الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
فِي الْوَقْفِ، السُّنَّةُ: أَنْ يَقِفَ الْمَأْمُومُونَ خَلْفَ الْإِمَامِ. فَإِنْ وَقَفُوا قُدَّامَهُ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ وَقَفُوا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ وُقُوفِ الْمَأْمُومِينَ خَلْفَ الْإِمَامِ]
فَصْلٌ
فِي الْمَوْقِفِ (السُّنَّةُ: أَنْ يَقِفَ الْمَأْمُومُونَ) رِجَالًا كَانُوا أَوْ نِسَاءً (خَلْفَ الْإِمَامِ) لِفِعْلِهِ عليه السلام، «كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ قَامَ أَصْحَابُهُ خَلْفَهُ» ، وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ جَابِرًا وَجَبَّارًا وَقَفَ أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِهِ، وَالْآخَرُ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَ بِأَيْدِيهِمَا حَتَّى أَقَامَهُمَا خَلْفَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَلَا يَنْقُلُهُمَا إِلَّا إِلَى الْأَكْمَلِ، وَعَنْ سَمُرَةَ قَالَ:«أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا كُنَّا ثَلَاثَةً أَنْ يَتَقَدَّمَ أَحَدُنَا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ، وَقَالَ: غَرِيبٌ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَرَى أَنْ يَقِفَ الِاثْنَانِ عَنْ جَانِبَيِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى بَيْنَ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ، وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَفِيهِ هَارُونُ بْنُ عَنْتَرَةَ، وَقَدْ وَثَّقَهُ جَمَاعَةٌ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا يَصِحُّ رَفْعُهُ، وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى الْجَوَازِ، وَأَجَابَ ابْنُ سِيرِينَ بِأَنَّ الْمَسْجِدَ كَانَ ضَيِّقًا. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ أَنَّ إِمَامَ الْعُرَاةِ يَقِفُ وَسَطًا وُجُوبًا، وَالْمَرْأَةُ إِذَا صَلَّتْ بِالنِّسَاءِ، (فَإِنْ وَقَفُوا قُدَّامَهُ لَمْ يَصِحَّ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ؛ لِقَوْلِهِ عليه السلام «إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ» ، وَالْمُخَالَفَةُ فِي الْأَفْعَالِ مُبْطِلَةٌ، لِكَوْنِهِ يَحْتَاجُ فِي الِاقْتِدَاءِ إِلَى الِالْتِفَاتِ خَلْفَهُ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ عليه السلام وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْقُولِ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ؛ وَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ الصَّلَوَاتِ، وَلَوْ بِإِحْرَامٍ فَأَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْقِفًا بِحَالٍ، وَالِاعْتِبَارُ بِمُؤَخَّرِ الْقَدَمِ، وَإِلَّا لَمْ يَضُرَّ كَطُولِ الْمَأْمُومِ؛ لِأَنَّهُ يَتَقَدَّمُ بِرَأْسِهِ فِي السُّجُودِ.
عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ جَانِبَيْهِ صَحَّ. وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا وَقَفَ عَنْ يَمِينِهِ، وَإِنْ وَقَفَ خَلْفَهُ، أَوْ عَنْ يَسَارِهِ، لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ أَمَّ امْرَأَةً وَقَفَتْ خَلْفَهُ.
وَإِنِ اجْتَمَعَ أَنْوَاعٌ، تَقَدَّمَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ الْعُرْفُ، فَإِنْ صَلَّى قَاعِدًا فَالِاعْتِبَارُ بِمَحَلِّ الْقُعُودِ؛ وَهُوَ الْأَلْيَةُ، حَتَّى لَوْ مَدَّ رِجْلَيْهِ وَقَدَّمَهَا عَلَى الْإِمَامِ لَمْ يَضُرَّ، وَإِنْ كَانَ مُضْطَجِعًا فَبِالْجَنْبِ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَجْهًا: يُكْرَهُ، وَيَصِحُّ، وَالْمُرَادُ: وَأَمْكَنَ الِاقْتِدَاءُ؛ وَهُوَ مُتَّجِهٌ، أَشْبَهَ مَنْ خَلْفَهُ. وَقِيلَ: تَصِحُّ جُمْعَةٌ، وَعِيدٌ، وَجِنَازَةٌ لِعُذْرٍ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ: مَنْ تَأَخَّرَ بِلَا عُذْرٍ، فَلَمَّا أُذِّنَ جَاءَ فَصَلَّى قُدَّامَهُ؛ عُزِّرَ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُمْ.
قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَفِي صَلَاةِ الْإِمَامِ وَجْهَانِ، هَذَا إِنْ لَمْ يَكُنْ خَلْفَهُ صَفٌّ، لَكِنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ الْمَرْأَةُ إِذَا أَمَّتْ رِجَالًا فِي تَرَاوِيحَ، وَدَاخِلَ الْكَعْبَةِ إِذَا تَقَابَلَا، أَوْ جَعَلَ ظَهْرَهُ إِلَى ظَهْرِ إِمَامِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ خَطَأَهُ، فَإِنْ جَعَلَ ظَهْرَهُ إِلَى وَجْهِهِ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ. فَإِنْ وَقَفُوا حَوْلَ الْكَعْبَةِ مُسْتَدِيرِينَ صَحَّتْ، فَإِنْ كَانَ الْمَأْمُومُ أَقْرَبَ مِنْ جِهَتِهِ مِنَ الْإِمَامِ فِي جِهَتِهِ جَازَ، فَإِنْ كَانَا فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ بَطَلَتْ، وَقَدَّمَ فِي " الرِّعَايَةِ " لَا يَضُرُّ، وَفِي شِدَّةِ الْخَوْفِ إِذَا أَمْكَنَ الْمُتَابَعَةُ (وَإِنْ وَقَفُوا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ جَانِبَيْهِ صَحَّ) لِمَا تَقَدَّمَ، وَقِيلَ: إِنْ وَقَفَ بَيْنَهُمَا، فَفِي الْكَرَاهَةِ احْتِمَالَانِ (وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا وَقَفَ عَنْ يَمِينِهِ)«لِإِدَارَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ابْنَ عَبَّاسٍ وَجَابِرًا إِلَى يَمِينِهِ لَمَّا وَقَفَا عَنْ يَسَارِهِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَيُنْدَبُ تَخَلُّفُهُ قَلِيلًا خَوْفًا مِنَ التَّقَدُّمِ، وَمُرَاعَاةً لِلْمَرْتَبَةِ. فَإِنْ عُدِمَ صِحَّةُ مُصَافَّتِهِ لَمْ يَصِحَّ، وَالْمُرَادُ لِمَنْ لَمْ يَحْضُرْ مَعَهُ أَحَدٌ، فَيَجِيءُ الْوَجْهُ: تَصِحُّ مُنْفَرِدًا، وَكَصَلَاتِهِمْ قُدَّامَهُ، فَفِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ وَجْهَانِ (وَإِنْ وَقَفَ خَلْفَهُ) لِأَنَّهُ صَارَ فَذًّا (أَوْ عَنْ يَسَارِهِ لَمْ يَصِحَّ) كَذَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، وَالْمُرَادُ: إِذَا صَلَّى رَكْعَةً فَأَكْثَرَ، نَصَّ عَلَيْهِ، مَعَ خُلُوِّ يَمِينِهِ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ، اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ، وَالْمُؤَلِّفُ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهِيَ أَظْهَرُ، وَفِي " الشَّرْحِ " هِيَ الْقِيَاسُ، كَمَا لَوْ كَانَ عَنْ يَمِينِهِ، وَكَوْنُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَدَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَجَابِرًا لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الصِّحَّةِ، بِدَلِيلِ رَدِّ جَابِرٍ وَجَبَّارٍ إِلَى وَرَائِهِ مَعَ صِحَّةِ صَلَاتِهِمَا عَنْ جَانِبَيْهِ، وَقِيلَ: يَصِحُّ إِنْ كَانَ خَلْفَهُ صَفٌّ؛ لِأَنَّهُ عليه السلام «صَلَّى وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ يَمِينِهِ» ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ هُوَ الْإِمَامُ، وَفِيهِ شَيْءٌ، وَحُكْمُ الْجَمَاعَةِ كَالْوَاحِدِ.
تَنْبِيهٌ: إِذَا كَبَّرَ عَنْ يَسَارِهِ أَدَارَهُ مِنْ وَرَائَهُ إِلَى يَمِينِهِ، فَإِنْ كَبَّرَ الْآخَرُ عَنْ يَسَارِهِ أَخْذَهُمَا بِيَدِهِ إِلَى وَرَائِهِ، فَإِنْ شَقَّ ذَلِكَ، أَوْ تَعَذَّرَ، تَقَدَّمَ الْإِمَامُ فَصَلَّى بَيْنَهُمَا، أَوْ عَنْ يَسَارِهِمَا، وَلَوْ تَأَخَّرَ الْأَيْمَنُ قَبْلَ إِحْرَامِ الدَّاخِلِ لِيُصَلِّيَا خَلْفَهُ، جَازَ، وَفِي النِّهَايَةِ وَ " الرِّعَايَةِ " بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، وَلَوْ أَدْرَكَهُمَا الدَّاخِلُ جَالِسَيْنِ كَبَّرَ وَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ صَاحِبِهِ، أَوْ يَسَارِ الْإِمَامِ، وَلَا تَأَخَّرَ إِذَنْ لِلْمَشَقَّةِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّ الزَّمْنَى لَا يَتَقَدَّمُونَ وَلَا يَتَأَخَّرُونَ لِلْعِلَّةِ.
(وَإِنْ أَمَّ امْرَأَةً وَقَفَتْ خَلْفَهُ) لِقَوْلِهِ عليه السلام: «أَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ» وَسَوَاءٌ أَكَانَ مَعَهُ رَجُلٌ أَوْ رِجَالٌ، وَلَا يَصِحُّ وُقُوفُ امْرَأَةٍ فَذًّا، فَإِنْ وَقَفَتْ وَحْدَهَا فَهِيَ فَذٌّ، وَصَحَّحَهُ فِي " الْكَافِي "، وَإِنْ وَقَفَتْ مَعَ رَجُلٍ، فَكَذَا فِي قَوْلِ جَمَاعَةٍ، وَنَقَلَهُ الْمَجْدُ عَنْ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ: لَا، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَبُو الْوَفَاءِ، فَإِنْ كَانَ فِي صَفِّ الرِّجَالِ كُرِهَ، وَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاةُ مَنْ يَلِيهَا وَخَلْفَهَا، ذَكَرَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، كَمَا لَوْ وَقَفَتْ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ.
وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِيمَنْ يَلِيهَا رِوَايَةً: تَبْطُلُ، وَفِي " الْفُصُولِ " أَنَّهُ الْأَشْبَهُ، وَأَنَّ أَحْمَدَ
الرِّجَالُ، ثُمَّ الصِّبْيَانُ، ثُمَّ الْخَنَاثَى. ثُمَّ النِّسَاءُ، وَكَذَلِكَ يُفْعَلُ فِي تَقْدِيمِهِمْ إِلَى
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
تَوَقَّفَ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ الْمَنْصُوصُ، وَقِيلَ: وَمَنْ خَلْفَهَا، وَقِيلَ: وَأَمَامَهَا، وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهَا، وَذَهَبَ الشَّرِيفُ، وَأَبُو الْوَفَاءِ إِلَى خِلَافِهِ، لِلنَّهْيِ عَنْ وُقُوفِهَا، وَالْوُقُوفِ مَعَهَا، فَهُمَا سَوَاءٌ، فَإِنْ وَقَفَتْ عَنْ يَمِينِهِ، فَظَاهِرُهُ يَصِحُّ، وَعَنْ يَسَارِهِ إِنْ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهَا، وَلَا مَنْ يَلِيهَا، فَكَرَجُلٍ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ، وَفِي " التَّعْلِيقِ " إِذَا كَانَ الْإِمَامُ رَجُلًا، وَهُوَ عُرْيَانٌ، فَإِنَّهَا تَقِفُ عَنْ يَمِينِهِ.
(وَإِنِ اجْتَمَعَ أَنْوَاعٌ تَقَدَّمَ الرِّجَالُ) أَحْرَارًا كَانُوا أَوْ عَبِيدًا؛ لِقَوْلِهِ عليه السلام «لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَيُقَدَّمُ الْأَفْضَلُ فَالْأَفْضَلُ (ثُمَّ الصِّبْيَانُ)«لِأَنَّهُ عليه السلام صَلَّى، فَصَفَّ الرِّجَالَ، ثُمَّ صَفَّ خَلْفَهُمُ الْغِلْمَانَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَأَحْمَدُ بِمَعْنَاهُ، وَزَادَ:«وَالنِّسَاءُ خَلْفَ الْغِلْمَانِ» وَفِيهِ لِينٌ وَضَعْفٌ، وَفِي " الْمُذْهَبِ ": رِوَايَةُ تَأْخِيرِهِمْ عَنِ الْكُلِّ (ثُمَّ الْخَنَاثَى) لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونُوا رِجَالًا، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى صِحَّةِ وُقُوفِ الْخَنَاثَى صَفًّا.
قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ وُقُوفَ الْمَرْأَةِ إِلَى جَانِبِ الرَّجُلِ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ، وَعَلَى أَنَّ الرَّجُلَ الْوَاحِدَ إِذَا وَقَفَ مَعَ امْرَأَةٍ لَا يَكُونُ فَذًّا، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ صَفُّهُمْ، وَإِنْ أَمَّ رَجُلٌ خُنْثَى، صَحَّ فِي الْأَصَحِّ، فَيَقِفُ عَنْ يَمِينِهِ، صَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَقِيلَ: خَلْفَهُ، وَإِنْ أَمَّ رَجُلًا وَخُنْثَى وَقَفَ الرَّجُلُ عَنْ يَمِينِهِ، وَالْخُنْثَى خَلْفَهُمَا، وَفِي " الشَّرْحِ " يَقِفُ عَنْ يَسَارِ الْإِمَامِ أَوْ يَمِينِ الرَّجُلِ، وَلَا يَقِفَانِ خَلْفَهُ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً إِلَّا عِنْدَ مَنْ أَجَازَ لِلرَّجُلِ مُصَافَّتَهَا، فَإِنْ أَمَّ امْرَأَةً وَخُنْثَى، فَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ:
الْأَمَامِ إِذَا اجْتَمَعَتْ جَنَائِزُهُمْ، وَمَنْ لَمْ يَقِفْ مَعَهُ إِلَّا كَافِرٌ أَوِ امْرَأَةٌ أَوْ مُحْدِثٌ يَعْلَمُ حَدَثَهُ، فَهُوَ فَذٌّ.
وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ، إِلَّا فِي النَّافِلَةِ، وَمَنْ جَاءَ فَوَجَدَ فُرْجَةً
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
يَقِفَانِ خَلْفَهُ مُتَبَاعِدَيْنِ (ثُمَّ النِّسَاءُ) فَلَوِ انْفَرَدَتْ عَنْ صَفِّ النِّسَاءِ أَوْ صَلَتْ بِامْرَأَةٍ مِثْلِهَا، فَوَقَفَتْ خَلْفَهَا، لَمْ يَصِحَّ، وَفِي " الْكَافِي " عَكْسُهُ، لِأَنَّهَا يَجُوزُ وُقُوفُهَا مُنْفَرِدَةً بِدَلِيلِ حَدِيثِ أَنَسٍ (وَكَذَلِكَ يُفْعَلُ فِي تَقْدِيمِهِمْ إِلَى الْأَمَامِ) وَإِلَى الْقِبْلَةِ فِي قَبْرٍ لِضَرُورَةٍ (إِذَا اجْتَمَعَتْ جَنَائِزُهُمْ) وَسَيَأْتِي (وَمَنْ لَمْ يَقِفْ مَعَهُ إِلَّا كَافِرٌ) اتِّفَاقًا (أَوِ امْرَأَةٌ) أَوْ خُنْثَى فَهُوَ فَذٌّ، قَالَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَفِي " الْكَافِي "، وَ " التَّلْخِيصِ " لِأَنَّهُمْ مِنْ غَيْرِ أَهْلُ الْوُقُوفِ مَعَهُ، وَفِيهِ وَجْهٌ، وَذَكَرَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " عَنِ الْقَاضِي، وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ؛ لِأَنَّهُ وَقَفَ مَعَهُ مُفْتَرِضٌ صَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ، أَشْبَهَ الرَّجُلَ (أَوْ مُحْدِثٌ يَعْلَمُ حَدَثَهُ فَهُوَ فَذٌّ) أَيْ: لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ لِأَنَّ وَجُودَهُ كَعَدَمِهِ، وَكَذَا إِذَا وَقَفَ مَعَهُ سَائِرُ مَنْ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ " فَدَلَّ أَنَّ صِحَّةَ صَلَاتِهِ صِحَّةُ مُصَافَّتِهِ، فَلَوْ جَهِلَ الْحَدَثَ حَتَّى سَلَّمَا، صَحَّتْ، وَلَمْ يَكُنْ فَذًّا، نَصَّ عَلَيْهِ.
قَالَ الْقَاضِي: كَجَهْلِ مَأْمُومٍ حَدَثَ إِمَامِهِ، وَفِي " الْفُصُولِ " إِنْ بَانَ مُبْتَدِعًا أَعَادَ، وَلِأَنَّ الْمُبْتَدِعَ لَا يَؤُمُّ، بِخِلَافِ الْمُحْدِثِ، فَإِنَّ الْمُتَيَمِّمَ يَؤُمُّ.
(وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ) إِذَا وُقِفَ مَعَهُ فِي فَرْضٍ؛ لِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ إِمَامَتُهُ بِهِمْ، فَلَمْ يَصِحَّ أَنْ يُصَافَّهُمْ كَالْمَرْأَةِ، لَكِنْ رَوَى الْأَثْرَمُ أَنَّ أَحْمَدَ سُئِلَ عَنْ وُقُوفِ الصَّبِيِّ مَعَ الْفَرْضِ فَتَوَقَّفَ، وَقَالَ: مَا أَدْرِي، فَذُكِرَ لَهُ حَدِيثُ أَنَسٍ فَقَالَ: ذَاكَ فِي التَّطَوُّعِ. وَالْمَنْصُوصُ عَنْهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " أَنَّهُ فَذٌّ، وَانْعِقَادُ الْجَمَاعَةِ بِهِ وَمُصَافَّتُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ إِمَامَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ، وَفَرْضُهُ نَفْلٌ، وَقِيلَ: تَصِحُّ مُصَافَّتُهُ، وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ إِمَامَتُهُ، لِأَنَّهَا لَا تُشْتَرَطُ لَهَا صِحَّةُ الْإِمَامَةِ كَالْفَاسِقِ وَالْعَبْدِ، وَالْمُفْتَرِضِ خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ، قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ الْمُنَجَّا فِي الْخُلَاصَةِ.
قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهُوَ أَظْهَرُ، وَلِأَنَّهُ لَوِ اشْتَرَطَ فِي صِحَّتِهَا صِحَّةُ الْإِمَامَةِ، لَمَا
وَقَفَ فِيهَا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ وَقَفَ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فَلَهُ أَنْ يُنَبِّهَ مَنْ يَقُومُ مَعَهُ، فَإِنْ صَلَّى رَكْعَةً فَذًّا لَمْ يَصِحَّ.
وَإِنْ رَكَعَ فَذًّا ثُمَّ دَخَلَ فِي الصَّفِّ، أَوْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
صَحَّتْ مُصَافَّةُ الْأَخْرَسِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ صِحَّةُ إِمَامَتِهِ فِي الْجُمْلَةِ دُونَ مُصَافَّتِهِ، حَيْثُ جَوَّزَ أَنْ يَكُونَ إِمَامًا فِي النَّفْلِ، وَعَلَى الصِّحَّةِ فَيَقِفُ رَجُلٌ وَصَبِيٌّ خَلْفَهُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: عَنْ يَمِينِهِ أَوْ مِنْ جَانِبَيْهِ، نَصَّ عَلَيْهِ (إِلَّا فِي النَّافِلَةِ) لِحَدِيثِ أَنَسٍ، وَعَنْهُ: لَا كَالْفَرْضِ.
فَرْعٌ: إِذَا وَقَفَ اثْنَانِ خَلْفَ الصَّفِّ، فَخَرَجَ أَحَدُهُمَا لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ دَخَلَ الْآخَرُ فِي الصَّفِّ، أَوْ وَقَفَ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ، أَوْ نَبَّهَ مَنْ يَخْرُجُ فَيَقِفُ مَعَهُ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ نَوَى مُفَارَقَتَهُ وَأَتَمَّ مُنْفَرِدًا؛ لِأَنَّهُ عُذْرٌ، أَشْبَهَ مَا لَوْ سَبَقَ إِمَامَهُ الْحَدَثُ (وَمَنْ جَاءَ فَوَجَدَ فُرْجَةً) بِضَمِّ الْفَاءِ: هِيَ الْخَلَلُ فِي الصَّفِّ (وَقَفَ فِيهَا) لِقَوْلِهِ عليه السلام «إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الَّذِينَ يَصِلُونَ الصُّفُوفَ» .
قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: فَإِنْ كَانَتْ بِحِذَائِهِ كُرِهَ أَنْ يَمْشِيَ إِلَيْهَا عَرْضًا، وَإِنْ كَانَ الصَّفُّ غَيْرَ مَرْصُوصٍ دَخَلَ فِيهِ، نَصَّ عَلَيْهِ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ وَقَفَ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ) لِأَنَّهُ مَوْقِفُ الْوَاحِدِ (فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فَلَهُ أَنْ يُنَبِّهَ مَنْ يَقُومُ مَعَهُ) بِنَحْنَحَةٍ أَوْ كَلَامٍ، وَجْهًا وَاحِدًا، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ حُصُولِ مَنْ يَقِفُ مَعَهُ وَيَتْبَعُهُ، وَظَاهِرُهُ: يُكْرَهُ جَذْبُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَلَوْ كَانَ عَبْدَهُ أَوِ ابْنَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ حَالَ الْعِبَادَةِ كَالْأَجْنَبِيِّ.
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: جَوَّزَ أَصْحَابُنَا جَذْبَ رَجُلٍ يَقُومُ مَعَهُ صَفًّا، وَصَحَّحَهُ فِي " الْمُغْنِي " لِلْحَاجَةِ، فَجَازِ كَالسُّجُودِ عَلَى ظَهْرِ إِنْسَانٍ، أَوْ قَدَمِهِ حَالَ الزِّحَامِ، وَفِي الْمُغْنِي، وَ " الشَّرْحِ " أَنَّهُ إِذَا امْتَنَعَ مِنَ الْخُرُوجِ مَعَهُ، لَمْ يَكْرَهْهُ، وَصَلَّى وَحْدَهُ، أَوِ انْتَظَرَ جَمَاعَةً
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
أُخْرَى (فَإِنْ صَلَّى فَذًّا رَكْعَةً لَمْ يَصِحَّ) وَقَالَهُ النَّخَعِيُّ وَإِسْحَاقُ؛ لِمَا رَوَى عَلِيُّ بْنُ شَيْبَانَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا صَلَاةَ لِفَرْدٍ خَلْفَ الصَّفِّ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَعَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: ثَبَّتَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ هَذَا الْحَدِيثَ، وَلِأَنَّهُ خَالَفَ الْوُقُوفَ، أَشْبَهَ مَا لَوْ وَقَفَ قُدَّامَ الْإِمَامِ، وَظَاهِرُهُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَامِدِ وَالْعَالِمِ وَضِدِّهِمَا عَلَى الْمَذْهَبِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ فَذًّا أَنَّهَا تَصِحُّ، وَعَنْهُ: عَكْسُهَا، اخْتَارَهُ فِي " الرَّوْضَةِ "، وَعَنْهُ: إِنْ عَلِمَ النَّهْيَ، وَعَنْهُ: تَصِحُّ، حَكَاهَا الدَّيْنَوَرِيُّ؛ «لِأَنَّ أَبَا بَكْرَةَ - وَاسْمُهُ نُفَيْعٌ - رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا، وَلَا تَعُدْ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ.
وَجَوَابُهُ بِأَنَّهُ عليه السلام نَهَاهُ عَنِ الْعَوْدِ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ، وَعَذَرَهُ فِيمَا فَعَلَهُ بِالْجَهْلِ، وَفِيهِ نَظَرٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ: فِي النَّفْلِ، وَبَنَاهُ فِي " الْفُصُولِ " عَلَى مَنْ صَلَّى بَعْضَ الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا، ثُمَّ نَوَى الِائْتِمَامَ، وَفِي " النَّوَادِرِ " رِوَايَةٌ: يَصِحُّ لِخَوْفِهِ تَضْيِيقًا؛ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ لِعُذْرٍ، وَحَيْثُ صَحَّتْ، فَالْمُرَادُ مَعَ الْكَرَاهَةِ.
قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ إِلَّا لِعُذْرٍ؛ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ شَيْخِنَا، وَقِيلَ: تَصِحُّ فَذًّا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، قَالَهُ فِي التَّعْلِيقِ، وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ أَفْضَلُ إِنْ تَعَيَّنَ صَفًّا، وَلِأَحْمَدَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيِّ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ، فَكَانُوا سِتَّةً، فَجَعَلَ الصَّفَّ الْأَوَّلَ ثَلَاثَةً، وَالثَّانِيَ اثْنَيْنِ، وَالثَّالِثَ وَاحِدًا» .