الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
وَ
صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ
مُسْتَحَبَّةٌ، وَهِيَ أَفْضَلُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَأَوْقَاتِ الْحَاجَةِ، وَالصَّدَقَةُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ.
وَتُسْتَحَبُّ الصَّدَقَةُ بِالْفَاضِلِ عَنْ كِفَايَتِهِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
[صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ]
فَصْلٌ (وَصَدَقَةُ التَّطَوُّعِ مُسْتَحَبَّةٌ) فِي كُلِّ وَقْتٍ إِجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِهَا، وَحَثَّ عَلَيْهَا، وَرَغَّبَ فِيهَا فَقَالَ:{مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} [البقرة: 245] وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كسب طَيِّبٍ، وَلَا يَصْعَدُ إِلَيْهِ إِلَّا طِيِّبٌ، فَإِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَفْضَلُهَا أَنْ تَكُونَ سِرًّا بِطِيبِ نَفْسٍ فِي الصِّحَّةِ، لِلْأَخْبَارِ؛ (وَهِيَ أَفْضَلُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ) لِحَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا:«أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: صَدَقَةُ رَمَضَانَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَغَرَّبَهُ، وَلِمُضَاعَفَةِ الْحَسَنَاتِ، وَفِيهِ إِعَانَةٌ عَلَى أَدَاءِ الصَّوْمِ الْمَفْرُوضِ، وَكَذَا كُلُّ زَمَانٍ أَوْ مَكَانٍ فَاضِلٍ كَالْعَشْرِ، وَالْحَرَمَيْنِ، (وَأَوْقَاتِ الْحَاجَّةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} [البلد: 14] الْآيَةَ، وَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ مَرْفُوعًا قَالَ:«مَنْ أَطْعَمَ مُؤْمِنًا جَائِعًا أَطْعَمَهُ اللَّهُ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ سَقَى مُؤْمِنًا عَلَى ظَمَأٍ، سَقَاهُ اللَّهُ مِنَ الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ، وَيَبْدَأُ بِمَنْ هُوَ أَشَدُّ حَاجَةً، وَالصَّدَقَةُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ؛ لِقَوْلِهِ عليه السلام:«الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ، لَا سِيَّمَا مَعَ عَدَاوَتِهِ؛ لِقَوْلِهِ:«أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْجَارُ مِثْلُهُ؛ وَهِيَ عَلَيْهِمْ أَفْضَلُ مِنَ الْعِتْقِ. نَقَلَهُ حَرْبٌ، وَالْعِتْقُ أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ عَلَى الْأَجَانِبِ إِلَّا زَمَنَ الْغَلَاءِ وَالْحَاجَةِ، نَقَلَهُ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَاخْتُلِفَ هَلْ حَجُّ التَّطَوُّعِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ مَعَ الْحَاجَةِ أَمْ مَعَهَا عَلَى
وَكِفَايَةِ مَنْ يُمَوِّنُهُ، وَإِنْ تَصَدَّقَ بِمَا يُنْقِصُ مُؤْنَةَ مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتَهُ أَثِمَ، وَمَنْ أَرَادَ الصَّدَقَةَ بِمَالِهِ كُلِّهِ، وَهُوَ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ حُسْنَ التَّوَكُّلِ، وَالصَّبْرَ عَنِ الْمَسْأَلَةِ فَلَهُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْقَرِيبِ أَمْ عَلَى القَرِيبِ مُطْلَقًا؟ فِيهِ رِوَايَاتٌ أَرْبَعٌ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّ الْحَجَّ أَفْضَلُ، وَأَنَّهُ مَذْهَبُ أَحْمَدَ.
1 -
(وَتُسْتَحَبُّ الصَّدَقَةُ بِالْفَاضِلِ عَنْ كِفَايَتِهِ، وَكِفَايَةِ مَنْ يُمَوِّنُهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [البقرة: 219] قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: هُوَ الْفَاضِلُ عَنْ حَاجَتِهِ، وَحَاجَةِ عِيَالِهِ؛ وَلِأَنَّ النَّفْسَ تَطِيبُ بِهِ، وَلِقَوْلِهِ عليه السلام:«خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَطْلَقَ الْمُؤَلَّفُ الْكِفَايَةَ تَبَعًا لِغَيْرِهِ، وَالْمُرَادُ دَائِمًا كَمَا ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ بِمَتْجَرٍ أَوْ غَلَّةِ مِلْكٍ أَوْ وَقْفٍ أَوْ صَنْعَةٍ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي الْأَخِيرَيْنِ، (وَإِنْ تَصَدَّقَ بِمَا يُنْقِصُ مُؤْنَةَ مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتَهُ أَثِمَ) لِقَوْلِهِ عليه السلام:«كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَلِمُسْلِمٍ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَإِثْمُهُ لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ.
قَالَ الْأَصْحَابُ: وَكَذَا إِنْ أَضَرَّ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَرِيمِهِ أَوْ بِكَفَالَتِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ إِنْ لَمْ يَضُرَّ، فَالْأَصْلُ الِاسْتِحْبَابُ، وَجَزَمَ فِي " الرِّعَايَةِ " وَغَيْرِهَا أَنَّهُ يُكْرَهُ التَّصَدُّقُ قَبْلَ الْوَفَاءِ وَالْإِنْفَاقِ الْوَاجِبِ.
1 -
(وَمَنْ أَرَادَ الصَّدَقَةَ بِمَالِهِ كُلِّهِ) وَكَانَ مُنْفَرِدًا (وَهُوَ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ حُسْنَ التَّوَكُّلِ) وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنِ الثِّقَةِ بِمَا عِنْدَ اللَّهِ، وَالْيَأْسِ عَمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ، (وَالصَّبْرَ عَنِ الْمَسْأَلَةِ فَلَهُ ذَلِكَ) وَحَكَاهُ عِيَاضٌ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَأَئِمَّةِ الْأَمْصَارِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] وَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ بِجَمِيعِ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ» فَقَالَ: اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَكَانَ هَذَا فضيلة فِي حَقِّ الصِّدِّيقِ لِقُوَّةِ
ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَثِقْ مِنْ نَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ، وَيُكْرَهُ لِمَنْ لَا صَبْرَ لَهُ عَلَى الضِّيقِ أَنْ يُنْقِصَ نَفْسَهُ عَنِ الْكِفَايَةِ التَّامَّةِ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
يَقِينِهِ، وَكَمَالِ إِيمَانِهِ، وَهَذَا يَقْتَضِي الِاسْتِحْبَابَ، وَعَنْ عُمَرَ: رَدُّ جَمِيعِ صَدَقَتِهِ، وَمَذْهَبُ أَهْلِ الشَّامِ يَنْفُذُ فِي الثُّلُثِ، وَعَنْ مَكْحُولٍ: فِي النِّصْفِ (وَإِنْ لَمْ يَثِقْ مِنْ نَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ) ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِمَا رَوَى جَابِرٌ مَرْفُوعًا قَالَ:«خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. فَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَيُحْجَرُ عَلَيْهِ، وَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " أَنَّهُ يُكْرَهُ، فَإِنْ كَانَ لَهُ عَائِلَةٌ، وَلَهُمْ كِفَايَةٌ، أَوْ يَكْفِيهِمْ بِكَسْبِهِ، جَازَ لِقِصَّةِ الصِّدِّيقِ، (وَيُكْرَهُ لِمَنْ لَا صَبْرَ لَهُ عَلَى الضِّيقِ) وَلَا عَادَةَ لَهُ بِهِ (أَنْ يُنْقِصَ نَفْسَهُ عَنِ الْكِفَايَةِ التَّامَّةِ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّقْتِيرَ وَالتَّضْيِيقَ مَعَ الْقُدْرَةِ شُحٌّ وَبُخْلٌ نَهَى اللَّهُ عَنْهُ، وَتَعَوَّذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْهُ، وَفِيهِ سُوءُ الظَّنِّ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَظَهَرَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّ الْفَقِيرَ لَا يَقْتَرِضُ وَلَا يَتَصَدَّقُ، لَكِنْ نَصَّ أَحْمَدُ فِي فَقِيرٍ لِقَرِيبِهِ وَلِيمَةٌ، يَسْتَقْرِضُ وَيُهْدِي لَهُ؛ وَهُوَ مَحْمُولٌ إِذَا ظَنَّ وَفَاءً.
مَسْأَلَةٌ: يَحْرُمُ الْمَنُّ بِالصَّدَقَةِ وَغَيْرِهَا؛ وَهُوَ كَبِيرَةٌ. نَصُّ أَحْمَدَ فِيهَا، وَيَبْطُلُ الثَّوَابُ بِذَلِكَ، وَلِلْأَصْحَابِ فِيهِ خِلَافٌ، وَفِيه بُطْلَانِ طَاعَةٍ بِمَعْصِيَةٍ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْإِحْبَاطَ لِمَعْنَى الْمُوَازَنَةِ، وَأَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ السَّلَفِ، وَإِذَا أَخْرَجَ شَيْئًا يَتَصَدَّقُ بِهِ، أَوْ وُكِّلَ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ بَدَا لَهُ، اسْتُحِبَّ أَنْ يُمْضِيَهُ وَلَا يَجِبُ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ حَبِيسٌ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَخْرَجَ طَعَامًا لِسَائِلٍ فَلَمْ يَجِدْهُ، عَزَلَهُ حَتَّى يَجِيءَ آخَرُ، وَقَالَهُ الْحَسَنُ، وَمَنْ سَأَلَ فَأُعْطِيَ فَسَخِطَهُ، لَمْ يُعْطَ لِغَيْرِهِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ.