهَتِهَا، وَالْأَفْضَلُ: أَنْ يَتَقَدَّمَهَا شَفْعٌ، فَلِذَلِكَ كَانَتِ الثَّلَاثُ أَدْنَى لِلْكَمَالِ، لَكِنْ إِنْ سَرَدَهُنَّ بِسَلَامٍ جَازَ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ.
وَقَالَ الْقَاضِي: إِذَا صَلَّى الثَّلَاثَ بِسَلَامٍ، وَلَمْ يَكُنْ جَلَسَ عَقِيبَ الثَّانِيَةِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ جَلَسَ؛ فَوَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا لَا يَكُونُ وَتْرًا.
[الْقِرَاءَةُ فِي الْوَتْرِ]
(يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بَعْدَ الْفَاتِحَةِ: " سَبِّحْ "، وَفِي الثَّانِيَةِ: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، وَفِي الثَّالِثَةِ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ ذَلِكَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ، مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ. زَادَ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ:«فَإِذَا سَلَّمَ قَالَ: " سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ " ثَلَاثًا» ، وَلَهُمَا فِي رِوَايَةٍ:«وَرَفَعَ صَوْتَهُ بِالْآخِرَةِ» ، وَعَنْهُ: يُضِيفُ مَعَ الْإِخْلَاصِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَقْرَأُ بِذَلِكَ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، لَكِنْ فِيهِ ضَعْفٌ.
وَذَكَرَ فِي " التَّحْقِيقِ " أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَقَدْ أَنْكَرَ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِينٍ زِيَادَتَهُمَا.
[الْقُنُوتُ فِي الْوَتْرِ]
(وَيَقْنُتُ فِيهَا) أَيْ: فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَقُولُ فِي وَتْرِهِ أَشْيَاءَ تَأْتِي، وَ (كَانَ) لِلدَّوَامِ، وَلِأَنَّ مَا شُرِعَ فِي رَمَضَانَ شُرِعَ فِي غَيْرِهِ كَعَدَدِهِ، وَعَنْهُ: لَا يَقْنُتُ إِلَّا فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ، اخْتَارَهُ الْأَثْرَمُ؛
بَعْدَ الرُّكُوعِ، فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَهْدِيكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ، وَنَتُوبُ إِلَيْكَ وَنُؤْمِنُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
لِأَنَّ أُبَيًّا كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ حِينَ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالْبَيْهَقِيُّ، وَفِيهِ انْقِطَاعٌ، ثُمَّ هُوَ رَأْيُ أُبَيٍّ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ رَجَعَ عَنْهَا، وَخَيَّرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ بَيْنَ فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ، وَأَنَّهُ إِنْ صَلَّى بِهِمْ قِيَامَ رَمَضَانَ، فَإِنْ قَنَتَ جَمِيعَ الشَّهْرِ، أَوْ نِصْفَهُ الْأَخِيرَ، أَوْ لَمْ يَقْنُتْ بِحَالٍ، فَحَسَنٌ. (بَعْدَ الرُّكُوعِ) نَصَّ عَلَيْهِ، رُوِيَ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، وَأَنَسٌ:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: يُسَنُّ قَبْلَهُ، لَكِنْ يُكَبِّرُ، ثُمَّ يَقْنُتُ، نَصَّ عَلَيْهِ، رُوِيَ عَنْ جَمْعٍ مِنَ الصَّحَابَةِ.
قَالَ الْخَطِيبُ: الْأَحَادِيثُ الَّتِي جَاءَ فِيهَا قَبْلَ الرُّكُوعِ كُلُّهَا مَعْلُولَةٌ، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَى صَدْرِهِ، وَيَبْسُطُ بُطُونَهُمَا نَحْوَ السَّمَاءِ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ. (فَيَقُولُ) الْإِمَامُ جَهْرًا، وَكَذَا مُنْفَرِدًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: وَمَأْمُومًا. وَكَانَ أَحْمَدُ: يُسِرُّ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: أَنَّ الْجَهْرَ مُخْتَصٌّ بِالْإِمَامِ فَقَطْ.
قَالَ فِي " الْخِلَافِ ": وَهُوَ أَظْهَرُ.
(اللَّهُمَّ) أَصْلُهُ: يَا اللَّهُ؛ فَحُذِفَتْ يَاءٌ مِنْ أَوَّلِهِ، وَعُوِّضَ عَنْهَا الْمِيمُ فِي آخِرِهِ؛ وَلِذَلِكَ لَا يَجْتَمِعَانِ إِلَّا فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ؛ لِئَلَّا يُجْمَعَ بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ، وَلَخَّصُوا فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الِابْتِدَاءُ بِلَفْظِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى تَبَرُّكًا وَتَعْظِيمًا أَوْ طَلَبًا لِلتَّخْفِيفِ بِتَصْيِيرِ اللَّفْظَيْنِ لَفْظًا وَاحِدًا. (إِنَّا نَسْتَعِينُكَ، وَنَسْتَهْدِيكَ، وَنَسْتَغْفِرُكَ) أَيْ: نَطْلُبُ مِنْكَ الْمَعُونَةَ، وَالْهِدَايَةَ، وَالْمَغْفِرَةَ. (وَنَتُوبُ إِلَيْكَ) التَّوْبَةُ: الرُّجُوعُ عَنِ الذَّنْبِ، وَفِي الشَّرْعِ: النَّدَمُ عَلَى مَا مَضَى مِنَ الذَّنْبِ، وَالْإِقْلَاعُ فِي الْحَالِ، وَالْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ الْعَوْدِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ؛ تَعْظِيمًا لِلَّهِ
بِكَ، وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْكَ، وَنُثْنِي عَلَيْكَ الْخَيْرَ كُلَّهُ، نَشْكُرُكَ وَلَا نَكْفُرُكَ، اللَّهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ، وَلَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُدُ، وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ، وَنَخْشَى عَذَابَكَ، إِنَّ عَذَابَكَ الْجِدَّ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
تَعَالَى، فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ لِآدَمِيٍّ فَلَا بُدَّ أَنْ يُحَلِّلَهُ، (وَنُؤْمِنُ بِكَ) أَيْ: نُصَدِّقُ بِوَحْدَانِيَّتِكَ (وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْكَ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: التَّوَكُّلُ إِظْهَارُ الْعَجْزِ، وَالِاعْتِمَادُ عَلَى الْغَيْرِ، وَالِاسْمُ التُّكْلَانُ.
وَقَالَ ذُو النُّونِ الْمِصْرِيُّ: هُوَ تَرْكُ تَدْبِيرِ النَّفْسِ، وَالِانْخِلَاعُ مِنَ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ.
وَقَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: هُوَ الِاسْتِرْسَالُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا يُرِيدُ (وَنُثْنِي عَلَيْكَ الْخَيْرَ كُلَّهُ) أَيْ: نَمْدَحُكَ، وَنَصِفُكَ بِالْخَيْرِ، وَالثَّنَاءُ فِي الْخَيْرِ خَاصَّةً، وَبِتَقْدِيمِ النُّونِ يُسْتَعْمَلُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ.
وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ الْمُعَافِرِيُّ: أَثْنَيْتُ عَلَى الرَّجُلِ: وَصَفْتُهُ بِخَيْرٍ أَوْ شَرٍّ (نَشْكُرُكَ وَلَا نَكْفُرُكَ) أَصْلُ الْكُفْرِ: الْجُحُودُ وَالشَّرُّ.
قَالَ فِي " الْمَطَالِعِ ": وَالْمُرَادُ هُنَا كُفْرُ النِّعْمَةِ، لِاقْتِرَانِهِ بِالشُّكْرِ.
(اللَّهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: مَعْنَى الْعِبَادَةِ الطَّاعَةُ، وَالْخُضُوعُ، وَالتَّذَلُّلُ، وَلَا يَسْتَحِقُّهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى.
قَالَ الْفَخْرُ إِسْمَاعِيلُ، وَأَبُو الْبَقَاءِ: الْعِبَادَةُ مَا أُمِرَ بِهِ شَرْعًا مِنْ غَيْرِ اطِّرَادٍ عُرْفِيٍّ، وَلَا اقْتِضَاءٍ عَقْلِيٍّ، وَسُمِّيَ الْعَبْدُ عَبْدًا لِذِلَّتِهِ، وَانْقِيَادِهِ لِمَوْلَاهُ. (وَلَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُدُ) لَا لِغَيْرِكَ، (وَإِلَيْكَ نَسْعَى) . يُقَالُ: سَعَى يَسْعَى سَعْيًا: إِذَا عَدَا، وَقِيلَ: إِذَا كَانَ بِمَعْنَى الْجَرْيِ عُدِّيَ بِإِلَى، وَإِذَا كَانَ بِمَعْنَى الْعَمَلِ فَبِاللَّامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا} [الإسراء: 19] . (وَنَحْفِدُ) بِفَتْحِ النُّونِ، وَيَجُوزُ ضَمُّهَا، يُقَالُ: حَفَدَ بِمَعْنَى أَسْرَعَ، وَأَحْفَدَ لُغَةٌ فِيهِ بِمَعْنَى يَحْفِدُ يُسْرِعُ، أَيْ: يُبَادِرُ الْعَمَلَ، وَالْخِدْمَةَ (نَرْجُو رَحْمَتَكَ) يُقَالُ: رَجَوْتُهُ، أَيْ أَمَّلْتُهُ، وَالرَّحْمَةُ: سَعَةُ الْعَطَاءِ، وَ (نَخْشَى عَذَابَكَ) : أَيْ نَخَافُ عُقُوبَتَكَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الحجر: 49]{وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ} [الحجر: 50](إِنَّ عَذَابَكَ الْجِدَّ) بِكَسْرِ الْجِيمِ: الْحَقَّ، لَا اللَّعِبَ. (بِالْكَفَّارِ مُلْحِقٌ) بِكَسْرِ الْحَاءِ، أَيْ لَاحِقٌ بِهِمْ، وَمَنْ فَتَحَهَا أَرَادَ أَنَّ اللَّهَ يُلْحِقُهُ إِيَّاهُ، وَهُوَ مَعْنًى صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّ الرِّوَايَةَ هِيَ الْأُولَى.
قَالَ الْخَلَّالُ: سَأَلْتُ ثَعْلَبًا عَنْ مُلْحِقٍ، وَمُلْحَقٍ؛ فَقَالَ: الْعَرَبُ تَقُولُهُمَا جَمِيعًا. هَذَا الدُّعَاءُ قَنَتَ بِهِ عُمَرُ رضي الله عنه، وَفِي أَوَّلِهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَفِي
بِالْكُفَّارِ مُلْحِقٌ. اللَّهُمَّ اهْدِنَا فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنَا فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَبَارِكْ لَنَا فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَتَوَلَّنَا فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَقِنَا شَرَّ مَا قَضَيْتَ، إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، إِنَّهُ لَا يُذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ. اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِرِضَاكَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
آخِرِهِ: اللَّهُمَّ عَذِّبْ كَفَرَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، وَهَاتَانِ سُورَتَانِ فِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ.
قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: كَتَبَهُمَا أُبَيٌّ فِي مُصْحَفِهِ إِلَى قَوْلِهِ: مُلْحِقٌ، زَادَ غَيْرُ وَاحِدٍ: وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَكْفُرُكَ.
(اللَّهُمَّ اهْدِنَا فِيمَنْ هَدَيْتَ) أَصْلُ الْهُدَى: الرَّشَادُ وَالْبَيَانُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52] فَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56] فَهِيَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ، وَالْإِرْشَادُ، وَطَلَبُ الْهِدَايَةِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ كَوْنِهِمْ مُهْتَدِينَ بِمَعْنَى طَلَبِ التَّثَبُّتِ عَلَيْهَا، أَوْ بِمَعْنَى الْمَزِيدِ مِنْهَا. (وَعَافِنَا فِيمَنْ عَافَيْتَ) الْمُرَادُ بِهَا: الْعَافِيَةُ مِنَ الْأَسْقَامِ، وَالْبَلَايَا، وَالْمُعَافَاةُ: أَنْ يُعَافِيَكَ اللَّهُ مِنَ النَّاسِ، وَيُعَافِيَهُمْ مِنْكَ، وَ (بَارِكْ لَنَا فِيمَا أَعْطَيْتَ) الْبَرَكَةُ: الزِّيَادَةُ، وَقِيلَ: هِيَ حُلُولُ الْخَيْرِ الْإِلَهِيِّ فِي الشَّيْءِ، وَالْعَطِيَّةُ: الْهِبَةُ، وَالْمُرَادُ بِهَا: مَا أَنْعَمَ بِهِ، (وَتَوَلَّنَا فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ) الْوَلِيُّ: ضِدُّ الْعَدُوِّ؛ وَهُوَ فَعِيلٌ مِنْ تَلَيْتُ الشَّيْءَ إِذَا عَنَيْتَ بِهِ، وَنَظَرْتَ فِيهِ؛ كَمَا يَنْظُرُ الْوَلِيُّ فِي مَالِ الْيَتِيمِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى يَنْظُرُ فِي أَمْرِ وَلِيِّهِ بِالْعِنَايَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَلَيْتُ الشَّيْءَ: إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَاسِطَةٌ؛ بِمَعْنَى أَنَّ الْوَلِيَّ يَقْطَعُ الْوَسَائِطَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يَصِيرَ فِي مَقَامِ الْمُرَاقَبَةِ وَالْمُشَاهَدَةِ؛ وَهُوَ مَقَامُ الْإِحْسَانِ، (وَقِنَا شَرَّ مَا قَضَيْتَ إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ) سُبْحَانَهُ لَا رَادَّ لِأَمْرِهِ، وَلَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ؛ فَإِنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ «إِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَلَفْظُهُ لَهُ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ:«عَلَّمَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي قُنُوتِ الْوَتْرِ: (اللَّهُمَّ اهْدِنِي) إِلَى (وَتَعَالَيْتَ) وَلَيْسَ فِيهِ: (وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ) » ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَأَثْبَتَهَا فِيهِ، وَتَبِعَهُ الْمُؤَلِّفُ. وَالرِّوَايَةُ إِفْرَادُ الضَّمِيرِ، وَجَمَعَهَا الْمُؤَلِّفُ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ الْمَأْمُومَ فِي الدُّعَاءِ.
مِنْ سَخَطِكَ، وَبِعَفْوِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَبِكَ مِنْكَ، لَا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَفِي " الرِّعَايَةِ " لَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا قَضَيْتَ، نَسْتَغْفِرُكَ اللَّهُمَّ وَنَتُوبُ إِلَيْكَ، لَا لَجَأَ، وَلَا مَلْجَأَ، وَلَا مُلْتَجَأَ، وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ ".
(اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِعَفْوِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَبِكَ مِنْكَ) .
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِي هَذَا مَعْنًى لَطِيفٌ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ سَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُجِيرَهُ بِرِضَاهُ مِنْ سَخَطِهِ، وَهُمَا ضِدَّانِ، وَمُتَقَابِلَانِ، وَكَذَلِكَ الْمُعَافَاةُ، وَالْمُؤَاخَذَةُ بِالْعُقُوبَةِ، لَجَأَ إِلَى مَا لَا ضِدَّ لَهُ؛ وَهُوَ اللَّهُ، أَظْهَرَ الْعَجْزَ وَالِانْقِطَاعَ، وَفَزِعَ مِنْهُ إِلَيْهِ، فَاسْتَعَاذَ بِهِ مِنْهُ.
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ فِي دُعَائِهِ: أَعُوذُ بِكَ مِنْكَ؛ إِذْ حَاصِلُهُ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ اللَّهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ إِذْ هُوَ ثَابِتٌ فِي الْخَبَرِ (لَا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ) أَيْ: لَا نُطِيقُهُ، وَلَا نَبْلُغُهُ، وَلَا تَنْتَهِي غَايَتُهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} [المزمل: 20] أَيْ: تُطِيقُوهُ.
(أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ) اعْتِرَافٌ بِالْعَجْزِ عَنْ تَفْصِيلِ الثَّنَاءِ، وَرَدٌّ إِلَى الْمُحِيطِ عِلْمُهُ بِكُلِّ شَيْءٍ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا، فَكَمَا أَنَّهُ لَا نِهَايَةَ لِسُلْطَانِهِ وَعَظَمَتِهِ، لَا نِهَايَةَ لِثَنَاءٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْمُثْنَى عَلَيْهِ. رُوِيَ هَذَا عَنْ عَلِيٍّ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ فِي آخِرِ وَتْرِهِ: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ.
قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَيَقُولُ فِي قُنُوتِ الْوَتْرِ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ؛ وَهُوَ مَعْنَى مَا نَقَلَهُ أَبُو الْحَارِثِ: يَدْعُو بِمَا شَاءَ، وَاقْتَصَرَ جَمَاعَةٌ عَلَى دُعَاءِ:(اللَّهُمَّ اهْدِنِي) وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ، وَاخْتَارَهُ أَحْمَدُ.
وَنَقَلَ الْمَرْوَزِيُّ: يُسْتَحَبُّ بِالسُّورَتَيْنِ، وَأَنَّهُ لَا تَوْقِيتَ، ويصلي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، نَصَّ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: مِنْ أَوَّلِهِ وَوَسَطِهِ وَآخِرِهِ، وَفِي " التَّبْصِرَةِ ": وَعَلَى آلِهِ، وقَوْله تَعَالَى {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} [الإسراء: 111] الْآيَةَ.